أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الصادق عبدلي - قواعد من أجل حضيرة بشرية - بيتر سلوتردايك -















المزيد.....

قواعد من أجل حضيرة بشرية - بيتر سلوتردايك -


الصادق عبدلي

الحوار المتمدن-العدد: 7665 - 2023 / 7 / 7 - 22:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بيتر سلوتردايك، قواعد من أجل حضيرة بشرية، في الرّد على رسالة هيدغر في الإنسانيّة[1] ترجمة : الصادق عبدلي

لا جرم، "أنّ الكتب هي من أعظم الرّسائل الموجّه للأصدقاء". هكذا لوّح ذات يوم الشّاعر[2] جـان بول بقوله. وقد كانت هذه الجملة[3] التي تحمل توقيع كاتبها متمثّلة جوهريا في مائيّة ووظيفة الإنسانيّة: تعني إبداع صداقة عبر وسائل الاتصال بواسطة الكتابة. فمنذ ردح من الزّمن أطلق شيشرون[4] اسم الإنسانيّة[5] التي لم يكن لها من قبله سميّا، وتعود رأسا بالمعنى الدّقيق والواسع إلى إحدى تبعات الأميّة[6]. هاهنا حيث تكون ثمّة الفلسفة كجنس من أجناس الكتابة الأدبيّة تجيّش فيْلقا من أنصارها للكتابة في مسائل الحبّ والصّداقة، ولكن بطريقة جدّ سيئة. فلا ريب، أنّ ذلك الخطاب مدار القول فيه ليس حول “حبّ الحكمة”[7] فحسب، بل من الآكد أنّه يريد جرّ الآخرين نحو هذا الحبّ.
وفضلا عن ذلك، فإنّ الفلسفة المكتوبة[8] بعدما ظلت مذ ألفين وخمسة مائة سنة إلى اليوم مستهجنة وغير معروفة، رغم اقتدارها على خلق أصدقاء من خلال النصّ. وبالرغم من جميع الأخطاء الموجودة في النسخ، فقد عبّدت الطريق نحو توطيد الصّداقة عبر الأجيال المتعاقبة كسلسلة ملحميّة، وبالطبع ربّما بفضل تلك الأخطاء قد ساعدت في ظهور نسّاخ ومؤولين تحت هالة من الإبداع للصّداقة.
بلا ريب، قد كان مكتب استقبال الرّسائل اليونانيّة من خلال الرّومانيين يعدّ الجزء الأساسيّ لهذه السلسلة من الرّسائل، وأنّ التّملك الوحيد لها حسبهم يتمثّل في اكتشاف النّص اليوناني للإمبراطورية ما بعد سقوط روما الغربيّة، وإعادته بشكل سلس في الثقافات الأوروبية اللاحقة وإن على الأقل بطريقة غير مباشرة. ومن الآكد أنّ المؤلفين اليونانيّين قد تساءلوا يوما ما عن مدى معرفة أيّ الأصدقاء الذين سيعملون على معرفتهم للرّد على رسائلهم. والحقيقُ أنّ ذلك سيدخل ضمن قواعد اللّعبة[9] في الثّقافة المكتوبة. وعليه يبدو أنّ هؤلاء المراسلين يجهلون حقّا أيّهم المتلقي الحقيقيّ. فبالرغم من ذلك كلّه، فقد تورّطوا للنّخاع مشيّا في طريق محفوف بالمخاطر من أجل إيصال رسائلهم إلى أصدقاء مجهولين. ولكن بدون تشفير[10] الفلسفة اليونانيّة[11] على بُردي الرسائل المحمولة والتي من غير الممكن إرسال هذه الوسائل البريدية التي جرت العادة على تسميتها بالتقاليد[12] والتي لن يستطيعوا إرسالها في إبّانها.
فلا غرو، أنّه بدون القرّاء اليونانيّين[13] الذين وضعوا أنفسهم على ذمّة الرومان من أجل مساعدتهم على فكّ عُقد عويص رموز الرّسائل المستقبلة من لدُن اليونان. فإنّ هؤلاء الرومان أنفسهم فشلوا في ربط صداقات مع المراسلين. إذن، تفترض الصّداقة وجود شرطين اثنين لا ثالث لهما؛ الشرط الأوّل: توفر الرّسائل ذاتها والشرط الثّاني: تواجد سعاة البريد أو المؤوّلين. وعلى العكس من ذلك، فبدون رغبة القرّاء الرّومانيين في ربط صداقات مع اليونانيّين، ما كان هناك نقص في المستلمين للرّسائل.
بيد أنّ الرّومان لم يحترموا قوانين اللّعبة[14] بالرغم من تورّطهم فيها بكلّ ما أوتوا من قوّة عند استقبال الرّسائل. وبشكل حِرفيّ عندما وصلت الرّسائل اليونانيّة إلى الغرب الأوروبيّ الذي ما يزال يقيم فيه اليوم المهتمون بالإنسانيّة وإن لم تأت بعد[15]. وبالجملة لن تكون أيضا وجود لظاهرة الإنسانيّة. أجل، لن تؤخذ بقوّة وبأي شكل من الأشكال الخطاب الفلسفيّ اللاتيني. فبقدر ما ستكون الظاهرة الإنسانيّة[16] متأخرة وإن ستأتي لاحقا كثقافة فلسفيّة في لغة قوميّة. هاهنا يدور اليوم حديثنا باللّغة الألمانيّة مدار القول فيها حول أشياء بشريّة[17]. فهذا الإمكان[18] يعود في الأخير إلى ميْلِ طبيعي لدى الرّومان في قراءة الكتابات المدوّنة من لدُن المعلّمين اليونانيّين كما لو كانت رسائل من أصدقاء يعيشون في ايطاليا.
فإذا وضعنا نُصب أعيننا اعتبار النتائج التاريخية لهذا التوافق بين اليونان والرّومان خصوصا في التّراسل عن طريق البريد. وهاهنا سيبدو لنا ذلك شيئا بديهيّا ومتميّزا في الكتابات الفلسفيّة المتمثّلة رأسا في التّحرير والإرسال والاستلام.
فلا مُشاحّة في القول أنّ كاتب هذه الرّسائل –الحِبيّة- التي موضوعها الصداقة أنّى يرسل كتاباته إلى العالم رغم عدم إحاطته علما بالمستلمين لها وحتّى وإن كان يحيط علما بالمستلمين لها، فأنّه لا محالة سيدرك تمام الإدراك أنّ رسالته ربّما تجاوزت سقف توقعاته. وقد تسنح له الفرصة لعدّة إمكانيات أخرى لا محدودة من أجل توطيد علاقات صداقة مع جنس آخر من القرّاء لم يكن لهم من قبل سَميّا أو لم يولدوا بعد.
فمن وجهة نظر العلم الشّبقي[19]، فإنّ هذه الصّداقة الافتراضيّة[20] بين أولئك الذين يحرّرون الكتب أو الرّسائل وهؤلاء الذين يستقبلون الرّسائل التي تؤسس لحالة حبّ على مدى بعيد. ومهما كان هذا الثّمن[21]، فإن المعنى ذاته المشار إليه من لدن نيتشه، والذي كان على يقين بأنّ الكتابة لديها القدرة على تحويل الحبّ العذري والدفين[22] إلى حبّ من أجل الحياة المجهولة والممعنة في المضي بعيدا والآتي الذي لم يأت بعد. وليس ذلك فحسب[23]، بل أنّ الكتابة[24] تمد جسرا[25] تواصليّا[26] بين الأصدقاء الدائمين والذين ينؤون عن بعضهم البعض مسافات جغرافية.
ولكن الكتابة ستجري عملية[27] في المجهول وسترسل إغراءً في الآفاق البعيدة والتي سمّيت في لغة السّحر في أوروبا القديمة بـ"التأثير عن بعد"[28] من أجل إماطة اللّثام عن صديق مجهول الهويّة ودعوته إلى الانضمام إلى “رابطة الأصدقاء”[29]. وفي الواقع[30] إنّ القارئ يستطيع أن يشرح هذه الرّسالة العظيمة[31] ويمكن فهم[32] الكتاب بكونه بطاقة استدعاء[33] ليس إلاّ. فلا استغراب إذن أن تأثر القراءة فيه أيّما تأثير، وعندها فقط، سينخرط القارئ ضمن رابطة المراسلين[34] وحينها سيقرّ باستلام الرّسائل.



________________________________________
[1] -Peter Sloterdijk, Regeln für den Menschenpark: Ein Antwortschreiben zu Heideggers Brief über den Humanismus, Suhrkamp Verlag, Frankfurt am Main, 1999, S,7 sq.
- نلفت الانتباه هنا إلى الأخذ بترجمة اسم الكاتب بـ"بيتر سلوتردايك" جريا على العرف الفلسفي مثلما ترجمه فتحي المسكيني في تصدير لكتاب "نقد العقل الكلبي" عن “مجلة يتفكرون” وناجي العونلّي لكتاب "نقد العقل الكلبي" المجلد الأوّل والثاني وترجمة علي مصباح "إنجيل نيتشه" بدل "بيتر زلوترديك" الذي سبق أن ترجمه المفكر المغربي محمّد الشيخ في ترجمة حوار له. وجميع هذه النقول تعدّ إيَاء شمس الفلسفة نهتدي بها ونستأنس بقبسها. را: محمّد الشيخ وياسر الطّائري، مقاربات في الحداثة وما بعد-الحداثة، دار الطليعة –بيروت، الطبعة الأولى، 1996، الفصل الخامس، ص.145.
كذلك ننبّه هاهنا إلى أنّ بعض النظّار في الفلسفة وقف بعضهم على نقل العنوان في النسخة الفرنسية بترجمة أوليفي مانوني بـ"قواعد من أجل حديقة إنسانيّة" أو "قواعد من أجل حظيرة إنسانيّة" ولكنّنا نعوج على ترجمته في أصله بـ"قواعد من أجل حضيرة بشريّة" لما في معنى "الحضيرة" من قرابة في المعنى المشار إليه في الكتاب وهي تعني "الحضيرة" في المعجم الوسيط من دلالات حافة بها مثل "جماعة القوم أو المعدُّون للقتال منهم والحضيرة من العسكر مُقَدَّمَتُهُم والجمع حضائر وحضير".
[2] - der Dichter عبارة "الشاعر" ساقطة من الترجمة الفرنسية تحت يراعة أوليفي مانوني را:
Peter Sloterdijk, Règles pour le parc humain, traduit de l’allemand par Olivier Mannoni, édition, Mille et une Nuits, 2000, p.7.
[3]- diesem Satz
[4] - Ciceros
[5] - humanitas عبارة كتبت باللغة اللاتنية في النّص.
[6] - der Alphabetisierung
[7] - die Liebe zur Weisheit
[8] - die geschriebene Philosophie
[9] - den Spielregeln
[10] - Ohne die Codierung
[11] -der griechischen Philosophie عبارة ساقطة من ترجمة الفرنسية للمترجم أوليفي مانوني.
[12] - die Tradition
[13] - aber ohne die griechischen Lektoren في الترجمة الفرنسية لمانوني يحافظ على "الترجمة التحصيلية" بتعبير طه عبد الرحمان وتذهب إحدى الترجمات الفرنسية الرقمية إلى ترجمت العبارة بـ" القرّاء الهلينستيين" (les lecteurs hellénistiques).
[14] - Rezeptivität in das Spiel
[15] - niemals erreichtعبارة ساقطة في ترجمة مانوني.
[16] - das Phänomen Humanismus
[17] - humanen Dingen
[18] - diese Möglichkeit
[19] - erotologischer
[20] - die hypothetische Freundschaft
[21] - und dies durchaus
[22] - die Liebe zum Nächsten und Nächstbesten
[23] - nicht nur
[24] - die Schrift
[25] - Brückenschlag
[26] -einen telekommunikativen
[27] - eine Operation
[28] - actio in distansكتبت باللغة اللاتينية في النّص.
[29] - den Freundeskreisتعني حرفيا "دائرة الأصدقاء" ولكن الأحرى ترجمتها بـ"نادي الأصدقاء" ونفضل ترجمتها بـ"رابطة الأصدقاء" قياسا على "الرابطة القلمية" التي تأسست سنة 1920 وترأسها جبران جليل جبران للجمع بين أدباء المهجر.
[30] - Tatsächlich
[31] - dickeren Brief
[32] - verstehen
[33] - eine Einladungskarte
[34] - Kreis der Angesprochenen



#الصادق_عبدلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما تلك الفلسفة إلاّ احتقالا للوجود وحرثا له
- الفلسفة بما هي فلاحة الوجود
- كيف نتقن الدخول في الفلسفة؟
- كوجيطو الصداقة -أنا لا أكره- مختارات من كتاب -الفيلسوف فتحي ...
- قراءة في كتاب -الهجرة إلى الإنسانية- للفيلسوف فتحي المسكيني* ...
- قراءة في كتاب -الهجرة إلى الإنسانية- للفيلسوف فتحي المسكيني* ...
- سليم دولة الفيلسوف والكاتب الحرّ... من -الجراحات والمدارات- ...
- الطوبوفاجيون أو آكلي لحوم البشر تحت راية الله قراءة في رواية ...
- من هو الفيلسوف بيتر سلوتردايك؟ (2)
- من هو الفيلسوف بيتر سلوتردايك؟ (1)
- رأس الفنّ أنّه لا رأس له : سفر مع نيتشه وهيدغر وأدورنو
- ميشال فوكو وتدجين الكينونة
- تبيان وتبيين -الوجودي والوجوداني- في كتاب مارتن هيدغر، -الكي ...
- مارتن هيدغر وهيرمنوطيقا الهُم/الناس: الدّازين والآخرية (الهُ ...
- فتحي المسكيني الفيلسوف والمترجم:
- هل أعلنت الفلسفة عن إفلاس بنوكها؟ قراءة في فكر الفيلسوف التو ...
- الشاعر والفيلسوف فتحي المسكيني: تعليق على قصيدة بعنوان -الشه ...


المزيد.....




- بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو ...
- مسؤول أمريكي يكشف مكونات اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل ...
- شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل ...
- غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟
- تونس.. تواصل غلق معبر راس جدير الحدودي مع ليبيا واكتظاظ كبير ...
- هل تفجر انتفاضة الجامعات حربا أهلية في أمريكا؟
- - أشعر أنني منبوذة لأنني لا أريد إنجاب أطفال-
- بايدن: احتجاجات طلبة الجامعات لم تجبرني على إعادة النظر في س ...
- الولايات المتحدة تتهم روسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرا ...
- أردوغان غاضب من -نفاق الغرب-.. وأنقرة تعلن تعليق التعاملات ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الصادق عبدلي - قواعد من أجل حضيرة بشرية - بيتر سلوتردايك -