أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الالوسي - ما زال ثَمّة َوقت للتأويل..!















المزيد.....

ما زال ثَمّة َوقت للتأويل..!


بديع الالوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7687 - 2023 / 7 / 29 - 18:48
المحور: الادب والفن
    


حوار مع الروائي كريم كطافة
أجرى اللقاء: الفنان بديع الآلوسي

تعتبر الحوارات جسورا ً للمحبة بين الكاتب والقارئ، يتم فيها إلقاء الضوء على الجوانب الغامضة من سيرة المبدع ويمكن ان تخرجه من عزلته. لم يحالفني الحظ ان التقي بالكاتب كريم كطافة في استراحات كردستان خلال فترة نضالنا في حركة الأنصار ، وذلك لأنه كان يمارس مهامه في الفوج الأول ( منطقة الموصل ) بينما أنا كنت في منطقة الفوج الثالث ( منطقة دهوك ) . لكن وبالرغم من تواجده في هولندا وأنا في فرنسا لكننا لم نلتقِ كي نسترق النظر الى همومنا كبشر أيضا ً ، من كل ذلك يمكن ان أقول على نحو أدق أننا التقيا على نحو عابر في كردستان او في أوربا ، ولكن للأسف لم تتاح لنا الفرصة الحقيقية بان نتحاور او نتجاذب أطراف الحديث عما يشغلنا من هواجس تتعلق بالفن والأبداع ، هكذا ظلت علاقتنا او تواصلنا من خلال متابعة ما يننشره كل منا عبر الإنترنيت ، لكن قبل سنوات عدة كان لقائي الأول مع صديقي كريم وكان ذلك في اربيل و كنت سعيد الحظ حين حصلت على روايته ( أبن زوال ) ، فيها تعرفت على باكورة أعماله والتي وجدت فيها شكلا ً ومضمونا ً قد أثار في نفسي اهتماما ً بمتابعة أعماله الروائية الأخرى . قد يكون الحوار نبش في الذاكرة، لكنه سيكون ممتعاً ومفيداً خاصة ً اذا كان بين مثقفين يعنيهما الجمال.
 
* ــ أجد أن رواياتك تدون بهذا القدر او ذاك حول سيرتك الحياتية ، وهذا وجدته جليا ً في روايتك حصار العنكبوت، كما وجدتك اقرب الى السيرة الغيرية في روايتك قرابين الظهيرة. ما تعليقك؟
- قد لا يصدقني من لا يعرفني؛ أن اثنين من رواياتي على الأقل كانتا حصيلة لسهرات خمرية. أو ما أدعوه بالأخيلة المتولدة من عوالم الخمر الأثيرية. والروايتان المقصودتان (حمار وثلاث جمهوريات) و (وعودة إلى وادي الخيول). الأولى تنتمي لما يسمونه (الأدب الساخر)، أردتها خيالاً محضاً، لكنها أبت إلا أن تتعالق مع الواقع، كما لو أني أكتب سيرة بلدان كثيرة متشابهة أما الثانية فرواية سيرة حياتية حتى أن شخوصها تناولتهم بأسمائهم الصريحة، بما فيهم أفراد عائلتي.
الذين يعرفونني يعرفون أني لست (كحولياً)، لا اشتهي الخمرَ ولا أفكر ابه، لا أتقصده لذاته، إنما للنديم والندامة. وبما أني محظوظ أو (مبتلى؟) بأصدقاء حين يتجمعون حول هذا (المنكر) لا يشبهون غيرهم من جلساء الخمر. تبدأ جلساتهم وتتصاعد على شكل رؤى ومشاهد وحكايات وتفاصيل غاية في الندرة، يتخللها أحيانا ً الغناء والموسيقى. الأمر الذي يطّير السكرة من رأسي. هم يسكرون ويتوهجون بحكاياتهم وأنا ما زلت صاحياً. حتى اقتنعوا أخيراً أني كائن لا يسكر وأن خلطوا له الفودكا مع الويسكي مع العرق مع الطماطة..! الحقيقة التي لا يعرفونها أني أسكر بطريقة مختلفة. أسكر بالمشاهد والحكايات والمصائر والتفاصيل التي تسرد أمامي. وبعد زمن قد يطول أو يقصر، أجدني واقعاً في غرام واحدة من حكاياتي الحياتية التي استفزتها تلك الجلسة، أو واقعاً بمشهد ينتمي لسيرة أحدهم، يظل يلح على مخيلتي مستولداً من نفسه مشاهداً أخرى. وما أن أكتبه حتى أجده كالقاطرة التي تسحب خلفها عدداً لا يحصى من العربات. بعض العربات لي. أحير فيما بعد؛ كيف أفك الاشتباك بين ما هو لي وما هو لغيري. وتالياً؛ كيف أوقف القاطرة، كيف أقلل من عدد العربات، كيف وأين ابتر السرد.


*- هذا يأخذني إلى سؤال؛ هل تعتقد أن حياتك كانت مغامرة إجبارية، وهل كان بإمكانك تجاوزها عبر خيارات أخرى أكثر أهمية أو فائدة أو متعة؟
- أعجبني هذا السؤال. أجده يأخذني إلى مشروع كتاب لم أنجزه بعد وقد لا أنجزه. ملف المشروع فيه للآن جملة واحدة على شكل سؤال مبهم: ماذا لو..؟! كلما أعيد هذا السؤال مع نفسي، تتقافز أمامي مشاريع لحيوات كثيرة كان بإمكاني خوضها ولم أخضها. والآن، إذا أردت تحويلها إلى سرد روائي- قصصي ستكون الحصيلة كم كبير من الروايات – الحيوات. ماذا لو كنت أنا الخارج من فوهة الملجأ بدل الضابط الفلسطيني مقدم ذيب في تلك الليلة التي اكتسحت مواضعنا فيها القوات الإيرانية على جبهة البسيتين؟ ماذا يحدث لو أن ضابط المخفر الحدودي في معبر الخابور قد صادر جواز سفري المزور في تلك الليلة وأعادني إلى مديرية الأمن..؟ ماذا لو أني لم أخسر كل نقودي في تلك جلسة القمار في أثينا؟ ماذا لو أني قسرت نفسي واندمجت مع عمال ولاعبي ولاعبات السيرك الإيطالي الذين احتضنوني، لكني هربت منهم؟ ماذا لو أني لم أشارك في إضراب البحارة على سفينة الشحن اليونانية التي كنت بحاراً فيها..؟ وآخر (اللولات) ماذا لو لم اتبع هاجسي السياسي العقائدي والتحق بتشكيلات الأنصار الشيوعيين في كردستان، عائداً بهجرة عكسية من الخارج إلى الداخل..؟ كما ترى كانت أمامي مشاريع كثيرة لحيوات بديلة لم أعشها. الآن بإمكاني تحويلها إلى روايات. لكني ما زلت اتهيب من دخول هذا الفخ. ولو تذكر جملة قيلت من على لسان (خالد زوال) في رواية (ليالي ابن زوال)، الذي كان يعاني من معضلة (مفارق الطرق)، كل مرة يجد نفسه امام مفترق من شعبتين والشعبتان يراهما في حالته تلك متشابهتين، فأطلق على خياراته (الخيار صفر). ما جعل حياته هروباً مستداماً من خياراته الصفرية تلك.
*- من كتاباتك فهمت أنك عشت في أمكنة متباينة ومدن متقلبة الأمزجة، ما المدينة التي تشعر أنك تنتمي لها وتحن لها وأنصفتها في رواياتك؟
- أجيبك باللهجة المصرية: هو ده سؤال؟! أكيد بغداد. لكن، ليس كل بغداد. بالرغم من أنني عشت ومررت في أجمل المدن الأوربية وغير الأوربية، ما زلت وبعد أكثر من أربعين سنة من البعد عن بغداد، لا أرى نهراً في أي مكان من العالم إلا وقارنته بدجلة حتى أني أدير الطرف بحثاً عن كورنيش (أبو نؤاس).. وما مررت بشارع طويل إلا وقارنته بشارع الرشيد. ليس أكثر من 21 سنة عشتها في بغداد، لم أتعرف على كل جغرافيتها، ما يجعل حنيني ليس لها كلها، بل لمساحة هامشية منها. تلك المساحة التي كانت خارجها قبل أن تُحسب عليها، مساحة هامشية وبائسة أيضاً، لأنها انبثقت من الفقر والحرمان والتهميش وكبرت من مجرد صرائف عشوائية على هامش العاصمة لتتحول في سنوات قليلة إلى مدينة رديفة كائنة في خاصرة بغداد. أتكلم عن (مدينة الثورة) التي حتى اسمها تحول إلى إشكالية سياسية؛ لم يهنأ بال كل من حكم العراق قبل أن يغير اسمها. أسماء كثيرة الصقت بها، لكنها تمردت عليها كلها، ظلت معرّفة باسمها الأول. والآن تخلت حتى عن ذلك الاسم واكتفت بتعريف مبهم غير مفهوم لغير سكان بغداد (المدينة.. فقط). أنت في سألت أي سائق تاكسي ومن أي مكان في بغداد أنك تريد الذهاب إلى المدينة، سيفهم سريعاً إلى أين تريد. عشت فيها 21 سنة قبل أن أغادرها وما زالت هي معيني في الكتابة والتخييل. تجد ملامحها مبثوثة في كل كتاباتي.
*ـــ الآن ما قراءة كريم كطافة للموت، وجدته متسللاً إلى أعمالك وكل منجزك الإبداعي؟
- لاحظ على الرغم من أن الموت حقيقة مطلقة. بالتالي لا خلاف حولها. لكن كم هي مثيرة للجدل والخلاف..! عشرات الكهنة والأنبياء والفلاسفة والمفكرين خاضوا بها، وكلٌّ خرج منها برؤية مختلفة عن الآخر. منهم من وجد الموت دافعاً لعيش الحياة بكل امتداداتها بوصفها المعطى الوحيد ولمرة واحدة وعليه أن لا يفوّت منها شيئاً. ومنهم من دفعه الموت إلى اختراع حياة أخرى تقف خلف الموت، إذ ليس من المعقول أن تقتصر حياة الإنسان على هذا العدد المحدود من السنين. ما جعله يتعامل مع الحياة نفسها بوصفها موتاً مؤجلاً. وما عليه سوى الاستثمار في الحياة الأخرى الخالدة زاهداً بحياته المؤقتة.
بالنسبة لي، وفي أكثر من محطة اقتربت كثيراً من الموت. تعرفت عليه عن قرب. ومؤكد أنه سيتسرب إلى كتاباتي بقصد أو بدونه. سواء على سواتر جبهات الحرب العراقية الإيرانية أو في تجربتي القتالية في الجبل. كان الموت متربصاً يشاركني اللقمة والملبس والسكن والرفقة على دروب لم تكن يوماً صديقة. يشبه كلباً مطروداً لا يمل من تشمم أثر خطوات صاحبه. شاهدته مرات يكمن لي على الصخرة المقابلة، جالساً على عقبيه، لسانه يلهث وعيونه محمرة مصوبة إلى عيوني.. وفي إحدى المرات لامسني بشكل مباشر بصلية رشاش اخترقت أحد مخازن العتاد المربوطة على خصري. ولا أدري كم هي المسافة بين المخزن والخصر..؟! رغم كل ذاك ما زلت اتعامل معه كما لو أنه غير موجود.

*- بالرغم من أن نصوصك تميل إلى الرؤية التراجيدية، إلا أن القارئ سيجد فيها كذلك نبرة مستترة من السخرية او الفكاهة السوداء إلى ماذا تعزو ذلك او من اين استلهمت كل ذلك ؟
ـ الكتابة الساخرة هي تمرد من نوع خاص. وفي ظروف العراق الاستثنائية من شذوذ واستبداد وحروب، لن تكون تلك السخرية إلا سوداء. سوادها متأت من نظام التركيب، سخرية مركبة، لا تسلم نفسها للمتلقي بذات السهولة التي تصله فيها النكتة المقابلة (البيضاء)، إنما تحاول أن تدفعه لأن يبحث هو بنفسه عن الوشائج والروابط التي ستأخذه في رحلة ذاتية هذه المرة للحفر في الموضوع المطروح. لكنها، وبالرغم من سوادها وتجهمها الواضح تستجلب الابتسامات والضحك العالي حد القهقهة. السخرية السوداء في الأدب قادرة على الترسب في طبقات متراكبة من وعي المتلقي حتى هو يستحضرها في أوقات أخرى. على عكس السخرية الأولى البيضاء التي تُنسى في وقتها ربما. رواية (حمار وثلاث جمهوريات) كانت نكتة طويلة على مدى 167 صفحة، هي كل الرواية. كان الحمار فيها هو الشخصية المحورية الذي يسرد سيرة البشر برؤيته الحيوانية..! أزعم أن هذا الشكل التعبيري في كتابة الرواية غير مطروق إلا قليلاً على مستوى الكتابة باللغة العربية، يحضرني الآن اسم المصري (محمود السعدني)، وأزعم أنه يكاد يكون معدوماً على مستوى التجارب العراقية في الكتابة.

*ــ يقال ان من يكتشف الأسلوب تنكشف له الرؤية، ما الأسلوب الأقرب إلى نفسك، أو هل وجدت طريقك الخاص في التعبير عن ذاتك، ام انك ما زلت في حالة البحث والتجريب ؟
ـ الأسلوب هو المفهوم الملتبس في ثقافتنا الروائية. وصلنا كما وصلتنا الرواية من الخارج، عبر الترجمة، وتعامل معه من نسميهم (نقاداً) بطرق مشوهة وأحياناً مزيفة؛ منها القول أن الأسلوب هو بصمة الكاتب الشخصية وهذه لا تتغير. ومن هنا تبدأ المأساة بالنسبة لمن يكتب باللغة العربية. شخصياً حين اقرأ لكاتب عدداً من الروايات مكتوبة بذات الأسلوب واللغة إلى الحد الذي يجعلني أتعرف عليه دون أن أرى اسمه على صدر النص، حينها سأقول أن هذا الكاتب قد توقف. مات كمبدع. وها هو يكرر نفسه. بينما وفق الناقد (العظيم) ميخائيل باختين؛ أن الأسلوب في الرواية هو شيء مضمر داخل اللغة وليس معطى من الخارج.
وهذه (الأحجية) لا يمكن فك طلاسمها قبل الإجابة على سؤال محوري هنا؛ ما هي لغة الرواية؟ هل هي لغة الكاتب، هل هي لغة الشعر، هل هي لغة الصحافة..؟ من هذه الاسئلة انطلق (باختين) في تعريف لغة الرواية؛ أنها نظام لغوي كلي يجمع في داخله مجموعة من الأنساق الكلامية الفرعية، هي لغات ولكنات كثيرة، تدخل ضمنها (لكنات) الشخصيات، كما تدخل ضمنها لغة الشعر، الدين، الغناء، الرسائل، كلائش مؤسسات الدولة الرسمية، المهن والحرف المختلفة، ولن تكون لغة الكاتب سوى فرع من تلك الفروع. أنها عملية تهجين شاملة تقاد بحرفية الكاتب الماهر القادر على خلق الانسجام من كل هذا التنوع. ومن المفترض أن يكون لكل تهجين روائي اسلوبه المنبثق من داخله والمنسجم مع متنه. يحدث هذا لأن حياة البشر الذين هم سدى ولحمة الروايات، ما زالت تُخاض بلهجات ولكنات ولغات كثيرة، وبالتالي من باب الصدق الفني؛ أن يحترم الكاتب شخصياته ويدعها تعبر عن ذواتها بطرقها ولكناتها، لا أن يسلبها هذا الحق ويمنحها لغته (لغة القراءة) كما يتوهمها. إن فعلها سيجعل من كل شخوصه شخصية واحدة هي شخصيته. وهذا ما حاولت الابتعاد عنه في كل أعمالي. جعلت معيار نجاحي مدى تمكني من خلق نظام لغوي منسجم وله جماليته وإبهاره رغم تنوعه الكلامي. الأمر الذي سيجعل لكل رواية أسلوبها المختلف عن التي سبقتها لنفس الكاتب. أما البصمة الشخصية ستكون موجودة، لكنها ليست في الأسلوب، بل في إدارة العمل، في الكيفية التي يجعل فيها المضمون يخلق شكله، المتن يشكّل إطاره وليس العكس. ابتعدت وعن وعي عن اسلوب التخطيط المسبق للرواية، أنا لست مهندساً يخترع في رأسه النموذج ويرسمه ثم ينفذه. بل اعتمد في الكتاب على خيالي كما اعتمد على خيال المفردة نفسها. لا توجد مفردة محايدة، لكل مفردة شحنتها الحوارية مع غيرها. ومن هذا الحوار الداخلي تتوالد الجمل والفقرات، في عملية تبدو كما لو أن اللغة هي من يقود الكاتب وليس العكس. لهذا أعتقد أن من يريد قراءة رواياتي الست ويستنتج منها اسلوبي؛ سيحير، لأن كل واحدة لها اسلوبها المختلف عن الأخرى كما لو أنها لكاتب مختلف. وهذا متأت من فهمي للغة الرواية.

*ــ الروائيين العظام أصدقاءنا ، فمن هو الكاتب الأقرب الى قلبك ، وما الذي أضافه لك على صعيدي الشكل والمضمون في حياتك اليومية ؟
- قل من هم الذين شكلوا وطوروا ذائقتي في القراءة..؟ وهؤلاء ليسوا واحداً، بل عشرات. وإن كان لا بد من ذكر عينات من هؤلاء الكبار، فأبدأ بالعراقي فؤاد التكرلي، وإن خرجت من العراق سأواجه حنا مينا ثم يأتي العالم حيث ماركيز وهيرمان هسّه وغير هؤلاء وأولئك الكثير. أما على صعيد النقد والدراسات الأدبية، فلم أحد عن اثنين؛ الروسي ميخائيل باختين وهو يشرّح المفردة في الرواية بمهارة جراح والمؤول الكبير عبد الفتاح كليطو القادر على تأويل التأويل بتأويلات وهو يشرّح جسد التراث اللغوي، تراثنا. لكن هؤلاء وأولئك، كما شكّلوا لي ذائقتي في القراءة، وضعوا بطريقي كذلك حواجزاً وصعوبات جمة في الكتابة. من جهة لا أريد تقليد أياً منهم، ولا حتى المرور قريباً منه، ومن جهة أخرى عليَّ إيجاد نماذجي الخاصة. عملية معقدة وصعبة جداً.

*ــ هل ترى ان المنجز الابداعي في حركة الأنصار كان بمستوى الطموح ؟
- كتابة الرواية بلا تجربة حياتية حقيقية لن تكون سوى خواء مضروب في نفسه. وتجربة الأنصار كانت تجربة حياتية استثنائية، هي حتى أكثر استثنائية من تجارب الجنود على جبهات الحروب الكثيرة التي تورط بها العراقيون. شحذت في داخلي الأحاسيس إلى مدياتها القصوى. كأن تشعر بالخوف المرعب من الموت قبل القتال، ليعقبه استعداد مذهل للإقدام على الموت. أو أن ينهش الجوع أحشائك من الداخل، ثم ينقلب إلى سعادة بمجرد حصولك على رغيف خبز. أو تعطش خلال المسيرات الجبلية الطويلة إلى حد إحساسك أن عروقك نشفت لينقلب هذا الإحساس إلى ارتواء بمجرد رؤيتك لعين ماء جبلية وحتى دون أن تشرب. ولا أريد الحديث عن قسوة الحرمان الجنسي وما يخلقه من أخيلة مجنونة لكيفيات التعامل مع جسد المرأة. هذه وغيرها تشكل ذخيرة هائلة في الكتابة. حياة كل مقاتل في تلك التجربة تحتمل كتابة روايات عنها وليس رواية واحدة. كانوا يعيشون نمطاً من حياة غير معروف لغيرهم. أما كيف تجسدت تلك الحيوات روائياً؛ فللأسف قليلة هي الأعمال التي خاضت في تلك التجربة. كل مقاتل مأخوذ بهاجس البحث عن نفسه وهو يكتب. لهذا جاءت معظم الكتابات بصيغ تشبه الذكريات المقطوعة.

*ــ كلمة أخيرة تحب ان تسديها الى قراءنا الأعزاء ؟
- أقول الله يعطيك ويعطيهم العافية وأشكرك على هذا الحوار. أولاً لأنك فنان له تاريخه الفني المميز، وثانياً لأنك أجدت قراءة الأعمال الأدبية والتحاور حولها، وهذا يُحسب لك، وبهذا أنت تتفوق عليَّ. لأني أعجز عن إجراء حوار فني مع فنان رسّام، ليس لأني لا أتذوق الفن، بل قل لعدم تمكني للآن من فهم أو الإحاطة بأبجدية لغة الرسم، لكي أحاوره.



#بديع_الالوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النائحات
- أبراج زيوس *الحزينة
- المتجهم الكردي
- الإنسان والبحر
- التوغل داخل المرايا (ج 4 : مرآة الاحتضار )
- توغل داخل المرايا ( ج 3 مرآة البحر )
- توغل داخل المرايا _( ج 2 : مرآة العطش )
- التوغل داخل المرايا (ج 1 : مرآة النهر )
- الخروج من بيوت الموتى
- أنطفأت شمعة في تكريت
- يوم بين عالمين
- غروب
- قصة قصيرة : فسفور الرغبات
- مدار الجنون
- قصة قصيرة : الأرواح المرئية
- قصة قصيرة : في صحبة ابن مالك
- ألمنحوته المنحوسة


المزيد.....




- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...
- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الالوسي - ما زال ثَمّة َوقت للتأويل..!