|
أنطفأت شمعة في تكريت
بديع الالوسي
الحوار المتمدن-العدد: 6670 - 2020 / 9 / 7 - 02:22
المحور:
الادب والفن
لا اعرف لماذا يراودني الاعتقاد من أن تكريت مجرد قرية مترامية الاطراف ، بالرغم من بيوتها الحديثة ، ربما لأن أهلها ريفي الطباع والأخلاق ، وهم يحبون السمك والثريد ، ويتفاخرون بحبهم للسلاح ، وبيوتهم مشرعة لاستقبال الضيوف ... بعد سقوط النظام عدت من الغربة لرؤية اهلي ومدينتي ، فما كان من اخي التوأم إلا ان افرد احدى الامسيات للقاء به قائلا ً : ــ سنزور مسؤول تكريت للحزب الشيوعي . وحين ذهبنا لبيته ، خرج لاستقبالنا رجل تجاوز الستين عاما ً ، يرتدي دشداشة وكوفية وعقال ، بطيبته المتناهية قال لي : اخاك صديق اعتز به . لم اسأله عن الزي العشائري الذي يرتديه ، ليقيني بان هذا النوع من الملبس هو الاكثر انسجاما ً مع روح المكان ووطأة التقاليد . وما ان تجاوزنا الحديقة ودخلنا غرفة الاستقبال بطراز اثاثها الفاخر ، لم الحظ وجود مكتبة في المكان ، اثار ذلك في نفسي سؤال مباغت : من اين يستمد الرجل الثوري ثقافته ؟ ( وظل هذا السؤال يلاحقني حتى عرفت لاحقاً بان للرجل مكتبة كبيرة داخل منزله !! ) في ذلك المكان تبادلنا اطراف الحديث بطيبة متناهية ، احاديث متناثرة لكن جلها دار حول جراح الوطن وهموم الناس … منذ ذلك اللقاء الحميمي وصورة ذلك الانسان الطيب ظلت ناصعة في ذهني ، لم انس ضحكته وطريقته العذبة في تناول الموضوعات ، وشعرت بانه يحمل قلباً ابوياً وروحاً بخصال عراقية اصيلة .. ومنذ ذلك اللقاء احسست انه يمتلك طاقة لمواجهة الحياة ، بمعنى ان اليأس لم يستولي عليه ، وبدا لي انه ينتمي لمعشر المناضلين الاجتماعين ، وكيف لا .. وهو يكافح في وسط عشائري متخلف ، لكنه مع ذلك لم يدخر جهدا وظل مؤمنا بعدالة قضيته وحاول ان يبدد الظلام بشمعة . في ذلك الوضع الهش والمعقد والمحفوف بالمخاطر ، كان يريد ان يثبت لنا وللحزب وللرب وللأعداء ايضا : ان النصر سيكون في النهاية حليف المؤمنين … لهذا لم يخرج من اللعبة السياسية بالرغم من كل المتاعب . بعد هذه المسيرة الحافلة بالعطاء ، وقد شارف على الثمانين من العمر ، اصيب بوباء الكورونا ، حاول كل من يعرفه ان يقدم له يد المساعدة ، لكن جسده قد خذله ، وتداعت صحته خلال ايام ، ليودعنا والى الابد ذلك الانسان الرائع والمعلم القدير ، الذي آمن طول حياته بحب الناس والمثابرة على خدمتهم ، كان يحلم مثل الكثير من المناضلين الثوريين بحتمية قدوم ذلك الزمان الذي يكون فيه الوطن حرا ً والشعب سعيدا ً . وداعا ً ابا نبيل ، وداعا ً ممدوح الحبوس ، لك الذكر الطيب ، ولنا لوعة الفراق . واعذرني فقد جفت الزهور ، وليس عندي ما اقدمه لروحك النقية غير عبارة الشاعر الفرنسي رامبو : ( لقد انتهت المعركة ، انتهى الصراع ، هو ذا الفجر يطلع (
#بديع_الالوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوم بين عالمين
-
غروب
-
قصة قصيرة : فسفور الرغبات
-
مدار الجنون
-
قصة قصيرة : الأرواح المرئية
-
قصة قصيرة : في صحبة ابن مالك
-
ألمنحوته المنحوسة
المزيد.....
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|