أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الصادق عبدلي - تبيان وتبيين -الوجودي والوجوداني- في كتاب مارتن هيدغر، -الكينونة والزمان-، ترجمة فتحي المسكيني، (دار الكتاب الجديد المتحدة2013.)















المزيد.....


تبيان وتبيين -الوجودي والوجوداني- في كتاب مارتن هيدغر، -الكينونة والزمان-، ترجمة فتحي المسكيني، (دار الكتاب الجديد المتحدة2013.)


الصادق عبدلي

الحوار المتمدن-العدد: 4472 - 2014 / 6 / 3 - 16:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


اقتفاء بعبارة باسكال "أن نسخر من الفلسفة هو في الحقيقة أن نتفلسف" « se moquer de la philosophie c’est vraiment philosopher » (Pascal , Pensées)، وأسوة بمفكر الغابة السوداء مارتن هيدغر حيث يقول: "لا نستطيع الهروب من الفلسفة" « On ne peut pas échapper de la philosophie ». فإنّ مطلوبنا الفلسفي هو محاولة للإجابة عن الموضوع : الوجودي والوجوداني لدى هيدغر ضمن كتابه "الكينونة والزمان"،(Sein und Zeit) الذي أتقن مخابئ اللغة الفلسفية وإطلع على أسرارها، وكشف عن الصعوبة الثاوية خلف الميتافيزيقا التقليدية التي تدغم الكائن مع الكينونة ولا تفرق انطولوجيا بينهما[1]
-)« Martin Heidegger : « La métaphysique présente l’étant dans son être et pense ainsi l’Ê-;-tre des étants. Mais elle ne pense pas la différence entre les deux.»(
ومن هذا التشابه حد التطابق وقعت في نسيان الكينونة " بمعنى أنّ الميتافيزيقا لا تفكر وليس بإستطاعتها التفكير في الإختلاف" أو الديافرولوجيا[2]،
)Youssef Ben Ahmed, De la Diaphorologie, la pensée de la différence selon Martin Heidegger, Centre de Publication Universitaire, 2007.p 31 : « C’est -dir-e que la métaphysique ne pense pas et ne peut pas penser la différence »(
فبدا الأمر لدى هيدغر إعضالا فلسفيا لا يمكن تسريحه إلاّ بدفع السؤال إلى أقصى تخومه ألا وهو السؤال عن معنى الكينونة وجعله قبلة لأسئلته، ومن هذه الجهة أمكن له أن يمسك بتلابيب الدّازين الذي هو نحن كلّ مرّة، يراوح بين الوجودي الأنطيقي الذي يظهر من خلال سؤال لماذا؟ ein Was ? للإجابة عن المقولاني كالكائن والطبيعة، والوجوداني الذي يثوي خلف سؤال من؟ ein Wer ? ينبثق من خلال فهم الدّازين للكينونته. وهو تلازم طريف يشبهه سلانسكي بـ"القصة الفلسفية" تأخذك داخل أنفاق الوجود بحثا عن السؤال من نحن؟ في خضم الوجود الأصيل واللاأصيل. وبهكذا طريقة حاولنا الوقوف على الدلالات الحافّة لهذين المفهومين الوجودي والوجوداني والتوصل إلى التمييز بينهما. ومن هذه الكوّة الفلسفية يوقفنا هيدغر ويستوفقنا على جملة المعاني الفلسفية التي وقع تذليلها في كتابه المذكور آنفاً ومنه عقدنا العزم على كشف أوجه التعارض بين الوجودي والوجوداني. ولكننا انطلقنا من تبيان وتبيين مصطلح الكينونة وعلاقتها بالوجود حتى يتسنى لنا الإجابة عن السؤال المبحوث عنه المشار إليه آنفا.
ليس من العبث أن نولي اهتمامنا بـ هيدغر مفكر الغابة السوداء و"سيد الفكر" بعبارة غادامير، الذي صارت فلسفته قبلة للفلاسفة كلّ ينهل منه ويعود إلى بدء الفكر وأصالته التي تثوي خلفها أصالة المفكر، بحثا عن المعنى الحآق والحقيقي. في كتاب "الكينونة والزمان" وكشف المعضلة التي باتت مشكلا فلسفيا لم يحسم بعد لدى هيدغر وهي تتمثل في نسيان الكينونة ورأس الأمر هو أن الميتافيزيقا لم تفرق بين الكائن والكينونة والإختلاف الأنطولوجي بينهما. وبما أنّ الفكر أصدق إنباء من الهذر والمدر. وهكذا خطّ هيدغر سكّة معقولة من الأنطولوجيا إلى الأنطولوجيا الأساسية وقام بتخليص الفكر من المغلطات والأغاليط وكتابة تاريخ الكينونة التي تتحرك في أفق الزمان، عودة إلى الماضي بإعتبار الدّازين واقعاني لمعاودة فهمه وجعله حاضرا بيننا. وهذا الإستنباط الجديد في قراءة التاريخ من الجهة المستقبل. إنّه لضرب من الإعجاز الفكري الذي لم تستطعه الأوائل الإتيان به. ولذلك ارتأينا أنّ الحوار مع نصوص هيدغر شبيه بمغامرة تسلق الجبال. فلا ريب، أنّ ديدن هيدغر هو الإجابة عن السؤال معنى الكينونة. ولما صارت الكينونة لا تفهم إلاّ في أفق الزمان. فحرّي بنا أن نتسائل ما تكون هذه الكينونة؟ وما أوجه التعارض بين الوجودي والوجودانيّ؟
-الكينونة والوجود: بلا ريب، أن لفظة "الكينونة" استعصت على المترجمين العرب، فتعددت مسمياتها، فأطلق عليها عبد الرحمان بدوي في كتابه "الزمان الوجودي" "الآنية"، وآخرون وهم كثر لفظ "الإنيّة" أسوة بالكندي "الرسائل" والفارابي في كتابه "الحروف"، وأطلق عليها اسم "الموجود" و"الموجد" اشتقاقا من فعل "الوجود"، ونشير هاهنا إلى اعتبار « Sein » «être »، أقرب إلى مصطلح "الكينونة" من غيره من المصطلحات تمشيا مع ترجمة الفيلسوف فتحي المسكيني لكتاب "الكينونة والزمان" [3](دار الكتاب الجديد المتحدة2013.) ، وأقربها لدى غيره من المفكرين العرب كالمفكر المغربي طه عبد الرحمان في كتابه "الحق العربي في الإختلاف الفلسفي" الذي اعتبر أن ترجمة « Sein » «être »أقرب منه إلى الكينونة من غيره من المقاربات.
لا مُشّاحة في القول أنّ مصطلح "الكينونة" Sein » «être ليست هي، « essentia » اليونانية ولا هي « existentia »، الحديثة وإنّما هي تحمل ماهيتها في صلبها وتشتق إمكانياتها من داخلها وليس من خارجها كالذاتية الديكارتية، فالكينونة هي الخروج نحو، هي الإنكشاف والظهور في العالم، وبالتالي فلا معنى للكينونة خارج العالم ولا للعالم في غياب الكينونة، فبينهما سرّ وتلازم لزوم الألف لللام كما تقول متصوفة العرب. فالمفتاح السحري [4]حسب جون غرايش هو أن الكينونة توجد والكائن يكون، ومن هذه الجهة أمكن لهيدغر التمييز بين الوجودي والوجوداني. بين ما يهم الكائن وما يخصّ الكينونة.
فما الفرق بين الوجودي والوجوداني في كتاب "الكينونة والزمان" (Sein und Zeit)؟
إنّ الفرق بين المفهومين الأساسيين حسب مارتن هيدغر لا بد أن تقرأ من جهة السؤال عن معنى الكينونة بما هو رأس الأمر هاهنا. وبالتالي لا يخلو السؤال من إجابة متضمنة فيه، ولذلك يسوق هيدغر جملة من المفاهيم التي أبدع في صنعها كالوجودي والوجوداني . فما الذي نعنيه بالوجودي؟
إنّ مفهوم الوجودي يشار به إلى الوجود في ظاهره الأنطيقي كالكائن الذي أمامنا الطبيعة بأشيائها التي لا ترقى إلى فهم الكائن والعالم المحيط به. ويطلق عليها هيدغر مفهوم المقولاني الذي يفهم من خلال سؤال لماذا؟ يسائل الكائن المتحدر من الطبيعة وليس من جنس كينونة الدّازين ويسميها هيدغر بـ"القيمومة" (Vorhandenheit). يقول هيدغر:" إنّ الوجودانيّات والمقولات هما الإمكانيات الأساسيتان لطباع الكينونة والكائن المقابل لهما في كلّ مرّة طريقة مختلفة في المساءلة الإبتدائية: إنّ الكائن إمّا من (الوجود) وإمّا ماذا (القيمومة بالمعنى الأوسع)". فمن ظاهرة العالم نحو العالمية توفر لنا ورشة من المفاهيم دلّت على المستوى الوجودي والوجوداني التي بحوزتها، ونفهم ذلك من خلال علاقة الكينونة بالعالم تتضح من خلال الكينونة الهناك « Das Da » وهي التي من جهتها تستنير الكينونة ككينونة في العالم وإزاء ذلك يتبدى لنا ثلاثة مكوّنات أساسية وجودانيّة العالم والدّازين بوصفه كينونة في العالم وكينونة الفيّة، فنلحظ أنّ العالم لدى هيدغر ليس العالم الذي دشنه ديكارت لا على الرمال وإنّما على صلصال الكوجيطو كشيء ممتد « Res extensa » وليس كلية متصورة كإمكانية التجربة حسب كانط، وغير ما خطّه اللاهوت الدنيوي في مقابل السماوي، وليس ما درج عليه أفلاطون وأفلوطين وأغسطين الروحي في مواجهة الحسي، وبالتالي مفهوم العالم حسب هيدغر متعدد الدلالات والمعاني: فهو له معنى وجودي أنطيقي Ontisch، يجمع كلّ الكائنات بما فيها كينونة الكائن من جنس الدّازين كالدّازين اليوميّ و"الناس/الهُم"، فالعالم في شيئيته لا يخبر إلاّ على القيمومة بما هي ليست إلاّ أشياء قائمة أمامنا أو نصادفها، فننشغل بها، فتتحول إلى كينونة-تحت-اليد (Zuhandenheit)، وعلى العكس من ذلك، ينظر إلى العالم كظاهر قابلة للتأويل بإعتبارها الوجود الذي تنخرط فيه الكينونة. فبلا معاندة لا كينونة بدون عالم ولا عالم بدون كينونة. وبالتالي يتصدّع الرأي الديكارتي الذي يخلط بين الكائن والكينونة ومنه بدا له العالم وجودي مقولاني كإمتداد للأشياء فيه، دون التفطن إلى كونه وجوداني بالأساس. لأنّ العالم في معناه الوجوداني هو إنفتاح الكينونة على ما في وجودها من إمكانيات تختارها بنفسها دون إمرّة ما تصادفه أو تلتقي معه، وبالتالي العالم هو إنكشاف الكينونة على ذاتها من خلال الفهم كبنية أساسية وجودانية للدّازين، حيث يقول هيدغر في كتابه "رسالة في الإنسانوية" « Ü-;-ber der Humanismus »:"إنّ العالم هو نور الكينونة يظهر الماهية الملقاة للإنسان" (ص.100). ومن الوجودي إلى المعنى الوجوداني للعالم من خلال الإنفتاح نحو مفهوم العالميّة ومن هذا البدء الفلسفي الهيدغري اختط في كتابه العمدة "الكينونة والزمان" أنّ ظاهرة العالم لا تفهم إلاّ برد الذاتية إلى كونها كينونة نحو-الموت. ونظرية المعرفة إلى الأنطولوجيا الأساسية والحقيقة إلى الكينونة. وتبعا لذلك يتهافت تاريخ الأنطولوجيا وتتحول الأنطولوجيا إلى فينومينولوجيا أو أنطولوجيا الأنطولوجيا بعبارة أوجين فينك. فلا ريب أنّ هيدغر كشف عن اختلاف بين المقولاني والوجوداني من حيث التضاد بين سؤال لماذا؟ وسؤال من؟ ومن هذه الجهة نستوعب الفرق بينهما. فيتبين لنا تبيينا أن نمط الوجودي يشار إليه من خلال الكائن الذي نصادفه والذي يكون ولا يوجد لأنّ فعل الوجود ينسب إلى كينونة الدّازين وحده، وفي معنى ما يقوله هيدغر في سياق الجملة الكائنات تكون كالصخر والأشياء والإله يكون ، أمّا الدّازين وحده هو الذي يخط وجوده عن اختيار وحرية. ويتبدى معنى الوجودي من خلال العالم المحيط عالم الوسطية الأنطقية التي تجعل من الدّازين دّازين يومي ينغمس في البحث عن لذة يصيبها أو منفعة يحققها ويلهو عن معنى الكينونة وينخرط في شعاب اليومي غير مكترث بكينونته الأصيلة ويتحول إلى دّازين يومي لاأصيل يمحي إلى حدّ يكون إمّعة في غيرية الهُمْ –النّاس التي تسلبه حريته وتجعله في عبودية تامّة لها مغلوب على أمره، غريبا عن وطنه die Heimat بمعنى المشار إليه عن كينونته المنوط بعهدة الإجابة عن معناها وكشف النور الذي يتغشاها، لكن تحول الهم-النّاس إلى دكتاتور يثبط عزيمته ويفقده رباطة جأشه. فيرغمه ويجبره على أن يعيش هذه التجربة المبتذلة والتافهة بعبارة جون غرايش وإن كان هذا اختياره أو حتى عدم اختياره هو أيضا كما يقول جون غرايش هو ضرب من الإختيار.[5] فيمارس سلوكاتهم وعاداتهم ويصير ابنا لعوائدهم يجذبه سحر القيل والقال ويسكن عالم الفانطاسيا والخيال والهلاميات الغرائبية والعجائبية وكما يقض مضجعه الفضول وحبّ الإستطلاع ويكتنفه الإلتباس والغموض . وهي أـنماط وجودية أنطيقية ليست من نمط كينونة الدّازين في ظاهرها غير أصيلة ولكنها شرط ضروري للعبور نحو الأصيل وهو ضرب من التلازم بين الوجودي والوجوداني رغم الإختلاف الجوهري بينهما. فإنّ ما يميّز الوجودي عن الوجوداني هو أنّ الوجودي الأنطيقي ليس بنية أساسية في تكوين الدّازين ولا تساعده في فهم كينونته بل هي أنماط لا يختارها بنفسه وإنما هو كينونة مقذوفة في العالم (من خلال الإنحطاط الذي يحيل على واقعانية الدّازين) عليها أن توجد أو لا توجد تبحث عن معنى لوجودها فإمّا أن تبحث عن وجودها الأصيل من خلال فهمها لذاتها أو تعيش سبهللا في وجود لا أصيل.
فلا ريب أنّ الكينونة في العالم تصوّب نحو فهم وجودها ووجود جملة الكائنات التي تلتقي بها أو تصادفها كالقيمومة والأداتية بإعتبارها مكوّنات أساسية لوجودها ومن هذه الجهة يحدّد هيدغر مغزى الكينونة –في التي للدّازين، من خلال توضيح حرف الجرّ (في) in، بما هو يشير إلى An، التي تومئ إلى فعل أقام ويقيم Wohnt، أثق في vertraut mit، بمعنى أعتني بشيء ما. (هيدغر، الكينونة والزمان، ترجمة فتحي المسكيني، ص.54.) فالدّازين يقيم في العالم ويعتني به بما هو كينونة العناية، ويقول هيدغر:" وأنا حين أفعل في العالم ذلك أنّني في الحقيقة أعتني بوجودي، لأنّ الوجود ما هو إلاّ في الحقيقة وجود الدّازين الذي أنا نفسي أكونه، من حيث أنا أوجد Ich bin، فإنّ وجود الأنا ichمن حيث تعلقها بفعل الوجود bin الذي يعود إلى الفعل الأساسي، يكشف عن أنّ وجودها متعلق دائما "بالكينونة عند" "Das sein bei". فليس المعنى المشار إليه من "في "هو المكان، بل أنّ الدّازين ليس له طابع الأداتية لا مكان له بين القيمومة، فلا يكون في المكان وإنما في بعده الوجودي يتحدده الهم-الناس بإعتباره كينونة-مع الآخرين بما هو في العالم يشترك معهم في انشغالاتهم اليوميّة وهي ذات طابع وجودي لا يرقى إلى المعنى الوجوداني. وتتضمن الكينونة -في: القيمومة والأداتية أو الكينونة -تحت-اليد، والإنشغال Besorgen، فالدّازين متى وجد في العالم فإمّا منشغلا بما أنّنا لا نعرف العالم المحيط Umwelt بتصورنا له كموضوع معرفة، بل عن طريق الإنخراط في العالم والإستخدام للأداتية وتنشغل بما هو غير أصيل، وإمّا كينونة -العناية تنّهم بالوجود بحثا عن الأصيل. ومن هذه الجهة كلّما ازداد الدّازين تبيان وجوده داخل العالم كلّما ازداد اعتناء بكينونته من خلال القلق الوجوداني الذي يحرّكه نحو فهم كينونته الأصيلة وبذلك بين الخوف الوجودي الذي يستمد مشروعيته من المزاج أو الطبع والقلق الوجوداني الذي ينبع من الوجدان وهنا يكشف هيدغر وقفة اطلالية للدّازين الذي أضاع كينونته في صحبة الآخرين والإشتغال اليومي اللاأصيل وبين الدّازين الذي وقف على فهم كينونته الأصيلة. فلا مندوحة أن هيدغر سيجعل من القلق المنطاد الذي يرقى عليه الدّازين إلى تحقيق أعلى الإمكانات الوجودانيّة وهي انبثاق الكينونة من أفق الزمان الذي أشار إليه في المقدمة وانتهى به تحليله للبنى الأساسية للدّازين. وهذه الكينونة الزمانية كينونة العزم المستبق في صلبها تاريخانية باعتبارها أنها واقعانية تحيي بداخلها التراث وتتملكه على نحو موجب وتصميم وقرار نحو مستقبل ليس بعد داخل أفق الزمان. فالوجوداني يختلف اختلافا جذريا عن الوجودي رغم أنّ الوجوداني لا يفهم إلاّ من خلال مروره بالوجودي الأنطيقي وهو تلازم ضروري للإجابة عن سؤال معنى الكينونة المناط بعهدة الدّازين. فالكينونة إمّا أصيلة تقترب من ذاتها لتفهمها وإمّا لاأصيلة تبتعد عنها لإنشغالها بتفاهة اليومي وتفريعاته. وبالتالي يمكن الحديث على الوجدان كنمط وجوداني يكشف عن ظاهرتي الخوف(سلبي/ايجابي) والقلق[6] Angst ، فالقلق بما هو الفاتحة التي ينكشف فيها الدّازاين على فهم كينونته كالزهرة تينع لترى البرعم وقد خرج من البذرة. إنّها جدلية السؤال والجواب هكذا ما ردّده بعض الشارحين غروندان في كتابه: "الأفق الهيرمينوطيقي للفكر المعاصر"[7]:" يمكن قراءة العنوان "الكينونة والزمان" إستنادا لجدلية السؤال والجواب الذي وضع تخطيطه في الفقرة الثانية من المقدمة. فالذي يسأل (داس قافراكت) هي الكينونة بما هي بدقة الأكثر بحثا، وطلبا (داس آرفراكتاه). هذا معنى الكينونة. الجواب عن السؤال عن معنى الكينونة تمسك بالتساؤل عن الكائن المتميز، الدّازين (داس بافراكتاه) الذي يسأل من جهة-ما- كينونته (أين المشروع للتحليل الأنطولوجي للدّازين). ستكون من طبيعة الزمانية. هذا الزمن الذي يخفي/يخبئ الجواب عن السؤال الكينونة، مصطدما بفشل التساؤل عن الكائن الذي يملك الحق/السلطة لفهم الكينونة المعمّد/المبارك من هذا العقل الدّا : زاين –الكينونة –الهناك-" هذا الهناك ما الكينونة ؟" ". فالقلق يقلق بمعنى أنه انفتاح الدّازين على بطلانه بما هو كينونة – نحو- الموت ليس بمعنى وجودي كموت فلان أو علان، فمن رحم الوجود ينبثق القلق أو العدم وبذلك يتوقف وجود الدّازين وتنتهي قصته وهي حقيقة انكشاف الكينونة على إمكانياتها وحدودها ولهذا السبب سمّى سلانسكي القلق والكينونة نحو الموت بـ"القصة"[8] وكذلك جان غروندان الكينونة نحو الموت بالكوجيطو "كوجيطو كينونة محتضرة حيث يقول:" انفتاح الدّازين على ذاته هو دائما وفي نفس الوقت انفتاح على موته الخاصّ، هذا نفسه "اليقين" الأكثر حميمية للدّازين، ليس الكوجيطو أنا موجود-أوجد- بل الكينونة المحتضرة التي تجسّد اليقين الأساسي للدّازين كما قال هيدغر أنا موجود "هنا" بل من أجل الزمن وحده (حدس يلخص عنوان "الكينونة والزمان") الدّازين كينونة العناية تتميّز هكذا من خلال الـ"كينونة نحو الموت" un Sein-Zum- Todeالذي بعث /نفخ القلق الموتي ، لكن الذي منه تحمّل على عاتقه وثمنه هيدغر والذي يمتلىء بقدر ما يمسك تحت إمبراطورية اللاأصيل أو الكينونة ليست هنا"[9]. هذا الكوجيطو كينونة محتضرة من أجل الزمان وحده يختلف كل الإختلاف عن الكوجيطوات الأخرى التي عددها بول ريكور في كتابه: "صراع التأويلات"[10] كالكوجيطو السقراطي "اعرف نفسك بنفسك" والخاطرة الباسكالية "الإنسان قصبة مفكرة"[11] والكوجيطو الديكارتي المغرور" أفكر، إذن أوجد" بصيغة المفكر المغربي طه عبد الرحمان، والكوجيطو النيتشوي المكسور « cogito brisé» والكوجيطو الفرويدي المجروح“cogito blessé“ بعبارة بول ريكور. وبما هي كينونة نحو الموت بإعتباره تتويجا لجملة الإمكانيات التي بحوزة الدّازين سيكشف عن معنى التاريخانية للكينونة التي من جنس الدّازين ومن خلال فهم الدّازين لكينونته داخل أفق الزمان وبالتالي سيميّز بين مفهوم التاريخ والتاريخانية وبين التزمن الأصيل و"غير الأصيل الذي يلوث دائما الأصيل" حسب عبارة جاك دريدا[12]« l’inauthentique peut toujours
contaminer l’authentique » وبهكذا إجابة ليس ثمّة تعارضا بين التاريخانية والزمانية الأصيلة بإعتبار أن كينونة العزم المستبق الأصيلة معاودة للماضي للكانيّة عن طريق الحاضر الأصيل يتجلى من خلال اللحظة، واستشراف للمستقبل الأصيل كقدر ليرسي كينونة التزمن الأصيل. وفي المقابل كينونة تاريخانية غير أصيلة تحجب امتدادية القدر وتتجلى من خلال الإستحضار للراهن بما هو حاضر غير أصيل. يؤدي إلى توقع مستقبلا غير أصيل، تردم الكانية وترميها في غياهب النسيان. ومن هذه الجهة يميّز هيدغر بين المستوى الوجوداني للزمان كوحدة وهو الذي يتجلى في كينونة الدّازين الأصيل الذي يعاود الكانية ويستبق العزم نحو المستقبل الأصيل، أما البعد الوجودي يتمثل في اعتبار الزمن سلسلة من الآنات يظهر من خلال الدّازين اليومي الذي يحتسب الزمن وهو ليس إلاّ ضربا من استحضار الراهن وحجب لإمتدادية القدر كمصير، وبالتالي لا يمتلك الكانية ويعيش على التوقع الذي يصحبه الإنتظار فهي كينونة غير أصيلة. وهكذا يشتق هيدغر فيلسوف فرايبورغ ما هو فلسفي من الشأن اليومي /اللافلسفي كما الوجوداني من الوجودي الفردي الأنطيقي، لينحت قصة الكينونة من ضلع أفق الزمان.

الهوامش:
[1] -Martin Heidegger : « La métaphysique présente l’étant dans son être et pense ainsi l’Ê-;-tre des étants. Mais elle ne pense pas la différence entre les deux.»
[2] - Youssef Ben Ahmed, De la Diaphorologie, la pensée de la différence selon Martin Heidegger, Centre de Publication Universitaire, 2007.p 31 : « C’est -dir-e que la métaphysique ne pense pas et ne peut pas penser la différence »
[3] - مارتن هيدغر، "الكينونة والزمان"، ترجمة فتحي المسكيني، دار الكتاب الجديد المتحدة 2013 .
[4] - Jean Greisch, Ontologie et Temporalité, Esquisse d’une interprétation intégrale de Sein und Zeit, Op. Cit, p.86 : « la remarque faite à l’instant à propos de l’ouverture vaut bien entendu également pour l’existence, un terme qui est un véritable « Sésame ouvre-toi » de toute l’analyse existentiale ».
[5] - Jean Greisch, Ontologie et Temporalité, Esquisse d’une interprétation intégrale de Sein und Zeit, Op. Cit, p.86 : « la compréhension concrète que le Dasein a de son existence, c’est son affaire, une « affaire de choix ». Et ne pas choisir, c’est encore choisir ».

[6] - عبد الرحمان بدوي، النزعة الإنسانية في الفكر الوجودي العربي، صص.89-90-91 :" ولقد وجدت تعريفا للقلق عند الصوفية المسلمين يشبه تعريف هيدغر هذا كلّ المشابه، حتى أنّه استرعى نظري إلى أبعد حد، والتعريف الذي أشير إليه هو الوارد في كتاب "جامع الأصول في الأولياء" للشيخ أحمد ضياء الدين الكمشخانلي النقشبندي، فهو يقول: " القلق وهو ها هنا تحريك الشوق صاحبه، بإسقاط صبره وصورته في البدايات، تحريك النفس إلى طلب الموعود، والسآمة عما سواه في الوجود، وفي الأبواب، قلق يضيق الخلق فيبغض إلى صاحبه الحياة، ويجيب إليه الموت، وفي المعاملات توحش عما سوى الحق، وأنس بالوحدة والتخلي عن الخلق، وفي الأخلاق، الإنخلاع عن الصبر والطاقة، لما يجد في الترياق للحق ولقائه، في الأصول اضطراب في الفرار إلى المقصود، عن كل ما ينظر في السير إليه أو يقتضي الصدود، وفي الأدوية قلق يطالب العقل ويساور النقل ودرجته في الولايات قلق يصفي الوقت وينفي النعت، وفي الحقائق قلق ينفي الرسوم والبقايا، ولا يرضى بالعطايا والصفايا، وفي النهايات قلق لا يبقي شيئا ولا يذر، ويغني عن كلّ عين وأثر". كذلك نجد لدى المتصوف الهروي وكيركغارد لم يفرقا بين القلق والخوف لكن هيدغر ميّز بينهما وجعل من مفهوم القلق من "أجل" أو "على" يتم دفعة واحدة يكشف عن العدم أو البطلان في كتابه "ما هي الميتافيزيقا؟" الذي اعتبره برغسون أن البطلان مجرد سلب منطقي ليس إلاّ .
[7] -Grondin, L’horizon herméneutique de la pensée contemporaine, éds. Vrin, 1993, p.22 : « Le titre « être et temps » peut se lire selon la dialectique de la question et de la réponse, esquissée au second paragraphe de l’Introduction. Ce qu’on questionne (das Gefragte) c’est être et ce qui est plus précisément recherché, demandé, (das Erfragte), c’est le sens de l’être. La réponse à la question du sens de l’être attaqué en interrogeant un étant particulier, le Dasein (das Befragte) l’interrogé quant à son être (d’où le projet d’une analytique ontologique du Dasein) sera de la nature temporelle. C’est le temps qui recèle la réponse à la question de l’être, abordée par le biais d’une interrogation de l’étant qui possède la prérogative de comprendre l’être, baptisé pour cette raison Da :sein « c’est là qu’est l’être »
[8]-Jean-Michel Salanskis, Heidegger, édition les Belles Lettres, 1997. pp.51- 52 : « Moi –même, en donnant le souci et l’être –pour la mort comme deux romans », « Terminons cette section, en cessant de faire silence sur un point essentiel pour Heidegger, le roman du souci, et le roman de l’être pour –la mort sont le même »
[9] - Jean Grondin, Heidegger et le problème de la métaphysique, in revue DIOTI , n°VI, 1999, pp ,163-201 : « L’ouverture à soi du Dasein est toujours en même temps une ouverture à sa propre mortalité. C’est même la « certitude » la plus intime du Dasein. Ce n’est pas le cogito sum, mais le sum moribundus qui incarne la certitude fondamentale du Dasein, -dir-a Heidegger à la toute fin d’un cours du semestre d’été de 1925 (GA .20.437). Je suis « là » mais pour un temps seulement (intuition que résume le titre « Sein und Zeit »). Le Dasein, être de souci, se caractérise ainsi par un « être-vers-la-mort », un Sein-Zum- Tode, qui lui insuffle une angoisse mortelle, mais dont la prise en charge, estime Heidegger qu’il étoffe tant qu’il se tient sous l’empire de l’inauthenticité ou de l’être –pas-là (wegesein) ».
[10] - Paul Ricœur, le conflit des interprétations, essais d’herméneutique, éditions du seuil, paris, 1969.
[11] - Pascal, Pensées : « L’homme n’est qu’un roseau le plus faible des roseaux, mais c’est un roseau pensant" : « le cœur a ses raisons que la raison ne connait pas »
[12]-W .W.W Jacques Derrida, Texto en castellano Heidegger, l’enfer des philosophes, p.295 : « l’inauthentique peut toujours contaminer l’authentique »



#الصادق_عبدلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مارتن هيدغر وهيرمنوطيقا الهُم/الناس: الدّازين والآخرية (الهُ ...
- فتحي المسكيني الفيلسوف والمترجم:
- هل أعلنت الفلسفة عن إفلاس بنوكها؟ قراءة في فكر الفيلسوف التو ...
- الشاعر والفيلسوف فتحي المسكيني: تعليق على قصيدة بعنوان -الشه ...


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الصادق عبدلي - تبيان وتبيين -الوجودي والوجوداني- في كتاب مارتن هيدغر، -الكينونة والزمان-، ترجمة فتحي المسكيني، (دار الكتاب الجديد المتحدة2013.)