أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الالوسي - التوغل داخل المرايا (ج 1 : مرآة النهر )














المزيد.....

التوغل داخل المرايا (ج 1 : مرآة النهر )


بديع الالوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6731 - 2020 / 11 / 13 - 00:28
المحور: الادب والفن
    


1 : مرآة النهر

مشاغلها العائلية وكذلك العمل ومسؤولياته ، هي التي منعت ( تيريز ) من الالتحاق به . بعد عدة ايام من التردد استجابت لدعوة صديقتها ، عسى ان تنتشل روحها من مواجع تشاؤمية .
كانتا معا ً هذا الصباح ، لكن صوتا ً داخليا كان يقفز ويتردد في ذهن تيريز بين حين وآخر : يا ترى كيف حال أبي الآن ؟
الجميع يعرفها من عشاق النهر ، اذ لطالما رأوها هنالك تتأمل الأشياء والعالم ، من يمر بها يخالها صخرة في ذلك السكون ، تراودها افكار شتى هي مزيج بين الحزن والدهشة .
كانت قسمات وجهها تتغير كلما فكرت بابيها العجوز جوستاف ، الذي يعاني الجاف . ولكونها ابنته الوحيدة ، لذلك قررت ان تترك ابنها وزوجها وتسافر في الايام القادمة ، لتكرس جل وقتها للاعتناء بوالدها ، هذا التصرف الذي يصب في جوهر الحكمة والرحمة ، هو ما تعلمته من ابيها ، الذي نفخ في روحها حب الاشجار .
لكنها اليوم ارادت ان تنعم بصحبة النهر ، املاً في ان يمنحها زمن الرحلة البهيج بعض الراحة والاسترخاء وصفاء الرؤية والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة ، وربما سيساعدها على مراجعة الذات و مواجهة الموقف بعزيمة وصبر .
جلستا على الحصى المحاذي للنهر الوفير المياه .. كانت صديقتها البدينة تغني تحت شمس تموز التي تنير وتعمد روح العالم بالدفء .
اخيرا ، وصلت القوارب الملونة ، التي ستمكنهما من قطع مسافة 20 كم . نقيق الضفادع كالصراخ من كل صوب وحدب ، اصوات السائحين وضحكاتهم تصدح مع مرور قواربهم ، كانت رائحة النهر الجاري تغري تيريز وصاحبتها بخوض هذه المغامرة ، بعد ركوب القاربين الزاهيين ، انطلقتا حال ان نظرت البدينة الى ساعتها المشيرة الى الساعة الحادية عشر ظهرا ً .
تيريز لا تخشى الماء ، قالت لصديقتها  : ان امي تنعتني بالسمكة . لكن صديقتها ارادت تجرب حظها رغم المخاطر ، ما ان جرفها التيار حتى صرخت : اذا انقلب القارب سأغرق ايتها …
اما قارب تيريز فكان يقترب ويبتعد منها ، خلالها خطفت في ذهنها ذكريات عن ابيها الذي علمها السباحة في السنين الاولى من عمرها ، وكيف انه درَبها على انقاذ الغرقى في مرحلة الشباب .
هي لا تعرف لماذا كلمة غرق ، جعلتها تفكير بابيها الذي يعاني عطشا ً منذ اربعة ايام . اخذهن التيار وتركن ورائهن عويل الحشرات ، كانت منشغلة بمسايرة القارب ومحاولة سحبه الى تيارات الماء لتتخلص من اعباء التجذيف . في وحدتها راودتها هواجس تتعلق بصاحبتها واصدقائها الذين لا يعيرون اهتماما ً الى الافكار الجليلة .
في ذا الاثناء ، راودها تساؤل لجوج : اذا ما كان الاعتناء بابي فكرة عظيمة ... فلماذا صديقاتي لا يعرن بالاً لهذا الموضوع ولا يمجدن في حياتهن إلا اللحظة الراهنة !؟ . كل ذلك أشعرها بالحزن ، إذ لطالما ضحكن عليها كلما تحدثت معهن عن جريمة رمي الآباء في مأوى العجزة .
بعد جهد توقف قاربها عند تلك الجزيرة الصغيرة ، هنالك ستلتقط انفاسها وتريح عضلاتها ، في ذا الرخاء وقع بصرها على يعسوب تلتصق شرنقته بورقة قصب ، اخذته بيدها ، وصارت تنفخ عليه ، فجأة ً تحررت اجنحته ، لا تعلم لماذا تلك الولادة ذكرتها بابيها وهو ينحدر الى عوالم غامضة كمن يدخل شرنقة الموت . فكرت بما يتوجب عليها فعله ، صار اللحاق بصديقتها أمرأ ملحا ً ، لذلك قالت لليعسوب وهي تبتسم  : ما رأيك ان نكمل الرحلة معا ً ؟
لتقفز من جديد في زورقها وتدفعه نحو التيار ، بعد نصف ساعة اقترب قاربها من قارب صديقتها التي كانت ترتجف من هول التجربة وتضحك بهستيريا وهي تقول : اهلا ً وسهلا ً بالفرح .
كلمة الفرح كادت تبكي تيريز الحزينة ، التي تجاوزت الخمسون عاما ً لكنها لم تصادف من المواجع والاغتراب مثلما عانته خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة .. قريبا ً من نهاية الرحلة ، ارتطم القاربان ببعضهما ، ازدادت ضحكات البدينة ، لكن كل ذلك لم يمنع تيريز من ان تقاطعها بتساؤل طرحته بلا اي ممهدات : هل تؤمنين ؟
اجابت : تعلمين جيدا ً يا عزيزتي إننا لا نؤمن بشيء ؟
كان الجواب قد اثار تيريز ، وجعلها تحاول ان تعيد صياغة السؤال وهي تشير الى الشمس : وهذه هل تؤمنين ب ..
قاطعتها : لست متأكدة ، ان كانت مصدراً للخير ام للشر ؟
صمتت لحظة ، ومن ثم نزلت من قاربها لتبلل جسدها المترهل ، بعد ان رمت الماء على تيريز وهي تقذف بهذه الجملة : انا سعيدة واشعر ان الحياة مجرد ...... وصمتت .
ذلك دفع بتيريز ان لا تنتظر ، وتسالها :
ـ هل هي مجرد نزهة نهرية ؟.
لم تجب صديقتها باي كلمة ، لا بل ارتسمت الحيرة على ملامح وجهها والدهشة على عينيها ، صعدت الى القارب وتكورت على نفسها محاولة ً الثأر ، لم تجد الكلمات المحددة لكن بالرغم من الانين سمعت تيريزا  تلك العبارة :
ـ يا لك من امرأة مسكينة ، قلبك لا يعرف ..... .
لم تهتم تيريز بكلماتها المنفعلة ، فان روحها ما انفكت تردد وبحزن : لا استطيع ان اصدق ، كل هذه الوفرة في المياه وابي يعاني العطش .!!
في نهاية الرحلة .. تم تسليم القاربين وقررت الاعتذار من صديقتها البدينة ..
في طريق عودتها ، كإنها سمعت صوت أبيها يترجاها : لا تتركيني اموت وحيدا .



#بديع_الالوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخروج من بيوت الموتى
- أنطفأت شمعة في تكريت
- يوم بين عالمين
- غروب
- قصة قصيرة : فسفور الرغبات
- مدار الجنون
- قصة قصيرة : الأرواح المرئية
- قصة قصيرة : في صحبة ابن مالك
- ألمنحوته المنحوسة


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الالوسي - التوغل داخل المرايا (ج 1 : مرآة النهر )