أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نجيب علي العطّار - تَفجير 4 آب: بين الذِّكرى والقَضيَّة















المزيد.....

تَفجير 4 آب: بين الذِّكرى والقَضيَّة


نجيب علي العطّار
طالب جامعي

(Najib Ali Al Attar)


الحوار المتمدن-العدد: 7697 - 2023 / 8 / 8 - 10:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يَني عدَّادُ الأيَّام يَعودُ علينا، كُلَّ رابعٍ من آب، بما يُشبِه التَّذكير بالجريمةِ الأعظم التي ارتُكبَتْ بحقِّ كُلِّ ما يَتَّصلُ بالإنسانيَّةِ في هذا البَلد. ورغمَ أنَّنا، نحنُ اللُّبنانيِّين، لم نَزلْ في حَضرَةِ الجريمةِ التي لم نتعافَ منها على كُلِّ مُستوًى كُرِثْنا به، إنْ كانَ ثَمَّةَ سبيلٌ إلى التَّعافي، إلَّا أنَّنا، نحنُ اللُّبنانيين أنفُسَنا، لم نرتقِ بعدُ إلى مَنعِ مَنظومةِ الطُّغاةِ من تحويلِ الجريمةِ مِن قضيَّةٍ إلى «ذِكرى». ورغمَ بعضِ المُحاولاتِ التي يُحاولُها بعضٌ من ذوي ضحايا التَّفجير، وقِلةٌ من النُّوَّاب، إلَّا أنَّ الصُّورةَ العامَّة تُؤكِّدُ أنَّنا لم نستطِعْ بعدُ جعلَ تفجير مرفأ بيروت قضيَّةً مِعياريَّةً على المستوَيَيْن؛ الوَطني والإنساني.

تختلفُ السِّيناريوهات المُفترضةُ وتتعدَّدُ بتعدُّدِ المُحلِّلين وعددِهم، ولعلَّ هذا هو أحدُ معالِم مكروثيَّة اللُّبنانيين بقضائهم. بَدَهيٌّ أنْ يُصارَ إلى التَّحقيق عندَ وقوعٍ جريمةٍ، أو كارثةٍ، في أيِّ دولةٍ منَ الدُّول، وبَدَهيٌّ بالقَدرِ نفسِه أنْ يصيرَ التَّحقيقُ نفسُه في تفجير المرفأ جريمةً وكارثةً، إذْ أنَّه، أي التَّفجير، قد تحوَّلَ، بلِحاظِ ما تلاه، إلى جريمةٍ سِياسيَّةٍ لا تختلفُ عن جرائم الاغتيال السِّياسي في لُبنان، على الأقلِّ من حيثُ تضييع الحقيقة في أروِقةِ المَحاكم. بيدَ أنَّ رَبطَ الأحداث بعضُها ببعضٍ يُمكنُه، بصورةٍ أو بأُخرى، أن يُرجِّحَ كفَّة سيناريو على آخر.

جرَتْ عادةُ التَّحقيق في الجرائم أن يُسألَ عن «المُستفيدِ الأوَّل» من وقوعِ الجريمة وأن يُشارَ إليه على أنَّه «المُتَّهمُ الأوَّلُ». بيدَ أنَّ استعراضَ الواقعِ في جريمةِ تفجير المرفأ، وما تلاها، يَلزمُ عنه تقريرُ أنْ ليسَ ثَمَّةَ مُستفيدٌ في الدَّاخلِ اللُّبناني من افتعالِ التَّفجير، على أنَّ هذا التَّقرير ليسَ نَفيًا لمسؤوليَّةِ تترتَّبُ على طرفٍ لُبنانيٍّ وحُلفاءٍ خارجيين له. بعبارةٍ مُغايرة؛ إنَّ الاتَّهامَ في قضيَّةِ التَّفجير ليسَ اتِّهامًا بافتعالِ التَّفجير وإنَّما هو اتِّهامٌ بالمسؤوليَّةِ عن وقوعِ التَّفجير مِن خِلال تخزين نيترات الأمُّونيوم بكمِّياتٍ كانتْ كافيةً لإحداث ما قد حدث. فثمَّةَ، إذًا، مُستفيدون كُثُرٌ على المستوى الدَّاخلي؛ مثلُ بعضِ الأطرافِ التي «تستثمرُ» الجريمةَ في صراعات النَّفوذ معَ أطرافٍ أُخرى، وعلى المُستوى الخارجي؛ مثلُ «إسرائيل» التي استفادت، على سبيل المِثال لا الحَصر، من تدمير مرفأ بيروت لصالحِ مرفأ حيفا. ولكن ثَمَّةَ مسؤولٌ واحدٌ عن تأمين الشُّروطِ اللُّوجستيَّة، أو الكيميائيَّة إذا جازَ التَّعبير، لوقوعِ الإنفجار؛ وهو الذي خزَّنَ النِّيترات، والذي غضَّ الطَّرفَ عن تخزينِها، في العنبر رقم 12.

إنَّ استعراض الأحداث المُرتبطة بالتَّفجير، وما سبقَه وما تلاه، يَضعُنا أمام سيناريو هو الأكثر احتماليَّةً من حيثُ التَّطابقِ القائم بين الواقع والتَّحليل. فقد ربطَ بيانُ البرلمان الأوروبِّي، الذي صدرَ في تمَّوز الماضي، بين حادثةِ تفجير المرفأ وثلاثةِ اغتيالاتٍ حدثتْ بين العامَيْن 2017 و2021 وهي: اغتيالُ العقيد جوزف سكاف، المدير السابق لشُعبةِ مكافحةِ المُخدِّرات في المرفأ، سنة 2017، وهو الذي كان أوّل مَن حذَّر السُّلطات اللُّبنانيَّة من خطورةِ تخزين النِّيترات في المرفأ. ثُمَّ جو بجَّاني الذي صوَّر العنبرَ رقم 12 قبل الانفجار وبعدَه والذي اغتيلَ وسُرقَ هاتفُه في كانون الأوَّل 2020، أي بعدَ أربعةِ أشهرٍ على التَّفجير. وأخيرًا النَّاشط السِّياسي لُقمان سليم الذي اغتيلَ في 3-4 شباط 2021 بعدَ عشرةِ أيّامٍ فقط من مقابلتِه على قناة الحدث والتي صرَّحَ فيها أنَّ تخزين النِّيترات في المرفأ كان عبرَ حزب الله اللُّبناني لصالحِ النَّظام السُّوري، حيثُ أشارَ سليم إلى أنَّ وصولَ الباخرةِ «روسُّوس» المُحمَّلةِ بالنِّيترات إلى مرفأ بيروت جاءَ بعدَ «حوالي شهرٍ وأسبوعَيْن من توقيع النِّظام السُّوري على مُعاهدةِ الحدِّ من الأسلحةِ الكيمياويَّة»، وربطَ سليم بين وصولِ النِّيترات في 23 تشرين الثَّاني من العام 2013 وبين تصاعُدِ وتيرة الغارات التي يشنُّها النِّظامُ السُّوري على مناطقَ سوريَّةٍ بالبراميل المُتفجِّرة التي تدخلُ نيترات الأمُّونيوم في تصنيعِها. تُضافُ إلى هذه المُعطياتِ الأساسيَّة الحملةُ التي قامَ بها فريق الممانعة على قاضِيَيْ التَّحقيق، فادي صوَّان وطارق البيطار على التَّوالي، والتي انتهتْ باستقالةِ الأوَّل وعرقلةِ عملِ الثَّاني. وتكفي الإشارةُ إلى ما أشارَ إليه تقرير البرلمان الأوروبي مِن امتناعِ وزير الماليَّة يوسف الخليل عن التَّوقيع على المرسوم الخاص بالتعيينات القضائيَّة الأمر الذي عطَّلَ انعقادَ الهيئةِ العامَّة لمحكمة النَّقض في لبنان، بسبب تقاعد أحد أعضائها في أواخر سنة 2021، والتي تتمتَّع بالاختصاص القضائي في البتِّ بقضيَّة كف يد القاضي بيطار بعدَ أن رفضَ مجلس القضاء الأعلى إقالتَه من منصبه. إضافةً إلى امتناع مجلس النُّوَّاب، بغالبيَّة أصواتِه، عن رفع الحصانات عن النُّواب الذين طلبَ القاضي بيطار رفعَ الحصانةِ عنهم.

تُشيرُ هذه الوقائع إلى أنَّ التَّفجير، رُبَّما، لم يكن مُدبَّرًا ولكنَّ طمسَ التَّحقيق، أو «تطييره»، هو أمرٌ مُرادٌ بقوَّةٍ ويجري بصورةٍ مدروسةٍ وممنهجة. والسِّيناريو الأكثر احتماليةً هو أنَّ تخزين النِّيترات لم يَكنْ بهدفِ إعادةِ نقلِها دُفعةً واحدةً إلى أماكن استخدامِها، وإنَّما المُرادُ هو جعلُ مرفأ بيروت مكانًا للتَّخزين الدَّائمِ لهذه النِّيترات لتُنقلَ على مَهلٍ، ودونَ ضجَّةٍ إعلاميَّةٍ، إلى حيث يشاءُ مُخزِّنُها، ولهذا قُتلَ العقيد سكاف الذي قد يُثيرُ هذه الضجَّةَ غيرِ المُرادة. أمَّا وقدْ وقعَ الانفجار فأصبحَ المُرادُ أن يُحال دون كشفِ هُويَّةِ المُخزِّنِ وتقرير مسؤوليِّتِه المُباشرة عن التَّفجير، ولهذا قُتلَ جو بجَّاني ولقمان سليم. ولا يُستبعدُ قيامُ «إسرائيل»، أو غيرِها منَ الأطراف الإقليميَّة أو الدُّوليَّة، بتفجير هذه النِّيترات مِن أجل إعادةِ خَلطِ الأوراق على المُستويَيْن اللُّبناني والإقليمي، ورُبَّما الدُّولي. وهذا ما يُبرِّرُ تصريحاتِ نتنياهو سنة 2018 بشأنِ مرفأ بيروت من جهة، وعدم الكَشف عن صور الأقمار الاصطناعية التي تُثبتُ ضلوعَ «إسرائيل»، إذا كانت ضالعة.

لا جَرَمَ أنَّ جريمةَ تفجير مرفأ بيروت، وما يتَّصلُ بها من اغتيالات وعرقلات، تُشكِّلُ بُرهانًا جليًّا على سيادةِ ثقافةِ الإفلات من العِقاب في لبنان. وتاليًا، فإنَّ التَّحقيق في هذه الجريمة باتَ ضرورةً وجوديَّةً من حَيْثِيَّتَيْن: الأولى، والأَوْلى، هي لكَسرِ هذه الثَّقافةِ والحَيلولَةِ دونَ تَصييرِها عُرفًا من أعرافِ اللُّبنانيين. والثَّانية هي من أجل استردادِ العدالةِ المَسبيَّةِ على هذه الأرض في جريمةٍ لم تَزَلْ قَيْدَ الارتِكابِ، وستظلُّ كذلك حتَّى مُحاسبةِ كُلِّ المُرتكبينَ عَمْدًا أو سَهوًا أو على سبيلِ الصَّمت.



#نجيب_علي_العطّار (هاشتاغ)       Najib_Ali_Al_Attar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عُذرًا حُسَيْنُ
- الكتابةُ: بينَ الكَباريْه والدَّبكة
- قُرآنُ السَّيْفِ أم سَيْفُ القُرآن؟ (1)
- ما لم تَسمعْه ليلى
- عائدٌ إلى «الضَّاحية»
- أديانُ الإسلام
- دِيكتاتورِيَّةُ البُؤس
- مِفصليَّةُ الإعلان عن الإندماج النُّووي
- رَبيعُ تِهران
- مأساةُ الحِمار العَربيّ
- سيمفونيّة الإرهاب
- قَوْنَنَةُ الثقافة
- ظاهرةُ عدنان إبراهيم
- رسالةٌ الى الله
- مأزوميّة الخطاب الإسلامي
- الصراع على السلام
- خصامٌ مع الذاكرة
- الأزمةُ البيضاء
- التَّسميمُ بالأسماء
- كارثيّة الإختزال


المزيد.....




- مصدر مطلع: إدارة بايدن أوقفت مؤقتًا شحنة ذخيرة إلى إسرائيل.. ...
- كيف تعزز نمو الشعر الصحي؟
- الجيش الروسي يعلن السيطرة على قرية في شرق أوكرانيا
- شاهد: علم فلسطين يرفرف في حفلة تخرج طلاب جامعة ميشيغان الأم ...
- شاهد: استعدادات الجيش الروسي لعرض الاحتفال بالنصر في الحرب ا ...
- شاهد: طلاب بجامعة جنوب كاليفورنيا يغادرون اعتصام مناهض لإسرا ...
- بوندسليغا- ليفركوزن يحقق رقماً تاريخياً بـ48 فوزاً دون خسارة ...
- كتائب القسام تنشر مشاهد قنص جندي إسرائيلي في غزة
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف مبان عسكرية لحزب الله في جنوب ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 3 جنود في قصف طال قاعدة عسكرية قر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نجيب علي العطّار - تَفجير 4 آب: بين الذِّكرى والقَضيَّة