أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - غائم جزئي














المزيد.....

غائم جزئي


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7617 - 2023 / 5 / 20 - 14:23
المحور: الادب والفن
    


ما زلتُ أتذكر رغم مرور أعوام طويلة، اليوم الذي اصطحبت فيه ولديّ مع كلبتهما إلى السوبر ماركت لأشتري لهما بعض الحلوى، كان الكبير بعمر الخمس سنوات والصغير بعمر الثلاث.
الفصل كان ربيعًا وسحبٌ عابرة غطتْ وجه السماء كما يصفونه في نشرة الأخبار بإنه غائم جزئي.
طرأتْ في رأسي فكرة وأنا أنظر للشمس المترددة التي تظهر مرة وأخرى تغيب، قمت بالعد لأعرف الوقت المستغرق لفعل ذلك، الرقم عشرة كان الحد الفاصل بين ظهورها و بين الاختفاء، قلت لطفليّ لأظهر بطولاتي أمامهما:
- ما رأيكما لو أطلب من الشمس الظهور الآن؟
استغرب الكبير وسألني:
- كيف يا ماما؟!
أما الصغير، اكتفى برفع رأسه إلى السماء بينما الكلبة جيكو كانت تهز ذيلها بفرح.
أجبتْ بغرور:
- ألا تدرون أن الشمس تسمع كلامي ، انظرا.
ثم توقفتُ وأفلت أيديهما وأغمضتُ عينيّ وبدأتُ أحرك شفتيّ بصمت كراهبة بوذية بعد أن شبكت كفيّ وقربتهما من وجهي، أنهيت العد إلى عشرة، مسحت وجهي بباطن كفيّ لأهتف بطريقة مسرحية رافعة ذراعيّ نحو السماء بعد تأكدي من خلو الشارع من المارة:
- أيتها الشمس، أمركِ بالخروج فورًا!
ظهرتْ الشمس من بين الغيوم وأخذت أشعتها الخفيفة تغطي ما تحتها ومعها شعرت بفرح كبير، كنت كمن اخترع كذبة ثم صدقها.
نظرات الإعجاب في عيون أطفالي جعلتني أشعر كم أنا أم عظيمة إذ استطعت إبهار أولادي وإثارة دهشتهم وليعرفا أن بإمكاني فعل أي شيء ثم أمرت الشمس بالانصراف بعد عدي لعشرة أخرى، هكذا فعلت طوال الطريق بالشمس المسكينة و ولديّ البريئين.
كم رائع إحساس القوة والسيطرة؟! لم يخطر في بالي حينها معرفة رأي علم النفس في ذلك؟
النهار كان قصيرًا ومتقلبًا ومعه انقلب السِحْر عليّ إذ وجدت نفسي في حيرة من أمري حينما طلب ابني الكبير وهو يمسك بيد أخيه أن أمر الشمس بالظهور ثانية وكانت الساعة التاسعة والنصف مساءً.
بلعتُ ريقي كمحاولة لتجاهل الطلب. قطع الكيك المحلى بالكريمة التي قدمتها في غير موعدها وقصة ليلى التي قتلت الذئب وأكلت جدتها لم تستطع أن تنسيهم المهمة التي حضرا من أجلها.
تظاهري بالمرض لم يشفع لي، حاولت ممارسة دوري كأي أم وابتزهم عاطفيًا، فشلتُ، بل شددوا الخناق عليّ حينما تمددا على الفراش بجانبي يغمرهما أمل كبير في تحرير الشمس السجينة على يد أمهم الخارقة.
عليّ اختراع كذبة جديدة لأغطي على القديمة، فكرت في طلب المساعدة من زوجي، لكن تراجعت لأني متيقنة من استخدامه لمشكلتي كمادة يتندر بها - كعادته - أمام أهله وأصدقاءه.
أقنعتُ نفسي أن المرأة التي تتحكم بالشمس تتمكن من مواجهة أي مشكلة!
قلت لهما وإحساس ببلاهتي قد تجسد أمامي:
- الشمس تنام مبكرة، فلديها دوام في الروضة غدًا صباحًا.
سرعان ما سقطتْ هذه الحيلة وبانتْ نسبة ذكائي بهتاف ابني الكبير بفرح:
- إذن، غدًا سنرى الشمس في الروضة!
ثمة سؤال آخر من ابني الصغير يشبه الأفق الغائم في نهار ممطر:
- هل ستجلب معها حقيبة مثلنا؟
نظرت إلى الكلبة وحسدتها في سرّي، لكن الحسد في هذه اللحظة لا يجدي نفعًا.
هذه المرة لابد من الهرب، تظاهرت بالنوم لأفكر في الشيء الذي يمنع حضور الشمس مع حقيبتها إلى الروضة غداً؟!
تنفستُ الصعداء وأنا أسمع صوت المطر صباح اليوم الثاني وأولادي يراقبون قطراته الساقطة على زجاج النافذة، هذه علامة خير فالمطر سيغسل ذاكرتهما بشأن الشمس الأسيرة وكذلك حجة قوية ليغيبا عن الروضة ذلك اليوم.
لم يرق لي أعطاهما انطباعًا أنني مرتبكة عندما سأل ابني الصغير أخاه:
- مَنْ يُنزل المطر من السماء؟
صليت كي لا يطلبا مني إيقاف المطر؟
كان هذا السؤال المرعب يجول في خاطري عندما أجاب ابني ملتفتا نحوي وفي عينيه نظرة لم أفهم مغزاها حد هذه اللحظة:
- أمي بالتأكيد!



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما دمنا
- في الطريق
- أنا لست قصتي
- رذاذ زهرة الأوركيد
- أنا وفوز حمزة ورمضان
- المرأة التي لا تشبهني
- ملكة الجبال
- بنكهة الكاكاو
- هاتف نقال
- نجمة الحب
- مهمة في قطار
- حين يصمت المغيب
- حدث في البنك
- البوابة
- اعتراف
- لعبة في الوطن
- نوافذ الكلمات
- كان لدي صباح لأجلكِ
- حفلة شواء
- هزة مرتدة


المزيد.....




- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - غائم جزئي