المعركة الروسية الأخيرة: ستة مواقع رئيسية - الكسندر دوغين (3)

نورالدين علاك الاسفي

الحوار المتمدن-العدد: 7647 - 2023 / 6 / 19 - 02:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الكسندر دوغين
Alexander Dugin

ترجمة: نورالدين علاك الأسفي.
[email protected]

العملية العسكرية الخاصة في سياق تاريخ العالم.

ومع ذلك، فالحضارة الغربية الحديثة، هي نتيجة المتجه التاريخي الذي تطور في أوروبا الغربية منذ بداية العصر الحديث. إنه ليس انحرافا ولا فائضا. إنه الاستنتاج المنطقي لمجتمع اتخذ طريق نزع القداسة و استئصال المسيحية و رفض عمودية الروحاني، ومسار الإنسان الإلحادي و الازدهار المادي. وهذا ما يسمى التقدم ؛ وهو يشمل الرفض والتدمير الكاملين لقيم وأسس ومبادئ المجتمع التقليدي.
إن القرون الخمسة الأخيرة من الحضارة الغربية هي قصة نضال الحداثة ضد التقليد، والإنسان ضد الرب، و النزعة الذرية ضد الكمال. بمعنى ما، إنها قصة صراع بين الغرب والشرق، حيث غدا الغرب الحديث تجسيدا للتقدم، بينما ينظر إلى بقية العالم، وخاصة الشرق، على أنه منطقة تقليد، حيث نهج الحياة المقدس مصان.
كان التحديث على النمط الغربي لا ينفصل عن الاستعمار، لأن أولئك الذين فرضوا قواعد اللعبة الخاصة بهم ضمنوا العمل لصالحهم فقط. وهكذا، تدريجيا، أصبح العالم كله تحت تأثير الحداثة الغربية، ومن نقطة معينة فصاعدا، لا يمكن لأحد أن يشكك بعمق في صحة مثل هذه الصورة التقدمية للعالم الغربي.
إن العولمة الليبرالية الغربية الحديثة، والحضارة الأطلسية نفسها، وبرنامجها الجيوسياسي و الجيوستراتيجي في شكل حلف شمال الأطلسي، والنظام العالمي الأحادي القطب نفسه، هي في نهاية المطاف تتويج "للتقدم" التاريخي كما أظهرته الحضارة الغربية نفسها. هذا النوع من "التقدم" بالتحديد هو الذي يتم تحديه بنهج العملية العسكرية الخاصة.
إذا واجهنا تتويجا للحركة التاريخية للغرب نحو هذا الهدف الذي تم تحديده قبل 500 عام، والذي تم تحقيقه الآن تقريبا، فإن انتصارنا في العملية العسكرية الخاصة سيعني - لا أكثر ولا أقل - تغييرا جذريا في مجمل مسار تاريخ العالم. فالغرب كان في طريقه إلى هدفه، وفي المرحلة الأخيرة عرقلت روسيا هذه المهمة التاريخية، وحولت عالمية التقدم كما يفهمها الغرب إلى ظاهرة إقليمية محلية خاصة، وحرمت الغرب من حقه في تمثيل الإنسانية ومصيرها.
هو ذا؛ الذي على المحك؛ و هو ما سيتم الفصل فيه اليوم بخنادق العملية العسكرية الخاصة.

العملية العسكرية الخاصة في سياق الأزمة العالمية للرأسمالية

الحضارة الغربية الحديثة رأسمالية. تقوم على القدرة المطلقة لرأس المال، وهيمنة المصالح المالية والمصرفية. الرأسمالية غدت مصير المجتمع الغربي الحديث منذ اللحظة التي انفصلت فيها عن التقاليد؛ التي رفضت الهوس بالجوانب المادية للوجود، وأحيانا قيدت بشدة بعض الممارسات الاقتصادية (مثل نمو الفائدة) كشيء شرير للغاية وغير عادل و لا أخلاقي.
و من خلال تخليص نفسه من المحرمات الدينية فقط تمكن الغرب من احتضان الرأسمالية بالكامل. فالرأسمالية لا تنفصل تاريخيا ولا عقائديا عن الإلحاد والمادية والفردية، التي لا يتم التسامح معها على الإطلاق في التقاليد الروحية والدينية بالكامل.
إن التطور الجامح للرأسمالية هو بالتحديد الذي قاد الحضارة الغربية إلى الانحلال، التفكك وتحويل كل القيم إلى سلع، وفي النهاية، مساواة الإنسان نفسه بشيء ما.
فالفلاسفة المنتقدون للغرب الحديث؛ بالإجماع حددوا العدمية في هذا الانفجار الرأسمالي للحضارة. أولا؛ كان هناك موت الرب ثم، منطقيا، موت الإنسان ، الذي فقد كل المحتوى الثابت بدون الرب؛ ومن هنا جاءت تجارب ما بعد الإنسانية والذكاء الاصطناعي والانصهار بين الإنسان والآلة. هذا هو تتويج التقدم في تفسيره الرأسمالي الليبرالي.
الغرب الحديث هو انتصار الرأسمالية في ذروتها التاريخية. مرة أخرى، توضح الإشارة إلى الجغرافية السياسية الصورة الكاملة: حضارة البحر، قرطاج؛ نظام الأوليغارشية، كانت قائمة على القدرة المطلقة للمال. و روما لو لم تنتصر في الحروب البونيقية؛ لكانت الرأسمالية قد وصلت قبل ألفي عام: فقط بشجاعة روما وشرفها وتسلسلها الهرمي وخدمتها و روحها وقدسيتها؛ كان بإمكانها إيقاف محاولة الأوليغارشية القرطاجية فرض نظامها العالمي الخاص.
كان خلفاء قرطاج (الأنجلو ساكسون) أكثر حظا وفي القرون الخمسة الماضية؛ حيث تمكنوا أخيرا من تحقيق ما فشل أسلافهم الروحيين في القيام به: أي فرض الرأسمالية على البشرية.
بطبيعة الحال، لا تتخيل روسيا اليوم حتى من بعيد أن العملية العسكرية الخاصة هي ثورة ضد رأس المال العالمي وقدرته المطلقة.
وهذا بالضبط ما هي عليه.

#نورالدين_علاك_الاسفي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل