أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد إدريس - الإرهاب التكفيري : أسبابه و علاجه















المزيد.....

الإرهاب التكفيري : أسبابه و علاجه


أحمد إدريس

الحوار المتمدن-العدد: 7603 - 2023 / 5 / 6 - 15:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


« إن أفكارنا هي التي تصنعنا، و اتِّجاهَنا الذهني هو العامل الأوَّل في تقرير مصائرنا. » (ديل كارينجي)


الإرهاب يبدأ فكراً أُحادياً متطرِّفاً إستئصالياً في الرأس، و يتحوَّل هذا الفكر في النهاية إلى سلوكٍ على الأرض. مشكلة صاحب هذا النوع من الفكر هي أنه لا يُعطي لعقله فرصة ! عقله عاجز عن تقبُّل رأي مختلف أو مجرَّد النظر فيه، إذ ليس عنده أدنى فضول أو تشوُّق إلى معرفة الجديد. هو غير قادر على التخلي عن أفكاره و آرائه حتى لو بدا خطؤها أو ضرَرُها و صار أوضح من الشمس في رابعة النهار. أحياناً مثل هذا الشخص، من حيث لا يشعر، ينتحل ﻭﻇﻴﻔﺔ رب البشر : يُحاول أن يلعب دور الله ! ما كان لِيَقع في هذه المتاهة الخطِرة رغم سخافتها، لو كان حريصاً على لَعِب دوره في الحياة كإنسان.

هذا الكائن لا يحاول فهم الآخرين و الإستفادةَ من آرائهم فهو، لأنه أُحادي التفكير و مُنغلق على ذاته، لا يحكم في الأمور إلاَّ انطلاقاً من معتقداته و رؤيته الخاصة. محاولات توعيته و إرشادِه تبقى قليلة الجدوى في الغالِب - من الصعب بل المحال أن يستمع بعقل مفتوح إلى مَن يسعى في ذلك - لأنه ببساطة مصاب بداء جد خطير إسمه الجهل المركَّب : الجهل المُتوَهَّم علماً و معرفة - أو حتى حقيقة مطلقة و نهائية. الجهل المركَّب هو كارثة الكوارث، مصيبةُ المصائب، طامَّة الطامات في عالَم بني البشر…

أُمتنا معظمُ أفرادها و لا سِيَّما الشيوخ و الوُعَّاظ قابعون في سجن الجهل المركَّب. و مُغتبطون بِوَضعهم و عازمون و مُصرُّون على الموت على هذه الحال ليفوزوا بجنة الفردوس في الآخرة. من أبرز مظاهر هذا الجهل المركَّب : ادعاء امتلاك و احتكار الحقيقة المطلقة النهائية، و معها التأشيرة الحصرية لدخول ملكوت السماء. سنظل على وضعنا الحالي المؤسف و لن نعرف التقدُّم الحقيقي، ما لم نتخلَّص من هذا الوهم المقدَّس المُنغرس في عقلنا الجمعي… إنه وَهم بِسَببِه ما قمنا بخطوة معتبرة في الوِجهة الصحيحة، منذ زمن طويل، و باتت بِسَببِه أمتُنا متواضعة الإسهام في العصور الحديثة.

« إذا كانت الوثنية في نظر الإسلام جاهلية، فإن الجهل في حقيقته وثنية، لأنه لا يغرس أفكاراً بل يُنصِّب أصناماً. » (مالك بن نبي، "شروط النهضة"، 1949)

« الذي تغيب عن ذهنه احتمالات الخطأ لا يكون حذراً في إصدار الأحكام، و لا يضع بإعتباره ما تُلحقه أحكامه بالآخرين من أذى و لا ما تُسبِّبه للحقيقة من تشويه. » (إبراهيم البليهي، "بِنْية التخلُّف"، 1995)

و الشخص الغارق في مصيبة الجهل المركَّب نجده شديدَ التعنُّت و التعصُّب لما استقر في ذهنه من أفكار، لا يتنازل عنها و لو ظهر و بان جلياً بطلانُها كما قلنا بل يُضفي عليها قداسة و ينظر إليها بإعجاب مُرعب… و إذا كان يقول عن نفسه و يُعلن للدنيا بكل اعتزاز و فخر و كبرياء إنه مسلم، فمِن المُحتمل أن نجده أيضاً يزدري و يَستهجِن و رُبما يعتبر كفراً و ضلالاً و بُعداً عن سواء السبيل، أغلبَ المعاني و القِيم التي راكمتها البشرية خلال مسيرتها الشاقة إلى الأمام. و لكن هذا لا يمنعه إطلاقاً من الإستمتاع و ضميرُه مرتاح بمنتجات و منجزات حضارة يلهج لسانه بالتبرُّم منها و الدعاء عليها في كل حين… مُردداً قول الله في القرآن : « لا يغُرنك تقلُّب الذين كفروا في البلاد، متاع قليل ثم مأواهم جهنم و بِئس المِهاد. » أكره و أمقُت بشدة الإستعمال الذي أصِفُه بالشرير و حتى الخبيث لبعض الآيات أو المقاطع من القرآن الكريم. كأنْ يُبرِّر أو يُؤسس أحدُهم بُغضَه لأقوام معيَّنين على هذا المقطع من القرآن : « لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع مِلتهُم »، دون أي عرض للسياق العام الذي يندرج فيه هذا الكلام.

للأسف ما أكثر هذا الصنف من العباد في أُمة إقرأ ! نحن أُمة إقرأ، و لكنْ بشرط : إيَّاك أن تقرأ ما قد يغيِّر طريقة و نمط تفكيرك، و يحرِّر عقلك و وَعيك و يُوَسِّع آفاقك و يفجِّر طاقاتك، و يُعينك لتُصبح كائناً مُتزناً و راشداً بحق، و يرفع حِسك الإنساني لدرجة أن تفتح قلبك للمُختلف عنك، و تُحبَّ بصدق و تدعو بالخير لِلْخَلق كافة ! إنه الخوف من ولادة جديدة بعقل مفتوح و بفهم و تصوُّرات و نظرة للأشياء بِسَعة الكون… فمِن جرَّاء النظرة الدينية السائدة عندنا ما زال راسخاً في أذهان الكثيرين من بَيْنِنا أن أُمتنا مُتميِّزة بشكل جَوهري عن سائر الأمم فهذه كلُّها هي بنظرنا ضالة كافرة و نحن وحدنا ننعم بالهداية و نسبح في بحر الحقيقة… أجزم بمُنتهى الثقة أن من أعظم الإساءات التي لحِقت بالإنسانية - و المُتهَم هنا ليس إسلام القرآن - منظومة دينية ورثناها جعلتنا نكفِّر معظم المُنتمين إلى الإنسانية. و مع ذلك فأنا لا أُنكر أن هذه المنظومة بشهادة مُؤرِّخين مرموقين من خلفيات حضارية مُتباينة، كانت بالتأكيد طَوَال قرون منظومةً رائدة و مُتفوِّقة و مصدرَ إعجاب و إلهام في مجال التسامح.

هزيمة العقل عندنا أنتجت أمساخاً بشرية تتحرك دون وعي و على غير بصيرة، قد نبذت كل القِيَم السماوية و الإنسانية و مع ذلك تزعم أنها وحدها تُمثِّل الإسلام. الفكر الديني المُزيَّف الشائع عندنا خلق جيلاً مُشوَّهاً مُهلِكاً لنفسه و للمُجتمعات التي يحيا فيها، يكاد لا يُميِّز بين الخير و الشر بل لقد أثبت مِراراً و تَكراراً أنه لا يُفرِّق بين الصديق و العدو. لذا سهُل على هذا الأخير أنْ يجعل منه سلاحَ دمار مُسلَّط على العديد من دُوَلنا التي تعطَّلت كل مشاريعها التَّنمَوِية بسبب صِبيان مسلوبي العقول : زَرْع الموت هو مشروع العمر بالنسبة لهم، و نشرُ الدمار هدفُهم الأسمى في هذه الحياة…

أمتنا مريضة للغاية و علينا ألاَّ نغفل أو ننسى أن في جسدها مُضغة، إذا صلَحتْ صلح كِيانها كله، و إذا فسدت فسد كِيانها كله، يقيناً و دون أدنى شك فهمُها و تصوُّرها العام للدين هو هذه المُضغة.

توضيح لا بُد منه : خطأ و ادِّعاء باطل تماماً الزعمُ و إيهام الناس أن التطرُّف و الإرهابَ هما حكر على دين دون غيره أو أيديولوجية مُعيَّنة، كما لا يُمكن إغفال أو التغاضي عن كل ما يُسهم في نشأتهما و تغذيتهما من عوامل داخلية نفسية و أخرى ظرفية خارجية. بالمُناسبة التطرف الديني أو السياسي هو اليوم آخِذ في الإنتِشار شرقاً و غرباً و لَيْس ميزة حصريَّة لهذه الأمة و هو أحدُ أخطر تحدِّيات العصر… و لن يكفي الحل الأمني في مُواجهة هذا التحدي : لأن التطرف فكر و اعتقاد و تصوُّرات ذهنية، قبل أنْ يصير أفعالاً و سلوكِيَّات على الأرض.


« لقد علَّمنا القرن العشرون أنه لا توجد عقيدة تحريرية بذاتها، فَكُلها يمكن أن تنحرف، و كُلها يمكن أن تَشُذ، و كُلها أيديها مُلطَّخة بالدماء - الشيوعية و الليبرالية و القومية و كل الديانات الكبرى و حتى العلمانية. لا أحد يحتكر التعصُّب، و بالعكس، لا أحد يحتكر النزعة الإنسانية. » (أمين معلوف، "الهُوِيَّات القاتِلة"، 1998)

« على مَن يُريدون فعلاً إنهاءَ ظاهرة داعش و مثيلاتِها، و استِئصالَها مِن العالَمَيْن الإسلامي و العربي، أن يُحاربوا فكرَها أوَّلاً، و أن لا يُشجِّعوا الحركات السياسية التي استغلَّت الأسماء الإسلامية في العقود الماضية و التي كانت هي البيئة التي وُلِدت فيها جماعاتُ التطرُّف و الإرهاب. » (صبحي غندور، "مُحصِّلة الإرهاب المُتستِّر بأسماء إسلامية" - مقال على الإنترنت -، 2017)

« إن أكبر إساءة للدين تتأتَّى من التلاعب به سياسياً و مصلحياً، و تَوظيف نصوصه لتبرير سفك الدم و المُمارسات الهمجية. » (عبد الله الطوالبة‎، "معالم في طريق النهوض"، 2019)



#أحمد_إدريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أقترح على المبشِّر صاحب البرنامج القديم «سؤال جريء» أن يتناو ...
- جوهر المشروع التنويري الأصيل
- عاجلاً أو آجلاً، الصدق محمود العواقب ؛ عاجلاً أو آجلاً، الكذ ...
- فليسقطْ حُكم الرِّدة المُجرم !
- إسلام الأنوار هو طريق الخلاص
- ضرورة أن ننتقل من نقد يُكرِّر نفسه و مُوغل في السَّلبية إلى ...
- نحو ثورة في الفكر الديني
- تَحرَّرُوا من العبودية الطَّوْعِية !
- عن وفاة القرضاوي
- الوهم الأخطر على الإطلاق : وهم امتلاك الحقيقة المطلقة
- فهمنا الحالي للإسلام لا يُعين كثيراً الحياة
- عن الفكر النقدي و استخدامه في عملية التجديد الديني
- أليس فيكم رجل رشيد، يا فُقهاء و أئمة الإسلام ؟
- ما اضطُررت لفعله قبل فترة في سعيي لكي ينتصر التنوير
- و لَسَوف تعرفون الحقيقة…
- من الأَوْلى بِوَصف كافر : الذي ينكر غيبيات أم الذي ينكر مرئي ...
- أنا موجوع يا الله !
- هذه هي قِصتي
- جريمة عُظمى ارتُكِبتْ بحق الإسلام : تشريع فُقهائه السابقين ل ...
- المسلمون سيظلُّون على وضعهم الحالي المُؤسف ما داموا ينعَتون ...


المزيد.....




- -اليهودي المقدَّس-.. قصة فلسطيني اعتنق اليهودية وقتلته نيران ...
- أغاني البيبي تفرح وتسعد طفلك..حدث تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- رأي.. بشار جرار يكتب عن مستقبل -الإخوان- في الكويت والأردن: ...
- 3 أحفاد يهود.. هل تؤثر روابط بايدن العائلية على دعمه لإسرائي ...
- الشرطة الفرنسية تقتل جزائريا أضرم النار في كنيس يهودي
- أبو عبيدة: التحية لأخوتنا في المقاومة الإسلامية في العراق
- دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا
- جدل وسخط بين الأوساط الدينية في مصر ضد انطلاق -مركز تكوين ال ...
- قلوب ولادك فرحانة.. تحديث جديد لـ تردد قنوات الأطفال نايل سا ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف موقعي ‏بياض بليدا و‏البغد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد إدريس - الإرهاب التكفيري : أسبابه و علاجه