أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسن عزيز الياسري - مدرسة أنامل الرحمة ، واقع تربوي محسوس ، لتراجع تعليمي ملموس















المزيد.....



مدرسة أنامل الرحمة ، واقع تربوي محسوس ، لتراجع تعليمي ملموس


حسن عزيز الياسري

الحوار المتمدن-العدد: 7646 - 2023 / 6 / 18 - 02:03
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


(( ان النظر للامر كله ( طفل وتربية وتعليم ) ، تنكشف امامنا السياسة المستبطنة ، وايا كانت براعتنا وفذلكاتنا للتفريق بين ما هو سياسي وما هو تربوي فان التربية تبقى سؤالا سياسيا كبيرا )) د. محمد جواد رضا - ازمات الحقيقة والحرية في التربية العربية المعاصرة ص٢١٥


-- لعل من ابرز التحديات التي تواجه القوى الوطنية والاوساط العلمية والتربوية والشخصيات الأكاديمية والثقافية الفاعلة بالعراق ،  قضية النهوض بواقع التربية والتعليم الذي يُعَد من اهم محاور التواصل الحضاري بين الحاضر والمستقبل  ، فهو القطاع الضامن لمستقبل البلاد والرافد الاساسي للامكانيات التربوية والعلمية اللتان تؤهلانه للديمومة ، والاستمرار في التنمية والتقدم والازدهار ، ذلك النهوض الذي يمثل بتسلسله التربوي الهادف والتعليمي الواعي ، مفاعل التواصل الحاصل بين الاجيال ، بالاعتماد على المناهج العلمية والتربوية والتطبيقية التي تخضع للمراجعة والتنقيح  والتحديث الدائم ، والتي تنسجم مع طبيعة المجتمع وبيئة المحيط الاجتماعي ، الذي يعيش ازمات التحول السياسي والاعلامي والاجتماعي الواسع .

ان اي نظرة من طرف المربي ، معلما كان او مشرفا تربويا ، او رب اسرة متعلم ، لا يتم فيها التوجه بعمق الى عالم الطفولة الواسع بكل ما تحمل من توجهات تربوية خاضعة لتراكمات اجتماعية واعية وفق نظرة علمية معمقة ، آخذة من تجارب الاخرين حقلا للبحث والتجربة والتطبيق ، فانها ستكون سطحية وغير منتجة ، فهي مجرد عملية تكرار لاشخاص صغار سيكبرون بنفس الطريقة التي نشأ فيها من سبقهم ، يجب توجيه النظرة التربوية منسجمة مع نقاء عالم الطفولة البريء ، بنفس نظرة البراءة في التعامل معهم ، في التحضير والتخطيط التربوي من اجل العمل على تكريس القيم الاجتماعية والوطنية والاخلاقية في نفوسهم من اجل بناء الشخصية المتناغمة مع قيم الحياة العامة ، لضمان ولادة جيل مسالم مع نفسه ، ولا يُشكل عبئا على مجتمعه وعلى العالم من حوله . 

(( ولأن تربية الأطفال تُعَد اخطر مشكلة ، تواجه البشرية ، ومن هذا المنطلق ، اولت الدول والشعوب اهمية استثنائية لعملية تربية الطفل وبناءه بناء انفعاليا واجتماعيا وعلميا متوازنا ، كونها تعد مرحلة فنية حاسمة ، اذا تترسخ فيها اسس الشخصية الانسانية ومعالمها العميقة وجذور التكوين النفسي للفرد ، ويستمر تأثيرها في مراحل الحياة المقبلة جميعها ، فهي مرحلة نمو سريع وعميق وشامل في التكوين الانساني ، ، كما تتم فيها عملية التنشئة وفق عمليات تعليمية تعلمية ))*١

هناك مؤثرات صد قوية ، تقف بالضد من تنفيذ توجهات العمل التربوي ، وتعرقل مساراته التقويمية وتخلق المعوقات في تنفيذ خططه الاصلاحية ، ولعل في ضعف المنظومة التربوية بما تمثله في عمقها الاساس ( مناهج ووسائل ، مختصين ومربين ، ومساحات عمل ) اذا كانت  لا تستند على اساسات مناهج علمية محضة واساليب تربوية واعية ، ولا تخضع للتطبيق والتجربة والقياس والممارسة ، ولا تقوم على فهم نفسي ومعرفي لسلوكيات الطفل ودوافعه النفسية وردات فعله وطريقة تفكيره ، فإنها ستمثل بالتأكيد ضعفا وقصورا في الادراك التربوي لتلك المنظومة ، وتكون مؤشرا للانتكاسة والاساءة التي سرعان ما تطغى على شفافية عالم الطفل ، وتزيد من مؤشرات الفشل والتخلف في البناء النفسي والمعرفي له .

-- ويأتي عدم استقرار الواقع السياسي ، الذي يعد ابرز تلك المعوقات واهمها ، في عرقلة مسيرة العملية التربوية والتعليمية ويشهد على تأخرها واقع الحال ، بحيث لا يمكن الحديث ، عن الفشل وتدني المستوى التربوي والتعليمي ( فضلا عن انحدار مستويات القطاعات الحياتية الاخرى - الصحية والامنية والخدماتية والصناعية وغيرها ) في العراق دون الحديث بالشأن السياسي اللامستقر ، والذي ترتل نزولا نحو المجتمع بكل نتائجه وتجلياته وتبعاته وإشكالاته ومآسيه ، فالنظام السياسي الذي ارسى قواعد اللعبة السياسية في المحاصصة والتوزيع والفساد والإفساد والتواطؤ ، مع هذ الجانب او ذاك ، هو من يتحمل كل هذا القلق والتوتر والتراجع على كافة المستويات العلمية والتربوية والصحية ومآلات القطاعات الحياتية الاخرى ، التي يعاني فشلها المواطن اليوم بسبب السلوك المحاصصاتي العام ضمن دائرة النظام السياسي والتصرف الشخصي الاهوج اللامسؤول بالمال العام ، الذي أفرز كل هذه النتائج المريعة ،  وثقل الحرج هذا الذي يتحمله النظام السياسي بشخوصه الاكبر نفوذا ، كونه لديه القدرة على تلافيه لو انه تعامل مع الموارد المالية العملاقة ، بنوايا وطنية واجتماعية اكثر مسؤولية ونزاهة ،  ولو انه نظر الى ( قطاعات التربية والتعليم والتعليم العالي والصحة والخدمات ) على انها اولوية بين الاولويات العليا التي يرتبط بها مستقبل البلاد ومستقبل ابناءه .

