|
سيولُ ربيع الشمال: 1
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 7613 - 2023 / 5 / 16 - 16:20
المحور:
الادب والفن
" دارين "، وجدَ نفسه في كوريدور طلابي، يستوطنُ برثاثته مركزَ مدينة أوبسالا، المؤتلق بالجدّة، ولعل المكان كانَ فيما سبق مأوى لأمثال الشاعر غونّار إيكيلوف والمخرج إنغمار بريغمان في أثناء دراستهما. ذلك كانَ في العام الثاني لحلول الشاب الثلاثينيّ في السويد، كلاجئٍ من ذوي الاحتياجات السياسية. لم يكن أحدٌ هناك طالباً بمعنى الكلمة، بالرغم من أن الكوريدور يقعُ أيضاً في شارعٍ متصل بأبنية المدينة الجامعية. بل وحتى البارات ثمة، التي يحتفي كلٌ منها باسم منطقة سويدية، كانت منذورة للطلبة. بكلمة أخرى، فإنّ ذلك الكوريدور كان تجمعاً لبعض الشبان اللاجئين ريثما يحصل الواحد منهم على شقةٍ؛ وبالطبع، بحَسَب دَوره المُفترَض في شركة السكن. ولو كانَ مُهمّاً أيضاً أن نذكرَ الزمن، فإنه كانَ في ربيع مفتتح عقد التسعينات، المُنتظر بفارغ الصبر صيفَ بطولة العالم لكرة القدم؛ وكانت ستستضيفها إيطاليا. وينبغي التنويه منذ البداية، أنّ دارين كانَ مُغرماً بكل ما هو إيطاليّ، ربما على خلفية اهتمامه بالآثار الرومانية، سواءً المتبعثرة في أنحاء سورية أو بشكل عام. كذلك كانَ فيما مضى مُدمناً على مشاهدة الأفلام السينمائية الإيطالية، التي كانت تُعرض غالباً في صالة الكندي بدمشق. ولو شئنا الاستطرادَ في موضوع السينما، رجوعاً قليلاً إلى الوراء في الزمن، لقلنا أنه كان منجذباً أكثر للأفلام السياسية المحتوى، وكان الرفاقُ الشيوعيون يعرّفونها ب " التقدمية ". لكنه مذ انهيار الكتلة الشرقية في عامٍ سابق، انهارت في داخله المنطلقات الثورية، فبات مقتنعاً أنها شبيهة بالمسلّمات الطوباوية، المُتعيّش عليها رجالُ الدين. وهذا شيء حسنٌ باعتقاده، كونه قاده إلى التعرّف بشكل أفضل على سينما فيلليني وبازوليني وأنطونيوني. ما لم يكن يتوقّعه، في أوان حلوله الربيعيّ في الكوريدور، أنه سيلتقي ثمة مع " جوليا "؛ الفتاة الفاتنة، المُمتزج في عروقها الدمُ الإيطاليّ من ناحية الأب، والسويديّ من ناحية الأم. قبل ذلك، كان على دارين أن يتعرّفَ في الكوريدور على صديق الفتاة. " حسين " هذا، كان الأكثر مرحاً بين الشبان الإيرانيين، المقيم كلٌ منهم بالطابق الأرضيّ في حجرةٍ صغيرة، ملحقةٍ بحمّام يحتوي على دوش مع مغطس من البورسلين. وكانت حجرة دارين ثمة، هيَ الأقرب إلى المطبخ، وكذلك حجرة حسين، الكائنة في الجهة المقابلة. هذا الأخير، بالغَ ذات يوم بالتبسّط مع دارين، لما كانا في المطبخ يعدّ كل منهما غداءه، حتى أنه عرضَ عليه المساعدة لو احتاجَ لجرعةٍ من الهيرويين أو أيّ مخدّرٍ آخر يُفيد للطيران في الفضاء على بساط الريح. وفي الخارج، كانت الريحُ الربيعية تهبّ يومئذٍ كي تُساعد في تلقيح النبات. لكن دارين شكرَ الشاب اللطيف ( المُتغندر بحلقة ذهبية للأذن وحلقة أخرى تجمع شعره من الخلف )، مكتفياً بتكوين فكرة ملخصة عنه ودونما حاجةٍ لإعطائه درساً في الأخلاق. فإنه كان قد كفّ منذ العام الماضي عن الوعظ، بشقيه الثوريّ والمُحافظ. سيبقى متمسكاً بهذه الشيمة، إلا في حالةٍ وحيدة تقريباً؛ وكان وقتئذٍ قد سرقَ الحسناءَ الإيطالية من تاجر المخدرات، المُبتدئ. في حقيقة الحال، كانَ دارين محبوباً في أوساط الشبان الإيرانيين، بالأخص أنه أجادَ القليلَ من الفارسية. لقد ارتبط سابقاً بعلاقةٍ مع امرأة أذربيجانية، من تبريز، كان لها الفضل في تعليمه شيئاً من لغة الفردوسي وعمر الخيّام. كان زوجها بدَوره لاجئاً سياسياً، وقد تعرّفَ عليه دارين عقبَ اشتراكهما معاً في معرضٍ فنيّ في معهد اللغة. هذا الشخصُ الأربعينيّ، القميء المنظر، لم يكن يعرف من أصول الرسم أكثر من طريقة صنع إطار اللوحة. وشاءت المصادفة آنذاك، أن يقيم دارين في مسكنٍ للاجئين مع الزوجين نفسيهما وعلى نفس الطابق؛ وكان المسكن يقع على هضبة " غرينبي "، القريبة لمركز المدينة. ويتذكّر دارين، أنه لم يزرهما سوى مرة واحدة حينَ دُعيَ للعشاء في اليوم الأخير للمعرض. إذاك كانت تنبعثُ من عينيّ الرجل نظراتُ الريبة والشكّ، بفعل غيرته على زوجته الجميلة الشابّة. لكنها لاحَ واضحاً أنها كانت مسيطرة عليه، متأففة من حياتها معه خصوصاً لعدم انجابهما أطفالاً. وكان قرينها يمضي في عطلة السبت والأحد إلى عمله " الأسود " في كشك شقيقه، الموجود على طرف محطة مترو في العاصمة. فلا تلبث هيَ أن تقتحمَ حجرةَ دارين، مسبوقةً بنفحة نفاذة من عطرها الباريسيّ. هذا جرى، بطبيعة الحال، لما تشابكت ألوانهما على لوحة أصلية. وكانت تُصرّ غالباً على التحدث مع دارين بالفارسية، مقتنعةً أنّ جميعَ الكرد لا بدّ ويتقنونها لسببٍ ما، لم تسبر غوره. علاقتهما لم تستمر طويلاً. مع أنّ الهيامَ تمكّنَ منها، حدّ استعدادها لهجر رجلها من أجله ـ كما سمعَ منها أكثر من مرّة. غبَّ حصولها على حق الإقامة، انتقلت مع زوجها إلى ستوكهولم حتى دونَ أن تودّع دارين. إتفاقاً، أنّ طلبَ هذا الأخير للإقامة تمت الموافقة عليه في نفس الفترة تقريباً، وسرعانَ ما حُمِلَ إلى ذلك الكوريدور حينَ خلت حجرةٌ فيه.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيولُ ربيع الشمال: قصة أم سيرة أم مقالة؟
-
الصديقُ الوحيد
-
سلو فقير
-
رفيقة سفر
-
أسطورةُ التوأم
-
قفلُ العفّة
-
فَيْضُ الصوفيّة
-
المسيحُ السادس
-
تحدّي صلاح الدين
-
لقاءٌ قبلَ الغسَق
-
اليهودي الأبدي
-
الأمل
-
أمسية من أجل جوانا
-
التمثال
-
مَغامِضُ منزل العزلة
-
حواءُ التاسعة مساءً
-
حدائق الليمون
-
المُعسكر المُريب
-
الحسناء والإنتحار
-
التاجرُ والجنيّ
المزيد.....
-
المواطنة في فكر محمد بن زايد... أطروحة دكتوراه بامتياز لعلي
...
-
تمثالان عملاقان من فيلم -ملك الخواتم- بمطار.. فرصة اخيرة لرؤ
...
-
حمدان يعقد ندوة حوارية حول واقع الثقافة الفلسطينية في معرض ا
...
-
نزلت حالًا مترجمة على جميع القنوات “مسلسل المؤسس عثمان الحلق
...
-
دميترييف: عصر الروايات الكاذبة انتهى
-
عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما
...
-
للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2
...
-
ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف
...
-
تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا
...
-
مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي
...
المزيد.....
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
المزيد.....
|