أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسن عزيز الياسري - البوصلة المفقودة















المزيد.....

البوصلة المفقودة


حسن عزيز الياسري

الحوار المتمدن-العدد: 7416 - 2022 / 10 / 29 - 06:34
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


اللص الحقيقي ليس هو من يسرق نقودك ، اللص هو من يسرق وجودك  *١
-- فكيف بمن سرق الإثنين معا !؟
--- في حديث يومي هادئ ، مع ابن عم لي عاد مؤخرا من استراليا بعد سبعة أعوام كاملة دون انقطاع ، قضاها لنيل شهادة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية بأمتياز .
يمر حديثنا اليومي بعدة محطات معتادة ، 
كأحاديث الناس في الشان الرياضي ، السياسي ، كبوات التربية والتعليم او الحديث عن تأثيرات الفساد على المجتمع ، وتنامي الظواهر الاجتماعية السلبية السائدة بشكل ملفت والتي اتسعت نتيجة ، لضعف دور الدولة ومؤسساتها الخدمية ، والارتباك الحاصل في دوائرها الرسمية والروتين الممل والمذل الذي يجده المواطن فيها ، او يأخذنا الحديث عن الازدحامات مثلا وغيرها من القضايا التي تُكدر صفو المواطن وتٌعكر مزاجه اليومي ، وفي احد الايام اشار الى قضية الازدحامات قائلا :
: ساترك اي حديث عن تمنيات ومخططات وبرامج لن احققها قطعا ، وسط هذا الصراع ، أريد بقرار حائر استوعب أمر تركها .
اتعرف اني اخرج يوميا من البيت في الساعة ما قبل ال ٧ صباحا ، فقط ، لكي اصل بالثامنة والنصف واحيانا اصل عند التاسعة ، لمكان عملي !! وهذا كله بسبب الازدحام الذي يصنعه المسؤول نفسه في أكثر الاحيان ، لأن افراد حمايته يقومون بقطع الطرق لاجل مروره ، عادة .
-- فقلت له ببساطة فكر المواطن التقليدي المنزوع عقله منذ زمن : سهلة ، اخرج عند الساعة السادسة صباحا !
فقال مبتئسا : لقد وصل الحال بكم الى مسخ لوجودكم وعقولكم و .... حتى نسيتم ابسط حقوقكم ! أتعرف ما يعني فقدك ساعتين او اكثر من ساعات الصباح الاولى !
الهذا الحد وصل الامر الى ترويض أفكاركم وسرقة عقولكم !

فقلت  :
كُنّا نَهُِبُّ على الزَّعِيقِ، وَمُذْ طَغَى ،، صِرْنا نَنَامُ على الزَّعيقِ وَنَهْجَعُ *٢

-- اعوام ثلاثة مرت على ذكرى تشرين ٢٠١٩ ، ولا زلنا في مداراتنا الفارغة ندور ، بلا منجز يؤشر له ، ولا مؤشر إنجاز يلوح بالافق ، ولا  حتى ملامح مشروع غيمة تحمل معها غيث الامل .

أعوام ثلاثة مرت تشبه الى حد كبير ، تلك الاعوام التي سبقتها ، بركودها وجمودها وقلقها ولغوها وهذرها وتشنجاتها ونتاجها المستهلك ، والفرق انها زادت حدة وحماقة وتمردا ومروقا وزادت كذلك خروجا عن جادة ما تبقى من العقل والصواب ، حقا انها اعوام المحنة والحمق والنزق وزمن التفاهة المستحكمة والمتحكمة .

-- اعوام ثلاثة مرت وكل شيء يسير عكس المطلوب فالخاسرون ببساطة فائزون ، والفائزون بلا جدوى يتظاهرون ويثورون ويُقتلون ، والتافهون نحو غاياتهم يتقافزون ، والناصحون وسط الضجيج هاربون ، والوجوه نفس الوجوه ، قسمات السلطة على الملامح الكريهة لا زالت نفسها ، ببسماتها المزيفة الصفراء ، ووعودها الكاذبة الحمقاء ، وقسمات المبعدين والبائسين ايضا لا زالت نفسها ، لم تتغير ، اولئك الذين يعيشون خلف الجسر ، ينتظرون لحظات تقاسم الحصص والسلطة ، وهؤلاء الرابضين عليه ينتظرون لحظة حساب ، على نفس الجسر الحزين ، المسمى بالجمهورية .

هل الثورة قدر ؟ كما يذهب المنظر والثائر الميداني ، والطبيب ابن العائلة البرجوازية ، ارنستو تشي جيفارا ؟ الذي -- طالما كان يردد امام زميله فيديل كاسترو عبارته الشهيرة التي دفعته في يوم ما الى ان يتخلى عن عائلته ومجتمعه ووطنه (( التعساء هم مصدر القوة في العالم - سأبحث عنهم وأثور من أجلهم )) *٣

-- حينما يكون منهج التفكير الخاضع لأكبر مسؤولين في الدولة - والتي تمثل دور الأبوّة لفئات الشعب وطبقاته الاجتماعية المختلفة - بهذه الروح الانتقامية والحاقدة - اتجاه ابناء شعبها ( وكأنها تطلبه ثأرا ) ، ويتسم سلوكها ومواقفها بأقصى حالات العبث والإنحطاط والفساد والتردي ، فلا يُنتظر من ابناءها الا العقوق واعلان الثورة ، وانتظار ساعات القصاص والانتقام المضاد ، وهي حالة طبيعية لكل شعب تتصف روحه الاجتماعية بالجدل والحركة والعصبية والمزاج الحاد الذي ينعكس على ابناءه بمواقف تتسم منها بالإباء والمواجهة والتحدي ، وهذا ما يميز سلوكيات شعبٍ عن شعبٍ اخر ، ليظهر طابع روح الأمة فيه ، واضحا للعيان ، خاصة وان بذور الطغيان لا زالت جذورها طيبة وعميقة في مجتمع اتسع ظلام انحداره الحضاري الى الحد الذي ابتلع نهاره وضياؤه .

-- ليس ما يلهمنا في حركة الثورة هدمها لثقافة الصنمية والاوثان الحاكمة التقليدية فقط ، فما الحاجة لثوار دون انبثاق فكر فعّال وعقيدة حية يحاولون تضمينها ثورتهم .

نجحت ثورة تشرين بقوة شبابها الحر واندفاعهم الوطني الثابت والبعيد عن ثقافة الولاء للمعتقدات والاشخاص او الاحزاب ، الذي أظهر بوضوح فقر المنظومة الفكرية السياسية للسلطة بكل كياناتها والتي حاولت طمس حقائق فشلها وتزييفها للواقع من خلال التحريض والتخوين الذي قام به إعلام حزبوي باهت وفقير لا يملك من الرصيد الاعلامي سوى التضليل والتحريض وسيل من الاتهامات المعلبة والهابطة ،  نهضت بأعباءه الرخيصة ، اقلاما واصواتا اعلامية مأجورة راكضة خلف زعامات سياسية فاسدة من اجل الحصول على بقايا فضلات وليمة ، جُهزت من دماء الضحايا والابرياء واليتامى والفقراء !!

نعم نجحت تشرين نسبيا وبصورة فعلية ، بفض الإلتباس الفكري للمنظومة المجتمعية التقليدية التي ما استطاعت ان تعطي حلولا للاشكاليات الاجتماعية الهرمة والمتضخمة والمزمنة التي اضحت كالوباء المستشري في بيئة ، غَرَس الفساد بذوره فيها ، وسقاها بدموع البائسين والاحرار لصالحه ، ونجحت ايضا في تأسيس فكر وطني حر وصامد واصيل ولكنها تعرضت لاهتزازات عنيفة وارتباكات غير محسوبة ، كان قد خطط لها من قبل اجهزة السلطة المختلفة والمَدينة بالولاء لاحزاب سياسية مشاركة بالاساس لمنظومة حكومية فاسدة مزمنة منذ ما يقارب ٢٠ عاما  .
هناك اشكاليات متجذرة في الثورات الشعبية التي تتصف بوحدة الهدف واختلاف الادوات في الوصول اليه ، لتصل الثورة الى مرحلة تشظي الافكار المنبعثة من صميمها .

تشرين اليوم كسفينة دون شراع ، نجحت بتحطيم جبال الثلج التي حولها ، حتى تلك التي ظنت أنها تعيق حركتها دون ترك محطة لعودتها او لاستراحاتها في ميناء سلام واحد على الاقل !
فظلت ساكنة وسط المحيط الواسع ، دون حراك فعال وواضح .

كيف لثوار همهم العمل على تصحيح مسارات سياسية متهتكة ، أسهمت في تعزيز واعادة تدوير عادات اجتماعية متهرئة ومتهالكة ، دون قيادة تخطط لجمهورها برنامجا واضحا ! او دون فكرا يتضح في منهجيته وحدة الهدف الذي خرجت من أجله الثورة .

ولو لم يكن في فكر الثورة حيزا لبناء مشروعا نهضويا وطنيا مستقلا ، يعيش في وجدان الجماهير ويحفز استمراره طبقات اجتماعية عدة لها تأثيرها الواعي في الفكر المدني الجمعي المؤثر في المجتمع  ، ما كان هذا الاندفاع اليقظ ، من لدن اهم الطبقات الاجتماعية التي تمثل قمة الوعي في المجتمع ، والمتمثل بطبقة المثقفين  ( مفكرين كتاب شعراء اعلاميين رجال علم ودين ) ، يؤمنون بإستدامة فكر الثورة والاحتفاء بذكرى الثوار الذين يعتبرونهم ابطالا في الوقت الذي يعتبره غيرهم - ممن استمرأ وإستهنأ  طعم السلطة ، لا هنأه الله - متمردين او خارجين على القانون ، نفس القانون الذي أقرّ لهم حق التظاهر وكَفَل لهم حق الحماية .
- ليس امر مستغرب ، ان ثقافة الثورة تقوم على اساس مشاعر الظلم الذي يتراكم بالنفوس منتظرا لحظة تنفيسه بأعلان الثورة ، ثقافة تقوم على وحدة الهدف الانساني الذي يرفض اي انتماءا سوى عقيدة الثورة من اجله .

-- وما الثورات السياسية و الاجتماعية التي قامت ضد الظلم والفاسدين ، في التاريخ الا انعكاس صورة حية لطموح السماء على الارض ، ولعل في فكر الثورة ضد الفاسدين ارفع غايات المصلحين و ابلغ خواتيم  الانبياء الطامحين لنشر صورة الله في انسانه .

(( إن النبي أُرسل لنصرة بلال وليس لنصرة الله ، وإن الله تعالى لا يرسل الانبياء من اجل الألوهية ، وإنما لأجل الإنسانية ، فحينما يتحسر الله في السماء ، تظهر النبوة في الارض .
كما إن محاربة النبي لأبي لهب ليس لأنه ( إستبعد ) الله من الوهيته ، وإنما لأنه ( إستبعد ) بلال من حريته .. لا يهم ليعبد ابو لهب حجرا او شمسا او أيّا شاء ولكن ليترك بلال يعيش وجوده ))  *٤

-- ولعل في دروس التاريخ وسلسلة تساقط التيجان المتعاقبة في دول العالم الثالث ، حكمةً ومنهجا ازليا يقول :
لن يهب ابا لهب ٍ حرية بلال ، ولن يرضى بلال بعبوديته ، التي ستحررها الثورة .


-- حسن عزيز الياسري -- ٢٨ تشرين - ٢٠٢٢ للميلاد .


  --------------------------------------------------------------

-* ١ - لصوص الله ، عبد الرزاق الجبران ص ٣٣
* ٢ - قصيدة يا مهرجان الشعر ، الدكتور الشيخ احمد الوائلي .
* ٣ - جيفارا ، ثائر لا يموت - السيد عبد الفتاح ص١٠٢
- *٤ - لصوص الله ، عبد الرزاق الجبران ص ٣٢



#حسن_عزيز_الياسري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الامام علي ضرورةً إجتماعية ام ترفاً فكرياً
- كمّامّات يوزَرسيف ومسرح التحرير  
- ثرثرة فوق التحرير
- مقاطعون ومشاركون
- آمر اللواء ٥٩
- قضية المواطن أحمد راضي !!
- اوهام المراهقين ، أدب سلطة متجدد أم متوارث
- خيمة الادارة والاقتصاد
- لغات  مشتركة بين انتفاضتي شعبان وتشرين ) شذوذ المفهوم بين ال ...
- شعارات فضائية .. الحسين يجمعنا !!
- لغات  مشتركة بين انتفاضتي شعبان وايلول ) الشذوذ بين النظرية ...
- مقاطعة بني سفيان .. إحتراق من نوع آخر


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسن عزيز الياسري - البوصلة المفقودة