أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسن عزيز الياسري - ثرثرة فوق التحرير















المزيد.....

ثرثرة فوق التحرير


حسن عزيز الياسري

الحوار المتمدن-العدد: 7067 - 2021 / 11 / 4 - 01:34
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


             ---------------------------------    
- لم يكن عجيبا أن يعبد المصريون فرعون ، ولكن العجيب أن فرعون آمن حقاً بأنه إله .
نجيب محفوظ ، من رواية ثرثرة فوق النيل

- في لمحة استقراء عقلانية خاطفة للمفكر والاديب الدكتور طه حسين في معرض اجابته فيما اذا كان ادب الادباء ، خدم الثورة العربية التحررية القائمة آنذاك ؟  (( والحديث عام ١٩٥٩ )) نشرته
مجلة العربي *١  في العدد ٦١٤ ، شهر كانون الثاني / يناير ، عام ٢٠١٠

فأجاب : الاصل ان الادب يهدأ اثناء الثورات ، ولا ينشط الا بعد ان تستقر الامور ، وتجري على طبيعتها ، وذلك لان الادب يحتاج الى الحرية ، والثورة مضطرة الى ان تحافظ على نفسها حتى تحقق اغراضها ، فقل ان شئت ، ان بين الادب والثورة شيئا يشبه الهدنة ، حتى تبلغ الثورة غايتها ، انظر الى الثورة الفرنسية مثلا ، سَكتَ الادب الفرنسي اثناءها سكوتا يكاد يكون تاما ، ولم ينشط الا بعد ان استقرت الامور في فرنسا .


-- مر عامين واياما قلائل ، على ذكرى تشرين ، وليطلق كل منا الخيال في تسميتها ، العَنان ، بما شاء من مسميات (( لمفاهيم متمردة على واقع مبتذل ومنحرف ورديء )) ،
- مظاهرات ، احتجاجات ، ثورة ، عصيان ، تمرد او انتفاضة -  ، ولا زال الكثير ، يستلذ بطعم ذكرها المؤلم السعيد ، وينتشي بعبق ، اريج نجيعها الفواح ممتزحا بذكريات تلك المشاهد التي ظلت وقفا ً حزينا على مسرح الذاكرة ، تُقلبُ اوراقها المليئة بالدم الابي حسرات شعب وامنيات وطن لا يهدأ ، ولا زال رجال دخان البنادق ( المُسيل للدموع والارواح معا ) ، واقفين الى اليوم في تلك المساحات التي شهدت رحيل شبابنا الاحرار الذين طالبوا بأدنى الحقوق التي يمتلكها اكثر شعوب الارض .

للثورة طعم خاص يحمل في اعماقه الأضداد ، من حزن وفرح ودمعة وابتسامة وحسرة ومسرّة وامل يأخذ بالصعود او الانحدار ، كلما طرأ على اسماعنا مقتل متظاهر مطالبا بحقه في العيش الكريم او اغتيال ناشط مدني .

-- هل هي تحشية لملئ الفراغات المحشوة اصلا بالحقائق التي نعيشها ونشاهدها ونقتاتها كخبزنا اليومي ، ام انها هوامش نفسية تسجل على الورق لتنشر على انها حقائق ثابتة !! فيصدقها من يريد تصديقها من الاتباع والمريدين ، على الرغم من انها تترك الكثير من علامات التساؤل ، حول تسويقها بهذه الطرق الفجة !!

-- عامين على الثورة ولا زال حماس تلك الايام يطغى على الساحة التي بدأت نتائجها بالظهور ، حيث لعبة الديمقراطية العجيبة التي زُرعت بذور فكرها قسرا ً على ارضنا البَور منها ، فتلاقحت سِفاحا ً بقِطاف تربتنا الخصبة التي نضجت بِثِمار ِ الاستئثار والمحاصصة او بالدم ِ ، اذا لزم الأمر ،  او على حد تعبير المؤرخ العراقي الاستاذ باقر ياسين بكتابه المتخصص : شخصية الفرد العراقي - ثلاث صفات خطيرة التسلط التناقض الدموية - ، على ان هذه الارض المشتعلة بالخصومة والمحاصصة والصفات اعلاه ، فقدت مؤخرا في انتخابات ٢٠٢١ من هذا العام بعضا من غُراسِها الازليين ورعاتها المُتعنتين المحتكرين الفعليين الدائمين لها !!
( ففي العراق هناك سَبّابة ٌ واحدة ترفع ، والتاريخ يقول : انه ليس من عادة سيد بغداد ان يتقاعد ، خياراته محدودة ، القصر او القبر ) *٢

ومن الطريف ذكره ان من اصحاب تلك السَبابّات  
- الخارجة من رحم الاستبداد - والتي خسرت الانتخابات مؤخرا ، هم ابرز من دعا للمشاركة الفاعلة لها .

- فأي ديمقراطية تلك ، التي تَبنّى موقفها مجموعة من المستبدين بالحكم طوال ١٨ عشر عاما ، ممن تجمعوا حول موائد السلطة اللذيذة طوال الاعوام التي مضت ،  وخرجوا بمحصلة واحدة هي الفساد والفشل المتراكم ! لولا ما علقت بشخوصهم تلك الصفات الثلاثة الخطيرة  المترسبة في دمائهم الموروثة !!

ولعل انتخابات تشرين ٢٠٢١ ونتائجها وما آلت اليه احوال بعض الخاسرين ، بعد اعلان النتائج ، ستُعلمنا بكل بساطة ، نوع تلك الثمار الديمقراطية اللاشهية ، التي طالما يسوقها القدر البائس لنا !! فأصبحت كابوسا مرعبا ، بعد ان كانت حلما لذيذا مستحيلا ، قد تحقق !!
 
 -- هل تخرج الثورة من كينونة المجهول ، ام انها متأرجحة بالفضاء في متناوش الافكار والاقوال ومتناول الاحاديث اليومية ، ولا تنتظر الا التقدم خطوة واحدة ، نحو اعلان ولادتها القيصرية ، فلم يكتب لاي ثورة شعبية ان تكون هامشية وهي تقاد تحت زحمة الاحداث المأساوية اليومية التي دفعتها للوجود .

وليس هناك ما يثبت هذا التوجه الذي يرمي اليه البعض ، من ان هناك علاقة بين الثورة واسباب وجود ماورائية !! في نشأتها الاولى .
فكل ثورة تنبثق من رحم وجودها ، و تلتصق بمفاهيم واقعها الذي ثارت عليه .
فالثورة لها اسبابها الوجودية الحاضرة التي انبثقت منها ، ومن ثم انطلقت من ارض الواقع الذي انتج اسباب قيامها ، والذي تأصل في مفهوم الثوار خلال مدة زمنية مبتداها بداية تعثر النظام السياسي القائم  .
مهما حاول الاتباع والمريدين من احزاب السلطة واعلامها الفقير الساكن في مستنقعات المحاصصة والتقديس الملوث ، من محاولات الاستهداف وخلق ظروف التشتيت في بلورة نشوءها ، الى اسباب بعيدة زمنيا عن اسباب قيامها الحالية ، او رميها بشيء من التسييس وتأطيرها بشيء من التخوين ، فهي الحالة الطبيعية لكل سلطة منبثقة من ارحام موبوءة  !! وهي الحالة الطبيعية كذلك ، لكل ثورة اخلص الثوار لها ، ودفعوا دمائهم ، وفاء لبقائها وثمنا لديمومتها .

فالنظر اليها من خلال صناعة للوهم ، الذي يتنافى وحقائق قيامها ، في عصر مختلف جذريا ، عما يطرحه اعلام السلطة الماكث في زمن غير الزمان والمكان والتاريخ الذي ليس له علاقة بحاضر السلطة الذي تعيش ،  اوهام ومبررات خارجة عن المضمون ، لا تستقر امام عواصف الامر الواقع الذي يضرب الحياة اليومية ويمزق الوجود ويحطم كرامة الانسان ، فالثورة وجودية الحال وظرفية الزمان والمكان ، ولا تخضع لأقيسة زمنية سابقة لحدوثها .

- قبل عامين من الآن ، وبعد عدة ايام من ٢٥ تشرين الاول - اكتوبر ٢٠١٩ ، سمعت هذه المحادثة التي دارت بين والد ٌ وولده في ساحة التحرير ولعلها كانت ثرثرة البسطاء التي تحاكي الواقع بكل طيبة قلوب الفقراء  وتسامحهم وصدقهم وعفويتهم ، وبعد اداء صلاة المغرب والعشاء ، حيث دار الحديث عن الفائدة المرجوة من القيام بهكذا ثورة ، حصدت مئات الارواح وآلاف الجرحى والمعاقين ، ولا زالت غير واضحة المعالم ، ولا زال يكتنفها الغموض ، والفاسدون انفسهم لا زالوا  يتربعون على موائد السلطة الشهية !!
حيث سأل الولد والده :

- بوية عود احنة صدك راح نرتاح ، بعد هاي التظاهرات اللي اختلط بيهه الدم والغاز ؟؟
- فأجاب الوالد ، منهو ، احنة ؟؟ نرتاح ؟
فقال الولد ، اي احنة .
فرد الوالد مبتسما : بوية وداعتك احنة من وعينا بهالدنيا ، لليوم ، مثل الغنم ، بس للذبح ! وتاكل بينا الوادم !
فأجاب الولد مستغربا : جا عليمن طلعنا يا بوية !  للموت ؟!
فقال الأب : لا بلكت ( عسى )  اولادك ، يكبرون ويرتاحون ، وهاي الدما ، ما تروح هدر وداعتك ! شباب فقير يريدلة خبزة ياكلها بشرف ، لا اكثر ولا اقل ، بوية !!
( إن الدنيا لا تهمنا كما أننا لا نهُم الدنيا فى شىء) *٣

- ولعله التبرير الاكثر تداولا عند قيام ثورة تشرين ٢٠١٩  وما قبلها وحتى يومنا هذا ، اجيالنا احترقت بحماقات القادة وفسادهم ، لعل جيلنا القادم ، ينعم بشيئ ٍ مما فقدناه ، انه الامل الذي لولاه - ما أضيق العيش دونه -
- انتهت تلك المحادثة القصيرة التي لا زال صداها يتكرر في انحاء البلاد ، بعد ثمانية عشر !! عاما عجافا ، لسلطة يقودها ، اقل ما يقال عنهم انهم الافسد والأكثر لصوصية وطائفية وابتذالا ونفاقا بتاريخ السَبابّات ،  التي مرت على حكم العراق ، من الذين مروا مرور اللئام بتاريخه الطويل ،


حسن عزيز الياسري -  ٢٠٢١/١٠/٢٧ 


☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆

*١ : مجلة العربي ، العدد ١١ لشهر تشرين الاول ١٩٥٩ واعيد نشر اللقاء في العدد ٦١٤ ، شهر كانون الثاني / يناير ، عام ٢٠١٠  ، ص ١٤٣ ، وهناك ما يشير لنفس المعنى بصورة اوسع وأدق ، للمفكر الاستلذ طه حسين في كتابه خصام ونقد ، صفحة ١٥٧

*٢ : غسان شربل ، العراق من حرب الى حرب ،   
       صدام مر من هنا ، صفحة ١٠

*٣ : نجيب محفوظ ، ثرثرة فوق النيل .



#حسن_عزيز_الياسري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاطعون ومشاركون
- آمر اللواء ٥٩
- قضية المواطن أحمد راضي !!
- اوهام المراهقين ، أدب سلطة متجدد أم متوارث
- خيمة الادارة والاقتصاد
- لغات  مشتركة بين انتفاضتي شعبان وتشرين ) شذوذ المفهوم بين ال ...
- شعارات فضائية .. الحسين يجمعنا !!
- لغات  مشتركة بين انتفاضتي شعبان وايلول ) الشذوذ بين النظرية ...
- مقاطعة بني سفيان .. إحتراق من نوع آخر


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسن عزيز الياسري - ثرثرة فوق التحرير