النموذج العربي لفاشية الملالي الفارسية

درويش محمى

الحوار المتمدن-العدد: 1711 - 2006 / 10 / 22 - 11:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الحركة الفاشية تتميز بالعسكريتارية والطاعة العمياء والولاء المطلق لشخص القائد سواء كان زعيماً ام رئيساً ام شيخاً ام حتى سيداً, والكفاءة العالية في الشؤون التنظيمية والسرية والدقة في تنفيذ الواجبات وتطبيق الاوامر والقرارات, اما الفكر الفاشي فيتميز بكرهه للديمقراطية والتنوع والتعددية والخوف من الحريات ورفض التغيير وفرض مبادئه وشروطه على الآخرين بطرق غير شرعية وغير ديمقراطية, اما عن جمهور الفاشية ومناصريها فلا يصح فيهم إلا قول وليد بيك جنبلاط "بأنه الجمهور الذي لا يفكر".
الفاشية ظاهرة غربية المولد والمنشأ وهذا امر لاخلاف عليه, ظهرت في اواخر العشرينات من القرن الماضي مع بزوغ نجم الزعيم موسوليني, وازدهرت في فترة مابين الحربين العالميتين واختفت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء, واليوم لا تجد للفاشية اثرا في عقر دارها ومسقط رأسها" اوروبا", سوى البعض القليل من الافراد والمنظمات لا دور لهم يذكر في الحياة السياسية, وهم قلة منبوذة ومرفوضة سياسياً واجتماعياً .
الفاشية لم تعمر في الغرب وانهارت بسرعة لعدم وجود البيئة التي تحضن مثل هذا الفكر من تطرف وجهل, وعلى العكس كان الشرق الاوسط وما يزال بيئة خصبة للفاشية سواء القومية منها ام الدينية, وحكم الملالي في ايران يشكل نموذجاً صارخاً للاسلام السياسي الفاشي, وباعتبار حزب الله صورة طبق الاصل ونموذجا مصغرا للثورة الاسلامية الفارسية في الساحة اللبنانية, فإن السؤال التالي يفرض نفسه بقوة: هل حزب الله حزب فاشي?
ظهر حزب الله في بداية الثمانينات بعد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية كتنظيم عسكري مقاوم يتعاطى السياسة, وما زال النهج العسكريتاري الواضح للحزب يطغى على نهجه السياسي, ولان لبنان مختلف الاطياف والتوجهات ولاستحالة اقامة نظام اسلامي فاشي في لبنان على الطريقة الايرانية اكتفى حزب الله وما يزال بسيطرته على الجنوب اللبناني وعدم الخضوع لسلطة الدولة اللبنانية, ولولا التنوع الطائفي والمذهبي اللبناني المترسخ والمعتمد لاستخدم حزب الله قوته العسكرية لبناء واقامة النظام الاسلامي الفاشي الشمولي من دون تردد, والمشاركة الحالية المتواضعة لحزب الله في العملية السياسية لا ينبع من ايمانه بالعملية الديمقراطية بل بأعتبارها"تحصيل حاصل" ووسيلة متاحة تعزز من فرص احتفاظ الحزب على ترسانته العسكرية, فهولا يؤمن بالدولة التعددية الديمقراطية وهذا ما يفسر خروجه عن سيادة الدولة ورفضه لها بحجة المقاومة وتحرير الاراضي المحتلة .
الزعامة الكاريزمية القوية والتي تحظى بشعبية واسعة ولا يجوز الطعن فيها ولا محاسبتها ولو لم يكن ذلك الزعيم "بيك وابن بيك ", فهو فوق الشبهات وذو مكانة خاصة جداً ولا يجوز التعرض لها, وللتذكير فقط ما حدث منذ فترة عقب البرنامج التلفزيوني الساخر والذي عادة يتناول جميع الشخصيات اللبنانية من دون استثناء حيث خرج الالوف من انصار السيد حسن نصر الله الى الشارع, ولولا تدخل سماحته شخصياً لوقعت الكوارث وانتقم شر انتقام على من تجرأ على ذكر السيد ولو بمزحة صغيرة.
جمع غفير وأمواج من البشر تملأ الساحات, ورايات الحزب الصفراء وصور القائد العملاقة تنطح السماء, وجمهور لا يحصى ولا يعد على امتداد العالم العربي يجلس امام شاشات التلفاز ليتابع القائد الزعيم الصامد المعجزة, وهو يخطب فيهم بصوته الجهوري الشجاع "الواعد الصادق" بالنصر, ويتابع الجميع كل كلمة وكل حركة تصدر عن الزعيم والتي تدل على القوة والحسم والصرامة, فيلتحم القائد مع الجموع في سمفونية النصر ويتم الاعلان عن "النصر الالهي".
ادعاء حزب الله بالنصر يشبه كثيراً ادعاء الالمان بالنصر وبرلين محطمة والحلفاء على ابوابها, ويشبه فيما يشبه ادعاءات الفاشي صدام حسين الكثيرة بالنصر والعراق محطم فوق الارض وتحت الارض مقبرة جماعية, الاحباط الذي يعانيه الشارع العربي نتيجة اللامساوة الاجتماعية وفقدان الحريات والحرمان والتسلط بالاضافة الى العنجهية الاسرائيلية وانتصاراتها السهلة المتكررة, يجعل من المجتمع العربي بيئة خصبة للفكر الفاشي الشمولي التعبوي .
الفاشية كغيرها من الظواهر انتقلت "على طريقة الموضة" من الغرب الى الشرق واستفحلت فيه وتجذرت لتبقى وتستمر حتى اليوم, ويبدو اننا نحن ابناء الشرق الاوسط لا نعاني فقط من آفة الكسل في التفكير والتأمل وحسب, بل نحن اصحاب ذوق هابط وسيئ للغاية, والا كيف نفسر حقيقة اختيارنا لموضة الفاشية بدلاً عن موضة الديمقراطية, على عكس الجميع, ولله في خلقه شؤون .

#درويش_محمى (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل