أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد السخيري - قوس فلسفي (1): الحرب بين الحق والقوة















المزيد.....

قوس فلسفي (1): الحرب بين الحق والقوة


عبد المجيد السخيري

الحوار المتمدن-العدد: 7221 - 2022 / 4 / 17 - 03:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


موضوع الحرب متشعب يتداخل فيه الفلسفي من المستوى الميتافيزيقي إلى الأخلاقي، والبعد السياسي والعملي من المستوى القانوني إلى العسكري...إلخ. والفلسفة التي تهتم بالحرب تتوزع محاورها على تحديد مفهومها وضرورتها، وعلاقتها بالطبيعة البشرية، وتمتد إلى دراسة علاقة السياسة بالأخلاق، ودور القانون والدولة في قضية الحرب، ومن ثم تتشارك عدد من فروع الفلسفة، كفلسفة التاريخ والفلسفة السياسية وفلسفة القانون، مع النظريات السياسية والتاريخ والعلوم الاستراتيجية في فك طلاسمها وبيان جوانبها البنائية والتدميرية، أي ضرورتها وشرورها.
هل الحرب تعبير عن الطبيعة البشرية أم أنها نتاج تأثير المجتمع؟ هل هي تعبير عن إرادة القوة أم مجرد شر لا بد منه؟ بالقطع لا يوجد تعريف واحد للحرب، فهذا لا يتفق مع طبيعة التفكير الفلسفي الذي يرفض الأحادية وحصر الاجتهاد في تجديد المفاهيم وتعريف المشكلات وحدودها.
يطالعنا تاريخ الفلسفة بشكل عام، والفلسفة السياسية بشكل خاص، على عدد مهم من التعريفات خرجت من محاولات متراكمة لتعريف الحرب وتفسيرها. فقد اختلف الفلاسفة في تسويغ الحرب مثلما اختلفوا في تفسير طبيعتها. فمنهم من رأى أنها ضرورية في الحالات القصوى أو الضرورة، بينما شجبها آخرون واعتبروا أنها مرفوضة في مطلق الأحوال باعتبارها أسوء الحلول وشرا خالصا لا مسوغ أخلاقي له. وهناك من الفلاسفة من اعتبر أن الحرب هي أصل الأشياء كلها ومجدها (هيراقليط) لأنها أصل التغير المستمر في الأشياء والكون، أو هي ضرورية في إطار ديالكتيك التاريخ بوصفها لحظة استيقاظ للشعوب تحت تأثير الصدمة لها فوائد مهمة على حالتها الأخلاقية وتخليصها من المسلمات العتيقة. وقد اعتبر أفلاطون الحرب خيارا لا بد منه عندما يتعلق الأمر بتطبيق الفضيلة والعدالة والحق، ومن ثم تكون في هذه الحالة عادلة لأنها تنشد الخير للمدينة أو الدولة الفاضلة، فلا يعود للأمم من خيار سوى الانضمام إلى هذه الأخيرة. ففي محاوراته المختلفة، وبالخصوص في كتاب الجمهورية، دأب أفلاطون على التعرّض لمسألتي الحرب والسلم، مُبيّنا الطريق إلى تحقيق المدينة الفاضلة الخالية من الصراعات والتناقضات والقائمة على الخير والعدالة المثالية، حيث يعمل الانسان وفق مؤهلاته والفئة التي ينتسب إليها وفق نظام تربوي واضح يسعى إلى تهذيب الانسان وتخليصه من الشرور ويقربه من روح الحق والعدالة ومثال الخير، ومن ثم لا مكان للحرب بهذه المدينة. غير أن المدن الأخرى المجاورة أو البعيدة، بما أنها غير فاضلة وتغيب فيها العدالة، فإنه لا بد من إخطارها بوجود مدينة قائمة على العدالة والخير والفضيلة يتوجب عليها الانصياع لها، وإلا فإن الحرب هي الخيار لدفعها للامتثال لأمرها. أما تلميذه أرسطو فقد تناول هو الآخر مسائل الحرب والسلم في كتابيه حول الأخلاق والسياسية، مخالفا نهج معلمه حين أكد على حق الأمم في تقرير مصيرها فيما يخص اختيار نوع الحكم الملائم لها، وحق الشعوب في الثورة في مجتمعاتها ضد الظلم، رغم أنه يوثر النظام السياسي الذي يجمع بين الديمقراطية والأرستقراطية كنظام مثالي. ومن هنا فهو يرفض الحرب من أجل دفع أمم على الدخول إلى رحاب المدينة الأفلاطونية المثالية.
الفيلسوف الفارابي في كتبه المخصصة للسياسة المدنية اعتبر أن الحرب عموما تولد الخراب حتى لو كانت ضرورية ومباحة لصد العدوان الخارجي على المدينة، أو لأجل نيل خير من خارجها، أو في حالة الجهاد الديني، مع أنها تبقى في نظره من أهم أسباب المدن، وأنه في المدينة الفاضلة يتوجب على الرئيس (الفيلسوف أو النبي) أن يتولى بنفسه القيادة الحربية ولا يترك الأمر للجيش لأن الجند في نظر الفارابي سبب خراب المدن والدول بطبيعتهم الوحشية. ولأنها لا تقوم إلا على الغلبة أو لنيل لذة وشفاء غيظ، فإن الحرب نوعان: حرب عادلة وحرب جائرة.
أما الفيلسوف القرطبي ابن رشد فقد خصّص هو الآخر بابا لموضوع الحرب في كتابه "تلخيص السياسة"، حيث بيّن أنواعها، كالحرب من أجل عدوان خارجي أو حرب من أجل نشر دعوة ومبدأ، وكلامهما يندرجان ضمن خانة الحرب العادلة، كما أن هناك حرب داخلية تأخذ شكل الفتنة أو البغي. ولم يفت ابن رشد الخوض في أخلاق الحرب حين أكد أنه في الإسلام توجد ضوابط تحدد تصرف الجنود أثناء القتال والحرب فيما يتعلق بقطع الأشجار والتخريب، بخلاف ما أباحه أفلاطون في هذا الباب للجند أمام العدو. ويبقى موقف ابن خلدون من الحرب مفيدا أكثر من جهة دورها المهم في صيرورة الدول وتطور الأمم عبر التاريخ. فقد أفرد لها صفحات في "المقدمة" مؤكدا، على غرار من سبقه من الفلاسفة المسلمين واليونان، أن الحرب نوعان: حرب مباحة تقوم للجهاد والعدل، وهي مشروعة في حالة الدفاع عن النفس ورد العدوان والضرر، أو في حالة الدفاع عن حرمة الدين والجهاد؛ وحرب بغي وفتنة حين تقوم بالداخل تعبيرا عن انفلات لانفعالات النفس الإنسانية.
ولعل أبرز محاولة في العصر الحديث لمعالجة قضية الحرب تعود إلى الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، والتي عمدت من خلال منظور عقلاني للفلسفة السياسية إلى البحث عن أسس متينة لإنهاء حالة الحرب التي شهد الكثير من ويلاتها في عصره، وهو الذي رأى أن حالة الطبيعة هي حالة حرب دائمة، وأن الطبيعة الإنسانية متأصلة على الاحتراب، أي أن الحرب ملتصقة بالطبيعة البشرية، ومن ثم الحاجة إلى نظرية تتولى ضبط انفعالات النفس الإنسانية ولجمها. فالناس وجدوا على فطرة المساواة، ولذلك فهم لا يحتملون حكم بعضهم البعض إلا بتأصيل شرعي: القوة أو السماء أو العقل. بالنسبة لهوبر السبيل الوحيد لوقف الحرب التي تندلع بين الناس، بسبب غريزة الرغبة المحركة للحفاظ على الحياة الفردية واتقاء الأذى، والطبيعة الذئبية للإنسان (الانسان ذئب لأخيه الانسان بتعبيره الشهير)، هو التخلي الجزئي عن الحقوق الفردية أو الذاتية لفائدة الحاكم المطلق (المستبد العادل) لتولي أمور المدينة، وبالتالي حماية الاجتماع البشري من الانهيار، دون أن يعني ذلك دائما الإذعان للطغيان.
أما الفرنسي جون-جاك روسو فيرى هو الآخر أن حالة الصراع الدائم تتفق مع طبيعة الكون واستحالة العيش المشترك في سعادة أبدية، ومن ثم ما دامت سعادة الفرد مرتبطة بتعاسة الفرد الآخر، فإن ذلك يؤدي إلى تقويض السلم الذي يحظى به الطرف المعتدى عليه، وبالتالي ينشأ الصراع. غير أن ذلك وحده لا يقود آليا إلى الحرب. فليست الحرب نتاج الطبيعة البشرية كما عند هوبز، بل هي ثمرة لتدخل المجتمع وتأثيره الذي يحول الانسان من كائن بريء إلى كائن فاسد. ومن ثم يرى روسو أن الخروج من حال الحرب لا يكون إلا بالتحرر من غريزة التملّك وما يقترن بها من جشع. وحيث أن العودة إلى حالة الطبيعة البشرية الأولى المتسمة بالزهد باتت غير واردة، بسبب التطور الذي شهدته المجتمعات في العصور الحديثة، فإن الحل الوحيد يتمثل في إقرار قواعد جديدة للتعايش والتوافق في إطار ما يسميه "العقد الاجتماعي".
ولعل الموقف النيتشوي يُخرج بوضوح المعادلة الخطيرة التي يطرحها الخوض في مسألة الحرب إلى ضوء النهار، أعني هل ترتبط الحرب بحقل الحق أم بحقل القوة؟ وذلك بانتصاره للموقف الذي يعتبر الحرب تجسيدا للقوة والشجاعة، إذ هي تعبير عن الطبيعة البشرية القوية، ذلك أن القدرة على العداء، كما يقول نيتشه، تستوجب التمتّع بطباع قوية، مثلما أن مشاعر الكراهية والرغبة في الانتقام تعبر عن الطبيعة الضعيفة، وهو الموقف الذي يسير في اتجاه مضاد لموقف هيغل الذي انتصر للضعف.
في الفكر السياسي تتحدّد الحرب كحالة نقيض للسلم، وهي تعبير عن صراع مصالح قد تنشب بين دول وكيانات سياسية أو بين جماعات غير دولتية من أجل تحقيق أهداف محددة عن طريق القوة. وهي تبدـأ غالبا حين تنتفي شروط الحوار بين أطرافها أو صعوبة التوصل إلى تعاقد أو توافق بينها. فالحرب تُوقف العمل بقيم أخلاقية وقانونية كالحرية والعدالة والعيش المشترك، بينما تتحدّد الحرب من منظور عسكري على أنها ترجمة خاصة للعلاقات الدولية من خلال اللجوء لاستخدام العنف المسلح بموازاة أدوات ووسائل أخرى سياسية. لذلك قال أحد المفكرين أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى (فون كلاوزڤيتس). وفي إطار الفكر السياسي أو العسكري يجري الحديث عن أنواع الحروب وأشكال خوضها وأسبابها المباشرة أكثر مما نهتم بالبحث عن مبادئ أو قوانين عامة لتفسيرها وتحليل طبيعتها. هكذا نجد من بين الحروب ما يجري بين مجموعتين أو أكثر في إطار الدولة الواحدة من أجل السيطرة على الحكم والسلطة أو الانفصال عن سلطة مركزية أو امبراطورية، وهي تٌعرف بالحرب الأهلية، أو قد تأخذ في نفس الإطار شكل حرب دينية بين جماعات وفرق مذهبية، أو حرب طائفية أو قومية...إلخ. وهذه الأشكال من الحروب عرفها البشر منذ الأزمنة القديمة، ولا تزال إلى يومنا الشكل الأكثر استمرارا في الزمن من الحروب المعاصرة، بينما يبقى الشكل الطبقي الأكثر رسوخا لارتباطه الوثيق باستمرار الاستغلال والاستبعاد والتناقضات الاجتماعية. أما الحرب التي تجري بين الدول والكيانات المستقلة فهي الأخرى عريقة في الزمن، وتطورت وسائل خوضها حتى صارت تهدد بفناء الجنس البشري في حالة الحرب النووية كما في عصرنا، وهي مرتبطة بشكل مباشر بصراعات الحدود والسيطرة على الموارد والتوسع والاستعمار، وسيظل هذا النوع من الحروب مطروحا طالما بقيت الأسباب نفسها التي من أجلها قامت في الماضي بين الدول والامبراطوريات.
(يتبع)



#عبد_المجيد_السخيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روسيا في مواجهة الغرب: ماذا يحدث بالضبط؟
- ما هي الحقائق التي يخفيها أو يتجاهلها الاعلام المسيطر عن الح ...
- صدمة العقل الانساني أم فضيحة العقل الغربي العنصري
- لا طغاة ولا عبيد
- المثقفون والحرب
- احتداد الأزمات وتأخّر الثورات
- عبد الحميد أشهبار، المعلم الأول
- برنار- هنري ليفي والمتاجرة بفوكو
- أوراق فلسفية(3) ريجيس دوبري، العودة إلى الواقع*
- حوارات (4)آلان تورين: نحن نعيش في ظل الفراغ وسقوط المعنى وفي ...
- حورات(3)- إدغار موران: نواجه أزمة مركبة تقتضي مواجهة شاملة و ...
- أوراق فلسفية(2): بيونغ-تشول هان، الثورة الفيروسية لن تحدث* - ...
- (حوارات 2) إدغار موران: لا بد من عهد جديد يقطع مع النيوليبرا ...
- تاريخ الأوبئة(11) ومسكه ختام: الوباء هو الرأسمالية والرأسمال ...
- تاريخ الأوبئة(10) التفكير تحت وطأة الأزمات وهول الصدمات
- تاريخ الأوبئة(9) نهاية الجائحة، أي ثمن للخلاص؟
- تاريخ الأوبئة(8) الأزمات الوبائية ومحنة العقل
- تاريخ الأوبئة(7) الوباء والاستعمار
- تاريخ الأوبئة (6) عن الحجر الصحي والتلقيح
- إدغار موران: العيش مع اللايقين*


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد السخيري - قوس فلسفي (1): الحرب بين الحق والقوة