أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الصادق عبدلي - الفلسفة بما هي فلاحة الوجود















المزيد.....

الفلسفة بما هي فلاحة الوجود


الصادق عبدلي

الحوار المتمدن-العدد: 7661 - 2023 / 7 / 3 - 09:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فماذا تكون الفلسفة إذن؟ إن لم تكن "دفاعا"[1] عن الإنسان بما هو إنسان بشري بلحمه ودمه وعظمه وآدميته التي تعود إلى أديم الأرض؟ أليس في الأرض ما يكفي لأن نتفلسف في شأن الإنسان وما يتعلق به من ظواهر غريبة تدعو بين الفينة والأخرى للإندهاش بما هو "أصل الفلسفة" كما عبّر عن ذلك أرسطو؟ أليس الفلسفة "نظرٌ" ("ثيُوريَا" θεωρια =) (أفلاطون) وتصورٌ (أرسطو) وتأملٌ (ديكارت) و"نفخُ قصبة مفكرة" (باسكال) وتمعنٌ ملتبسٌ ولكنه ضرب من "الإلتباسُ السّليم"[2] (مرلوبونتي) "في لحميّة العالم"[3] حينما يكون "أنا جسدي"[4] دليلا على وجوده واعتبارٌ من تجربة الإنسان في الوجود "كرٌّ ومفرٌّ" (ياسبرز وسارتر) واختبارٌ للوجود في جلاء وانكشاف "الدّازين" (Dasein=l’être-là=l’être-le-là)[5] حين تزمّنه الأصيل أو في "خُلوة الوجود"[6] (هيدغر) وانفراقُ صُبحه عن ليله (نيتشه) وصراعه الجدلي التاريخي (ماركس وإنقلز) وانغلاق أفقه وعدميته (شوبنهاور) وسدول ليله (شبنغلر) وعبثيته (كامو) وانبعاث "فَرْقِه في مُعاودته" (دُلوز) وارتهانه للسلطة بلا لقبٍ (ميشال فوكو) وانسداده عبثا (إميل سيوران) وانحساره في اللغة "لعب" منطقي "تلك هي حدوده بما هي حدود لغته"[7] (فيتغنشتاين "الأوّل") أو عبور العالم في اللغة "فهم"[8] (غادامير) أو هي تنزيل لـ"فلسفة الرّفض"[9] ابستيمولوجيا لإضفاء عليه غطاءً علميا وبناء سدّا منيعا يحول بينها وبين "المعرفة العاميّة" بما هي أشدّ العوائق الإبستيمولوجية (باشلار) أم هي استرجاع الفنّ مكانته في الوجود واستنطاق ريشة الفنّان وتفسير آثاره الفنيّة وإحاطة علما به (فرويد) في قراءته للفنّان ليونار ديفنشي أو تأويل يطوي المعاني طيّا ليكشف عن "الحقيقة" (الأليثيا= ἀλήθεια) (هيدغر) في لوحات الرّسام فان غوغ "لوحة الحذاء" أم أنّ الفَنَّ له قُبْحُهُ (أدورنو) في "استطيقا القُبْح"[10]؟ فحقيقٌ أنّ الفلسفة "طريقٌ" (Weg) بتعبير هيدغر من بين الطرق الممكنة فلسفيا يكون المشي فيه "وعرٌ" (أفلاطون).
"فلماذا الفلسفة؟" إن لم تكن "ممارسة الصَعْلَكَة والتجوال التسآلي البعيد عن ضروب "الضمان" الاجتماعي وغيره"؟[11] من أجل فهمه وتأويله. أفليس علينا أن نتعاطى الفلسفة بما هي "قرعا بالمطرقة" بتعبير نيتشه لكلّ الأصنام التي نحتتها الحماقات البشرية كما عبّر عن ذلك صاحب كتاب "غسق الأوثان"[12]؟ وعليه يكون الفيلسوف الحقيق هو الذي يسلك في الوجود مسالكا متشعبة ومتعدد الوجهات يطرح المشكلات على قارعة الطريق ويقلّب وفق تمشيّ منطقي يرتاضه لنفسه إيقانا منه بالظفر بالحقيقة ولكنه متيقنا أنه لن يصل إلى إجابات نهائيّة، وإنّما هي فحسب طريقة تسآلية مُمْكنيّة "شهرزادية" (مدينة الحريّة:"شهر" ="المدينة" و"أزادي" = "الحريّة") من أجل "فتح باب الاستفهام" بما هو "بداية الطريق لفلاحة الوجود" بتعبير فيلسوف "الجُودية" مصطفى كمال فرحات.
لقد بدأت الفلسفة (Φιλοσοφια=philosophie=(فِيلْيَا=حُبُّ) و(سُوفْيَا=حكمة)=حُبُّ الحكمة) “اندهاشا” (étonnement=παθος="الباثوس") أمام غموض الكون والتباسه منذ طاليس المليطي ومغامرته الفلسفية التي انتهت بسقوطه خرّا على الأرض في حفرة ودأب على سيره غيره من الفلاسفة سمّوا فلاسفة "ما قبل سقراطيين" (présocratiques) في القرن السادس قبل الميلاد قد أفرغوا صبرهم في تفسير ظواهر الكون بسنّ نظرية "الأسْطُقْسَاتْ" أو العناصر الأربعة (الماء والهواء والتراب والنّار)، فطاليس(Thalès=) قال بالماء (l’eau=) وأنكسيمانس (Anaximène=) قال بالهواء (l’air=) وهراقليطس (Héraclite=) قال بالنّار (le feu=) وأنكسماندريس (Anaximandre=) قال باللانهائي (=l’infini) وكلّ أدْلى بدَلْوه دُلُوًا فلسفيّا في هذا الشأن.
بيد أنّ الفلسفة اتخذت منحى مغاير تمام المغايرة مع سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيّرت مجرى الحديث من الكون إلى الإنسان بحثا عن الماهيات (الجواهر) وتعبيد الطريق نحو فهم الإنسان بما رأس المشكل ومحطّ رحال التّفلسف وليس ثمّة ما يدعو إلى تركه بعيدا عن دائرة التفلسف. فهذا النزول من العلو الشاهق إلى تراب الأرض والكف عن دسّ الرأس في سديم الفضاء والبحث في خبايا الإنسان وما يدخره من مخزن فلسفي قد يعتبر كنزا علينا النبش عليه وتعرية ما بداخله. لذلك أفرغ أفلاطون كلّ الممكن الفلسفي الذي بحوزته للإجابة عن ما-الإنسان؟ وعليه سيبنى فلسفته الميتافيزيقية أو المثالية ويسنّ نظريته "نظرية المُثل=الأفكار=الأيدوس" وتكون مفتاحا لكل سؤال حول هذا الكائن الذي هو نحن كلّ مرّة.

________________________________________
[1] - لقد بدأت الفلسفة منذ فجر اليونان "مقاومة" (résistance) ضد الحماقات البشرية والخرافات التي نسجها خيال البشر وتوارثها من جيل إلى آخر. فكان سقراط أوّل من ربط فعل التفلسف بفعل المقاومة وانتهى بتقديم حياته قربانا للإنسانية قاطبة من أجل الدفاع عن الحقيقة وذكر أفلاطون ذلك في محاورته "دفاعا عن سقراط" ومن بعده ديوجينس الكلبي الفيلسوف الذي جسّد فعل المقاومة من داخل برميله الفلسفي ناقدا نقدا لاذعا وساخرا سخرية مرّة من أخلاق وعادات المجتمع الأثيني المسيئة للإنسان بما هو "مواطن عالمي" لا يمكن مصادرة حريته تحت أي غطاء ديني أو إيديولوجي. وقد تنبه جيل دُلوز إلى أنّ التفلسف ليس إلاّ ضربا من المقاومة للحمق البشري وما صراع الإنسان مع الوجود إلاّ مقاومة من أجل الظفر بحريته التي تحاصر من كل حدب وصوب. لذلك كان فوكو "مناضلا " ومقاوما لكل سلطة تريد القبض على حرية هذا الحيوان البشري وتفسد عليه اجتماعه وتمارينه الجسدية وتقطع الطريق نحو حريته. را: ميشال فوكو، يجب الدفاع عن المجتمع، (دروس ألقيت في الكوليج دي فرانس) سنة 1976، ترجمة وتقديم د.الزواوي بغورة، دار الطليعة بيروت، 2003.
[2]- موريس مرلوبونتي، تقريظ الحكمة، ترجمه وقدّم له محمّد محجوب، دار أميّة، تونس، 1995، ص.23.
[3] - موريس مرلو- بونتي، المرئي واللامرئي، ترجمة وتقديم د. عبد العزيز العيادي، مراجعة د. ناجي العونلّي، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، بيروت، 2008، ص.371: (لحم العالم-لحم الجسد-الكينونة) : ذلك يعني أنّ جسدي مقدود من نفس لحم العالم (إنّه مدرَك)، وأكثر من ذلك أنّ هذا اللحم الذي هو لحم جسدي، يشارك فيه العالم ويعكسه".
[4] - موريس مرلوبونتي، ظواهرية الإدراك، ترجمة د. فؤاد شاهين، معهد الإنماء القومي، 1998، ص.131: الفصل الرّابع: تماسك الجسد الذاتي: "ولكني لست أمام جسدي، أنا داخل جسدي أو بالأحرى أنا جسدي."
[5]- مارتن هيدغر، الكينونة والزمان، نقله من الألمانية إلى العربية فتحي المسكيني، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى، 2012، ص.421: "القسم الثاني: الدازين والزمانية".
[6] - محمّد محجوب، هيدغر ومشكل الميتافيزيقا، ص.122. انظر أيضا: موريس مرلوبونتي، ظواهرية الإدراك، مرجع سابق، ص.146: "إنّ الإلتباس أساسيٌّ في الوجود البشري وكلّ ما نعيشه أو نفكر به له دائما معان متعددة."
[7]-Ludwig Wittgenstein, Tractatus Logico-philosophicus, traduction préambule et notes de Gilles Gaston Granger, éds. Gallimard, 1993, §.5.61: « La logique remplit le monde les frontières du monde sont aussi ses frontières.» et §.5.6: «les frontières de mon langage sont les frontières de mon monde. »
[8]-Hans-Georg Gadamer, Vérité et Méthode, les grandes lignes d’une herméneutique philosophique, édition intégrale revue et complétée par Pierre Fruchon, Jean Grondin et Gilbert Merlio, éds. Du Seuil, 1976 et avril 1996.
[9]-Gaston Bachelard, la philosophie du non, essai d’une philosophie du nouvel esprit scientifique, Edition numérique, 2012.
[10]- أمّ الزين بن شيخة-المسكيني، الفنّ يخرج عن طوره، أو جماليات الرائع من كانط إلى دريدا، دار جداول، الطبعة الأولى، 2011.
[11] - مصطفى كمال فرحات، لماذا الفلسفة اليوم؟ من ممكنات التفلسف آخريّاً، مرجع سابق، ص.209 وما بعدها: "لماذا الفلسفة؟".
[12] - فريدريش نيتشه، غسق الأوثان، أو كيف نتعاطى الفلسفة قرعا بالمطرقة، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل، بيروت-بغداد، الطبعة الأولى، 2010.



#الصادق_عبدلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نتقن الدخول في الفلسفة؟
- كوجيطو الصداقة -أنا لا أكره- مختارات من كتاب -الفيلسوف فتحي ...
- قراءة في كتاب -الهجرة إلى الإنسانية- للفيلسوف فتحي المسكيني* ...
- قراءة في كتاب -الهجرة إلى الإنسانية- للفيلسوف فتحي المسكيني* ...
- سليم دولة الفيلسوف والكاتب الحرّ... من -الجراحات والمدارات- ...
- الطوبوفاجيون أو آكلي لحوم البشر تحت راية الله قراءة في رواية ...
- من هو الفيلسوف بيتر سلوتردايك؟ (2)
- من هو الفيلسوف بيتر سلوتردايك؟ (1)
- رأس الفنّ أنّه لا رأس له : سفر مع نيتشه وهيدغر وأدورنو
- ميشال فوكو وتدجين الكينونة
- تبيان وتبيين -الوجودي والوجوداني- في كتاب مارتن هيدغر، -الكي ...
- مارتن هيدغر وهيرمنوطيقا الهُم/الناس: الدّازين والآخرية (الهُ ...
- فتحي المسكيني الفيلسوف والمترجم:
- هل أعلنت الفلسفة عن إفلاس بنوكها؟ قراءة في فكر الفيلسوف التو ...
- الشاعر والفيلسوف فتحي المسكيني: تعليق على قصيدة بعنوان -الشه ...


المزيد.....




- الحرس الثوري الإيراني: ردنا سيكون أوسع نطاقا في حال كررت إسر ...
- زاخاروفا تشبه نظام كييف بتنظيم -القاعدة- بعد تصريحات وزير خا ...
- إعلامية مصرية شهيرة تعلن حصولها على حكم قضائي ضد الإعلامي ني ...
- السفير الروسي في سيئول: روسيا وكوريا الجنوبية يمكنهما تحسين ...
- بلينكن يحذر نتنياهو من خسارة فرصة التطبيع مع السعودية
- مصر.. الهيئة الوطنية للإعلام تكشف تفاصيل سقوط أحد موظفيها من ...
- حرب غزة تنسف شعارات الغرب
- زاخاروفا: استنتاجات خبراء العقوبات ضد بيونغ يانغ مبنية على م ...
- صدى احتجاجات الطلاب يتردد في فلسطين
- القوات الإسرائيلية تفجر مباني جامعة الأزهر في منطقة المغراقة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الصادق عبدلي - الفلسفة بما هي فلاحة الوجود