أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلف علي الخلف - تغريبة القافر لزهران القاسمي أو عندما تبدو الحياة كحكاية














المزيد.....

تغريبة القافر لزهران القاسمي أو عندما تبدو الحياة كحكاية


خلف علي الخلف

الحوار المتمدن-العدد: 7213 - 2022 / 4 / 8 - 21:06
المحور: الادب والفن
    


ارسل لي العزيز حامد بن عقيل قبل فترة نسخة إلكترونية من رواية صديقنا المشترك زهران القاسمي "تغريبة القافر" الصادرة عن «دار مسكيلياني» للنشر والتوزيع التونسية في نهاية عام 2021، وكتب لي أنها "عمل مهم لا يفوتك". وعادة أأخذ ترشيحات حامد على محمل الجد، كون الرجل اشتغل في نقد الرواية وكتب رواية يتيمة. ضاعت النسخة، ولم ألح بطلبها لأني كنت في فترة سفر متصل بين البلدان، لكن زهران بعدها بفترة قصيرة أكرمني بنسخة الكترونية كما يفعل عادة عندما ينشر كتابا جديدا.

لم يدفعني الفضول لقرائتها بقدر مادفعني واجب تتبع مسيرة الأصدقاء الكتابية، خصوصا وأني أقرا زهران شاعرا منذ عشرين عام وأستطيع القول أنه من شعراء قصيدة النثر بالعربية الذين حفروا فيها وقدموا اقتراحاتهم الخاصة المتميزة. قلت لنفسي أريد أن أرى فيما إذا كان الشاعر استسهل "شغلة الرواية"، خصوصاً أنه كتب قبلها ثلاث روايات، أم أنه يكتب عملا يستحق الانشغال به كرواية. ومن عادتي أن أمنح كتب ربعي خصوصا الرواية أربعين صفحة إما أكمل أو أتوقف. قرأت قسما من تغريبة القافر في مطار ستوكهولم وأكملت قرائتي في الطائرة إلى برلين، وعدت إليها في برلين وهذا أمر نادر أن أقرأ كتبا بعد الوصول لجهة السفر.

الرواية منذ عنوانها تذهب في دلالة مباشرة إلى مضمونها، فـ القافر هو الرجل المختص في إيجاد الماء تحت الأرض وشقّ الأفلاج هو عمل تخصصي يبرع فيه بعض الأشخاص في المجتمعات الفلاحية الصغيرة التي لا تستوطن ضفاف الأنهار، نتيجة الموهبة والعلم والخبرة. أما التغريبة فترجع إلى جذر "غريب"؛ وتحيل إلى الغَرِيب عَنْ وَطَنِه، البَعِيد عَنْهُ. و"رَجُلٌ غَرِيبٌ": لَيْسَ مِنْ أَهْلِ البَلَدِ.ويقال "كَلاَمٌ غَرِيبٌ"، و رجل "غَرِيبُ الأَطْوَارِ" أي شَاذُّ الطِّبَاعِ. وقيل في الأثر "طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ". وسالم بن عبدالله بطل الرواية هو كل هذا. بل إن ولادته كانت حدثاً غرائبياً تبدو لغرائبيتها شديدة العادية.
فقد "ولد" الرجل من بطن أمه مريم بنت حمد ود غانم بعد وفاتها غرقاً. إذ بعد إنتشال جثة الغريقة من البئر وأثناء تكفينها وجدوا أن "في بطنها حياة"، ودار صراع حوله بين أهل الفقه والفتوى وبين الناس. وبينما الجدل مستعراً بين "الفقيه" الذي أراد دفنه حيّا مع والدته الغريقة مستنداً إلى "شرعه" وبين حكمة الناس وموروثهم الثقافي معبراً عنه بصوت "الشايب" الذي نهر "الفقيه" عن التحليل والتحريم في أرواح الناس، "تدفن إنسان حيّ في التراب وتحكم عليه بالموت وتقول شرع؟". ففي غمرة انشغالهم بالجدل حول مصير الجنين أو الحياة التي في بطن الغريقة، وفي غفلة عن الجميع تسحب كاذية بنت غانم سكينها وتشق بطن مريم الغريقة وتخرج الطفل الذي سيكون اسمه سالم ابن مريم وعبدالله بن جميل.

في التمهيد لروايته ينتقي الروائي أسماء أبطاله بعناية شديدة، والاسماء هنا ليست حيادية بل بتقديري استهلكت زمناً لإيجادها لتكون دالة على الحكاية والمجتمع الذي تدور فيه. فبقدر ما تبدو الأسماء محايدة يبتعد فيها الروائي عن محاذير اختيار أسماء تعود لأسر عمانية معروفة وشائعة ومتداولة كي لا تخلق أي إشكال للرواية ومعها، تبدو الأسماء عمانية منحوتة تدل على الجميع، فسالم الذي جاء اسمه من دلالة ولادته واسم ابيه الذي لا يدل على أحد هو كناية عن الجميع، ممثلا لهم عاكسا روح المجتمع وحكاياته.

وبالقدر نفسه الذي يبدو فيه حدث الولادة "أسطورياً"، يبدو عادياً كذلك لأن الروائي اشتغل على تقديمه لتبدو حكاية الغرق مجرد حكاية عادية يمكن أن تحدث في أي قرية فيها بئر. لكن الروائي لا يكتفي بهذا فهو يعود ويعمل على حكاية مريم الغريقة المرتبطة بالماء لتبدو علاقة "القافر" اللاحقة بالماء طبيعية تم التأسيس فلا تبدو غرائبية. فعندما يستمع القافر لأصوات المياه في جوف الأرض وفي أكتاف الجبال يجد القارئ ذلك طبيعيا، إنه مسار طبيعي لحدث ولادته ولعلاقة امه بالماء أثناء حملها به. هكذا يغدو طبيعيا أن يصبح الماء ثيمة العمل الأساسية. كل الحكايات وتاريخ السكان وعاداتهم وطرق عيشهم ورخائهم وقحلهم، وتاريخهم الشفاهي وأمثالهم وطقوسهم الدينية البسيطة وافراحهم وأتراحهم مرتبطة بالماء الذي تقدمه سيرة حياة القافر التي تنمو رويدا رويدا مع السرد لتقدم فترة من تاريخ القرى العمانية وحياة المجتمع التي كانت واقعا قبل وقت قريب.

ومن ضمن ذلك تتخصص الرواية في ثيمة الأفلاج التي تمثل الماء في الرواية، ومن هذه الزاوية يبدو العمل مشغولا بدراية تامة تكاد تكون معرفة موسوعية في موضوع "الأفلاج" في عمان وما شابهها من قرى في أي بقعة جغرافية أخرى من العالم، او لنقل العربي. أرشفة وثائقية لحياة صارت متخيلة كأنها رواية.

سرد زهران حياة القرى حول الأفلاج كأنه راوي حكايات غريبة متخيلة، ما كأنه يسرد حياة كانت قبل قليل. العادات المعتقدات الاساطير الخرافات نمط الحياة البسيط الذي يعيش على الأرض وتحفظه الحكايات.
وكما في كل عمل لابد من وجود ملاحظات نقدية على بنائه ولغته وزمنه وأبطاله، إلا أن هذا ليس غاية هذه المادة، لكني أود أن أشير فقط إلى بعض الهنات المتعلقة بـ "الحكمة" والرؤية النقدية للحياة ولطباع الناس التي يتبناها الروائي ويلبسها لشخوصه في مقاطع قليلة وبدت لي نافرة في تقريريتها و "حكمتها".

وبالرغم من أني مجرد قارئ للكتب ولا اقدم نفسي ناقدا، يمكن لي أن أزعم أن رواية تغريبة القافر تشكل وثيقة اجتماعية ستعيش طويلا وستكون مرجعا لحياة قرى الأفلاج التي اندثرت أو تكاد. كما أعتقد أنها ستكون مرجعا للدراسات الاجتماعية في عمان، فهي عمل مهم لا يقارن إلا بعرس الزين لشيخ من شيوخ الرواية بالعربية الطيب صالح. هذه الرواية عمل نادر في زحمة الإصدارات الروائية لمن تغويه حكايات الأرض والماء الذي حكم مصير البشر منذ نشوء الخليقة.



#خلف_علي_الخلف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرة العشائر الزراعية في رواية -خربة الشيخ أحمد- ل عيسى الشي ...
- هل يحب برهان غليون السمك مع الخاثر؟
- في نقد الإستجابة الإقليمية لمنظمة الهجرة الدولية للأزمة السو ...
- حازم صاغية في فخ الذاكرة الثقافية السورية المزورة
- حان وقت رفع راية استقلال إقليم الجزيرة الفراتية عن سوريا
- عن انقلاب الرفيق رياض الترك على قيادة الشباب للثورة السورية
- الضربة الأميركية والمعارضة الموالية للنظام
- هل اقتربت نهاية حكم حيوان الغاز القاتل
- حين لا تجد الأمم الكلمات لوصف المذبحة السورية
- هل كان سعدالله ونوس صنيعة نظام الأسد
- فضائح المنظمات الإغاثية الدولية
- عن العنصرية الخفيّة واتنزاع الأطفال من ذويهم في السويد
- فنون الوحشية عند تنظيم الدولة الإسلامية
- أين أخطأ البارزاني في مشروع استقلال كردستان
- قضية الأهواز كمدخل عربي لمواجهة إيران
- الصراع الديني في الشرق الأوسط من منظور غربي
- الإرهاب من منظور نظريات العلاقات الدولية
- الخلف: ضعف كفاءة المعارضين جعلهم يحسبون العملية السياسية مجر ...
- خلف علي الخلف: سوريا التي نعرفها لن تعود
- عن العشائر والبيئة الحاضنة لتنظيم الدولة الإسلامية


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلف علي الخلف - تغريبة القافر لزهران القاسمي أو عندما تبدو الحياة كحكاية