أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خلف علي الخلف - نصوص فاطمة إحسان: بين صفاء الموهبة وخداع النماذج المكرسة شعرياً















المزيد.....

نصوص فاطمة إحسان: بين صفاء الموهبة وخداع النماذج المكرسة شعرياً


خلف علي الخلف

الحوار المتمدن-العدد: 7655 - 2023 / 6 / 27 - 16:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


ذهبت إلى مكتبة في مدينة مسقط لشراء مجموعة الصديق عبدالله الريامي "جيش من رجل واحد"، ولأني لم أعد اشتري كتبا ورقية منذ عقد أو أكثر إلا عناوين محددة لم أجدها مطبوعة إلكترونيا. اتجهتُ إلى البائعة مباشرة، فلم تعد مكتبات بيع الكتب مكانا للفرجة، وإن كنت ما أزال استعرض أي مكتبة في بيت أو أقف أمام أقسام محددة في المكتبات العامة.

أخبرت البائعة الشابة بطلبي، فبحثت عنه في قاعدة بيانات الكمبيوتر وتأكدت من وجوده، فجلبته لي. سألتها إن كانت تقرأ، أم هي مجرد موظفة. اجابتني إنها تقرأ، بارتباك وتلعثم وابتسامة، ولأبرر سؤالي الشخصي بحسب القواعد السويدية، قلت لها "إذن دليني على كتب لشعراء عُمانيين"، فأخذتني إلى أحد أركان المكتبة وعرضت عليّ أنطولوجيا للشعر العماني القديم قلت لها "لم أعد أقرأ الشعر العمودي، أريد أن أقرأ شعراً حديثاً لشعراء لا أعرفهم من قبل". تناولت كتاب فاطمة إحسان "قلب مائل للزرقة" وناولتني إياه. قرأت المقطع المنشور على الغلاف الأخير، كان معقولا من وجهة نظري، لكني ترددت في الشراء. قالت لي أن هناك نسخة غير مغلفة إذا أردت الاطلاع عليها وناولتني إياها. حين تصفحت النسخة المفتوحة وقعت عيني على نص ناضج مكتمل الأركان الشعرية من وجهة نظري وفهمي للشعر الحديث وقصيدة النثر على وجه الخصوص. دققت حينها في الدار الناشرة فوجدت أن الكتاب صادر عام 2017 عن دار مسعى التي أسسها ويشرف عليها الصديق محمد النبهان، ذلك جعلني أقرر ابتياع الديوان.

اشتريت أيضا كتاب الرحالة والشاعر الراحل محمد الحارثي "عين وجناح" عن رحلاته في الجزر العذراء، زنجبار، تايلاند، فيتنام، الأندلس والربع الخالي؛ إضافة لرواية هدى حمد "لا يُذكرون في مجاز". حين وصلت إلى منصة المحاسبة كنت مازلت أتصفح الكتاب، فتحت على أول نص، فقرأت أول جملة فيه "صبيةٌ ينبت الياسمين في محجري عينيها". قلت للبائعة لو قرأت هذه الجملة قبل قرار الشراء لما اشتريته. سألتني إن كنت أود إرجاعه فقلت: لا.

انهيت قراءة مجموعة فاطمة إحسان وأجد انها تستحق القراءة. عادة لا أقوم باستعراض الكتب، فيما عدا كتب أصدقائي أحيانا، لأقدمها أو أنتقدها، وبعض الكتب التي تستفزني لسبب عام. لكني وجدت أن هذه المجموعة تستحق الكتابة عنها لأنها تشكل من وجهة نظري نموذجا للتأرجح بين صفاء الموهبة وصفاء الحالة في ذهن الشاعرة والدراية الواضحة باللغة وبين التأثر بالألاعيب التركيبية الحداثية التي خدعنا فيها جيل ما بعد الرواد من جماعة الهذيان الشعري كسليم بركات ومحمود درويش وعلي أحمد سعيد إسبر الذي أطلق على نفسه لقباً للالهة.
الجملة الأولى في المجموعة لا تقود لمعنى "طبيعي"، وتخيله ينتج صورة خرافية مفزعة رغم رقة الياسمين، إضافة إلى أنها توضح مباشرة أنها نتاج التأثر وليست نتاج الحياة والتجربة، فلا علاقة حياتية بين الياسمين وشاعرة عُمانية إلا عبر التثاقف حتى لو كانت قد زرعت في بيتها شجرة ياسمين. الأمر لا يخص فاطمة وحدها، لقد تم تعميم هذا النوع من التراكيب بوصفه "شعرا". وقع كثيرون منا، بل الغالبية في هذا الفخ التنظيري كي لا أقول الجميع.

سألني مرة صديق يحفظ مقطعا شعريا لي من مجموعتي الأولى أو الثانية، معجبا به، عم قصدته، قلت له لا أذكر ماذا كنت أعني، ولا أذكر المصدر الذهني الذي جعلني أكتبه، ولكني أقول لك الآن إنه مجرد تركيب لغوي بلا معنى. وأضفت له؛ أني حينها كنت متأثرا بتنظيرات تفجير اللغة والإنزياحات الدلالية التي كانت تجعلنا لا نقبل بأقل من أشياء غامضة مجنحة تخترق حُجب اللغة وتطير كتشكيل هلامي هذياني لا يشكل معنى، وإذا شكل معنى نضيف له بعض الكلمات التي تمحو المعنى. كان المعنى عاراً في تنظيرات الحداثة العربية العربية الشعرية التي أسس لها تنظيرا بشكل رئيسي إسبر وخلق بعده طائفة من الإتباع الذين دمروا الذائقة وخلقوا "موديل" شعرٍ يتوسل التراكيب الغرائبية التي بلا معنى، وعلى كل قارىء أن يخترع لها معنى عبر التأويل كي لا يتهم بالجهل. راجت مقولة أبي تمام "لماذا لا تفهم ما يُقال" حتى صارت دستورا للقصيدة الحداثية بالعربية.

مجمل مجموعة فاطمة إحسان تشير لموهبة شعرية، لديها دراية باللغة، وتمتلك كذلك مخيالاً يحول الحياة وتجاربها في مخبر شعري ذهني لنصوص شعرية. تكتب أيضا من تجربتها الخاصة في الحياة، فهي "[ت]تجرع ثُمالة التجربة| كمن يعي للمرة الأولى | ما أدركه منذ عصور". ورغم أن ثيمة الحب استهلكت بشكل مباشر أو غير مباشر غالب نصوص المجموعة إلا أن المرء يمكن أن يقرأ التماعات تأملية ناضجة في ثنايا تلك النصوص ويجد بعض النصوص التي فلتت كلية من وجود الآخر "المحبوب" الذي تتوجه له النصوص، وتغرق في الذات دون أن يكون الآخر محرضا لها، كنص "قلب مائل للزرقة" الذي حملت المجموعة عنوانه. ومنه "أتنشق زرقة الحرية| التي تخضّر مرارةً كلما كبرنا| وكما لو كانت حلماً| نكبر نحن فتصغر هي". لا يحتاج المرء البحث طويلا في المجموعة ليجد كثيرا مما يستشهد به على صفاء الموهبة عندما تقترن بالتجربة الحياتية الخاصة للشاعرة والتي تصل ذروتها في نص "مسافة النبض" الذي جاء قبل النص الأخير في المجموعة، حتى في شكل كتابته فهو يعكس نضجا كتابيا وإدراكا لقصيدة النثر الخالية من الإدعاءات اللغوية والتخيلية الذهنية غير المستندة للحياة وتأملها.

إلا أن الشاعرة لا تنكر التأثر بالموديلات المكرسة من شعراء الهذيان، فهي تذكر درويش في مجموعتها وتفوح رائحة مفرداته وتراكيبه وانشغالاته داخل المجموعة، رغم أنها تكتب قصيدة نثر وهو يكتب تفعيلة زاخمة بالموسيقى والقوافي. هذا كان أحد المطبات التخريبية. فبعض النصوص تقرؤه بانسيابية إلى أن يتدخل صوت درويش أو آليته في الهذيان اللغوي التركيبي فتأتي جملة أو مقطع على شكل مطب بينما أنت تقرأ بسرعة اعتيادية في أزقته وحواريه.

أحد أبرز الأمثلة على نصوص التأثر الغارقة في التصنيع، وإن لم يخلو من شذرات شعرية، هو نص "غيـ ـمـ ـوسيقـى" الذي يبدو من كتابة العنوان أنه ينحو للتصنيع المتعمد. فتعابير من نوع "غيمة فمك"، "يلاشيك في غيابتِه"، "تفقد الأشياء ضبابيتها الأم"، "حين ترمي غيمة قرطيها في سماء عينيك"، ونماذج أخرى عديدة داخل هذا النص وخارجه تحتاج أن يعيد القارىء كتابتها بمعرفته ليصل إلى المعنى الذي يجادل جماعة الهذيان الشعري في كثير من تنظيراتهم بأنه عبء على كتابة الشعر.



#خلف_علي_الخلف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاعاً عن لبنان الضحية بوجه الإجماع السوري
- في أصل «الشَّوَايا» اصطلاحًا ولغة
- أما آن الأوان لدول الخليج أن توقف تبرعاتها للمنظمات الدولية ...
- عن گلگامش السومري وتأثيره في حياتي
- تغريبة القافر لزهران القاسمي أو عندما تبدو الحياة كحكاية
- سيرة العشائر الزراعية في رواية -خربة الشيخ أحمد- ل عيسى الشي ...
- هل يحب برهان غليون السمك مع الخاثر؟
- في نقد الإستجابة الإقليمية لمنظمة الهجرة الدولية للأزمة السو ...
- حازم صاغية في فخ الذاكرة الثقافية السورية المزورة
- حان وقت رفع راية استقلال إقليم الجزيرة الفراتية عن سوريا
- عن انقلاب الرفيق رياض الترك على قيادة الشباب للثورة السورية
- الضربة الأميركية والمعارضة الموالية للنظام
- هل اقتربت نهاية حكم حيوان الغاز القاتل
- حين لا تجد الأمم الكلمات لوصف المذبحة السورية
- هل كان سعدالله ونوس صنيعة نظام الأسد
- فضائح المنظمات الإغاثية الدولية
- عن العنصرية الخفيّة واتنزاع الأطفال من ذويهم في السويد
- فنون الوحشية عند تنظيم الدولة الإسلامية
- أين أخطأ البارزاني في مشروع استقلال كردستان
- قضية الأهواز كمدخل عربي لمواجهة إيران


المزيد.....




- قضية التآمر على أمن الدولة في تونس: -اجتثاث للمعارضة- أم -تط ...
- حمزة يوسف يستقيل من رئاسة وزراء اسكتلندا
- ما هو -الدارك ويب- السبب وراء جريمة طفل شبرا؟
- - هجوم ناري واستهداف مبان للجنود-..-حزب الله- ينشر ملخص عملي ...
- الحوثي يعلن استهداف سفينتين ومدمرتين أميركيتين بالبحر الأحمر ...
- أكاديمي يدعو واشنطن لتعلم قيم جديدة من طلاب جامعاتها
- وزير خارجية نيوزيلندا: لا سلام في فلسطين دون إنهاء الاحتلال ...
- جماعة الحوثي تعلن استهداف مدمرتين أميركيتين وسفينتين
- لماذا اختلف الاحتفال بشهر التراث العربي الأميركي هذا العام؟ ...
- إسرائيل قلقة من قرارات محتملة للجنائية الدولية.. والبيت الأب ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خلف علي الخلف - نصوص فاطمة إحسان: بين صفاء الموهبة وخداع النماذج المكرسة شعرياً