أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فارس تركي محمود - ماهية الفساد وأسبابه















المزيد.....


ماهية الفساد وأسبابه


فارس تركي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 7671 - 2023 / 7 / 13 - 16:17
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يمكن تعريف الفساد بأنه مجموعة من الأعمال غير النزيهة التي يقوم بها الأشخاص الذين يشغلون مناصب في السلطة، وذلك لتحقيق مكاسب خاصة، ومن الأمثلة على ظواهر الفساد إعطاء وقبول الرشاوى والهدايا غير الملائمة، والمعاملات السياسية غير القانونية، والغش أو الخداع، والتلاعب في نتائج الانتخابات، وتحويل الأموال، والاحتيال، وغسيل الأموال والتعامل المزدوج ، والمعاملات السرية، والتلاعب بالانتخابات، وتحويل الأموال، والاحتيال على المستثمرين، وغيرها. كما تم تعريف الفساد بأنه شكل من أشكال خيانة الأمانة أو الجريمة يرتكبها شخص أو منظمة يُعهد إليها بمركز سلطة؛ وذلك من أجل الحصول على مزايا غير مشروعة أو إساءة استخدام تلك السلطة لصالح الفرد. وفضلاً عن هذا التعريف للفساد يمكن القول أن الفساد هو كل سلوك أو تصرف أو فعل أو فكر ينتج عنه ضرر أو تخريب وعلى مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وهذا التعريف الأخير يعطي صورة أوضح وأشمل للفساد لأنه يغطي كل أنواع الفساد؛ هذه الأنواع التي لا يمكن الفصل أو التفريق بينها فهي تكمل بعضها بعضاً وتنتج بعضها بعضاً وكلٌ منها يؤدي إلى الآخر.
يعد الفساد واحداً من أهم وأخطر الآفات التي تهدد الشعوب والأوطان وبخاصة الفساد المالي والإداري، وهو من بين التهديدات القليلة التي يمكن تصنيفها بأنها تهديد وخطر وجودي للدولة والمجتمع؛ بمعنى أنه قد يؤدي إلى انهيار الدول وتفتت المجتمعات، لذلك فإن كل الأنظمة والدول والحكومات تعمل على التصدي للفساد وتسعى للخلاص منه، وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة والبرامج المصممة لمكافحته على المستويات الوطنية والدولية إلا أن الفساد ما زال آفةً خطرة وما زال القضاء عليه هدفاً بعيد المنال، وما زالت مكافحته والتصدي له أشبه ما تكون بالسباحة عكس التيار أو تسلق منحدر زلق كل خطوة تُقطع فيه إلى الأمام يقابلها خطوتان للوراء. إن السبب الرئيس في صعوبة مكافحة الفساد يتمثل في طبيعته وجذوره المتشعبة وطريقة ظهوره وتشكله والمرتكزات التي يستند عليها والعوامل والأسباب التي تقف خلفه.
إن ظهور الفساد وتحوله إلى معضلة صعبة ومعقدة تقف خلفه عدد من الأسباب والمعطيات أهمها:
1 - الطبيعة البشرية: إن الفساد ما هو في النهاية إلا سلوك بشري؛ ومن المعروف أن الإنسان لا يمكن أن يقوم بأي سلوك ما لم تكن لذلك السلوك دوافع كامنة في طبيعته، وعليه لا بد من وجود علاقة سببية ما بين طبيعة البشر وما بين ميله للفساد وقدرته على ممارسته. يمكن توضيح ومعرفة تلك العلاقة السببية إذا ما أدركنا الدوافع التي تحرك الإنسان وتحدد سلوكه، وبشكلٍ عام يمكن القول أن هنالك دافعان يتحكمان بسلوك البشر واختياراته وتوجهاته الدافع الأول يتمثل بالحرص على تحقيق أعلى قدر ممكن من المكاسب والأرباح المادية والمعنوية ( أموال، نفوذ، سلطة، سعادة، متعة، تحقيق الذات، مكانة اجتماعية، ... الخ)، أما الدافع الثاني فهو الحرص على تجنب الخسائر والآلام ( الفقر، العجز، التعاسة، الضعف، الهوان، التهميش، ... الخ)، والتاريخ البشري مليْ بالأحداث والمواقف التي تؤكد سطوة وقوة هذين الدافعين على النفس البشرية؛ بل أن التاريخ برمته ما هو إلا نتاج لدافعي الربح والخسارة أو التمظهر والتجسيد النهائي لفعلهما.
إن الاتساق والتناغم ما بين الفساد ومخرجات الفساد وما يستجلبه الفساد من جهة، والدوافع المحركة للفعل الإنساني من جهةٍ أخرى سيجعل النفس البشرية ضعيفة دائماً أمام إغراء الفساد – وبخاصة إذا كان متاحاً - لأن هناك احتمالية عالية أن ممارسته قد تؤمن أعلى قدر من الأرباح من جهة، وتُجنب من يمارسه الخسائر والآلام من جهةٍ أخرى، وكلما كانت ممارسة الفساد أكثر سهولة والوصول إليه أكثر يسراً كلما ازداد الضعف البشري أمام سطوته ومغرياته، ومن المعروف أن الفساد المالي والإداري يعد من الطرق السهلة والسريعة التي تساعد على تحقيق المكاسب المادية والثراء السريع؛ لذلك ستبقى النفس البشرية متمتعة باستعدادٍ عالٍ لممارسته وولوج عوالمه والاغتراف من خيراته.
2 – تشابك قضية الفساد وعمقها: يعد الفساد من المعضلات المعقدة والمتشابكة، فهو أولاً : لا يظهر فجأةً ولا يصنف ضمن الأحداث الطارئة أو العوارض المؤقتة، بل هو ينمو بشكلٍ تدريجي ويتجذر بهدوء وروية ويضرب عميقاً في بنية المجتمع بصمت وبدون ضجيج حتى يستفحل ويتحول إلى معضلة ليس من السهل معالجتها. وثانياً: وكما ذكرنا سابقاً هناك ميل إنساني لممارسة الفساد والاستفادة منه. وثالثاً: إن للفساد الإداري والمالي مغذيات كثيرة وجذور متعددة وركائز ومساند أهمها أن الفساد المالي والإداري ما هو إلا إحدى نتائج أنواع الفساد الأخرى كالفساد الفكري والفساد السياسي وفساد الرؤى والأفكار والعقول؛ إذ أن أنواع الفساد هذه تعد البيئة الحاضنة والمغذية والمنتجة للفساد الإداري والمالي، وهي التي تساعده على الانتشار والتوسع والتغلغل في مختلف مفاصل المجتمع، لذلك فإن القضاء عليه يستدعي معالجة كل أنواع الفساد الأخرى من أجل تجفيف المغذيات وتفكيك البيئة الحاضنة، الأمر الذي يعقِّد معضلة الفساد ويزيدها تشابكاً.
3 – القبول الاجتماعي وتبرير الفساد: للإنسان قدرة كبيرة على التبرير واختلاق الذرائع وقلب الحقائق وتصوير الأمور على غير حقيقتها وبخاصة عندما تكون مصلحته على المحك أو عندما يريد القيام بأمرٍ ما أو بسلوكٍ ينسجم مع دافعي الربح والخسارة ويحقق له منفعة ويجنبه ألماً، والإنسان لا يلجأ إلى التبرير إلا إذا كان مدركاً لعدم مشروعية سلوكه، والفساد واحد من السلوكيات غير المشروعة وقد أحيط بالكثير من المبررات وتم تغيير أسمه وإلباسه ثياباً شرعية. قبل عقود قليلة كان الفساد المالي والإداري سلوكاً محدوداً ومرفوضاً ومداناً في مجتمع مثل المجتمع العراقي، إلا أنه وبسبب الحاجة والاضطرار بدأت تتوسع رقعة هذا الفساد ليتحول من سلوك مدان إلى سلوك اضطراري له ما يبرره ومن ثم إلى سلوك مقبول وسلوك مرغوب فسلوك يستدعي التباهي والتفاخر، وتزامن مع هذه التغييرات تغير الأسماء والمسميات فالرشوة أصبحت هدية والسرقة عمولة والسارق ذكي والفاسد شخص واسع الحيلة وهكذا دواليك. إن القبول الاجتماعي للفساد وإيجاد التبرير له سيبقى من أهم أسباب انتشاره وتغوله.
