أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - صناعة الوهم وزيف التصور















المزيد.....

صناعة الوهم وزيف التصور


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7601 - 2023 / 5 / 4 - 09:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الوهم واحدة من مبتكرات العقل البشري التي أنتجها في رحلة المعرفة أو من خلالها سواء كان الأمر مقصودا أو نتاج طبيعي للتجربة مع الواقع، وصناعة الوهم بعبارة أدق كانت جزء من أستراتيجيات التعقل أو لنقل أستراتيجيات صنع التصور عند الفرد والأخر، لإيصال فكرة أو موضوع أو قضية مقنعة بالظاهر لكنها لا تملك سند الواقع فعليا، أي أنها قضية بلا غطاء ومع ذلك تمر في أحيان كثيرة لليقين البشري وتتحول مع عدم الفحص والتيقن إلى جزء من الصورة الذهنية الأساسية عند فرد أو مجموعة أفراد، والوهم نوعان حسب مصدره أو الجهة التي تبعثه فهناك وهم متصور ذاتي ناتج عن فعالية فردية خاصة، وهناك وهم مسوق خارجيا لتمرير أمر ما، وكلاهما يؤثران بشكل فعال في قرار الفرد في توجه معين أو تحديد سلوك ما تجاه قضية ما، لكن في الغالب يكون ذا أثر ظاهر ومميز وقوي عندما تكون أو يكون الوهم في الزوايا التي تتعلق بالعاطفة والحس البشري الإنفعالي المجيش أو المثار لسبب قوي أو يستند إلى مبرر قوي.
الوهم أيا كان شكله والدافع له والمصلحة المرجوة منه فهو بالأخر محاولة تخريب لمعادلات الوجود الشمولية وإفساد للنظام الكوني حتى مع بساطة ما يمثل في الواقع، الأصل في أستراتيجيات العقل البشري أن يبني قناعاته وتصوراته على الحقيقة أولا وتطابقا، والتي تمثل في نفسها مرأة التوافق مع الوجود حقيقيا شكلا ومضمونا، بمعنى أن الوهم كونه موضوع غير حقيقي ومزيف سيكون بالنتيجة ما ينتج عنه مزيفا وغير حقيقيا، وما يبنى عليه سيكون بلا قيمة ولا أثر وربما يمس سلامة الواقع الوجودي بضرر أو تصرف ينتهك المعادلات الوجودية، هذا الضرر هو الإفساد المنهي عنه وهو الحرام الديني وهو العيب الأخلاقي المتمثل بصيغة الكذب أو التكذيب، وهو أيضا من الناحية العلمية يمثل فشل التجربة في تحقيق النتيجة المطلوبة وهدر في الجهد والزمن والثمن المستغرق فيه، إذا لا ينظر للوهم على أنه حالة طبيعية ممكن إدراجها في قائمة الأمور المتساهل بها عادة إلا إذا كان توهما غير مقصود بذاته عندها ممكن فسخه ونقضه بطريق عملي وعلمي يصحح من المعادلة الموضوعية التي يرتكز إليها.
في القضايا العلمية عادة لا يمكن زج الوهم كجز من البرنامج التجريبي العملي ليمر بسلام ويترسخ في العقل، لأن العلم سرعان ما يعريه ويكشفه ثم يرفضه للخارج لأنه سوف يتعثر داخل التجربة ويتوقف عن الفعل، لكن في القضايا المثالية عامة والدين واحدا منها بشكل خاص يكون للوهم مساحة كبيرة من الوجود وبإمكانه أن يتسلل للعقول واليقين بطرائق ووسائل عديدة، خاصة إذا تم تغليفه بعلامات الجلالة والقداسة والحلال والحرام ومن هذه المبررات والدوافع التي يتم التعامل معها بشكل إنفعالي، لا حسي ولا تجريبي ولا تتضمن تطبيقات معيارية صارمة فيها، وحينما تكون العقول مهيأة لذلك ومستسلمة لإرادة ورؤية صناع الوهم تكون نتائج الوهم باهرة في الواقع، لقد تمكن بالفعل المعبد وسطوة كهنته وتجار الوهم الذين يسمونه بالمقدس أن يشتتوا عقل الإنسان عن الطريق القويم لمعرفة الله بضخ المزيد من هذه الأوهام على أنها من أساسيات اليقين التسليمي المطلوب للإيمان بالله، ومنها مثلا أن الله "رجل" مثلنا له ما لنا من عين ويد وأرجل وقلب ونفس ويحب ويكره ويغضب ويفرح الخ من التشكيلات والتكيفيات الفعلية، ووصل عند البعض انه أي الله قد يجامع النساء ويستولد منهن أنبياء ورسل على سبيل الإعجاز مثلا أو على سبيل إثبات القدرة له، هنا مكمن الخطر عندما نتسامح بالوهم الصغير ليكبر لاحقا في عقول جعلها الله كبيرة ويصغرها الوهم لحد التلاشي.
هذا القول ليس تجنيا على إطارية الدين ولا هو موقف عدائي من المعبد والكهنة لغرض الأنتقاص من علمية وعملية الفكر الديني عموما، بقدر ما هو كشف حقيقة الموجود الديني خطابا وفكرا وأنتماء ونتائج مباشرة في الوجود. يقول الدكتور فراس السواح الكاتب السوري والمتخصص في علم الأديان ما يشير إلى هذه الحقيقة، فهو " يرى ان ما نتعلمه من دراسة تاريخ الدين هو أن الأديان كلها تقول الشيء نفسه، ولكن كلٌ على طريقته، وأنه في واقع الحال لا يوجد أديان للإنسان وإنما دين واحد"، هذه الرؤية تمثل مزدوج في النتائج الأول أن تعدد الأديان وتنوعها لوجود أختلافات جوهرية فيها أو في المقاصد البعيدة منها هو وهم خالص، والقضية الثانية أنها جميعا تشترك في أس عملي واحد هو زرع جملة من الأفكار المختلطة ما بين الوهم وأشباه الحقائق مع حقائق وجودية لتأطيرها في وعاء واحد يسمى "دين"، ونصل بذلك كما يقول أحدهم لحقيقة واحدة هي (ضع على رأس الشيخ قلنسوة الخوري وألبس الخوري قبعة الحاخام و ألبس الحاخام عمامة الشيخ فلن يتغير شيء فالخرافة اساسها واحد)، إذا فقضية فعل الوهم نجدها في دائرة المحمول والحامل الديني لها مساحة واسعة جدا وفعل مميزة، وعليها تم إشغال العقل البشري في هذه المساحة لأبعاده عن المساحة الحقيقية التي يجب أن يتحرك بها فعليا من أجل تحسين الواقع وتحديث طرق العيش الطبيعي.
لقد مارس المعبد منذ أن تحول من شخصية فردية على مستوى الفعل التبشيري إلى كيان ومؤسسة وقيم وحضور أجتماعي وفكري فضية الوهم وتسويقه كجزء من معالجة إن كانت في وقتها تعود لمبررات واقعية حرجة، نتيجة نقص السند في تسويق فكرة الدين أو نقص في المعلومة الكاملة عنها، لذا فقد جرى التهاون في القضايا البسيطة التي تعتمد الوهم أو الإيهام حتى التيقن من صلاحية الفكرة أو واقعيتها، وأمام العجز المزمن في العقل الديني التسليمي تحول التسليم ذاته لطريق جيد ومناسب لتمرير عمليات الإيهام وتسويق الوهم بشكل فعال ورئيسي كجزء من المعرفة الدينية، ومع التجسيد والتراكم التسليمي وعدم القدرة على التحديث المستمر لهذا الفكر، تحولت الأوهام إلى أحجار رئيسية في بناء المنظومة الفكرية الدينية، وقد تحجرت وتخشبت بموجب ذلك الفكرة الدينية التي لم تعد قادرة على الحراك أو التجدد بما تحمل من كم واسع وأساسي من الوهم وعمليات التزييف المستمر، التي يخشى المس بها لنتائجها المدمرة ليست على المعبد والكهنة بل على الدين كظاهرة وفعل ووجود، يقول الدكتور السواه في هذا المجال (تجاوز مرحلة الجمود التي وصل إليها الفكر الديني، و إعادة فهم النصوص المقدسة بما يتلاءم وروح العصر، و إبقاء باب الاجتهاد الذي أغلقه المتأخرون مفتوحًا).
إن الطريق الذي يدعو له الدكتور السواح قد يكون علاجا مرحليا في قضايا محددة تتعلق في النص ومشكلاته، لكن تبقى مشكلة الوهم الأساسية في منطلقات الدين الأساسية في البناء الأولي لفكرة الدين وتصورنا الوارد فيها أو منها عن حقائق الوجود، ومنها صورة الله الحقيقية وعلاقة الوجود بالله ومنها الإنسان، كذلك بنية الدين كونه معطى منزل من الله الذي يشبه الإنسان وقريبا منه دون كل الموجودات، هذه الأزمة المستعصية في الفكر لبديني لا يمكن معالجتها جذريا وعمليا وعلميا ما لم نعالج فكرة الدين أولا، فكرة أن الله يبعث ويرسل ويخاطب ويتكلم مع البشر عبر الوسائط التي هي أصلا جزء من أليات وجودية عاجزة أن تحيط بوجود الله، أو تعرفه من خلال الوهم الديني الذي يتكرر في كل مرة بصفة أو حال متشابه وهذا هو الوهم الأكبر.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث العجب
- أغنية سومرية لامرأة بغدادية
- حكاية الكهنة
- تقاسيم عشق
- سلاما على الأنبياء والشعراء حين يعلنوا الحب شرعة السماء
- القاعدة والأستثناء في نصوص القرآن بين المطلق والمقيد. 1
- لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 10 والأخيرة
- لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 9
- لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 8
- أنقذيني من وهج الحريق
- لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 7
- الليل الهارب
- لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 6
- لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 5
- لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 4
- لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 3
- لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 2
- لست داعية ولا رجل دين بل محب لله
- الجل خامس -الشاطر على الأشرار- عظيم أوروك وباني أسوارها الذي ...
- طير الياسمين


المزيد.....




- TOYOUER EL-JANAH TV .. تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر ا ...
- أنس بيرقلي: الإسلاموفوبيا في المجتمعات الإسلامية أكثر تطرفا ...
- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - صناعة الوهم وزيف التصور