فقد دفعت نتائج الفشل المتكرر وفوضى المفاهيم والشعارات الكاذبة التي رفعتها ولا زالت كل القوى السياسية ، التي حاولت تأطير المجتمع العراقي بإطار تقليدي مشوه واحد ، ظاهره ُ التدين والتقوى وجوهره الخداع والتزييف .

تلك الاحزاب التي تغولت بفسادها السياسي في زمن الغنائم ومنهج السبي المقنن لمؤسسات الدولة ، المنهج الذي مارسته السلطة المحاصصاتية كنظام لتوزيع - الريع السنوي - منذ ٢٠ عاما ، على ما تأسس وجوده قبل هذا التاريخ --قبل ٢٠٠٣- من تفتيت وتمزيق ، وهدر في البُنية الاساسية للمجتمع العراقي بشريا ونفسيا وماديا ومعنويا - على مسلخ الشعارات الرنانة الجوفاء والحروب العدمية الحمقاء ، هذه الاحداث والظروف دفعت بمجموعها الى تبديد الطاقات البشرية واستنزاف الامكانيات المادية وتعثر النمو لكل مشروع يهدف للبناء على مدار العقود التي سلفت ، حيث تركت ترسباتها ، عظيم الاثر في العقل الفردي والعقل الجمعي  للمجتمع العراقي ، والذي بدا تأثيره واضحا كل الوضوح وعلى كافة الاصعدة والمستويات الاجتماعية .

ولعل بالاشارة ما يكفي للدلالة على تأثيرات تلك الازمات على البيئات الاجتماعية عامة ، ومنها بيئة الطفل ، التي تعتبر الحلقة الأضعف في فئات البُنية الاجتماعية لكل مجتمع مدني ، وتقاس الدول اليوم وفقا لدرجات تنورها وتحضرها ورقيها على درجات السلم الحضاري ، على ما تقدمه لاطفالها من عناية ورعاية وعلوم ومعرفة .
فلا يمكن الحديث عن بناء إنسان ومجتمع الا بالعمل على بناء قالب شخصية الطفل  ، فالطفل هو لبنة البناء الاولى للمجتمع ،  وهو مرحلة الاساس الاولى في تعزيز مفاهيم التربية والانسان والمجتمع ، في المستقبل  .

-- اشار لتلك الفجوة الاجتماعية الخطيرة ، المستشرق والكاتب الياباني نوبواكي نوتوهارا في كتابه النقدي الشيق - العرب ، وجهة نظر يابانية -  بقوله :
(( اُقَدِّر وبكل الاسف ، ان السبب هو غياب الشعور الانساني بالمسؤولية عن مستقبل الطفل ومستقبل كل الوطن ، ولذلك نسمع اخبارا محزنة عن اشكال الغش والتلاعب في نتائج الامتحانات واختيار الاساتذة وكل ما يتعلق بالفساد والتحابي  واللامبالاة في العملية التربوية ، اما قمع الطفولة الذي يتخذ اشكالا مختلفة وقاسية في الكثير من الدول العربية ، فلا زال الضرب اسلوبا معتمدا في اغلب المدارس العربية،  وظاهرة عمل الاطفال كماسحي للأحذية او الباعة المتجولين الصغار او تسولهم وتشردهم في الشوارع والازقة ، تلك الصور المؤلمة التي ليس لها صورا مشابهة ابدا في اليابان او الدول الغربية ، لان مسؤولية الارتقاء بواقع الطفل ، مسؤولية انسانية واجتماعية تقع على عاتق الجميع ، وليس لها مجالا واسعا في واقع الفكر العربي الا ما ندر  )) *٢

بالتالي فقد تسببت كل هذه الظروف بالعمل على ازاحة  اطفالنا - بالقسر والإكراه -  نحو الإكتفاء بالاخرين ،  ليختاروا مرغمين ، الانشطار والتجذر بوهم السلطة الادنى ، التي توفر لهم شيئا من شعور الامن والاستقرار والتوازن الاجتماعي ، فيذوبون قسرا ، في اختيار يلغي ، وجودهم المستقبلي ويلغي فرصة اظهار نبوغهم وابداعهم الذي لم يُكتشف بعد ، ليُصنع دون وعي ٍ منهم ، وبكامل وعي ٍ منا ، ادوات جذب جاهزة ، لنظم متسلطة بديلة ، ظهرت قوتها كنتيجة طبيعية لتطبيق دور مؤسسات الدولة الغائب اساسا ، او المغيب بإرادة سلطة سياسية محاصصاتية محضة ، ولنا ان نتصور عملية انتاج وتكرار كيان انساني مبرمج نحو الخضوع والبلادة والإِتِباع ، ويسعى لنيل رضا قواه المتسلطة ! .
انها صناعة الفرد المُكرر المتمحور على ذاته والسائر نحو الغاية القصوى التي رسمتها له تلك النظم المتسلطة البديلة ، الولودة من رحم التعصبات العشائرية والانفعالات المذهبية والعنصريات الطائفية ، في عملية تقليدية تسير بالفرد كعضو معاد انتاجه ، لطبقة اجتماعية ما (( عشيرة او جماعة او مذهب وحزب ديني )) ، انها مخاض الولادة المتيسرة لمستقبل رث واضح ، يلغي فيه الفرد وجوده وعقله ، وثقافة انتمائه الى وطنه ، الا بما يملي عليه ، رأس نظامه المتسلط .

ان تربية التسلط التي ينشا عليها الطفل ، في ظل تراجع مؤسسات الدولة التربوية ، وبحكم مسلسل تكرار علاقة الكبار بالصغار في المجتمع تنتج
(( قيم الخضوع والطاعة واستمرار لهيمنة العلاقة الهرمية بشكل او باخر ، لتبقى قيم الحرية والتعاون والمساواة قيما لفظية ، حبيسة الهدر اللغوي ، فاقدة لمفعولها الاجتماعي والنفسي ، بل تنعكس سلبا عليهما ، لتفرز بالمجتمع انسانا يخاف الحياة ناقما وساخطا عليها ، انسانا يخاف من السلطة ، مما يُمَكّن حفنة من الافراد المسيطرين على اخضاع شعب بأكمله )) *٣

-- ان التربية بمفهوم الفيلسوف ماكس ويبر هي (( اداة من ادوات السيطرة التي تملكها القوة المهيمنة ، وبهذا يمكن مقارنة التربية بأدوات القسر الاجتماعي المباشرة الاخرى التي توجد بحوزة كل مجتمع ، والاختلاف يكمن في ان التربية تستخدم لكبت الظواهر السلوكية غير المرغوب فيها اجتماعيا ومنع وقوعها .. في حين ان اجهزة القسر الاخرى تتولى قمع تلك الظواهر بعد وقوعها ، على انه تكمن اهمية استخدام التربية الى الجهة التي يوجه اليها ، فقد تكون الهيمنة من اجل التقدم والحركية وقد تكون من اجل المحافظة والركود )) *٤

فاذا كانت التربية بمفهوم ماكس ويبر تقر على انها من اهم وسائل السيطرة المهيمنة ، فإن الفيلسوف اميل دوركهايم يعتبر التربية أداة لتحقيق الوفاق الاجتماعي ، (( فالمؤسسة التربوية مؤسسة اجتماعية عاملة من اجل تحقيق وفاق اجتماعي  - وذلك من خلال تنشئة الاطفال على السجايا والفضائل الشخصية وأنماط السلوك المقبولة من لدن الجماعة التي ينتسبون لها ، ذلك ان المجتمع لا يستطيع البقاء ، الا اذا تحققت بين افراده درجة كافية من التناظر والتجانس ، والتربية هي التي تخلد هذا التجانس وتعززه عن طريق غرس التشابهات الجوهرية التي تتطلبها الحياة الجماعية لدى الأطفال )) *٥

ان في برامج التربية واساليبها وادواتها ، حلولا مثلى لتحييد تلك المفاهيم التي يقترن وجودها قسرا بوهن وضعف الدولة ومؤسساتها ، لانها يمكن ان تمنع هذا كله ، من خلال توجهاتها في تحقيق أهدافها ولعل من اهم تلك الاهداف بل وفي مقدمتها -- تعزيز وتوسيع مساحة الاستقلال الداخلي ، والتوجه المستقل عند الطفل ، وبهذا تكفل نموه السوي ووحدة شخصيته -- اضافة الى تعزيز قدرته على الانفتاح نحو الاخر والتواصل معه حضاريا ، من خلال زرع مفاهيم عقلانية سادت عالم اليوم .
وكذلك دفعه للايمان بالانسان كقيمة وجودية عليا دون النظر لمعتقده ولونه والايمان المطلق بعقله وفكره وكيانه ،

وكذلك حثه والسير به نحو رفض كل اشكال السلوكيات البشرية السلبية التي يتوجه للدلالة عليها -- بتاثير محيطه الخاص-- نحو الاخرين ، ليترك مجال نقده الذاتي بلا قيود ، وذلك من خلال الارتقاء بحسه الانساني وتفعيل دور الضمير والتفكير والتساؤل لديه ، و توجيهه نحو الاحساس بصور الذوق والفن والجمال ، فكل هذه المفاهيم تُلزمه لتكوين عقلا يقظا ، يمتاز بارادة حرة وواعية ، تفتح عينه لمساحات فكرية لم يكن يراها بسبب تراكمات أفكاره البيئية المحدودة ، وتزيح عنه شيئا من مؤثرات التربيات العنصرية وتقلل كثيرا من سطوة ترسبات الطائفية المقيتة .

(( ذلك اننا ما لم نبلغ بكل الاطفال حدا ادنى مشتركا من القدرة العقلية وتوفير الفرص التعليمية المتكافئة بحيث انهم ينالون بلا استثناء نفس النوعية الجيدة من التعليم   فأننا سنكتب على انفسنا المصير الى حكم الدهماء الذي لا مكان في ظله للحياة العقلانية ولا لسيادة القانون او الحكم الدستوري المرتضى عنه من قبل الناس ، لاننا سنظل قاصرين عن بناء المجتمع المُقَنن الذي تبدأ مفاهيمه بالتَشّكل في ذهن المواطن ، حينما كان طفلا )) *٦

-- يجب ان يحظى قطاع التربية والتعليم بإهتمام اكبر واوسع وانشط ، فهو ذو طبيعة حركية انتاجية متنامية دائمة - يتفاوت من حيث التدرج في الأهمية العليا ، مع القطاعات الاخرى ( كالقطاع الصناعي او الزراعي )  اللذان قد يتباين مستوى الاهتمام بهما نتيجة للظروف المحيطة في كل بلد .

-- والمؤسسة التربوية التي ينحصر دورها في توفير التعليم والتطوير والتقويم وتوطيد قيم واهداف مبادئ التربية ، تتصل بتكوين الفرد طفلا وبلوغه عقلا ناضجا ومؤثرا في مجتمعه ، حيث تسير حسب منهج علمي متسلسل ، يبدأ بالفرد في مراحله العمرية الاولى كما هو معروف - بمراحل التعليم المعروفة والتي تسير بالطالب وفقا لضوابط تعليمية مدروسة وفاعلة بالتدريج ، تكسبه الوان معرفية شتى ، تكون اساسا للانطلاق نحو ما يتم توجيهه اليه للمستقبل ، فالتعليم الذي هو حق لكل فرد ، هو الركيزة الاساسية لحياته ومستقبله ، وهو المسؤول عن مدى فرض ذاته على محيطه الاجتماعي او اي محيط اجتماعي اخر ، في بيئته او خارج حدود بيئته الاولى .