4 – حداثة مكافحة الفساد: حتى سنوات قريبة لم نكن نسمع بمصطلحات الفساد والشفافية والنزاهة، وإذا ما عدنا إلى الوراء أكثر كالقرن التاسع عشر والثامن عشر نجد أن الفكرة ذاتها أي فكرة الفساد أو الوعي بها لم تكن معروفة إذ أن الاعتقاد السائد آنذاك كان يتمثل بأن الملوك والسلاطين والحكام لهم حق التصرف بكل شيء بل وحتى بالإنسان ذاته، وليس من حق أحد محاسبتهم أو مساءلتهم، وقد حفر هذا التصور وتجذر عميقاً في العقلية البشرية وبقي مسيطراً عليها لقرون طويلة، ولم يبدأ بالتغير إلا بعد الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية، إلا أنه ما زالت له بعض السطوة والتأثير الذي يساعد على خلق بيئة مناسبة للفساد والتعدي على المال العام.
5 – الديكتاتورية: قبل أكثر من مئة وخمسين عام قال المؤرخ والسياسي الانكليزي اللورد أكتون " السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة "، وما زالت هذه العبارة صحيحة ودقيقة ومعبرة عن الواقع إلى يومنا هذا؛ فالسلطة بكل أشكالها – المنصب الثروة، الوجاهة، الشهرة، القوة البدنية، سطوة العشيرة أو الجماعة وغيرها - تشجع على الفساد والسلوك المنحرف بكل أشكاله، وتعد السلطة السياسية من أهم مسببات الفساد حتى في الدول الديمقراطية والأنظمة الليبرالية، وها هو الإعلام يطالعنا بين الفينة والأخرى بفضائح فساد يرتكبها مسؤولون في أعتى الدول الديمقراطية. أما في الدول الديكتاتورية فالقضية تصبح اوسع واعمق وأكثر تأثيرا، فالحاكم في هذه الدول يتعامل مع الممتلكات العامة والثروة الوطنية وكأنها ممتلكات خاصة يستغلها هو وعائلته والمقربون منه، لتنتقل عدوى الاستغلال بعد ذلك إلى الطبقات والفئات الساندة للحكم الديكتاتوري ( الحزب، التنظيم، الطبقة، العشيرة، ... الخ)، الأمر الذي يؤدي وبشكلٍ مؤكد إلى تجرؤ الكثير من ابناء الشعب على المال العام وتزايد وانتشار الرغبة بالاستفادة منه واقتناص أية فرصة للحصول على جزءٍ من الكعكة أو مما يتبقى منها، وستظل كرة الفساد هذه تتدحرج وتكبر وتسحق بطريقها أية محاولة أو مجهود لإيقافها، وتنتج مفاسد أخرى كاللامبالاة وعدم الإخلاص والجريمة والسلوكيات الشاذة والشعور باليأس واللاجدوى وانزواء وانكفاء الأكفاء والمخلصين وتصدُّر اللصوص والأفَّاقين.
6 – السلوكيات والأفكار البدائية: إن أي شعبٍ من الشعوب يختزن بتراثه وبسلوكياته الكثير من الإيجابيات وكذلك الكثير من السلبيات، وعندما يصل الفساد إلى مرحلة متقدمة من الانتشار وعندما يصبح متحكماً بمصائر الناس فإنه يستدعي ويُظهر أسوء ما في الشعوب ويعيدها إلى السلوكيات البدائية والأفكار البالية ومنها فكرة الغزو والنهب والسلب وفكرة المغالبة والصراع البهيمي، ويبدأ الكثير من أبناء الشعب بالنظر إلى ثروات الدولة ومقدراتها بوصفها فريسة أو مغنم أو أسلاب لا بأس بالسطو عليها أو يجب السطو عليها كي ينال ( الغازي ) حصته من الوليمة، بل أن هذا السلوك يصبح بعد برهة وبعد ممارسته مراراً وتكراراً سلوكاً مقبول اجتماعياً ومن ثم سلوكاً يستدعي الفخر وينظر إلى من يمارسه بشيء من الإعجاب، وانتشار مثل هذه الأفكار والسلوكيات يهيئ الأجواء أكثر وأكثر للمزيد من الفساد والإفساد.
7 – فضلاً عن هذه الأسباب الرئيسية هناك أسباب أخرى ساندة وداعمة لانتشار الفساد واتساع دائرة تأثيره منها ضعف الدولة بشكلٍ عام وتراجعها في المجالات السياسية والاقتصادية والسياسية والثقافية، إذ من المعروف أن كيان الدولة يشبه الجسد البشري من حيث التأثر والتأثير المتبادل ما بين أجزائه المختلفة بمعنى أنه لا يمكن تجزئة عملية النهوض بالدولة ولا عملية تراجعها وانحدارها فإما أن تنهض كلها أو تنهار كلها؛ وبالتالي فإن عملية مكافحة الفساد الإداري والمادي والحد من انتشاره تستدعي بالضرورة إصلاح باقي الأجزاء والنهوض بها، الأمر الذي يزيد من صعوبة المهمة ويجعلها أكثر تعقيداً. كذلك هنالك تأثير كبير للفقر والحاجة في رفع مناسيب الفساد وإجبار الناس على الانخراط في أنشطته، وأيضاً يلعب الجهل والأمية دوراً مهماً في خلق أجواء مناسبة للفساد، فضلاً عن تأثير الحروب والصراعات المحلية والدولية والإقليمية في إضعاف الدول ودفعها باتجاه مناخات الفساد.
مكافحة الفساد:
إن عملية مكافحة الفساد ومحاولة القضاء عليه تعد من أصعب المهام وأكثرها تعقيداً لأنها تتعامل مع منظومة قديمة ومتجذرة في بنية المجتمعات الإنسانية وتمتلك الكثير من المغذيات وتدعمها العديد من عوال النجاح وأسباب التمكين، وقد طورت البشرية عبر تاريخها مجموعة من الوسائل لمقاومة منظومة الفساد والتضييق عليها والسعي إلى القضاء عليها أو الإقلال من آثارها السلبية قدر الإمكان. وهنا أيضاً برزت معادلة الربح والخسارة المتحكمة بالسلوك البشري؛ إذ أن الهدف النهائي لكل الوسائل التي استخدمها وطورها لمكافحة الفساد كان واحداً وهو جعل الفساد وممارسته قضية خاسرة، بينما النزاهة والإخلاص قضية رابحة، ومن أهم هذه الوسائل:
الوسيلة الأولى: الوعظ والإرشاد
يعد الوعاظ والإرشاد من أقدم الآليات والوسائل التي تم استخدامها من أجل نشر أفكارٍ وتشجيع سلوكياتٍ بعينها من جهة، ومحاربة واستبعاد واستنكار سلوكيات أخرى من جهةٍ أخرى، ومن المعروف أن الوعظ يعتمد على مكانة الدين ومنظومة العادات والتقاليد وتأثيرها في النفس البشرية، وتوظيف أفكار العيب والحرام والرفض الاجتماعي من أجل تشجيع الناس على السلوكيات الجيدة ( الأمانة، الإخلاص ، الاستقامة، الحق، العدل، ... الخ)، وابعادهم عن السلوكيات المشينة ( السرقة، الغش، الخيانة، الاعتداء، الاختلاس، ... الخ ). وعلى الرغم من فائدة هذه الوسيلة إلا أن تأثيرها محدود ومؤقت ولا تستطيع العمل لوحدها بل تحتاج إلى وسائل أخرى تتكامل معها وتساعدها كي تتمكن من انتاج مجتمع سليم ومعافى وبعيد عن الفساد.
الوسيلة الثانية: الحكم الرشيد
من الأقوال الإسلامية المأثورة مقولة " إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " في دلالةٍ على التأثير الكبير الذي يمكن أن يحدثه الحاكم القوي المستنير في تغيير سلوكيات الناس والمجتمع، هذا التأثير الذي يتجاوز بمراحل تأثير الوعظ؛ إذ أن المستبد المستنير يستطيع وبفترة زمنية قصيرة أن يصلح ما فسد ويصوب ما اعوج ويقيم الحق والعدل ويعزز قيم النزاهة والعدل والإخلاص من خلال استخدام سلطته وسطوته ومن خلال الضرب بيدٍ من حديد على أيدي الفاسدين، والاستعانة بالأشخاص الأكفاء والمعروفين بالنزاهة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. وتتميز هذه الوسيلة بمفعولها السريع والشامل وبقدرتها على تغيير الأحوال في وقتٍ قياسي، إلا أن من عيوبها أن تأثيرها لا يستمر لمدة طويلة وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً ببقاء واستمرارية السلطة القوية أو المستبد المستنير، فضلاً عن أن الأسلوب الاستبدادي - ومهما كان مستنيراً - سينتج حتماً الكثير من السلبيات التي ستترك أثرها السيء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الوسيلة الثالثة: النظام الاقتصادي الحديث
إن وسيلتي الوعظ والحكم الرشيد ( المستبد المستنير ) من الوسائل القديمة التي استخدمتها البشرية عبر تاريخها من أجل التصدي لآفة الفساد، إلا أنه ومع بداية العصر الحديث ظهرت وسيلة جديدة أكثر قوةً وأعمق أثراً تمثلت بتطوير نظام اقتصادي حديث تكون ممارسة الفساد فيه عملية صعبة جداً، وهذه الوسيلة لا تعتمد – بالدرجة الأولى - على الوعظ والوازع الأخلاقي ولا على سطوة الحكم وصلاحه، بل تعتمد على آلياتها الداخلية وفلسفتها المنبثقة من النظام الرأسمالي القائم على ثنائية الربح والخسارة، إذ ووفقاً لهذا النظام الاقتصادي فإن تحقيق الربح المادي يعتمد على العمل الجاد والجهد المخلص والقدرة على التطور والمنافسة والابتكار، بينما الغش والخداع والفساد لا يؤدي إلا إلى الخسارة والتراجع والخروج من دائرة التنافس. كما إن هذا النظام الاقتصادي انتج لنا نظام الخصخصة والشركات والمؤسسات الاقتصادية العملاقة والأنظمة المالية والإدارية المعقدة الأمر الذي أسهم في خلق بيئة طاردة للفساد والإفساد ولكل ما يؤدي إليهما أو يشجع عليهما، فضلاً عن تأثيرات هذا النظام على البنية السياسية والفكرية والاجتماعية للشعوب والدول بالشكل الذي يضع مزيد من العقبات أمام تنامي أو اتساع دائرة الفساد، وعلى الرغم من كفاءة هذه الوسيلة وقدرتها الفذة على تطويق الفساد وحصره ضمن الحدود الدنيا إلا أن مشكلتها الأساسية تتمثل بصعوبة الوصول إليها وتطبيقها، فحتى الوقت الحاضر لا يوجد سوى عدد محدود من الدول الناجحة في توظيف وتطبيق تلك الوسيلة والاستفادة منها، بينما ما زالت أغلب الدول تعتمد على الوسيلة الأولى والثانية.
إن مكافحة الفساد تستدعي تفعيل الوسائل الثلاث وتطويرها وتوظيفها بشكلٍ جيد، إلا أن الكثير من الدول ومنها العراق لن تستطيع استخدام سوى الوسيلة الأولى ( الوعظ ) والوسيلة الثانية ( الحكم الرشيد القوي ) أما الوسيلة الثالثة ( النظام الاقتصادي الحديث ) فإنها لن تستطيع استخدامها لعدم توفرها في الوقت الحالي على الأقل، لكنها تستطيع وضع خطط واستراتيجيات قد تمكنها في المستقبل المتوسط أو البعيد من تفعيلها وتحويلها إلى سلاح فعال لمكافحة الفساد. فيما يتعلق بالوسيلة الأولى يمكن القيام بالآتي:
1 – حث وسائل الإعلام وبخاصة الإعلام الرسمي على تسليط مزيد من الضوء على مخاطر الفساد والتعريف بآثاره السلبية المدمرة التي تطال كل مفاصل الحياة، مع التركيز على رفع الوعي المجتمعي بالنتائج والتداعيات الكارثية المترتبة عليه.
2 – توجيه أئمة وخطباء المساجد لتناول قضايا النزاهة والفساد في خطبهم وإرشاداتهم الدينية، والتركيز على المعاني والقيم السامية التي جاء بها الدين من صدق وأمانة وإخلاص.
3 – العمل على نشر ثقافة النزاهة من خلال المسار التربوي والتعليمي سواء من خلال محاضرات متخصصة أو إدراج مواد دراسية تناقش خطورة الفساد، وتعزز مفاهيم النزاهة والسلوك القويم، وتوضح وتشرح أهميتها في بناء الأوطان وارتباطها بعملية النهوض الحضاري.
4 – الاستعانة بالتنظيمات القبلية والعشائرية ومجالس الأسر والعوائل من أجل دعم ونشر القيم والسلوكيات الإيجابية الموجودة في الإرث الاجتماعي وفي منظومة العادات والتقاليد وتنحية وإدانة السلوكيات السلبية.
5 – التركيز على مؤسسة الأسرة وعلى دور الأبوين في التنشئة الأخلاقية السليمة للأبناء وزرع قيم الإخلاص والأمانة في نفوسهم منذ الصغر.
الوسيلة الثانية والمتمثلة بدور السلطة فيمكن تفعيلها من خلال :
1 - تشديد وتعزيز آليات الرقابة الحكومية والارتقاء بعمل اللجان الرقابية كماً ونوعاً، وتفعيل القوانين والإجراءات المتعلقة بمكافحة الفساد.
2 – تشريع القوانين المشدَّدة والعقوبات الرادعة للفساد وجعلها من أقسى العقوبات، والتعامل مع جريمة الفساد بوصفها جريمة كبرى لا يشملها عفو ولا تسقط بالتقادم وترتقي لمستوى الخيانة العظمى ومرتكبها يستحق أشد أنواع العقوبات.
3 – تفعيل قانون ( من أين لك هذا ) ومتابعة الذمة المالية للمسؤولين وللمقربين منهم ولأقاربهم من الدرجة الأولى والثانية وحتى الثالثة.
4 – فرض سيطرة مركزية قوية ومعايير دقيقة على عملية تعيين الأشخاص في المناصب المهمة من أجل ضمان أن تؤول تلك المناصب للعناصر الكفوءة والمخلصة.
5 – إشراف السلطة المركزية بشكلٍ مباشر على القضايا المالية وحركة تنقل الأموال وأبواب الصرف الرئيسية وتدقيق الحسابات الختامية.
6 – الاستعانة بالخبرات الدولية من أجل تأسيس نظام اقتصادي أقدر على مكافحة الفساد.
7 – وضع الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بمعالجة مشاكل الفقر والبطالة والتفكك الاجتماعي وباقي المشاكل المجتمعية التي تسهم بخلق بيئة مؤاتية للفساد، كذلك يجب تجنب الدخول بأية حروب أو صراعات مهما كان نوعها أو شكلها.
أما الوسيلة الثالثة ( النظام الاقتصادي الحديث ) فإن الوصول إليها ومن ثم تفعيلها يحتاج إلى القيام بـ:
1 – تشبيك الاقتصاد الوطني مع الاقتصاد العالمي والانفتاح أكثر على الرؤى والأفكار والمسارات الاقتصادية الحديثة.
2 – الإقلال قدر الإمكان وبشكلٍ تدريجي من دور القطاع العام وبالمقابل تفعيل وزيادة دور القطاع الخاص، وصولاً إلى انتاج بيئة اقتصادية سليمة وقوية قائمة على نظام الخصخصة.
3 – تشجيع الاستثمارات الأجنبية وبخاصة الشركات والمؤسسات الاقتصادية ذات السمعة العالمية الرصينة، من خلال توفير البيئة الآمنة وتقديم التسهيلات الإدارية والحوافز والمغريات الاقتصادية.
4 – السعي إلى عقد معاهدات والدخول في تحالفات مع الأطراف والقوى العالمية المهيمنة، وتوثيق وتقوية العلاقات معها على المستويات كافة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
5 – العمل على دراسة وتحليل التجارب الرائدة للشعوب والدول التي تمكنت من النجاح في عملية الانتقال من نظام اقتصادي متخلف وضعيف إلى نظام قوي وحديث يلبي متطلبات العصر في فترة زمنية قصيرة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا.



#فارس_تركي_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموقف الأمريكي من الحرب الروسية الأوكرانية، التشكُّل والأسب ...
- فخ القوة والانسحاب الأمريكي من افغانستان
- الخلاصة
- غياب منظومة حقوق الانسان
- التاريخ العربي وفلسفة القوة
- التاريخ العربي والمنهج الوعظي 2
- االتاريخ العربي والمنهج الوعظي 1
- التاريخ العربي والمنهج الوعظي
- التاريخ العربي والديكتاتورية 2
- التاريخ العربي والديكتاتورية
- الفعل الصحراوي 2
- الفعل الصحراوي 1
- خامساً: الصحراء والعقلية البدائية
- رابعاً: الصحراء وفلسفة القوة
- ثالثا: الصحراء والمنهج الوعظي الخطابي
- ثانياً: الصحراء والديكتاتورية
- الصحراء والسمات البدائية، أولاً: الصحراء والعقل الجمعي
- الحضارة الاوربية الحديثة
- الظروف الجغرافية لليونان
- ايقونات التمدن 3


المزيد.....




- وزير الخارجية الأمريكي يزور السعودية لمناقشة وضع غزة مع -شرك ...
- السلطات الروسية توقف مشتبهاً به جديد في الهجوم الدامي على قا ...
- حماس تنشر مقطع فيديو يوضح محتجزين أمريكي وإسرائيلي أحياء لدي ...
- حزب الله يقصف إسرائيل ويرد على مبادرات وقف إطلاق النار
- نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب بسام محي: نرفض التمييز ضد ...
- طلبة بجامعة كولومبيا يعتبرون تضامنهم مع غزة درسا حيا بالتاري ...
- كيف تنقذ طفلك من عادة قضم الأظافر وتخلصه منها؟
- مظاهرات جامعة كولومبيا.. كيف بدأت ولماذا انتقلت لجامعات أخرى ...
- مظاهرة طلابية في باريس تندد بالحرب على قطاع غزة
- صفقة التبادل أم اجتياح رفح؟.. خلاف يهدد الائتلاف الحكومي بإس ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فارس تركي محمود - ماهية الفساد وأسبابه