بروتوكولات حكماء صهيون والتزييف

إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 7696 - 2023 / 8 / 7 - 18:54
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    

تزوير شائن وسيئ السمعة، وبيانٌ مزيّف يُزعَمُ أنّه وضِعَ كمخطّط لمجموعة غامضة من المفكّرين اليهود الذين لهم علاقة بالماسونية، يشرحون فيه بالتّفصيل لليهود كيف يخطّطون للاستيلاء على العالم، والجهاز المصرفي، والتّجارة العالمية. بروتوكولات حكماء صهيون هي دليل تدريجي للهيمنة على العالم، والتي أنتجت العديد من نظريات المؤامرة، ولا يزال يُعتقد انّها _على الرغم من فضحها كخدعة_ من قِبَل الكثير من العنصريين والمعادين للسامية، وهواة نظرية المؤامرة في جميع أنحاء العالم بأنّها حقيقية وصحيحة حتّى يومنا هذا. من المفترض أن تكون وثيقة سرية للغاية لا يطّلع عليها سوى الأعضاء أو المنتسبين، ويعتقد أنّ قد تمّ تسريبها إلى أحد الصحفيين لنشرها.

لهذه البروتوكولات تاريخ غريب ونشأة مشبوهة، بعد أن عُدّلَت وحُرِّرَت من قبل العديد من المؤلّفين والمحرّرين، واستخدمتها مجموعات مختلفة لتحقيق غايات وأهداف مختلفة. لم يُكتَب كعملٍ واحد، بل جُمِعَ من عدّة مصادر مختلفة لنصوص وكتابات موجودة سَلفاً، ولم تكُن جميعها معادية للسامية، من قبل أفراد وعناصر الأمن الروسي القيصري بين عامي 1895 و1902. كان القيصر الروسي، الإسكندر الثاني، يعمل على خلق استقرار اجتماعي وسياسي، وتنفيذ إصلاحات سياسية في البلاد، لكنّ المتشدّدون داخل الطبقة الأرستقراطية الذين كانوا يخشون فقدان مناصبهم وسلطاتهم وامتيازاتهم تآمروا فيما بينهم وطلبوا من الصحفي الروسي ماتفي غولوفينسكي أن يجمع الكتاب لأغراض دعائية. لقد جعل هذا الكتاب اليهود يبدون كبؤرة للخطر والتهديد والتآمر، وخصوصاً في زمن كانت فيه معاداة السامية موجودة ومنتشرة في روسيا وجميع أنحاء أوروبا. كان الغرض من هذا التزييف إخافة القيصر القادم، نيكولاي الثاني، الذي كان لا يخلو من ميول معادية لليهود والسامية، للتراجع عن الإصلاحات.

كانت البروتوكولات مزيجاً من عدّة نصوص، بما في ذلك "حوار" في الجحيم بين مكيافيلي ومونتسكيو (1864)، ومحاكاة سياسيّة ساخرة وتعليق على الحكومة الفرنسيّة في عهد نابليون الثالث، والأسرار المناهضة لليسوعية التي راجت بين الشعب من نفس الفترة. كما طبع غولوفينسكي هذه الأعمال في كتاب ألماني معادي للسامية، باريتز (1868)، واستبدل اليسوعيين ونابوليون باليهود والماسونيين، ومن ثمّ ولد كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون". ثم تم استخدامه لإقناع القيصر نيكولاي الثاني بأنّ استمرار الإصلاحات الاجتماعية في روسيا من شأنه أن يؤدّي إلى المؤامرة.

وفي العصر الحديث، كان يمكن القول أنّها إذا لم تؤدِّ غرضها سابقاً، فقد كانت "لعبةً في أيدي الإرهابيين". لم تظلّ البروتوكولات ثابتة. فقد استخدمت مرّةً أخرى في ثورة عام 1917 ضد البلاشفة، وبذلك ربطت لأوّل مرّة الشيوعية واليهودية في الثقافة الشعبية، تُرجِمَت البروتوكولات إلى اللغة الألمانية عام 1919، وساعدت أيضاً في التحريض على معاداة السامية هناك، واستخدمها النازيون لاحقاً لتبرير قوانين العرق والمحرقة خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.

كانت الوثيقة تُعرف تماماً بأنّها مزوّرة في أوائل العشرينات، ولم يتوقف تأثيرها قط. ظهرت في شكلها الأولي باللغة الإنكليزية عام 1919 عند اقتُبِسَ منها في مجلّة فيلادلفيا بابليك ليدجر، على الرغم من أنّ المراجع اليهودية استُبدِلَت بمراجع تتعلّق بالاشتراكية. وفي العام التالي، نشر صانع السيارات الأمريكي العنصري المناصر للنازية هنري فورد البروتوكولات في كتاب له مكوّن من مقالات بعنوان "اليهودي الدولي"، ولكن ليس قبل أن يضع المواد والفقرات اليهودية فيه.

تمّت إعادة طبع البروتوكولات عدّة مرّات وبطبعات ولغات مختلفة، واستُخدِمَ النّصّ من قبل الصحفيين والسّاسة ورجال الدين المحسوبين على الدولة في جميع أنحاء العالم ليس فقط من أجل شيطنة الشعب اليهودي والدين اليهودي، بل وأيضاً جميع الأجانب والمهاجرين من كافة الأعراق، وتقريباً أي أحد يريدون اعتقاله أو تصفيته أو تحييده أو حرمانه من حقوقه المدنية.

المشكلة أنّه تمّ تبنّيها من قبل طيف واسع من الجماعات على أنّها وثائق أصليّة، بما في ذلك النازيون الجدد، وجماعة الكو كلاكس كلان العنصرية، ومنظّري المؤامرات، ورعاع الرعاع المناهضين للحكومة، والأصوليين المتدينين، وأتباع نهاية العالم، والمتطرّفين الإسلاميين، وهؤلاء الأخيرين لديهم باع طويل في ذلك.

بروتوكولات حكماء صهيون هي مثال على التاريخ الزائف. إنّها كذبة من البداية إلى النهاية، ولكنّها تملأ حاجة المتعصّبين الذين يبحثون عن مبرّرات لدعم إيمانهم بالمؤامرات الجماعيّة والجماعات الغامضة المنخرطة في الفوضى. وبعمل مثل البروتوكولات، يصبح من الممكن إحلال اسم أي مجموعة محلّ اليهود باعتبارهم فاعلي الشّرّ. إنّ طول أمد البروتوكولات لا ينبع من نثره البارع أو من رؤياه الثاقبة في الحالة الإنسانية، فهو مكتوبٌ بشكل عشوائي وأخرق، ومملّ، وسقيم، بل ينبع من قدرته على تغذية المخاوف والقلق واللاعقلانية لدى من يسهل خداعهم.

يجدر الإشارة إلى أنّ هناك العديد من المحاولات لفضح زيف البروتوكولات، وتبيان عدم أصالتها، من الجانب الغربي والعربي. فقد ظهرت باللغة الإنكليزية كتاب "تاريخ كذبة" وهو دراسة لهيرمان بيرنشتاين، بالإضافة إلى معرض يحمل نفس العنوان جزء من حملة توعوية، ومن الطرف العربي هناك دراسة رائعة للكاتب عبد الوهاب المسيري يبين فيها تفاهة هذه البروتوكولات، وأنّها ملفّقة ومنحولة، ولا أساس تاريخي أو أدبي لها.

من أجل فهم أفضل يُنصَح بمراجعة الصور التوضيحية

الصور:
1) كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" وهو ترجمة وتقديم الأديب المصري عباس محمود العقاد، وله عدّة ترجمات أخرى بالعربية لمترجمين مختلفين، الأمر الذي يظهر تأزّم العقل العربي، ووقوع حتى كبار المثقفين في فخ هذا التزييف.
2) الإصدارات المختلفة للبروتوكولات، وطريقة الرسوم التي تشوّه وتشيطن اليهود، كجزء من برباغندا عالمية لنشر الكراهية ضدّهم.
3) كان ألكسندر الثاني إمبراطور روسيا، وملك بولندا، والدوق الأعظم لفنلندا منذ 2 آذار/مارس1855، وحتى اغتياله عام 1881.
4) ماتفي أو ماثيو غولوفينسكي (ولد في 6 مارس عام 1865م في منطقة سيمبيرسك، وتوفي عام 1920م في سانت بطرسبرغ)، كان يعمل محرّضاً في الشرطة السّرية السياسية في أوكرانا بروسيا، وكان يعمل أيضاً مؤلفاً وصحفياً ولكنّه أصبح مشهوراً بعد وفاته. في عام 1999م اكتشف المؤرخ الرّوسي ميخائيل ليبيكين أنّ ماتفي غولوفينسكي كان مؤلفاً لبروتوكولات حكماء صهيون.
5) صورة الإصدار الأوّلي لكتاب "حكماء صهيون"
6) نيكولاي أليكسندروفيتش رومانوف (نيمولاي الثاني): يعرف في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بالقديس نيكولا حامل العطف، وكان آخر إمبراطور لروسيا، وملك بولندا، والدوق الأعظم لفنلندا، حكم منذ 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1894 حتّى نفيه في 15 آذار/ مارس 1917.
7) الطبعة الألمانية للبروتوكولات، والتي استعان بها النّازيون، ووجدت في المكتبة الخاصّة لأحد القادة النازيين
8) الترجمة العربية الأولى لكتاب بروتوكولات حكماء صهيون وهي بعنوان "الخطر اليهودي"، ترجمة محمد خليفة التونسي، وقد قال المترجم عنها بأنّها أوّل ترجمة عربية أمينة كاملة _هل كانت هناك ترجمات غير أمينة أو غير كاملة؟!_ ثم قال بأنّه أخطر كتاب في العالم ثم يستطرد شارحاً كيفيّة حصوله على الكتاب ((تمكّنت إحدى الجهات المصرية الرسمية [ما أو مَن هي؟] من الحصول على نسخة من كتاب خطير "الخطر اليهودي: بروتوكولات حكماء صهيون"، دفعت ثمناً له مبلغ خمسمائة جنيه... ولعل هذه النسخة هي الوحيدة في الشرق، وإحدى ثلاث نسخ موجودة في العالم كلّه [كيف حصل عليه بهذه السهولة إذا كان بهذه الخطورة]. وهذا الكتاب الخطير يتضمّن الأهداف اليهودية العالمية السرية كما قرّرها زعماؤها، والوسائل التي اتّفقوا على اللجوء إليها في سبيل تحقيق هذه الأهداف))
9) "أسرار الرجل الحكيم الصهيوني" هي أوّل نسخة وثائقية من البروتوكولات نُشرت خارج روسيا.
10) النسخة الأمريكية الأصلية بعنوان "البروتوكولات" مع مقدّمة وشروح توضيحية، مع تعليق على الغلاف ((على كل أمريكي وطني أن يقرأ البروتوكولات))
11) أول ترجمة إنكليزية من الروسية لكتاب البروتوكولات، بترجمة فيكتور مارسدين، ويعتقد غالباً أنّه هو نفسه المؤلّف الأصلي لها ماتفي غولوفينسكي.
12) الطبعة الحادية والعشرون من كتاب "اليهودي الدولي". ألمانيا 1922
13) كتاب "اليهودي الدولي" المبني على أساس "البروتوكولات", تمّ بيع أكثر من 500.000 نسخة وتُرجم إلى 16 لغة.
14) الترجمة العربية لكتاب "اليهودي الدولي" لهنري فورد، وأضاف المترجم من عنده عنوان فرعي "المشكلة العالمية الأولى"، ثم لم يبخل في مَتن الكتاب من حَشر توضيحاته وتعليقاته التي تعكس نظرته الشخصية التحيزية إلى المسألة اليهودية، كما لو أنّه كان مشاركاً في تأليف البروتوكولات.
15) لم يخف فورد كراهيته لليهود ومعاداته للسامية، بل وميوله إلى مبادئ الحزب النازي، وهذا جانب لا يعرفه الكثيرون حتى الآن، وقد أعرَبَ بصراحة أنّ "اليهودي هو عرف لا حضارة له لنشير إليها، ولا ديانة موحاة، ولا أي إنجازات عظيمة في أيّ مجال". يبدو أنّه لم يسمع بآينشتاين وأوبنهايمر وسبينوزا وغيرهم من الفلاسفة والمفكرون والعلماء الكبار.
16) مثل أغلب طبعات "البروتوكولات" التي تُشِرَت في العشرينات, تتّهم هذه النسخة الفرنسية اليهود "بأنّهم غرباء ويتمتّعون بسلطة خطيرة".
17) ظهرت هذه الترجمة العربية من قبل أجاج نويد للبروتوكولات في موقع كفلته الخدمة الدولية للإعلام في فلسطين.
18) تدّعي هذه النسخة السورية "للبروتوكولات" أنّ العملية الإرهابية في 11 أيلول/سبتمبر 2001 هي نتيجة المؤامرات الصهيونية. ويمنّى مترجمها النّفس بأنّه قدّم دراسة تحقيقية وتاريخية معاصرة، لكنّه لم يسكب فيه إلا آرائه وأفكاره الخاصّة لتخرج دراسة شخصية متحيّزة، بعيدة كل البعد عن الدقّة التاريخية والعلمية.
19) نسخة ملكية من كتاب "البروتوكولات" بعنوان "المؤامرة اليهودية والعالم الإسلامي"، كان ملك السعودية فيصل يقدم نسخاً منها إلى زائري الدّولة خلال السبعينات.
20) "كذبة خطيرة" بروتوكولات حكماء صهيون في مركز الدراسات جوندا.
21) يشرح المتحف كيف استعملوا النازيون "البروتوكولات" لنشر كراهية اليهود.
22) يقول المراسل الصحفي لجريدة نيويورك هارالد بأنّ البروتوكولات هي "كذبة وحشيّة ورهيبة اخترعت لشيطنة جميع اليهود، ونشر الكراهية ضدّهم". ويعلّق على دراسة "تاريخ كذبة" The History of a Lie لهيرمان برنشتاين بأنّه ((يكشف/ يفضح واحدة من أخطر عمليات التزوير الأدبية التي سعت على أساسها الحركات المعادية للسامية لإيذاء، وشيطنة، والتقليل من شأن اليهود عبر العالم)).
23) الكتاب المهم والطّليعي في العالم العربي "البروتوكولات واليهودية والصهيونية" للباحث عبد الوهاب المسيري، الذي كتب عن زيف هذه الوثيقة، ومحّصها خير تمحيص ثمّ فنّدها بشكل منهجي وعلمي وتاريخي متماسك، ثم تناول مسألة التفريق بين اليهودية كديانة مثل باقي الديانات السماوية، والصهيونية كحركة عالمية إمبريالية ذات أجندة وأهداف غير معلنة.
تحقيق وجمع: #نيتشه-البسندلي

للاطلاع على الصور التوضيحية ينصح بزيارة صفحة "العقل وليّ التوفيق" على الفيسبوك:
https://shorturl.at/lmoQZ

#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات