أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الصادق عبدلي - الشاعر والفيلسوف فتحي المسكيني: تعليق على قصيدة بعنوان -الشهداء الجدد أو النداء الأخير إلى أوروبا الجديدة-















المزيد.....

الشاعر والفيلسوف فتحي المسكيني: تعليق على قصيدة بعنوان -الشهداء الجدد أو النداء الأخير إلى أوروبا الجديدة-


الصادق عبدلي

الحوار المتمدن-العدد: 4457 - 2014 / 5 / 19 - 08:27
المحور: الادب والفن
    


الإهداء إلى الصادق، صدقا:
حذارِ
من النائمين على حافة الله
يستيقظون بلا لغة
أو كلام
حذارِ
من الجدران التي لا تحبّ السقوط
حذارِ
من العصر حين يعود وحيدا
كما غيمة تتسلّق وجه الحمام
حذارِ
من القادمين بلا سبب
وممّن يزرعون بقولا بلا وقت
تنبت حين تحبّ على حلمات الطريق المبعثر
أو فوق أعين إمرأة من دخان
حذارِ
ممّن يحملون على صمتهم غابة من رخام
وحين يمرّون ينتصف الوقت كالريح
تنبت بين النهار وبين الظلام
فتحي المسكيني، تونس 23 جوان 2004.
إذا كان نيتشه يعتبر أنّ قدره هو أن يظل شاعرا فكتب "حدّث زرادشت قال"[1] شعرا، ولا مُشاحة أن يجعل هيدغر المفكر والشاعر سيّان[2]، ولنا أسوّة في أديب المعرّة أبو العلاء المعري الشاعر الذي كتب ديوان " اللزوميات أو لزوم ما لا يلزم"[3] فلسفة، فسمي فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة، وحينما نتلفت إلى البدايات الأولى للفلسفة خاصّة مع بارمنيدس الذي كتب الفلسفة في شكل قصيدة شعرية[4] وكذلك نجد من الشعراء من يختفي في جُبّة الفلاسفة كالشاعر الألماني هولدرلين[5] وغوته في "فاوست"[6]. فلا مستراب في القول أن يظهر في هذا العصر عصر "العقلانية الرقمية"[7] بلغة سلوتردايك الشاعر فتحي المسكيني يذيب الشعر والشعر يذيبه، ويتبذر في كتاباته الفلسفية، فتزيدها التباسا ولكنه التباس سليم كما نشهده في كتابات مرلوبونتي وهيدغر وكأنّ الشعر لديه فسحة يمرح فيها الفكر ويحلق فوق الأزمنة والأمكنة فيقتبس من النجوم ضياؤها ويستلف من الأرض كنوزها ويرتطم كالأمواج على صخرة اللغة، فيفجر عيونها وتتحوّل إلى لغة راقصة كرنفالية جذلى بما تحمله في طياتها وتدخل فجر الكلام لتنضو عن قصيدة "الشهداء الجدد" وهي نداء من بعيد آت من المستقبل يشبه نداء الآلهة لسقراط وليس كل نداء، بل هو نداء ينبع من عمق أعماق الشاعر نحو المستقبل، حيث يتحول المستحيل إلى إمكانية قصوى للنداء، فتزول الإستحالة برفع الشاعر النداء إلى تحذير، بما أنّ الشاعر تحول إلى رسول يحمل رسالة في شكل نداء يتضمن تحذيرا، لأنّ الشاعر حارس الوجود يأتي بما يقارب المستحيل وما لم تستطعه العقول الكسولة التي تسكن الحوانيت. فالشاعر يقول:
" حذارِ
من النائمين على حافة الله
يستيقظون بلا لغة
أو كلام"
هذا النداء يأتي من بعيد، من أقصى تخوم الفكر، من حدس الشاعر بما سيقع وهو يعتصر الأزمنة، فتتهاوى أقيستها، وتصبح مواقيتها بلا جدوى، ولكن حالما ينزل الشاعر من حضرة الإله وهو شبيه بالمتصوف تنكشف له أسرار الوجود وينقلب النداء إلى لغة والنظر إلى بدء[8]، كلام ملغز يلّفه الغموض. فيحذر العقول القاصرة من مجيء النائمين على حافة الله الذين ينبعثون من أجداثهم، من سباتهم بلا لغة أو كلام، بما هي إحالة على "عصر باتت فيه كتابة العالم كتابة تقنية"[9]. فهم يشبهون أهل الكهف ولكنهم أهل كهف من نوع إنساني جديد، من جنس إنساني أخير يشبههم بالجدران التي لا تحب السقوط، تكتنفهم الجرأة والصمود ويحملون إرادة نحو الإقتدارDer Wille zur Macht لا تعرف الهزيمة، إرادتهم كالسهم تصيب ولا يثبط عزيمتها كائن من الكوائن التي تقيم في دوائر العالم وصلابتها تستمدها من حافة اللّه، لا يعترفون بالحدود ولا بالتخوم ولا بجملة النواميس الإنضباطية أو بـ"الوعي الإنضباطي"[10] بعبارة ميشال فوكو، وهؤلاء "نوابت"[11] ينبتون من تلقاء أنفسهم في عصر يتيم يشبهه الغيمة بـ:
" من العصر حين يعود وحيدا
كما غيمة تتسلّق وجه الحمام"
والغيمة تسبق السحاب كما الموج يسبق هدوء البحر ولكنها غيمة تحمل في طياتها ما سأتي وما ليس بعد، هي إشارة إلى هذا المجهول الإستثنائي ولكن الشاعر يحذرنا منه. وكذلك يصفهم الشاعر بـ:
" القادمين بلا سبب
وممّن يزرعون بقولا بلا وقت
تنبت حين تحبّ على حلمات الطريق المبعثر"
بمعنى سيأتوا من المستقبل وينبثقون كالفُطر على أديم الأرض لا ترهقهم الأرض بسهولها ولا الجبال صعودا ويجعلون من تربتها صالحة لحرث أفكارهم وأحلامهم وهواجسهم يستبدلون هسهسة الوجود ووحشته أنسا وإمتاعا وفرحا، لأنّ عقولهم جذلى صعبة المراس ومتمرسة بالآفات تحمل في داخلها سرّ وجودها وكأنها شطحات تربط بحبل اللغة السماء إلى الأرض والمستقبل إلى الحاضر، ويلوّح الشاعر بإمكانية ثانية تفتح على جملة من الدلالات الحافة بالقادمين بلا سبب كإفترض الشاعر أنه بالإمكان أن تنبت هذه الأفكار التي لا تعترف بالمواقيت وتنبت حين تحبّ يمكن أن تنبت فوق أعين إمرأة من دخان، وهي إشارة رشيقة إلى تخصيص امرأة بكثرة من الأعين ولكنها أعين من دخان وتشبيهها بالدخان ليس معنى ما أشار إليه المسعدي في "السُّد" وربما يتوافق مع ما أشار إليه نيتشه "شبيه بالدخان الذي يبحث بدون توقف عن السماوات الأكثر برودة"[12] وهذا الدخان لا يحدّه شيئا ويفلت من كلّ قبضة كائن ما كان وهو دليل على الحرية والتحرّر من كل الأقبية والخنادق الإيديولوجية والدغمائية تشبه امرأة تأتي في القصيدة نكرة وليست معرّفة ربما تلميحا وإيماء إلى الفلسفة كما شبهها نيتشه في "حدّث زرادشت قال"[13] وهي إيماءة إلى صعوبة وتوّعر الطريق نحو الوصول إليها. وكذلك يقول الشاعر:
حذارِ
ممّن يحملون على صمتهم غابة من رخام
وحين يمرّون ينتصف الوقت كالريح
تنبت بين النهار وبين الظلام
يشير الشاعر إلى القادمين من المستقبل بلا هوية، بلا عنوان، يقفون ويستوقفون كأنهم أنصاف آلهة تمشي بين البشر ولكن يرفعون صمتهم على الوجود، ويحملون غابة من رخام تدل على صلابتهم ورباطة جأشهم، يبلغون مآربهم ولا يقدر أحد على بلوغ شأوهم فيمرون بين "الهُم-الناس "[14] تنقلب المواقيت على أعقابها وتتبدل الأزمنة وتتغير الأمكنة، فينتصف الوقت وقت "منتصف النهار"[15] بعبارة نيتشه وقت الفيلسوف الذي يفصل بين الصباح والمساء، والنهار والليل، والبياض والسواد، والنور والظلمة. وهؤلاء ليسوا إلاّ الفلاسفة الذين لا يبخلون بحياتهم وبفكرهم هم بلا ريب، فلاسفة المستقبل وليس الشاعر فتحي المسكيني إلاّ أحد من هؤلاء المُشار إليهم بفلاسفة المستقبل وكذلك كان نيتشه يقول "نحن فلاسفة المستقبل"، لأن الفيلسوف والشاعر سيّان كما كان نيتشه شاعرا وفيلسوفا.
[1]-Friedrich Nietzsche, Also sprach Zarathustra, Fischer Taschenbuch Verlag, Frankfurt, August 2008, p.144: Zweiter Theil-;- Von den Dichtern:“Ach, es giebt so viel Dinge zwischen Himmel und Erden, von denen sich nur die Dichter Etwas haben trä-;-umen lassen! Und zumal über dem Himmel: denn alle Gö-;-tter sind Dichter-Gleichniss, Dichter-Erschleichniss!“
-"آه ثمة أشياء كثيرة بين السماء والأرض لا أحد بإستطاعته الحلم بها غير الشعراء. وبإستمرار فوق السماء: لأن كبار الآلهة تكون صورا من الشاعر، من أوهام الشاعر".
نشير إلى أنّ علي مصباح ترجم اللفظة الثانية " Dichter " بصيغة الجمع والحال أنها مفردة را: فريدريش نيتشه، هكذا تكلّم زرادشت، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل، الطبعة الأولى 2007. ص.252 . قارن الترجمة الفرنسية:
Friedrich Nietzsche, Ainsi parlait Zarathoustra, un livre qui est pour tous et qui n’est pour personne, Tr. l’allemand par Maurice de Gandillac, éds. Gallimard, 1971.p.176 : « Ah ! Qu’entre Ciel et Terre il est de choses dont les poètes seuls purent quelques peu rêver ! Et davantage par-dessus le Ciel, car sont tous dieux images de poète, de poète subterfuges ! »
[2]-Martin Heidegger, Approche de Hö-;-lderlin, Tr. de l’allemand, Par Henry Corbin, Michel Deguy, François Fédier et Jean Launay, éditions Gallimard, 1962.
[3] - أبو العلاء المعري ديوان "اللزوميات أو لزوم ما لا يلزم"، دار الجيل، بيروت.
[4]-Martin Heidegger, Approche de Hö-;-lderlin, Ibid.
[5]-Heidegger, Acheminement vers la parole, Tr. de l’allemand par Jean Beaufret, Wolfgang Brokmeier et François Fédier. É-;-ditions Gallimard, 1976.
[6]-Goethe, Faust, édition numérique, p.74 :
Voici le monde :
La boule ronde
Monte et descend,
Creuse et légère,
Qui, comme verre,
Craque et se fend :
Fuis, cher enfant !
Cette parcelle
Dont l étincelle
Te plaît si fort...
Donne la mort ! »
"هو ذا العالم ككرة أرضيّة تدور/ تصعد وتنزل/مقعرة وخفيفة/ هي مثل كأس/ يفرقع ويتصدّع/ إهرب عزيزي الطفل/ هذه القطعة الصغيرة/ التي منها الشرارة/أتوسل إليك بقوة. هب الموت."
[7]-Peter Sloterdijk : « je -dir-ais plutôt que nous avons une autre logique. Nous ne croyons plus à leur « rationalisme typographique » parce que nous sommes entrés dans l’ère du « rationalisme numérique ». in Revue Le Point n° 26, Entretien Peter Sloterdijk, p.116.
[8] - ديوان الحلاّج ويليه كتاب الطواسين، منشورات الجمل، الطبعة الثالثة، 1997. ص.23.
" نظري بدء علّتي /ويح قلبي وما جنى/يا معين الضنى عليْـ/يَ، أعني على الضنى."
[9]- العبارة للفيلسوف فتحي المسكيني.
[10]- Michel Foucault, Surveiller et Punir, Naissance de la prison, Paris Gallimard, 1975.
[11]- فتحي المسكيني، "فلسفة النوابت"، دار الطليعة- بيروت، الطبعة الأولى، 1997.
[12]- Didier Eribon , Michel Foucault, Ed. Flammarion 1998, p.88 : « Pareil à la fumée qui cherche sans cesse des cieux plus froids. »
[13]-Friedrich Nietzsche, Also sprach Zarathustra, ibid. p.46:“ Von Lesen und Schreiben:“Mutung, unbekümmert, spottisch, gewaltthä-;-tig-so will uns die Weischeit-;- sie ist ein Weib und liebt immer nur einen Kriegsmann.“
- را: نيتشه، جينيالوجيا الأخلاق، ترجمة د. فتحي المسكيني، دار سيناترا، المركز الوطني للترجمة، 2010. المقالة الثالثة، ص.339:" غيرَ عابئين بشيء، مستهزئين، جباّرين- كذا تريدنا الحكمة أن نكون: فهي إمرأة ، ولا تحبّ على الدوام إلاّ رجلا محارباً"
[14]- مارتن هيدغر، الكينونة والزمان، ترجمه من الألمانية إلى العربية الدكتور فتحي المسكيني، دار الكتاب الجديد المتحدة2013 .
[15]- Friedrich Nietzsche, Also sprach Zarathustra, ibid. p.304: „Mittags“.



#الصادق_عبدلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الصادق عبدلي - الشاعر والفيلسوف فتحي المسكيني: تعليق على قصيدة بعنوان -الشهداء الجدد أو النداء الأخير إلى أوروبا الجديدة-