أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - عبد المجيد السخيري - تاريخ الأوبئة(7) الوباء والاستعمار















المزيد.....

تاريخ الأوبئة(7) الوباء والاستعمار


عبد المجيد السخيري

الحوار المتمدن-العدد: 6598 - 2020 / 6 / 21 - 19:47
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


علاقة الأوبئة بالاستعمار مسألة تناولتها عدد من الدراسات، كما أشرنا إلى ذلك في الجزء الأول من هذه الورقة. فخلال القرون السابقة اجتاحت أوبئة مناطق من العالم لم يسبق لها أن عرفتها والذي نقلته معها حركات الغزو الأوروبي، حتى أن بعض الدراسات تربط بين أهداف الاستعمار المتمثلة في نهب ثروات الشعوب المستعمرة واستعبادها(تجارة العبيد) واستغلال يدها العاملة، وبين ما حصل من فتك وبائي بملايين من أبنائها، إلى حد أنه أدى في بعض الحالات إلى انقراض شعوب وحضارات بكاملها، بينما تشير بعض المصادر التاريخية إلى إبادة 90 بالمائة من سكان الأمريكيتين. وقد نالت القارات الأمريكية والأسيوية والإفريقية نصيبا وافرا من الدمار الاستعماري على الصعيدين الاقتصادي والصحي، إضافة إلى تشويه ثقافات شعوبها وتخريب وتفكيك منظوماتها القيمية والاجتماعية. وتسرد بعض الحوليات التاريخية مشاهد مقرفة من إبادة الشعوب عن طريق أوبئة وأمراض معدية مختلفة (طاعون، حمى صفراء، كوليرا، جذري، زهري، ملاريا.. إلخ)، زيادة إلى أعمال القتل والتهجير عن طريق القوة العسكرية. لكن لعنة الوباء والأمراض المعدية أو المنقولة جنسيا، وبعضها لم تعرفه الشعوب المستعمرة في تاريخها، لحقت أيضا بالدول الغازية حين حمل جنودها وموظفوها في إدارة البلدان المستعمرة العدوى إلى بلدانهم الأصلية حين العودة أو الزيارة، كما أن التجار المتنقلين عبر العالم، خصوصا المرتبطين منهم حديثا بنشاطات الاستعمار، كانوا أيضا سببا في نقل العدوى إلى بلادهم أو البلاد الأخرى التي ينزلون بها لبيع بضائعهم أو التسوق منها.

الغزو الأوروبي لأمريكا و"الصدمة الجرثومية"

بدأت العلاقة تتضح جيدا بين الاستعمار والأوبئة منذ بداية تدفق المهاجرين/ الغزاة من شبه الجزيرة الإيبيرية بعد "اكتشاف" كريستوف كولومب للقارة الجديدة (أمريكا)، حيث بدأت تتوفر المعلومات نسبيا حول أعداد الضحايا ووصف نوع الأمراض والكيفية التي تنتقل بها العدوى إلى غير ذلك. وهكذا صرنا نعرف اليوم أن أولئك المغامرين في الغزو "الكولومبي" كانوا مصابين بداء الجدري، وقد نشروا الوباء بالمكسيك وبلاد الأنكا من بداية العقد الثاني من القرن 16 إلى نهايته، وبأمريكا الوسطى مع بداية العقد الثالث من نفس القرن، ما تسبب في إبادة شعوبها الأصلية وهجرة من أفلت من أفرادها إلى مناطق جديدة، وهو ما كانت له نتائج مدمرة عل صعيد ثقافات ولغات تلك الشعوب ورصيدها الحضاري والإيكولوجي.

الحضارة الملوثة

دخول "الفاتحين" الأوروبيين، والإسبان في مقدمتهم، إلى القارة الجديدة نهاية القرن الخامس عشر(1492) لم يكن فيه من الخير ومن الفضل، لا بالنسبة لأمن السكان الأصليين ولا لصحتهم. فقد حمل الغزاة معهم أمراضا قاتلة تسببت في هلاك الملايين من السكان الأصليين، حيث في الإجمال أدى الغزو الأوروبي للقارة الأمريكية خلال مائة عام إلى تقليص عدد سكانها من حوالي 60 مليون إلى خمسة أو ستة ملايين فقط، بحسب دراسة قام بها علماء من جامعة كوليج لندن. ومن بين أشد الأمراض فتكا التي نقلها الغزاة نجد الجدري من بين أمراض قاتلة أخرى، كالأنفلونزا، الحصبة، الطاعون الدبلي، الملاريا، الدفتيريا، التيفوس والكوليرا... وكان لذلك نتائج كارثية على باقي العالم القديم بسبب تراجع المساحات المأهولة والمزروعة، إنما أيضا بالنسبة للتغيرات المناخية التي نجمت عن نمو هائل للأشجار والنباتات والغابات الكثيفة أدى إلى انخفاض مستويات أوكسيد الكاربون، وبالتالي انخفاض درجات الحرارة في مناطق واسعة من العالم. وهذا ما يفسر بحسب بعض العلماء، إلى جانب عوامل أخرى، كتقلص النشاط الشمسي والانفجارات البركانية الهائلة، بداية حقبة تعرف بالعصر الجليدي الصغير. وكانت أوروبا لسخرية الأقدار من بين أكثر المناطق تضررا بفعل التغيرات المناخية الجديدة على مستوى المحاصيل الزراعية والمجاعات. بينما اليوم نجد من يفسر انتشار الميكروبات المعدية والمتنقلة باجتثاث الغابات وضغط التمدن والتصنيع المتزايد والكثيف الذي حرم الانسان من النباتات الطبية والحيوانات التي يتوقف عليها نظامنا الدوائي، وهي عوامل أوجدت بيئة ملائمة لحضانة الفيروسات القاتلة ومنحتها الوسائل للوصول إلى جسم الانسان والتكيف معه. فالاختفاء المتزايد لعدد من الأنواع الطبيعية والحيوانية الناجم عن تدمير مساكنها ومحاضنها، يدفع بالأنواع المتبقية إلى الاحتكاك بمجال الانسان والاقتراب منه أكثر، وبالتالي يتيح للميكروبات البحث عن أجسام بديلة للتعلق بها أو تصير حاملة للفيروسات القاتلة.
وقد تفاقمت الأوضاع الصحية بالقارة الجديدة مع مرور الأعوام، خاصة مع تزايد نشاط تجارة ونقل العبيد من إفريقيا نحو المناطق المستعمرة في بدايات القرن 17(بلغت حسب بعض التقديرات حوالي ثلاثين مليونا من أفارقة غرب القارة المستعبدين) الذي تسبب في انتقال أوبئة، مثل الملاريا والحمى الصفراء، إلى شعوب القارة الجديدة، خاصة جزر هايتي وكوبا والبرازيل ولويزيانا بشمال القارة ومدن عديدة بجنوبها، وهو النشاط الذي استمر حتى أواخر القرن 19 لتلبية الحاجة إلى اليد العاملة في مجال زراعة قصب السكر. فقد تعرضت إنجلترا لوباء الكوليرا خمس مرات خلال القرن التاسع عشر وحده بسبب العدوى المنقولة عن طريق جنود وموظفي إدارة جيشها الاستعماري، وفي العقد الثالث فتك بحوالي مائة وثلاثين ألفا من سكانها بعدما انتقل إليها من الهند الشرقية التي أوقع بها حوالي خمسة وعشرين مليون شخص نهاية العشرينيات من نفس القرن.
وشاءت الأقدار أن يحمل الغزاة معهم حين العودة إلى الديار الزهري syphilis وينشروه في أوروبا مع بداية القرن 16، وهو مرض تناسلي قاتل كان مارتن ألونزو بينزون، رفيق كرستوف كولومب، أول ضحية له عام 1493، ولم يكن معروفا في العالم القديم، وسمي أيضا عند الأوربيين بالجدري véroleأو الجدري الكبير تمييزا له عن الجدري الصغير، وهو الاسم الذي أطلق على ال: variole، والزهري بالطبع لا علاقة له بهذا المرض, وقد تفشى في وقت قياسي بالجزيرة الإيطالية بالتزامن مع حرب الملك الفرنسي شارل الثامن في 25 يناير من عام 1494، وأطلق عليه الفرنسيون "شر نابولي"، بينما الإيطاليون أطلقوا عليه اسم "شر بلاد الغال" أو morbo gallico.

(يتبع)



#عبد_المجيد_السخيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ الأوبئة (6) عن الحجر الصحي والتلقيح
- إدغار موران: العيش مع اللايقين*
- تاريخ الأوبئة(5) من الطاعون إلى كوفيد 19(ب)
- أوراق فلسفية(1) بيونغ - تشول هان* : هل نسير نحو فيودالية رقم ...
- تاريخ الأوبئة(4) من الطاعون إلى ك-ك 19(أ)
- تاريخ الأوبئة(3) دروس التاريخ
- الحجر الصحي والحجر الحقوقي: بصدد قانون -تكميم الأفواه-
- إيدير: -سيعيش-
- تاريخ الأوبئة(2) هل الوباء قديم قدم الانسانية؟
- تاريخ الأوبئة(1) عن المرض وتاريخه
- بوب مارلي، -النبي- المتمرد وإيقونة الريغي (4)
- بوب مارلي، -النبي- المتمرد وإيقونة الريغي (3)
- بوب مارلي، -النبي- المتمرد وإيقونة الريغي (2)
- بوب مارلي، -النبي- المتمرد وإيقونة الريغي (1)
- سمير أمين: وحدة النضال الإيديولوجي والالتزام السياسي والانتا ...
- سمير أمين: وحدة النضال الإيديولوجي والالتزام السياسي والانتا ...
- سمير أمين: وحدة النضال الإيديولوجي والالتزام السياسي والانتا ...
- سمير أمين: وحدة النضال الإيديولوجي والالتزام السياسي والانتا ...
- ثورة 1917 العظمى: المجموع والباقي(3)
- ثورة 1917 العظمى: المجموع والباقي(2)


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - عبد المجيد السخيري - تاريخ الأوبئة(7) الوباء والاستعمار