أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - معالم موقف نيتشه المناهض لأفلاطون (الجزء الثاني)















المزيد.....

معالم موقف نيتشه المناهض لأفلاطون (الجزء الثاني)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7660 - 2023 / 7 / 2 - 10:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من الواضح أن عمل أفلاطون الذي يظل في قلب هذا التحليل هو الجمهورية. ستكون الحالة المثالية لأفلاطون هي الرد المناسب على العلاقة بين الوجود الجماعي والعبقرية، على الأقل كما أمكن لأفلاطون تجربتها في الدراما الداخلية. أغوت شخصية الطاغية، وهو الفنان الذي مر بالأخلاق ورغب في التحرر منها، أفلاطون، ولم ينس نيتشه علاقاته مع دنيس سيراكيوز. ستظل صورة الطاغية هذه تطارد نيتشه طوال حياته، وجذرها هو التأمل في التناقض بين الفن والميتافيزيقيا في أعمال أفلاطون. ذلك أن الأخير ظل مرتبطا، حتى في سجال نيتشه ضمن إحدى محاضراته عن هوميروس، بفن السفسطائيين والكتاب المسرحيين، لدرجة أنه أبدع مثلهم الأساطير والدراما.
بخلاف برغسون، الذي سيرى سقراط وقد تم تشويهه من قبل أفلاطون، يعتقد نيتشه أن سقراط قاد أفلاطون إلى الضلال عن طريق حقنه بالفيروس الجدلي والأخلاقي. هكذا نجده يقول في "إنساني، مفرط في إنسانيته": "لا نطرح سؤالا فارغا إذا تساءلنا ما إذا كان أفلاطون، بعد أن ظل متحررا من السحر السقراطي، لم يجد حتى نوعا أعلى من الرجل الفلسفي، المفقود بالنسبة إلينا إلى الأبد".
وهكذا يرتسم في مجمله منظور نيتشه عن أفلاطون: إنه يعتبر مثالا نموذجيا للفنان الذي يتخلى عن الفن لصالح الحقيقة، مثال للقوة الإبداعية التي تسمح لنفسها بأن يهيمن عليها دوار الخير. يلقي موقف نيتشه تجاه فاغنر بعض الضوء على الفكرة التي كانت لديه عن أفلاطون.
حظيت المسألة الأساسية في "الجمهورية"، أي مسألة تربية العقل لدى الجنس البشري، باهتمام نيتشه بشكل خاص، لأن نيتشه، قبل كل شيء، صدمه عقم ومخاطر الثقافة الزائفة التي يندد بمساوئها في ألمانيا. ومثلما استندت الدولة الأفلاطونية إلى "أكذوبة الأمن" (Notlüge)، الموجودة في الجمهورية، استند خيال السكان الأصليين وثبات النظام الاجتماعي، وكذلك الثقافة الألمانية إلى كذبة التكوين المحض تاريخي.
ويواصل نيتشه المقارنة، في الاعتبار الثاني من "الاعتبارات المتأخرة ، قائلا إن هذا النظام سينهار مثلما حدث ل "جمهورية" أفلاطون، لأنه في كلتا الحالتين تم إنكار الحياة لصالح مقولة أنطولوجية فارغة. المحزن هو أن "أفلاطون عانى من سوء حظ لا مثيل له في التاريخ: في كل مرة رأينا فيها ولادة بناء يتوافق مع مبادئه، على الأقل في الخطوط العريضة، لم يكن، عند النظر إليه عن كثب، بديلاً عن ابن قزم، عن قزم رهيب. لكن من سوء الحظ ما نتحمل مسؤوليته في بعض الأحيان. لأنه إذا كانت الدولة لا تريد بصدق أن تكون الفلسفة حرة، فكيف كان أمكن لأفلاطون الاعتقاد أن دولته ستفلت من هذا القانون؟ من جهة أخرى، كما يقول في الجزء الثاني من "الجمهورية": "في الوقت الحالي، لا أنا ولا أنت شاعران، بل مؤسسا دولة".
ويقول نيتشه مرة أخرى: "في قبضة هذا المزيج من الجرأة القوية والخوف، يجب على المرء أن يكون أفلاطون، على الأقل، ليجرؤ، كما فعل هو، ليقول للشاعر المأساوي: سنكرم في جمهوريتنا، ككائن مقدس ومعجزة، الرجل الذي ستسمح له حكمته بأن يصبح كل شيء في العالم، وأن يقلد كل شيء، سنمسح رأسه بالعطور ونتوجه بأشرطة، لكننا سنحاول إقناعه بالذهاب والاستقرار في دولة أخرى ".
صحيح أن موقف نيتشه متقلب. في بعض الأحيان يوافق على فكرة أو قول مأثور أفلاطوني،
لكنه يعطيهما معنى خاصا جدا، بعيدا عن الأفلاطونية. وهكذا نجده، في الشذرة 102 من كتاب "إنساني، مفرط في إنسانيته"، يقول: "سقراط وأفلاطون على حق: مهما كان ما يفعله الإنسان، فإنه يفعل الخير دائما، أي ما يبدو حسنا (مفيدا) بالنسبة له، تبعا لدرجة ذكائه، مستوى تفكيره الحالي". لكن أفلاطون قال ذلك بافتراض أن المنفعة الحقيقية الوحيدة هي الخير، رغم أن نيتشه يستخدم هذه الفكرة لتوضيح كونية غريزة الحفاظ على الذات. أو مرة أخرى، عندما أيد، في الشذرة 212 من نفس الكتاب، أفلاطون الذي كان على حق عندما اعتقد أنه من خلال المأساة يصبح المرء بشكل عام أكثر قلقا وأكثر تأثرا".
بالنسبة إلى نيتشه، ليس هناك شك في أن البحث عن الحقيقة والخير من قبل الفنان المكبوت وتحويله إلى ميتافيزيقي يولد الاستبداد، بحيث تكون هناك استمرارية في النوايا بين أفلاطونية العقل والاشتراكية، التي كرهها مادام أنه رأى فيها حكم العبودية المعقلنة. لنقرأ ما قاله في "إنساني، مفرط في إنسانيته": "الاشتراكية تظهر نفسها دائما في محيط كل الاستعمالات المفرطة للقوة، مثل النموذج الاشتراكي القديم أفلاطون في بلاط طاغية صقلية".
يشك نيتشه في أن هذا الاستبداد العائد خجولا، ليصبح استبدادا تحت غطاء الفضيلة، كما عند روبسبير الذي لذغته هذه الرتيلاء الأخلاقية الأخرى التي كانها روسو الذي يقدم عنها مثالا صارخا، سيقود الفيلسوف إلى الذل.
لا أعرف شيئًا أكثر سوءً من النكتة التي سمح بها أبيقور لنفسه فيما يتعلق بأفلاطون والأفلاطونيين، حيث أطلق عليهم لقب "ديونيزوكولاكس". تعني الكلمة اشتقاقيا وللوهلة الأولى: المنافحون عن ديونيزيوس، وبالتالي أتباع الطاغية ولاعقي الحذاء.
هذا يعني، علاوة على ذلك، أنهم كانوا ممثلين فقط، دون أي شيء أصيل فيهم، لأن هذا هو اللقب الذي يطلق على الممثلين..."
كوميديا العقل الكوني هاته خطيرة. لأنه إذا جعلنا العقل طاغية، "نخاطر كثيرا، كما يقول نيتشه في "أفول الأصنام"، برؤية شيء آخر يمارس الاستبداد في الواقع. بالفعل، هذه الحاجة إلى الضوء بدون هذه الإضاءة تخذل الخوف من الليل، العجز عن تحمله، وبالتالي الشكل الأكثر خفاء لهيمنة الظلام. إن الخوف من الانحدار بوضع الثقة في الغريزة يخون الخوف الذاعر من الحياة في محنة. لتحديد العقل والفضيلة والسعادة، يقترح صنع سعادة الإنسان من خلال تحسينها وباستخدام جميع الوسائل، بحيث أنه لكي "نتحلى بالأخلاق"، كما يقول نيتشه في "أفول الأصنام"،"نكون أيضا في حاجة ماسة إلى الإرادة المعاكسة [...] لم يشك لا مانو ولا أفلاطون ولا كونفوشيوس ولا المعلمون اليهود والمسيحيون في حقهم في الكذب [...]. إذا أرادنا التعبير وفق صيغة، يمكن لنا أن نقول: كل الوسائل التي يجب أن تجعل البشرية حتى الآن أكثر أخلاقية هي في الأساس غير أخلاقية.
وهكذا يكون أفلاطون هو ذلك النمط من العقل الذي يخدع ويفسد نفسه لكي يصبح أفضل، بشكل خادع، من خلال حب الحقيقة التي تخفي لاأصالة الحياة الضعيفة.
في أصل إرادة الحق والخير المطلق هاته، هناك الإيمان بالمثل الأعلى. لكن موقف أفلاطون غامض في هذه النقطة، حيث أغراه سقراط مع الاحتفاظ بوريد جمالي. يرى نيتشه علامة على هذا الغموض في الرابط الذي يوحد فلسفة أفلاطون بالمرحلة العمرية التي اكتشف فيها طريقته الخاصة. يكتب في "المسافر وظله": يمكن التعرف على المرحلة العمرية من حياة فيلسوف اكتشف فيها مذهبه من خلال عمله [...] هذه هي الطريقة التي تتذكر بها فلسفة أفلاطون منتصف الثلاثينيات من عمره، عندما التقي التيار البارد والتيار الساخن عموما بالاندفاع، ما أثار الغبار والسحب الصغيرة الرقيقة لكنها ولدت، في ظروف مواتية، عند شروق الشمس، قوس قزح ساحرا.
لكن يمكن أن يحدث أن الشمس لم تعد تشرق، ومن المؤكد تماما أن موت سقراط كان بالنسبة إلى أفلاطون ظلما تطلب تأويلا لمعنى العالم. لم يستطع أفلاطون استيعاب موت سقراط من خلال شعوذة عمله، التي أدت ايضا في النهاية إلى اختفاء سقراط، بحيث تشهد نهاية عمل أفلاطون، حيث لم يعد سقراط هو المعلم الذي يعلم، على استئناف المذهب بخيبة أمل وعلى مضض:
"بدلاً من إعادة فحص النتائج، كما يقول نيتشه في "الفجر"، والبدء في زرعها مرة أخرى، نحتاج إلى إعدادها لمذاق جديد، لجعلها محتملة، وتخليصها من جفافها، من برودتها ومن انعدام نكهتها. هذا ما جعل المفكر العجوز يبدو وكأنه يتفوق على أعمال حياته، لكنه في الواقع يفسدها بالتمجيد، بالحلويات، بالتوابل، بالضباب الشعري والأضواء الغامضة التي يخلطها بكل ذلك. هذا ما حدث لأفلاطون.."
الحماس الجدي وفرحة الحوار يفسحان المجال للجفاف المنطقي. أفلاطون، الذي يقول نيتشه إنه لم يكن ليوجد بدون الفن المأساوي الذي سبقه، حول وبدل المأساة إلى علم منطقي: "ورم خبيث للغريزة الفنية التراجيدية في العلم. سقراط وأفلاطون: الثقافة". نحن نفهم كيف يأخذ "قلب القيم"، عند نيتشه وجهة نظر معاكسة للثورة السقراطية والأفلاطونية.
(يتبع)



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوزنيقة: رفاق نبيلة منييب في لقاء مع الرئيس الجديد للمجلس ال ...
- معالم موقف نيتشه المناهض لأفلاطون (2/1)
- نيتشه ينظر إلى سقراط كحكيم لا يقدر قيمة الحياة
- الاشتراكي الموحد يفضح خروقات التعمير بإقليم الصخيرات-تمارة
- أسا الزاك: عمال المؤسسة العالمية للمحميات الطبيعية والفطرية ...
- ما تفسير كثرة الأكباش المعروضة وقلة الإقبال على شرائها؟
- رولا بالزر تنتقد نزعة جوليان روشيدي الذكورية والعنصرية
- مناضلو الاشتراكي الموحد ضاقوا ذرعا بالمتابعات الكيدية والهجم ...
- بريغوجين صمم على فتح موسكو لولا تدخل لوكاشين
- جوتيريش ينفي أي وجود للبوليساريو قبل 1975
- رفاق نبيلة منيب بإقليم قلعة السراغنة يتضامنون مع شباب العطاو ...
- عودة مهرجان كناوة
- موسيقى الروك الغربية بين الترفيه والنضال من أجل السلام والحق ...
- أمام غلاء الخرفان أسر مغربية مجبرة على عدم الاحتفال بالعيد و ...
- المغرب وهولندا يوقعان ميثاقا استراتيجيا لإنتاج الهيدروجين ال ...
- دبابات -ميركافا- الإسرائيلية في طريقها إلى تعزيز الترسانة ال ...
- مجتمع المعرفة في المغرب بشرى كاذبة ليس إلا..
- سطات: توصيات المهرجان الدولي للفنون التشكيلية في نسخته الثام ...
- مناقشات وتحليلات حول فلسفة هيجل السياسية والاجتماعية (الجزء ...
- مناقشات وتحليلات حول فلسفة هيجل السياسية والاجتماعية


المزيد.....




- أجزاء من فئران بشرائح خبز -توست- تدفع بالشركة لاستدعاء المنت ...
- مسؤولون يوضحون -نافذة فرصة- تراها روسيا بهجماتها في أوكرانيا ...
- مصر.. ساويرس يثير تفاعلا برد على أكاديمي إماراتي حول مطار دب ...
- فرق الإنقاذ تبحث عن المنكوبين جرّاء الفيضانات في البرازيل
- العثور على بقايا فئران سوداء في منتج غذائي ياباني شهير
- سيئول وواشنطن وطوكيو تؤكد عزمها على مواجهة تهديدات كوريا الش ...
- حُمّى تصيب الاتحاد الأوروبي
- خبير عسكري: التدريبات الروسية بالأسلحة النووية التكتيكية إشا ...
- التحضير لمحاكمة قادة أوكرانيا
- المقاتلون من فرنسا يحتمون بأقبية -تشاسوف يار-


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - معالم موقف نيتشه المناهض لأفلاطون (الجزء الثاني)