أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد المجيد السخيري - ماركس ومفارقات الراهنية














المزيد.....

ماركس ومفارقات الراهنية


عبد المجيد السخيري

الحوار المتمدن-العدد: 7568 - 2023 / 4 / 1 - 20:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ثمة مفارقة أساسية من جملة مفارقات تُلفت انتباه كل الذين ينظرون في راهنية ماركس، وهي أن حضور الأخير بقدر ما يبدو أقل لفتا للنظر ومرئية بقدر ما صار مُتعدّدا. ويعود هذا الأمر إلى أسباب مفهومة، منها على الأقل اثنين أكثر من مُدركة من قبل جمهور واسع من القراء والمهتمين: فمن جهة، تحرّرت صورة ماركس وإرثه "الشخصي" من القبضة الإيديولوجية الرسمية للأحزاب الشيوعية التقليدية من خلال الصيغة العقائدية المكرّسة في عهد الاتحاد السوفياتي، وهي "الماركسية اللينينية" التي أصبح يُنظر إليها منذ سقوط هذا الأخير وتراجع الكيانات الحزبية المرتبطة به على أنها عقيدة سوفياتية صرفة وجب أن تُودع في الأرشيف مع تاريخ وأعمال "الإمبراطورية" المنهارة. ومن جهة ثانية، أضحت كتابات وأعمال ماركس منذئذ موضوع توظيفات واستخدامات شتى، من قبل طيف واسع من الحركات الاجتماعية والجماعات النقدية والأفراد لنقد المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية في أرجاء المعمورة، إلى حد غدا من الصعب معه تعرّف الصورة الراسخة المنطبعة لماركس في أذهان الأجيال السابقة على انهيار التجربة الاشتراكية المتحققة، أي صورة مُلهم الشيوعية والمعلم الأول، المقترنة بالمرشد الإيديولوجي وعرّاب الثورات الاشتراكية وصاحب التعاليم التي يحفظها الثوريون عن ظهر قلب ويسعون إلى تطبيقها بإخلاص.
إذا دققنا النظر جيدا وجدنا أن حركات اجتماعية ومجموعات نقدية متعددة تستلهم ماركس بصورة غير رسمية، من النسويات الثائرات ومجموعات الدفاع الذاتي في أمريكا الجنوبية، إلى حركات السكان الأصليين في المكسيك أو بوليفيا، مرورا بالحركات الإيكولوجية، وليس انتهاء بالمتمردين في الميتروبولات الغربية ومحتلي الأماكن الشهيرة مثل وول ستريت وغيرها، وجمعيها تشترك في اعتبار ماركس مرجعية فكرية مهمة، لكن ليس متفردة ووحيدة. فغالبا ما تمزج هذه الحركات والجماعات، المتنوعة من حيث الأهداف ووسائل الفعل، بين ماركس ومرجعيات أخرى، إما جديدة ومطورة لأفكاره، أو مُسترجعة من التراث أو الماضي الثقافي الخاص بكل بلد أو مجموعة بشرية.
لكن ما الذي تستوحيه هذه الحركات والجماعات، المشار إليها على سبيل المثال لا الحصر، من ماركس بالتحديد؟
ينبغي أن نذكر بأن "تحرير" ماركس من القبضة التأويلية للعقيدة الإيديولوجية التي سادت إبان عهد الاتحاد السوفياتي، وترسّخت لدى الأحزاب الشيوعية وجل التيارات الأخرى المنتسبة للماركسية، أفسح المجال أمام تعددية هائلة في قراءات الإرث الماركساني. وبالنتيجة ستجد الحركات الاجتماعية الجديدة، ومختلف المجموعات النقدية في أوساط المثقفين والنساء والفئات الهامشية، كما في أوساط الأقليات الجنسية والعرقية والإثنية، الطريق سانحا أمامها للتسلح الحر والمتحرر بالنقد الماركساني للرأسمالية، وهو النقد الذي يُوفّر عليها الجهد الأساسي لتبرير شرعيتها ومشروعية مطالبها، ذلك لأن الرأسمالية واقع لا يُرتفع بالنسبة إليها، تتحدى بتناقضاتها وآفاقها المظلمة وأثارها المدمرة للطبيعة والبيئة، والأزمات المالية التي تتولد عن نشاطاتها المتطرفة، والبؤس الاقتصادي والانساني الذي يتحتم عن وجودها، سواء في نهجها الليبرالي التقليدي أو النيوليبرالي المسعور. والحال أن استلهام النقد الماركساني المشار إليه لم يعد يُلزم هذه الحركات والجماعات بتبني الأفق الشيوعي لماركس الثوري ومعلم البروليتاريا كما كان عليه الأمر في السابق، أو بالأحرى كما تجسّد من شكل تاريخي أملته ظروف خاصة أو فرضته تصورات معينة للتنظيم الاجتماعي والسياسة والدولة، خاصة وأن استعادة الذكريات الأليمة للماضي السوفياتي، بصرف النظر عن التشويهات الزائدة والمفبركة من قبل المؤرخين البرجوازيين، يدفع في الغالب إلى استدعاء وجوه فكرية أخرى واستلهام مفاهيم جديدة لتصور إمكانيات بديلة تجاوز الرأسمالية، دون الذهاب حتما نحو الشيوعية المتخيلة أو أي من الأشكال السابقة للاشتراكية الفعلية، كما اُستقطعت من ميراث ماركس السياسي وأُدرجت ضمن قوالب جاهزة. إنما ذلك أيضا لا يمنع من افتراض الأفق الشيوعي غير الجاهز بوصفات محددة كما حدث قي القرن الماضي، أي بما يجعل الفرضية الشيوعية، بتعبير آلان باديو، قابلة للاختبار على نحو تعددي وممكن دون أن تعني بالضرورة، بحسب أغلب الماركسانيين، تصور الشيوعية كأفق حتمي لحركة التاريخ مثلما تصوره ماركس.
وبهذا المعنى سيكون ماركس، كما ألمح إلى ذلك جاك دريدا في "أشباح ماركس"، نوعا من المرافق الضروري للعبور إلى مستقبل ليس من المسؤولية السياسية والأخلاقية أن نتصوره من دونه، حيث تأخذ المرافقة تلك تصورات متعددة ليس بوسعنا أن نستعرضها هنا ولو بإيجاز، لكن حسبنا أن نشير إلى بعض الأسماء التي مثّلت لها في العقود الأخيرة من القرن الماضي، كفوكو ودولوز وكاستورياديس وآخرين، أو ما تزال بعضها تجتهد في تخيل الصور الممكنة لتصور مستقبل ما بعد رأسمالي، أمثال باليبار ورانسيير ونيغري وداردو وغيرهم كثير. وينبغي بالطبع أن نحذر من أن محاولة معارضة ماركس بماركس نفسه، حين يتعلق الأمر بالبحث عن تسويات سياسية وإيديولوجية أحيانا مستحيلة، قد لا تكون ذات فائدة عملية حتى ولو بدت مقبولة على المستويين النظري والفلسفي، بل وحتى معقولة في بعض الحالات، إذا لم تقترن ببيان أوجه التقاطع بين الواقع واليوتوبيات، والأهم من ذلك، فتح الطريق الفعلي إلى التغيير بالرهان على حوامل اجتماعية حقيقة وليس مجرد "ذاتيات" متخيلة وعائمة.



#عبد_المجيد_السخيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عند الأزمات الكبرى تنشط الخرافات والشعبويات وتشيع نظريات الم ...
- العالم بعد غودار
- قوس فلسفي (6): الحرب العادلة والنظريات البديلة
- قوس فلسفي (5): أشكال وأنواع الحروب
- قوس فلسفي (4): نظريات في الحرب
- قوس فلسفي (3): الحرب بين السياسة والأخلاق
- قوس فلسفي(2ً): عن الحرب والعقل
- قوس فلسفي (1): الحرب بين الحق والقوة
- روسيا في مواجهة الغرب: ماذا يحدث بالضبط؟
- ما هي الحقائق التي يخفيها أو يتجاهلها الاعلام المسيطر عن الح ...
- صدمة العقل الانساني أم فضيحة العقل الغربي العنصري
- لا طغاة ولا عبيد
- المثقفون والحرب
- احتداد الأزمات وتأخّر الثورات
- عبد الحميد أشهبار، المعلم الأول
- برنار- هنري ليفي والمتاجرة بفوكو
- أوراق فلسفية(3) ريجيس دوبري، العودة إلى الواقع*
- حوارات (4)آلان تورين: نحن نعيش في ظل الفراغ وسقوط المعنى وفي ...
- حورات(3)- إدغار موران: نواجه أزمة مركبة تقتضي مواجهة شاملة و ...
- أوراق فلسفية(2): بيونغ-تشول هان، الثورة الفيروسية لن تحدث* - ...


المزيد.....




- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد المجيد السخيري - ماركس ومفارقات الراهنية