أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - أجتهاد تدبري تدبر أم تدبير؟















المزيد.....

أجتهاد تدبري تدبر أم تدبير؟


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7632 - 2023 / 6 / 4 - 23:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من المسائل المهمة التي ينبغي لنا معرفتها التفريق بين المباني اللفظية ودلالاتها، لأن كل لفظ محصور بدلالته الخاصة والحصرية، أما الدلالات العامة فهي مشتركات قد تصيب تمام المقصد أو تجاوره، فالتدبر على وزن التفعل غير التدبير على وزن التفعيل، التدبر في اللغة مشتق من مادة "د ب ر" وهي" تدل على آخر الشي وخلفه، يقال دبَّر الشيء وتدبَّره، نظر في عاقبته واستدبره رأى في عاقبته ما لم ير في صدره، والتدبر في الأمر التفكر فيه"، وقيل أيضا "أصل التدبر هو التأمل في أدبار الأمور وعواقبها، ثم استعمل في كل تأمل، سواء كان نظرا في حقيقة الشيء وأجزائه، أو سوابقه وأسبابه، أو لواحقه وأعقابه"، وقد ورد لفظ "التدبر" على صيغة التَّفعُّل للدلالة على التكلف والتعقب والنظر مرة بعد مرة وكرة بعد كرة لحصول الأثر الناجم عن المجاهدة التي يجعلها المتدبر عنوانا لجهده ونصبه واجتهاده في تحقيق المراد.
عملية التدبير في المعنى اللغوي وإن أشتركت مع معاني المدابره التي تقتضي النظر إلى عاقبة الأمور كما هو واضح من الشرح أعلاه، لكنها من خلال التركيز على الجذور وتركيبتها اللسانية تفترق بالدلالة والمعنى ، دَبَرَ: (فعل) تختلف تماما عن الفعل دَبَّرَ: (فعل)، الأول يعني ما يلي (دبَرَ يَدبُر ، دَبْرًا ودُبُورًا ، فهو دابِر _ دَبَرَتِ الشيءُ: ذهبَ وولَّى مَضَى _ دَبَرَ وَالِدَهُ : خَلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَبَقِيَ مِنْ بَعْدِهِ _ دَبَرَ السَّهْمُ الهَدَفَ : جَاوَزَهُ وَسَقَطَ مِنْ وَرَائِهِ) وهي جميعا تدل إلى معنى الحلف أو العقب، بينما المعنى الثاني فنحده يدوا حول مفهوم أخر نستشفه من (دبَّرَ يُدبِّر ، تَدْبيرًا ، فهو مُدَبِّر ، والمفعول مُدَبَّر – للمتعدِّي _ دَبَّرَ أُمُورَهُ : فَكَّرَ فِيهَا وَخَطَّطَ لَهَا، سَاسَهَا : يصرِّف العوالم كلَّها بقدرته وحكمته _ أمرٌ دُبِّر بليل: خُطِّط له في سِرِّيّة تامَّة)، المعنى هنا بتضمن دلالة فعل مسنود للعقل والتخطيط والرسم ولا علاقة له بالمعنى الأول السابق، إذا ما جاء مثلا في النص التالي (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه....) ، الإشارة فيه للمعنى الثاني بمعنى التخطيط والدرس والرسم والتنفيذ تماما مثل ما تعني الكلمة في النص التالي (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد (24) كون الإشارة هنا للعقل والإدراك والفهم ولا تعني النظر للعقب أو الخلفية.
علاقة لفظة التدبر بالألفاظ المجاورة له
يقول الكاتب (حوسى سعادة) في قراءته لأختلاف الجذر اللغوي بين المعنيين ودلالاتهما في الأستخدام القرآني، أن التدبر بمعنى التفكر وسؤال العقل عن الحقيقة وفهمها يتصل حسب السياق القرآني في الإيراد حصرا في الآيات القرآنية، لأنها لا تفهم ضروريا إلا بالعقل النشط القادر على إدراك المعنى الضروري لتعلقه بأمر الله دون الآيات الكونية التي يكفي أن يفهما البعض دون الأخرين، فيقول (بالملاحظ أنه ترد لفظة التدبر مقرونة بالقرآن أو إحدى معانيه كالقول و آيات الكتاب، فالتدبر إذن فعل إنساني يهدف إلى التفكر في الآيات القرآنية لا الآيات الكونية، والخطاب موجه في جميع الآيات إلى غير المؤمنين، بأسلوب الاستفهام الإنكاري في ثلاثة مواضع، ومقرونة بلام التعليل في مرة واحدة، ﴿ ليدبروا آيَاتِهِ ﴾، والعلاقة الثانية هي علاقة التدبر بالاختلاف، وهو أن هذا الكتاب تنزيل من عند ربهم، لاتساق معانيه وائتلاف أحكامه وتأييد بعضه بعضا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه وتناقضت معانيه وأبان بعضه عن فساد، فيعلموا حجة الله عليهم في طاعة الرسول، والعلاقة الثالثة، هي القلوب والإقفال، وهي أن القلوب التي تعرض عن تدبر كتاب الله تعالى قلوب مقفلة، أهلها لا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر) .
كثيرا ما وقع المفسرون والمجتهدون في قراءة النص من خلال ما يعرف بالألفاظ المتجاورة أو المتشابهة في الرسم، ونتج عن هذا التوهم والأشتباه نتائج خطيره على مستوى فهم النص أو ترتيب الحكم، فكلمة مثل قسط ومنها القاسطون ترج في معنيين مختلفين تبعا للأستعمال كما يقول الفقهاء واللغويون، والحقيقة أن كل مدلول له جذر خاص وأن أشتركا بالرسم اللفظي، وبالعودة إلى المعاجم نرى المعنى وكيفية أستخراجه من أصوله اللسانية (القِسْطُ : العَدْلُ؛ وهو من المصادر الموصُوف بها، يوصف به الواحد والجمع ميزانٌ قِسْطٌ، وميزانان قِسْطٌ، وموازينُ قِسْطٌ، ومنه في التنزيل العزيز في سورة الأنبياء آية 47 (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)، ومن أَسماء اللّه تعالى الحسنى المُقْسِطُ: هو العادِلُ، يقال أَقْسَطَ يُقْسِطُ، فهو مُقْسِطٌ إِذا عدَل، وقَسَطَ يَقْسِطُ، فهو قاسِط إِذا جارَ، فكأَن الهمزة في أَقْسَطَ للسَّلْب كما يقال شَكا إِلي فأَشْكاه، وفي الحديث: أَنّ اللّهَ لا يَنامُ ولا ينبغي له أَن ينامَ، يَخْفِض القِسْطَ ويرفَعُه؛ القِسْطُ: المِيزانُ، سمي به من القِسْطِ العَدْلِ أَراد أَن اللّه يَخفِضُ ويَرْفَعُ مِيزانَ الوجودي كما يرفع الوزَّانُ يده ويَخْفِضُها عن الوَزْن، وهو تمثيل لما يُقَدِّرُه اللّه ويُنْزِلُه.
بينما المعنى المعاكس نجده في رسم أخر شبيه أو مجاور له (قَسَطَ: (فعل) قسَطَ يَقسِط ، قَسْطًا وقُسُوطًا ، فهو قاسِطٌ والجمع : قُسَّاطٌ، قسَط الحاكمُ :جارَ وحادَ عن الحقّ، أمر اللهُ بالقِسْط، ونهى عن القَسْط)، وبالنص القرآني جاء المعنى الأخير في قوله الآتي وهو من مدلولات القُسُوطُ بمعنى الجور والعدول عن الحق وبابه جلس ومنه قوله تعالى {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} و القِسْطُ بالكسر العدل تقول منه أقْسَطَ الرجل فهو مُقْسِطٌ ومنه قوله تعالى {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}، والقِسْطُ بالكسر العدل تقول منه أقْسَطَ الرجل فهو مُقْسِطٌ ومنه قوله تعالى {إن الله يحب المقسطين}، والقِسْطُ أيضا الحصة والنصيب يقال تَقَسَّطْنَا الشيء بيننا (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا).
هنا في عملية التدبر على المختص كما على الراغب بالفهم وتدبر المعاني والبحث عن الدلالات الأكيدة والمقاصد المطلوبة أن يفهم كل مفردة لما تعني خصيصا قبل أن يضعها في ميزان الحكم، بمعنى أنه لا بد أن يستعين بميزان اللغة أولا ويحدد على مسار هذا الميزان ما يختار من موازين لاحقة ليدرك الهدف من عملية التدبر، عملية التدبير مطلوبة أولا لذاتها لأنها الطريق المؤدي للوزن والميزان، ومطلوبة أيضا بذاتها لأن ما ينتج من التدبير العقلي يتصل بحياة الإنسان من حيث هو محتاج لها، وهذا ما يسمى ضروريات التدبر أو منهج التدبر وفقا لنظرية الميزان.
أهمية وضرورات التدبر
حاصل الأمر أن التدبر هو في النهاية يعني الوقوف على المقاصد العقلية والمعاني المنطقية تفكرا وتبصرا وإحاطة بكل ما يمكن للعقل البشري أن يحيط به، والغاية الكبرى نريد تفهما وتدقيقا وتحقيقا واستنباطا وتمحيصا قصد الادراك الكامل والامتثال في مقاصد ما ندركه بيقينية البرهان والوزن، ليتم بعدها التجسيد العملي وتطبيق مراد الله مما جاء في الرسالات والغاية من إرسال الرسل لتحقيق الخير والصلاح والإصلاح الوجودي الذي يحفظ المعادلات الكونية الوجودية ويخضع للقوانين المستحكمة بالكلية الشمولية يوم وضع الميزان ليبدأ الخلق بعدها.
تتجلى أهمية عملية التدبر الموزون للنص القرآني وأحكام الأمر الإلهي من خلالها فيما يأتي:

1. تفعيل منهج الأستقامة بالميزان في الفهم والاستقراء والاستنباط والتحليل.
2. تفعيل منهج السياق في الوقوف على مقاصد القرآن وحكمه.
3. الجمع بين الميزان والسياق في الممارسة والنظر والتوجيه.
من هذه النقاط الثلاثة نبدأ في البحث عن المنهج التدبيري وضرورته للعقل المسلم وهو يحاول أن يغادر عالم الأعتباطية الفقهية التي سادت لقرون وعقود كثيرة، لم تنجح بالرغم من كل الإيمان بها والدعم السلطوي والبشري من أن يضع النص الديني في موضعه القصدي والمعنوي الذي اراده الله له، فشرق وغرب وبحث وطول وجعل من القرآن الميسر جنجلوتيه لا يعرف أولها من أخرها، كما لا يعرف حرامها من حلالها مع تعدد المدارس الفقهية والاجتهادية في موضوع واحد.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا شمعة وحيدة
- لعنة الــــــ الو
- وجوديات صوفية
- أحلم أيها المجنون وليحلم حلمك بحلم
- رسائل إلى الكل
- رسالة إلى سيدة من طراز الملائكة الصالحين
- وأنتهى الأمر
- رسالة قديمة لعالم جديد
- مشاعر وأحلام وطرق بلا نهاية
- الفقه هو تدبير القرأن بالميزان 2
- الفقه هو تدبير القرأن بالميزان
- سأمضي
- الميزان الثابت التقني المستلزم لفهم النص القرآني ح2
- الميزان الثابت التقني المستلزم لفهم النص القرآني ح1
- أحزان الفرح
- مرة أخرى في نقد الفكر الديني الموضوع والمزيف 2
- مرة أخرى في نقد الفكر الديني الموضوع والمزيف
- إنهم يكذبون بدعوى أحترام التأريخ.
- الدجل الديني والتدليس العقائدي وسائل في صراع السياسة والسلطة
- عالم الكهنة والأكاذيب المقدسة


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - أجتهاد تدبري تدبر أم تدبير؟