ولعل الفرد حينما يكون طفلا لا يدرك حينها ، ما تنامى في عقله بالمستقبل ، من انه (( كائن يعتمد وجوده كُلية على قرارات يتخذها الاخرون :: من الذي يستجيب لبكائه حين يبكي ، واي نوع من الطعام سيعطى ، وما هو رد الفعل المتوقع حين يخطئ ، والاف القرارات المشابهة والتي ستشكل في مجموعها البيئة النفسية التي تؤثر على الطفل ، وهكذا ستنشأ على نحو غامض وغير محدد أثر العلاقة بين الطفل والادارة في حياته ، والتي اول ما تبدأ بالطابور )) *٧
او ما يعرف لدينا بالإصطفاف كمصطلح شائع .

-- وهكذا تنشأ اولى العلاقات التفاعلية بين الطفل (التلميذ) والمدرسة ، والمدرسة حرم مقدس ، توثقت علاقتها بالتربية والتعليم اللذان تكفلت بهما
(( القرارات والمواثيق الدولية كالمنظمات التابعة للامم المتحدة وصندوق النقد الدولي - الذين عملا بدورهم على تحليل الواقع وتذليل المعوقات التي تواجهها البلدان النامية - حين يؤكدان على ما تستطيع التربية ان تقدمه للاطفال والشباب ، في سبيل انفسهم ومستقبلهم ومستقبل بلدانهم ، وكذلك من اجل معرفة افضل بالخيارات المفتوحة امام مجتمعهم وتكوين رؤية ناقدة في طبيعة الثقافة التي ينتسبون اليها - فالتربية اذا كانت تقع في وضع اجتماعي واضح ، فإنها هي ذاتها ، الوضع الاجتماعي الذي سيقرر الى حد كبير فرص الأطفال في الحياة ))*٨

ولأهميه التربية والتعليم من حيث اكتساب المعارف من جهة ، ولتكملة دور الأسرة في توجيه الطلبة توجيها تربويا واخلاقيا وعلميا صحيحا --
(( ففي المنزل هناك قرارات عديدة ولكنها تبقى ، قرارات عائلية يصعب على الطفل ان يتبين طبيعتها الادارية ، اما في المدرسة ، حيث يلتقي الطفل وجها لوجه بالادارة لأول مرة ، ويعيش كل محاسنها ومساوئها ، فلا احد يجادل في المدرسة ، لانها مؤسسة بيروقراطية تتصرف وفق القوانين والضوابط التي تحكم كل من فيها )) *٩

ويعتبر النجاح في هذا القطاع الحيوي المهم التربية والتعليم ، (( احد أهم  مؤشرات الدولة المتماسكة ، اضافة لمؤشرات الخدمات الصحية والامنية والعسكرية )) حسب مفهوم الدولة الفاشلة للمفكر الامريكي نعوم تشومسكي
وايضا حسب مؤشرات الدولة المفككة او الفاشلة والدولة المتماسكة ، ( للمصدر نفسه ) *١٠  .

-- تعكس صور التربية هوية مجتمعاتها ، وكذلك تعكس انماط مزاجها العام ، فهي المرآة العاكسة لكل مجتمع ، لما تم تأصيله وادراجه ضمن تراكمات ذاكرته الجمعية ، بهيئة محتوى ثقافي واخلاقي وانساني يتجذر في مساحة عقلية ووجدانية منسجمة في شخصية الفرد والمجتمع ، فيخلق نوع من سمات عامة للشخصية متشابه الى حد ما بين أفراد المجتمع ، فنجد صفات متشابهة للفرد تمثل في تكوينها العام صورة المجتمع بنسبة كبيرة .

ولعل في تدرج مناهج التعليم وتشكلها في عقل الفرد من خلال برنامج زمني فئوي معرفي عام ومتسلسل ، ما يلمح لاهم صورة متشابهة من ملامح تلك التربية الممهنجة في كل المجتمعات ، ومن هذا المنطلق ندرك مدى ما للتعليم من أهمية قصوى وحضور دائم ، في مسيرته جنبا الى جنب مع مبادئ العملية التربوية .
فتكون التربية وبهذا الحضور الفعال والحركية المستمرة ينبوعا لتجدد المعرفة وتدفق الافكار والاجيال   واستمرارية لتجذر الازدهار ، وفعلا ناقلا للارادة من مستوى الطموح الى حيز التطبيق ، والحديث عن نجاح منهج التربية يسير بمسار موازي بالحديث عن توأمه المُتقابل وظله الظليل وهو التعليم ، فاذا كانت التربية ترمز الى الروح فإن التعليم هو الجسد ، ولا حياة لجسد دون روح ، ولا أهمية لروح دون جسد ، يُجسد ما تلهمه الروح اليه ، واذا كانت التربية هي الغاية فان التعليم اداة للوصول اليها واذا كانت التربية هي الاصل فإن التعليم فرعها البكر المتجذر منها ، ولهذا فإن نجاح التعليم يبرهن بالاساس لنتيجة صحيحة في منهج التربية ، فالتربية والتعليم صنوان لا يفترقان ، يسيران بمسار واحد ، فإن صح اتجاه احدهما صح إتجاه الاخر والعكس صحيح .

النظر الى تراجع التربية والتعليم ، هو النظر الى الكل والجزء بما تمثله مساحة التربية في دائرة الشمول والعام ( نظرية وتطبيق للفرد والمجتمع )  ، وبما يمثله التعليم كجزء أهم من تلك من المساحة ، وأقصى نتيجة تتحقق من دائرة المعرفة ، فمؤشر التعليم خاص ومؤشر التربية عام وشامل .
ودائرة التربية الاوسع تتمخض بنتائج تنعكس صورها المتعددة في المجتمع ، فاذا كان هدف التربية بناء الانسان فأداتها الاولى لذلك هو التعليم ، بما يمثله من تراكم معرفي متسلسل وممنهج لفئات بشرية مقيدة بمدة زمنية وحزمة معرفية خاصة بها ، تُسفر عنها بالنتيجة انسانا بمواصفات اجتماعية تليق بشخصه ومجتمعه .

-- يأخذ سياق حديث السطور القادمة عن الظواهر التي تكثف وجودها في المدارس الحكومية التي يخضع طلبتها لمجانية التعليم ، سيفتح باب التحليل في تلك الظواهر التي عصفت بالواقع التربوي والتعليمي في العراق ، والذي يختلف (بالنسبة والكم والنوع) ، عما تواجهه المدارس الاهلية من ظواهر مختلفة او متشابهة نسبيا ، بالتأكيد  .

فالحديث مثلا عن ظاهرة تسرب الطلبة التي تعد لوحدها ازمة حقيقية معقدة ، ظاهرة يدخل في اسباب انتشارها ، عدة عوامل متداخلة مع بعضها البعض ، حيث تمتزج في تكوينها ، الأسباب التربوية والتعليمية ( قلة المدارس والكوادر التعليمية ) مع الأسرية والاجتماعية والأمنية والمادية ( الكثير من اهالي الاطفال المسربين ليس لديهم القدرة على دفع تكاليف الدراسة لاطفالهم ، رغم مجانية التعليم ) ، ونضيف ما لاهمية التأثير الكبير في تدهور الواقع السياسي والاقتصادي على عيناتها ، كل هذه العوامل تؤدي الى بلورة تلك الظاهرة نتيجة لتفاعل وتراكم تلك الاسباب المؤدية لها ، والتي تدفع بدورها لتنامي ظاهرة اخرى موجودة ، لا تقل وطأة وخطرا واستفحالا عنها ، وهي ظاهرة الأمية الآخذة بالازدياد والتكاثر ، فقد كشفت منظمة (اليونيسيف) في تقرير  سابق عن وجود ٣،٢ ملايين طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس !! على الرغم من ان اعلام وزارة التربية قد قلل من تعداد هذا الرقم .

وهناك ظاهرة الدوام المزدوج او اكثر ، في بعض المناطق والمحافظات ومنها بعض مناطق العاصمة بغداد ، والتي اخذت بالانتشار ايضا ، بسبب قلة الابنية المدرسية وسوء التوزيع والفشل بالتخطيط ، فحجم المدارس لا يتناسب وحجم الطلبة ، وما تسببه هذه الظاهرة من زخم على ابنية مهترئة في غالبيتها العظمى اساسا وبحاجة الى ترميم واصلاحات دائمة ،  لتصبح هذه الظاهرة واقع حال مرير ، يقع على كاهل الادارة والكادر التدريسي والطالب على حد سواء ، كونها تفسد المناخ التربوي الذي بدوره يؤثر سلبا على فعالية ونشاط الكوادر التدريسية ، حيث يظهر تأثيره على مستوى الطالب مباشرة ، وهذه الظاهرة دفعت جهات تعليمية كثيرة وفرق عمل اهلية تطوعية ، لبناء المدارس الطينية وكأننا في ثلاثينيات او  أربعينيات القرن المنصرم !  ( حيث بلغت اكثر من ٢٠٠ مدرسة في محافظات البصرة وميسان وذي قار - حسب تصريح للمتحدث الاعلامي لوزارة التربية لموقع الجزيرة الاخباري )

وهناك ظاهرة متصلة بمحيط الظاهرة اعلاه ، وهي ازدياد اعداد الطلبة خارج الطاقة الاستيعابية للصف الواحد ، ولعل في تأثيرات هذه الظاهرة ما ينبئ عن تداعيات لا تقل خطرا وبأسا عن سابقاتها ، لانها تأخذ صورا عدة لجوانب اكثر شدة ، في تحميل الكوادر التدريسية ، اعباءً تفوق طاقاتهم التحملية .
وبديهي ان عملية استكمال المنهج الدراسي وايصاله الى اذهان الطلبة ، مقيدة بزمن محدد ، وضمن اجواء تربوية محددة ايضا بعدد ٍ ومباني مدرسية بصفوف واعداد محددة من الطلبة للصف الواحد ،  وهذا الازدياد المطرد بعدد الطلبة في الصف الواحد وفي المدرسة عموما ، سيؤدي الى خلخلة في مهام الهيئات التدريسية والادارة بشان تطبيق كامل مسؤولياتها في التوجيه والادارة والتدريس والتعليم والتفاعل وبلوغ الاهداف ، ويعطي الجهاز الرقابي و الاشرافي المسؤول عن متابعة الأداء والجودة ، لتلك الكوادر التدريسية ، المبرر في عدم تطبيق كامل الضوابط تجاه تلك الكوادر ، ناهيك عن مغبة الحيف الحاصل فيما لو تم تحميل تلك الكوادر مبررات الفشل في مهامها او هبوط مستويات الطلبة والنتائج معا .

حيثيات هذه الظاهرة وظروفها الاجتماعية المحيطة ، أدت الى تفاقم الضغوط على الأهالي والاُسَر وتحميلهم أعباء ً وجهودا اضافية ً مُضنية ، علمية وتعبوية ومادية هي قطعا ، ليست في متناول الجميع ، ناهيك عن التبعات المالية التي تُعد من اهم اسباب تقلص الخيارات لدى الأهالي في اختيار نوع التعليم ، حكوميا كان او اهليا ، والأخير لا يحظى به الا ابناء الطبقات الميسورة ، اذا ما قارنا عدد المدارس الحكومية التي تخضع لمجانية التعليم واعداد الطلبة فيها ، بمعنى ان هذه القلة من ابناء الميسورين ( وهذا حق من حقوقهم ) ، او ابناء الطبقة السياسية والاحزاب المشاركة بتقاسم السلطة واتباعهم والمعتاشين على موائدهم (( ولاحتكارهم المال والقرار السياسي )) ، فأن ابناءهم يتعلمون تعليما ممتازا في المدارس الاهلية او الجامعية بالداخل او الخارج ، على حساب الاكثرية المحرومة ، بسبب التفاوت الكبير في الإنفاق على التعليم العام او بسبب الفساد المستشري ، وهذا التفاوت والفساد ، لم يأتيا صدفة ، بل هما ترجمة لسياسة تواطؤ سافرة ، لنتائج المحاصصة السياسية والتغطية على الاخطاء مهما كان حجمها ونوعها .

-- (( ولو بقي خطر هذا الفساد و التغابن التربوي محصورا في ظلامات الأفراد لأمكن تحديدهما وتشخيصهما وعلاجهما ، ولكن حين يستشريان  ، فانهما يتحولان الى قوة مفسدة لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة ذاتها ، ذلك انه عندما تؤدي السياسة التربوية للدولة --المدارس والجامعات الاهلية نموذج-- ، الى تركيز الاهتمام على صفوة صغيرة متعلمة تعليما جيدا --وليت الامر كذلك !!-- ومدربة تدريبا جيدا ، فإنها تؤدي في الوقت ذاته الى إهمال ( ٦٠% - ٨٠% ) ، من السكان الذين يعيشون في قطاعات اجتماعية تتميز بيئتها الاجتماعية بالفقر والحرمان وتضاؤل الفرص )) *١٢

منتظرين فرصة ظهور مسؤول نزيه يأخذ على عاتقه تأسيس مشروع بناء الطفل  -كمدرسة انامل الرحمة- كمشروع تربوي وتعليمي ينقذ الكيان الانساني المهدور لفئات اجتماعية غاية بالاهمية ، ستحمل على عاتقها في المستقبل ، مهام المسؤولية في البلاد ،

-- ومن الظواهر الاخرى التي اثرت سلبا في تدني مستوى التعليم والتأثير على قراراته المركزية  --بسبب نظام المحاصصة الذي أرسى قواعد التوزيع الوظيفي للمناصب الحكومية --دون النظر للاختصاص ، او الكفاءة او التدرج الوظيفي-- ، هو عدم تفعيل دور الرقابة التربوية والاجهزة الاشرافية بشكل منصف ومهني ومستقل .
يجب العمل على ضرورة تفعيل اجهزة الرقابة والجودة والتقييم المؤسسي ، بعيدا عن التأثيرات والضغوطات السياسية المتنفذة من خارج مصدر الخبرة والقرار ، وضرورة تفعيل لجان التحقيق في شأن ضغوط اللجان الاشرافية والتحقيقية على ادارات المدارس وهذه النقطة بالذات ، تدخل في حيز الفساد الاداري والمالي .

-- ولعل في مسرح الحياة اليومية من وقائع وقضايا ، يتخذ طابع الحالة او الازمة التي تتفاقم لتصبح ظاهرة اجتماعية تؤدي الى التدهور والانحدار ، ما يحتاج الى المزيد من التفصيل والاستقصاء ، مما لم تكشف خفاياها ، السطور هنا  .
الى ان اكثر المطالب التي اكدت وما زالت تؤكد عليها كل القوى الوطنية المستقلة والمدنية والنخب والكفاءات العلمية هي عزل وزارات التربية والصحة والتعليم العالي عن البؤرة المحاصصاتية للاحزاب السياسية ، خدمة للوطن وللصالح العام ، ولكن دون جدوى .

-- ان الحساسية المفرطة التي سببها الابتذال والانحطاط السياسي ، في ال ٢٠ السنة الماضية للطبقة السياسية والمعتاشين عليها  ، جعلت من اي عمل يقوم به اي سياسي حتى وان اتخذ هذا العمل شكله الجذاب المهذب وتوجهه الوطني المخلص ، فأنه يبقى بنظر اكثر عينات المجتمع بأنه غير مجدي ولا ينطوي الا على مساع اخرى ، لولوج قسري غير اخلاقي ، لثقافة المجتمع من اجل التأثير عليه ، والعمل على تأسيس غاية شخصية خفية ، او تحقيق امنيات ذاتية في المستقبل  ، وما موسم الانتخابات وما يرفع فيها من شعارات زائفة ، الا السهم النوعي الاكثر  تمثيلا والذي يُرمى ،  من قبل هذا النوع السياسي الطارئ والمسيطر على اكثر مشاهد المسؤولية اليوم في العراق  .

وتدخل هذه النقطة بالذات في التلويح بعرقلة كل مسعى يهدف لاستنهاض الهمم الوطنية الخَيرّة  ، وحتى في مجال الكتابة او التعريف بمشروع وطني ( كما الحال هنا ) من قبل كاتب او صحفي او اعلامي او حتى هاو ٍ يقوم بتغطية تلك الانباء الا وصخب التساؤلات الذي يولد المزيد من الاستعلام والضجيج -( وان كان مشروعا الى حد ما )- ،
حول دوافع هذا الكاتب او ذاك في محاولة ايجاد بيئة وطنية مخلصة وسط هيمنة ، ثقافة المصالح الشخصية في الوسط السياسي والمحيط الفاسد الذي يحتضنه وقطيع الاتباع الذي يتبعه ، انه نمط الاستغلال الذي هبط بشتى صوره السيئة والمقيتة ، ليؤسس ازمات اخرى تواجه الطبقات الشعبية الواقعة اساسا تحت تأثيرات الظواهر الاجتماعية الفتاكة ، التي تواجهها تلك الطبقات الاجتماعية الاكثر حرمانا  .
حيث تبدأ : بالانفتاح الهائل لثورة الاتصال وتكنولوجيا المعلومات وما لأثارها النفسية والاجتماعية العميقة ، على الفرد والمجتمع في تحشيد الافكار لأغلب محتوياتها الهابطة ، ولا تنتهي عند - ازمة البطالة ( الأزمة المزمنة التي تتنامى كل عام والتي خرجت عن اطار الازمة لتصبح ظاهرة ايضا) والمتلازمة فكريا واجتماعيا بأزمة القطاع الخاص الذي يعاني هو الآخر منذ زمن ، بعد ان اضحى اسيرا وعالقا في خدمة وتوجهات رجال السلطة اللذين يحتكرون المال السياسي والقرار النافذ ، الى شيوع ظاهرة المخدرات والمؤثرات العقلية ،  هذه الظاهرة الجديدة التي غزت المجتمع العراقي بشكل طارئ وحاد وغير مسبوق ، مرورا بتسيد المشهد العشائري المقلق والعنيف وتأثيره السيء على الاوساط الاجتماعية والحياة المدنية وما تشكله هذه الظاهرة من تهديد مباشر على مفهوم الدولة وامن المواطن .

-- لا تنسى ان تغني في قوارب النجاة - فولتير .
-------------------------------------------------------------
وفي وسط هذا العالم المليء بالانفصام الفكري والأخلاقي والتناقضات في صور الحياة التي تأخذ طابعا مليئا بالتفاصيل الذاتية الخَفية بستار الأنا الهابطة والالوان الهامشية الطارئة والمؤثرة بأعلى مستويات التأثير السلبي على ذائقة المشاهد والمتابع ، الذي يذرف الساعات والايام والشهور من الوقت وهو يسير بطريق مجهولة ٌ محطات الوصول فيه ، ومألوفة ٌ فيها النتائج كذلك ، انها رحلة المَشاهد الخالية من النهايات الإيجابية المؤثرة ، وان فرضنا ايجابية نشر الافكار لمشاهد متلفزة ما ، فلا المشهد يعانق الذاكرة ليستفيد منها المشاهد فكريا الا ما ندر ، وفي الغالب ، لا يؤثر على منتوج الطاقة العقلي والإدراكي للمشاهد ايضا .

-- وفي خِضّم هذه الازمات الخطيرة التي تعصف بالفرد  والمجتمع  ، وفي ظل غياب المواجهة لدور الدولة المفترض ، لحماية الافراد ، من تلك الصراعات التي تدفع فيها اكثر عينات المجتمع ضعفا واكثرهم حاجة للاستقطاب وهم الاطفال ،  تدفعهم للاستناد نحو الاخرين او الى الشارع لمواجهة قسوة الحياة التي يعاني قسوتها الكبار اساسا ، جراء ركضه وتحايله لكسب لقمة العيش .

-- فإن هناك بصيصا من امل دائم وقائم ، كُنا حسبنا فقدهُ الى امدٍ لا يعلمه الا الله عزوجل ، فهناك من (( المشاركين الابطال بمسرحية العملية السياسية ))  من نذر نفسه لخدمة قضايا وطنه الكبرى ، وقضاياه الاخلاقية الاكبر ، فشعلة الحياة قد تخبو لبعض الوقت الا انها لا تستسلم ابدا ، ما دامت هناك حياة ، وما دام هناك اشخاصا يؤمنون بحق الانسان ، في الحياة الحرة الكريمة والسير به نحو شعلة الضوء الذي في نهاية النفق ، انه مشروع مدرسة وحياة تلاميذ من يتامى  في محافظة الديوانية كنموذج يحتذى به ، مختارا لاكثر عينات المجتمع جذبا لكل الازمات المطروحة التي ذكرت او التي لم تطرح ، وكذلك اكثرهم جفاء في خدمة السياسي 
فيما اذا ما أُريد استغلالهم في مشروع انتخابات قادم .

-- مدرسة أنامل الرحمة في محافظة الديوانية
-----------------------------------------------------------
● ان كل مجهود فردي او جماعي مهما كانت حدود نشاطاته وتأثيراته ، فأنه سيشكل مصدر القوة للفرد او الجماعة
-- وما مدرسة أنامل الرحمة الابتدائية والثانوية ( متوسطة واعدادية ) بالاضافة الى استيعابها لتلامذة رياض الاطفال والدور التمهيدي ، لمجموع طلبة كلهم من الايتام من ابناء القوى الامنية والحشد الشعبي وكذلك من الايتام الذين فقدوا ذويهم نتيجة حالات وفاة طبيعية او عرضية ، الا ان جهدا فرديا كبيرا ، تبنته ايادٍ وطنية مخلصة ، مؤمنة اشد الايمان بحق الطفل ان يعيش حياة طبيعية ضمن مناخ الطفولة الذي تعمل على خلقه ، مؤسسات الدولة التربوية .
ذلك الحق الذي تناضل على توطيد اساسه كل دول العالم المتحضر  او التي تسعى لأن تتحضر وتتقدم بتقدم ابناءها

ذلك الحق الذي - سُرق - والذي كان في زمن ما (( احتكارا وامتيازا للقلة ثم صارت حقا مكتسبا وليس هبة - لكل الأفراد ، حقا اكتسبته الغالبية -- بكدحها وتضحياتها عبر مراحل التاريخ -- ، وان اي تصرف جائر بالفرص التربوية التي هي من حق الأطفال ، هو في واقع الأمر عدوان صارخ على هذا الحق الانساني ، المكتسب ، ولا يبرره الا منطق التغالب والتغابن المأخوذ من منطق القوة والضعف  -- وبهذا النظر للامر كله تنكشف امامنا السياسة المستبطنة ، وايا كانت براعتنا وفذلكاتنا للتفريق بين ما هو سياسي وما هو تربوي فان التربية تبقى سؤالا سياسيا كبيرا )) *١٢  .

وما هذا المشروع التربوي الذي أُقيم من اجل النهوض بواقع الاطفال الذين اصبحوا بين ليلة وضحاها ايتاما -على حد تعبير السيدة هدى سجاد محمود -عضو مجلس النواب سابقا- ومؤسسة المشروع -- لا لذنب إقترفوه ، فقط لأنهم ضحية الواقع السياسي الفاسد المرير ، فهم يعيشون بأكثر مناطق المحافظة فقرا وأكثرها بؤسا وحرمانا وعوز--  ، الا نموذجا يجب رصده وتعميمه والدعوى الى نشره والاعتناء به والشد والحرص عليه من اجل حمايته واستمراره وتعميمه .
فما علينا الا النهوض بتلك المشاريع البنيوية  التربوية لتأسيس خط معرفي مواجه لقضايا العصر يمثله الفرد والجماعة ، فهما يعكسان الصورة الابهى للمجتمع ، في مواجهة المد الحضاري الذي تفرضه تحديات العصر الصعبة  .
-- ولد هذا المشروع الحي بنفوس تضج بيئتها الاجتماعية برائحة المرض والموت والشقاء ويتناثر في لوحتها الاجتماعية الوان البؤس والحرمان ، ولد بجهود فردية لا ترى نتاجها الا ضمن بيئة وطنية مخلصة لعملها وتوجهاتها في خدمة ابنائها ، بمساعدة كوادر ادارية لا تقل ايمانا بالغاية التي قام عليها تأسيس ذلك المشروع ، باعتمادها على نسبة تكاليف مالية باهضة (خاصة) ، وتبرعات نسبية عامة ، ببناءها النوعي الكبير وصفوفها النموذجية الحاضرة بكل ما يحتاجه الطالب والطالبة ، من مختبرات علمية متنوعة -حياتية وكيمياوية رصينة ومختبرات الحاسوب واللغة الانكليزية كذلك- وساحة رياضية ملبية للطموح ، وتستجيب لامكانيات الطلبة - ذكورا وإناث - في مختلف الالعاب والنشاطات الرياضية ،

-- تخضع المدرسة بمناهجها التربوية والتعليمية  لمناهج وزارة التربية ، وكذلك تتَبَع اداريا كافة قرارات وقوانين الوزارة التي تمثلها اداريا ، المديرية العامة للتربية في المحافظة .
وهناك عدة مؤشرات تدعو للتفاؤل من خلال شيوع ثقافة الانفتاح على اللغة الانكليزية - فقراءة النشيد الوطني من قبل الطلبة في اللغتين العربية والانكليزية ، وكذلك حضور ثقافي وتاريخي راصد لأهداف التعبئة الوطنية الحاضرة والتي تتميز بها النشاطات اللاصفية والخاضعة بكل توجهاتها لمناهج وزارة التربية .
فتحية ملؤها الحب والتقدير والاحترام لكل القائمين على  اقامة واستدامة هذا المشروع وكل مشروع مشابه يسعى لتربية جيل جديد بخزين علمي ومعرفي وثقافي ضمن مجال اجتماعي واخلاقي ملتزم ، نابع من توجه تربوي وطني واجتماعي مخلص .

علينا مد يد العون بكل قوة لاسناد مثل هكذا مشاريع تربوية تمد جسور الثقة والتواصل بين المجتمع والمسؤول النزيه ، وتهدي للمحرومين من ابناء هذا الوطن الاصيل جرعة من رحيق الانسانية الذي لا ينضب بقلوب أناس نذروا انفسهم لخدمتهم ، اعترافا بإكبار وتسامي لما قدمه آباؤهم الذين جادوا بأرواحهم وهي أقصى غاية الجود ، ليسترد ابناءهم الذين تركوهم أمانة بأعناقنا ، جزءا من حقوقهم المسلوبة على مذبح الشعارات البراقة ، وفاء لما قدموه خدمة لهذا الوطن الذي لطالما يحصد ما يزرع من زهور ابنائه الفقراء  .


-- حسن عزيز الياسري

  ■□■□■□■□■□ انتهى ■□■□■□■□■□■□
                            ----------------

*١ : حسن منسي ، علم نفس الطفل ، ص ٢٨٧ ، مجلة العلوم التربوية والنفسية .
*٢ : نوبواكي نوتوهارا ، العرب وجهة نظر يابانية،ص ٦٠،٦١ *٣ : محمد جواد رضا ، ازمات الحقيقة والحرية في التربية العربية المعاصرة،  ص١٢٠ 
*٤ : محمد جواد رضا -- العرب والتربية والحضارة ص٢٣٦
*٥ : محمد جواد رضا -- العرب والتربية والحضارة ص ٢٣٧
*٦ : د. محمد جواد رضا ، ازمات الحقيقة والحرية في
التربية العربية المعاصرة ، ص ٢١٣ 
*٧ : د. غازي القصيبي ، حياة في الادارة ، ص ١١
*٨ : د. محمد جواد رضا ، ازمات الحقيقة والحرية - في التربية العربية المعاصرة  ص٢١٥
*٩ : د. غازي القصيبي ، حياة في الادارة ، ص ١٣
*١٠ : تفصيل المفاهيم والمؤشرات ، للدكتور لؤي خزعل جبر ، الرثاثة في العراق ، صفحة ١٤٤ و ١٤٥ 
*١١  : د. محمد جواد رضا ، ازمات الحقيقة والحرية - في التربية العربية المعاصرة  ص
*١٢ : د. محمد جواد رضا ، ازمات الحقيقة والحرية - في التربية العربية المعاصرة  ص٢١١



#حسن_عزيز_الياسري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدرسة أنامل الرحمة واقع تربوي محسوس ، لتراجع تعليمي ملموس
- البوصلة المفقودة
- الامام علي ضرورةً إجتماعية ام ترفاً فكرياً
- كمّامّات يوزَرسيف ومسرح التحرير  
- ثرثرة فوق التحرير
- مقاطعون ومشاركون
- آمر اللواء ٥٩
- قضية المواطن أحمد راضي !!
- اوهام المراهقين ، أدب سلطة متجدد أم متوارث
- خيمة الادارة والاقتصاد
- لغات  مشتركة بين انتفاضتي شعبان وتشرين ) شذوذ المفهوم بين ال ...
- شعارات فضائية .. الحسين يجمعنا !!
- لغات  مشتركة بين انتفاضتي شعبان وايلول ) الشذوذ بين النظرية ...
- مقاطعة بني سفيان .. إحتراق من نوع آخر


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية ترفض دعوى نيكاراغوا لاتخاذ تدابير ضد تصد ...
- نتنياهو لعائلات الرهائن: قواتنا ستدخل رفح بـ-صفقة أو دونها- ...
- -دون إعلان رسمي-.. هل غيّرت قيادة -حماس- مكان إقامتها من قطر ...
- تعليق الشرطة الإسرائيلية على تصفية السائح التركي الذي طعن عن ...
- محامون يوجهون رسالة إلى بايدن لحثه على وقف توريد الأسلحة لإس ...
- -هل تؤمن بالله-.. مشاهد من عملية الطعن في لندن واستبعاد علاق ...
- مدرعة M88A1 الأمريكية ??في معرض غنائم الجيش الروسي في موسكو ...
- كمائن القسام المفخخة تثير إعجاب المغردين
- شاهد.. شرطة لندن تعتقل رجلا نفذ هجوما بسيف
- انتقادات أممية لتوعد جامعة كولومبيا بفصل طلابها المناصرين لف ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسن عزيز الياسري - مدرسة أنامل الرحمة ، واقع تربوي محسوس ، لتراجع تعليمي ملموس