أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - صفاء الروح..واشراقات الذات في نصوص الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي















المزيد.....

صفاء الروح..واشراقات الذات في نصوص الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي


محمد المحسن
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 7655 - 2023 / 6 / 27 - 02:04
المحور: الادب والفن
    


جاء في كُتب الأولين أنّ «أبو نُواسٍ فقيهٌ غَلَبَ عليه الشِّعرُ،والشَّافعيُّ شاعرٌ غلبَ عليه الفِقْهُ»، وفي دراستنا للشعر التونسي الحديث وجدنا شاعرًا ذا أخلاق عالية حكمة صادقة،أصيلَ الألفاظ،جزلَ العبارات،يرسم بريشة سنها مغموس في محبرة القلب..يستسلم للشعر حينما يدخل عليه عنوةً مخادعه،ويستنهض قلمه من سباته،ويخوض به في بحار المعاني،ويقتطف معه رحيق البلاغة،ويسبح برفقته في لجّة الصور الشعرية،فيقف على رؤوس الأبيات شاديا،ويستظل تحت أشجار الخليل الفراهيدي،ويذيب وجدانه في كؤوس الحنين،ويفري حشاشة قلبه ويبثها وينثرها حَبَّا لطيور الكلام فتشدو فوق أشجار الشجن شعرا غنائيا ينزّ بالحكمة،ويقطِّرُ شهد التجارب في فم الأيام صورا تتشظى في سماء الشعر نجوما تتلألأ،فيسوقها ويهشُّ عليها بعصا الحكمة.
فإذا ما تمعن القاريء في حقيقة وبِنَى الصور الشعرية التي تتناثر نجومًا في سماء قصيدة الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي،تراها مركبةً وتتناسل وتتولّد،وتُزاوج بين المجاز والتشبيه والاستعارة متأثرةً ببراعته اللغوية في البناء النحوي للجملة الشعرية التي تتخذ من العروض قالبا،ومن الموسيقى الخارجية ترانيمَ تضج بالإيقاع،ومن القافية متكئًا تستندُ إليها وتجعل منها محور الارتكاز..
المسيرة الشعرية المفعمة بعطر الإبداع لهذا الشاعر الشاب المنبجس من ضلوع ولاية سيدي بوزيد -مهد الثورة التونسية الخالدة،هي الملجأ والخيمة التي ينفرد بها مع ذاته الشاعرة،انعتاق من الواقع بكل تماثلاته،وانفلات من أسر الحياة بكل خيباتها،وعزلة ومنفى اختياري يجلس فيه تحت قبّة الفكر الممزوج بالوجدان،يستظل فيها تحت شجرة المعنى،ويطفيء فيها فورة الشعور المتدفقة،يجمع بلوراتها،وينظم حبّاتها المتلألة في سلك الفكرة،ويعلّقها على عمود الموسيقى، فتبدو رؤية فنية محكمة السبك.
لم تكن القصيدة عند الشاعر التونسي الشاب د-طاهر مشي صنعة فنية،أو قوالب موسيقية متراصة،أو أفكارًا متشابكة في عُقد من الكلمات الناصعة البراقة،أو ينتظم لؤلؤها في سلك الوجدان،بل كانت محاولة لمقاربة العالم الذي يعيشه،بكل تجلياته،وبساطة المشهد اليومي، وحضور الإنسان بكل تكويناته وتناقضاته،ونزاعاته النفسية،وثورته الشعورية داخل بِنية النص.
وكان الشعر بالنسبة إليه ملاذا وشجرة وارفة الظلال يأوي إليها طلبا لنسمة عابقة تهب من هنا..وهناك فتداعب خياله،أو تستمطر سحابات عابرة في سمائه فتسّاقط بردًا وسلاما على روحه الوثابة في دروب الحياة.
ما يشدني في التحدت عن الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي هي تلك الرؤية الصافية، والقدرة الرائعة على التحكم باللغة التعبيرية دون الحاجة إلى ذلك المجاز المستهلك سلفا،في تناغم بين المدلول والإيقاع بكيمياء ترابطية غير مكرسة،ناهيك على أنها كتابة مصابة بدلال فادح،لا يشبع لمعانها أي صيغة من صيغ البلاغة الجاهزة،والعجيب داخله أنه مُصمِم دائما على أن يِِصيبك بعدوى بياضه الدافئ كقبلة .
هو مهندس اللحظة الحارقة،في مشهدية عالية تؤثثها لغة طيّعَة حد المهارة،وهي لغة/أسلوب زجاجي عَلي أن أبَعثر كلمات كثيرة لعلي أعثر على توصيف ملائم له،استحضر رولان بارت، لأرى إلى الأسلوب "كاللغة الغزيرة النابعة من الأحشاء والملتحمة بحميمنا السري"
وهو هنا به من الإبداع والبريق ما يضيء تَحتيات المعنى في تشاكلاته الشعرية والمعرفية، مربك لكل ما هو معروف ومقنن في ماركات نقدية ما بعدية أو ما ورائية-يوم كنت طالبا جامعيا ما كنت أجد تعريفات لكل شيء بسرعة- .
فهو نص يعيش في خيانة غير مُتهمَة،لكل ما هو معجمي ومحدود،طليق كهوية كتابية منفصلة عن دائرية النسقي وتوجيهاته،لذلك تجده لا يلملم تسمياته إلا داخل الكتابة،في هروب من الأشكال وسخرية من الأصفاد،ليتأتى لنا النص الكتابة،هذا النص الذي يجردك من كل أسلحة القراءة الذاتية،فهو مسلّح باللغة غير المستعملة،ويمكن تسميتها بالأسلوب المقابل لمصطلح الأثر في الحقل التشكيلي،
هذا الأسلوب الأثر الذي يطبع كل تجربة مثقف متوازن،هو حاضر متغاير في متن د-طاهر مشي كتمرين على الصعود إلى الجمالي بكتابة،لا تملك أي مجد أو تصفيق تقليدي لأنها ببساطة لا تحاكيه .
القارئ هنا عليه أن يقرأ النص ويلاحق امتداداته،لأنه نص يشتغل على فلاحة العالم لا المعنى كلوحة داخله..يستعمل السهل المُمتنع بالمعنى الدَّقيق، فيقول في قصيدته :
هذا الهوى..يطربني
يا من هوى الذكرى متى ذكراك؟
فالليل قد ناحت به نجواك
والهمس بالأسحار يغمرني
والنبض في الشريان كالأفلاك
خوفي من الأشواق تهجرني
يا روعة الخلاق ما أبهاك
فالحرف يسحرني لما الخجل
يسعى ونبضي ما عساه رجاك
ضني أنا والليل يلحفني
رحال أسعى في مدى أقصاك
حتى أبوح الحب من وصبي
أمشي على جمر الهوى لأراك
من بهجتي قد بحت موعظة
نذرا بها الأشواق في دنياك
فأتت على زرعي تداعبه
في نبرة المشتاق..ما أقساك
تمضي بنا الذكرى بلا سبب
يا نتفة في القلب ذا سكناك
عشت الهوى نغما ليطربني
يا صحوة المشتاق ما أضناك
جثمت على جرحي فذا عتب
والنبض في تيه كذا إنهاك
فسكبت دمعي في هوى وَجوى
وسكنتها الأحلام كي ألقاك
هذا الهوى تمضي به الافلاك
يا من سبى قلبي بلا إدراك
(د-طاهر مشي )
هكذا هو الشاعر الحقيقي يترك نفسه تصوغ نفسه من جديد أثناء الكتابة الشعرية،فالقصيدة هي محاولة لإعادة صياغة الذات والعالم بشكل يمتزج فيه "الصوفي" بـ "الحسي"،و"الواقعي" بلحظة "العشق" و" الحقيقي" بالوصول-أحيانا-الى "الاسطورة" فالنص الشعري يفاجئ الشاعر عند الاكتمال،وإزاء هذه التجربة فإن الابداع مسافةٌ تتجاوز الالتزام المجرد والعلاقة بين العملية الابداعية والالتزام،اذ ثمة ضرورة للالتزام بشيء،فليكن هذا الشيء هو الابداع فنحن نستطيع "احتمال الضرورات الابداعية" وكذلك " الركون الى مفرداتها باعتبارها الأصدق والأعمق والأقرب إلى الوجدان..
ختاما أقول : استطاع الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي أن يشق له درباً خاصاً ومنفردا وحقق لنفسه صوته الخاص البعيد عن التقليد والوقوع أسيراً لتجارب الآخرين،وفرض وجوده وحضوره واحترامه على الساحة الأدبية وتجاوز الحدود.
إن ملكات د-طاهر مشي التي تستطيع اكتشافها بنظرة واحدة مهما كانت درجة تعقيداتها أحيانا،
ليس تلك القدرة الفذة على جر اللغة أبعد من مسافتها..
إنها في صفاء روحه واشراقتها على اللغة وهو شيء قلما أجده لأعمد إلى رفع لغتي وقبعتي أيضا..و القول انظروا لدينا هنا شاعر تونسي إسمه : الطاهر مشي..
وليس لدي..ما أضيف..



#محمد_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هاجس الموت في قصيدة -أيها الموت خذني..ولا تسَل عني- للأديبة ...
- قراءة تأملية في قصيدة الشاعرة التونسية السامقة نعيمة مناعي - ...
- تمظهرات الإنزياح اللغوي في قصيدة الشاعر التونسي د.طاهر مشي - ...
- قراءة-تأملية-في قصيدة الشاعر التونسي القدير-د-طاهر مشي (أنت. ...
- الأستاذة/الشاعرة والكاتبة التونسية تتألق في رحاب قرطاج الثقا ...
- مؤسسة الوجدان الثقافية التونسية..تحتفي بصدور مولودها الإبداع ...
- على ربوة الإنتظار..-ها أنا جالس على مقعد لست فيه-.. - قراءة ...
- أنثى الماء..في ثوبها المرمري.. للكاتب المتميز تونسيا وعربيا ...
- حوار مقتضب مع د-طاهر مشي-الشاعر التونسي الكبير:
- حول فوائد الزكاة : الاستظلالُ بظلِّ عرش الله..يوم لا ظلَّ إل ...
- ها أنا شارد..في تفاصيل الغياب- الألم العاري..قصيدة مثيرة للت ...
- قراءة متعجلة في قصيدة الشاعر التونسي السامق جلال باباي..-أنا ...
- قصيدة -خلف مدينتك- للشاعرة التونسية القديرة نعيمة مناعي..صور ...
- من لا يعرف الروائي التونسي الكبير عامر بشة..أقول
- تمظهرات التناص..روعة البناء الفني وتمثلات الوجع الإنساني في ...
- الكاتب الصحفي الدولي-محمد المحسن-يثمّن رجالا ما هادنوا الدهر ...
- الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي.. يرثي الشهيدة-شيرين أبوعاق ...
- قراءة في قصيدة (لست صالحة للرسكلة) للشاعرة التونسية المتميزة ...
- تمظهرات البعد الفلسفي..في قصيدة الشاعرة التونسية القديرة نعي ...
- تجليات الذاتِ الأنثوية..في أفق قصيدة النثر النسوية العربية و ...


المزيد.....




- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...
- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - صفاء الروح..واشراقات الذات في نصوص الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي