أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - رياض سعد - مقولة وتعليق / 24 / مكارم الاخلاق















المزيد.....

مقولة وتعليق / 24 / مكارم الاخلاق


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 7562 - 2023 / 3 / 26 - 11:14
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


ان الاخلاق ركن وثيق في حياة الافراد والشعوب والامم ؛ وضرورة وجدانية ونفسية واجتماعية لابد منها ؛ وصدق من قال :

وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَت ××ْفَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا

وكانت الاخلاق ولا تزال هوية الامة العراقية العظيمة ؛ بل هي من أعظم مقومات وجودها وتاريخها وحضارتها، ولا غرو في ذلك ففي هذه البلاد الطيبة نشأت الحضارات والاديان وشرعت القوانين ... ؛ فالأخلاق الكريمة والقيم النبيلة تشكل عند العراقيين الاصلاء جزءًا لا يتجزأ من ثقافتهم و حياتهم اليومية ... ؛ اذ في العراق : يشبع الجائع ويرتوي العطشان ويكرم الضيف , ويأمن الدخيل والطريد , ويكسى العريان , ويرحم الضعيف , ويردع الظالم , ويرتاح المكروب , ويأنس الغريب , وتصان الاعراض ... الخ ؛ و من شذ عن هذه الاخلاق العراقية الاصيلة لا تخلو حقيقته من أمرين لا ثالث لهما : اما ان يكون منكوسا رذيلا او هجينا دخيلا ... .

وفي هذه المقالة سنعرج على ذكر ابيات من الشعر الاخلاقي لرمز من رموز الامة العراقية الكريمة ؛ الا وهو الشاعر الحسين بن مطير الاسدي ... ؛ وهو شاعر مخضرم عاصر الدولة الاموية والعباسية ؛ والاخبار التي وردت عنه قليلة - حاله حال اقرانه من العراقيين الاصلاء وعلى طول الخط – الا انها وبمعية القرائن والسياقات التاريخية تؤكد عراقيته ؛ فقد كان الحسين مولى لرجلٍ من بني أسد، ويُقال أنَّ مولاه أعتقه، وتذكر روايات أخرى أنَّه كاتب مولاه حتى أُعتِقَ ... وهو من منطقة الابواء التابعة للكوفة وقتذاك ؛ وقد سكنَ الحسين بن مطر في بلدة زُبَالة ، مدينة من التغلبية ، في الطريق الواصل بين الكوفة ومكة ، وكانت المدينة عامرة بالأسواق والتُجَّار ... ؛ وقد تطبَّع الحسين بطباع أهل البادية ، فكان يلبس ملابسهم، ويتحدَّث مثل حديثهم ... ؛ و تُوفِّي الحسين الأسدي في عام 170هـ وفقا لما ذكره البعض .

واليكم بعضا من شعره :

أحب مكارم الأخلاق جهدي ××× وأكره أن أعيب وأن أعابا

وأصفح عن سباب الناس حلماً ××× وشر الناس من يهوى السبابا

وأترك قائل العوراء عمداً××× لأهلكه وما أعيى الجوابا

ومن هاب الرجال تهيبوه ××× ومن حقر الرجال فلن يهابا

فشاعرنا كأهله وقومه من سكان بلاد الرافدين يحب مكارم الاخلاق ؛ ولا يحبها حبا عاديا بل يبذل قصارى جهده في التحلي بها والتخلي عن اضدادها ؛ فهو يكره ان يعيب الناس وكذلك يبغض من يعيره و يلصق به العيب ؛ وكأن لسان حاله ما قاله حكيم العراق الامام علي في هذا المضمار ؛ فقد نسب اليه : (( من أشرف أفعال الكريم غفلته عما يعلم ؛ و قال : من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ؛ وقال : يا أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ...)) ؛ هذه هي الاخلاق والقيم الكريمة التي غرسها الامام علي في نفوس اتباعه وشيعته ورعيته من ابناء الامة الاسلامية والعربية والعراقية ... ؛ وعلى نهجه سار العراقيون الاصلاء الى هذا اليوم ؛فهكذا ربى الامام علي حاكم العراق والعالم الاسلامي اتباعه ورعيته ومحبيه و مريديه ... ؛ اذ كان هدفه - وهدف من على شاكلته من العراقيين المتحضرين الاصلاء – ومراده ان يبنى مجتمعًا راقيًا متحضرا ، بعيدًا كل البعدِ عن مساوئ الاخلاق , والموبقات , والجرائم , والظواهر السلبية كالتطفل والفضول, والتجسس وتتبع عيوب وعثرات الاخرين , وتعييرهم بالعيوب والاخطاء , والسباب والشتم والكلام الفاحش والجارح , واحتقار الاخرين ... الخ .

وهو يعرض – يصفح – عن سب وشتم الناس ويبتعد عن هذا الخلق السيء ؛ و عندما يعرض عن رد السب والشتم على الساب ولا يبادر الى دفع الشتم بالشتم ؛ ليس ضعفا وجبنا او خوفا من الشاتم ؛ وانما عفة وحياء وحلما ؛ فكل اناء بالذي فيه ينضح ؛ ومن الواضح ان شر الناس واسفلهم وارذلهم من يهوى الشتم والسباب والطعن بالناس والتعيير بهم ... ؛ لذلك لا تتعجب عندما تراجع سيرة حكام الفئة الهجينة وزبانية الطغمة التكريتية والعصابة الصدامية وتراها مليئة بالألفاظ الفاحشة والكلمات السوقية والمفردات الجارحة ؛ ولعل اغلبكم شاهد كيف تعامل هؤلاء الاوباش مع الجنوبيين والفراتيين العراقيين في انتفاضة عام 1991 – فقد وثقت تلك الحالات ب تسجيلات متلفزة ؛ واظهرت رجال الطغمة وهم يتفوهون بأقذر الألفاظ بحق الاصلاء من ابناء الرافدين - ... ؛ لانهم ليسوا عراقيين اصلاء ؛ بل عبارة عن : شرذمة منكوسة منحطة وهجينة .

ويستطرد شاعرنا قائلا : واترك الشخص سيء الخلق والمتفوه بالقبح – قائل العوراء – والالفاظ السيئة عمدا ؛ والشاعر هنا يواجه قائل العوراء بالتجاهل والتغافل وهذا الامر يهلك المقابل ؛ لان تجاهل الشاتم والمريض نفسيا يزيده ألما ومرضا وحسرة ؛ فلا شيء اضر بالعدو من تجاهله ؛ ولعل لسان حال شاعرنا في هذه الحالة ؛ كما قال حكيم العراق الامام علي :

وَذي سَفهٍ يُخاطِبُني بِجَهلٍ ××× فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيبا

يَزيدُ سَفاهَةً وَأَزيدُ حُلماً ××× كَعودٍ زادَ بِالإِحراقِ طِيبا

فعندما يترك شاعرنا الرد على ( قائل العوراء ) لا يعني ذلك انه عي اللسان او ضعيف البيان او يحجم عن الرد خوفا ؛ بل انه يريد ان يميت الباطل بالسكوت عنه ؛ ويهلك الشاتم بالترفع وعدم النزول الى مستواه الهابط واخلاقه الدنيئة ... .

ثم يكمل قائلا : ( من هاب الرجال ... ) ؛ اي من اجلهم واحترمهم وعظمهم ؛ اجلوه واحترموه ؛ ولكن من ( حقر الرجال ) اي من استهان واستخف بهم ونظر لهم باستهزاء واستصغار واحتقار ... ؛ فلن يحترم من قبل الرجال او يقدر ويكرم من قبلهم ؛ وصدق العراقي الحسن البصري عندما قال : ((اِصْحَب الناس بأي خلق شئت يصحبوك بمثله )) ... .

وقد جاءت هذه الابيات الشعرية منسجمة مع تراثنا العراقي والعربي والاسلامي ؛ فقد جاء في الاثر عن النبي محمد : (( انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق )) وكذلك اثنى كتاب القران الكريم على النبي محمد بقوله : (( وانك لعلى خلق عظيم )) ؛ وقد حث فلاسفة وعلماء ومفكري ورموز الامة العراقية على التمسك بمكارم الاخلاق والتحلي بالفضائل والابتعاد عن موبقات الاعمال والرذائل والتخلي عن الاخلاق السيئة ... ؛ و نحن اليوم بأمس الحاجة الى السير على طريق الحضارات العراقية العظيمة والاقتداء برموز الامة العراقية ؛ وذلك من خلال التمسك بكل ما هو جيد وايجابي ومثمر ؛ وتجنب كل ما هو سيء وسلبي وضار ... .

فالأمة العراقية ظلت طيلة سيرتها الطويلة، وتاريخها المجيد - تحتل قصب السبق بين الأمم الأخرى، وتنال أوسمة أمة الأخلاق والكرم والكبرياء بلا منازع، ولا مقارع ؛ بل إن بعض الشعوب والاقوام تقف مذهولة إزاء الكرم والطيبة والشجاعة العراقية ، مبهورة تجاهها، عاجزة دون بلوغ مكانتها الاخلاقية بالكرم وحسن الضيافة ... الخ ، وفاشلة أمام نزع ألقاب ريادتها في كافة ميادين الحياة والحضارة والاخلاق .

وعليه يجب على احرار وغيارى ومثقفي ومفكري الامة العراقية و النخب الواعية، وأصحاب الأقلام الصادقة والضمائر الحية والشخصيات الوطنية الحرة ، تعزيز الأخلاق الايجابية والروح الوطنية في نفوس أبناء بلاد الرافدين ؛ وذلك بسبب هجمات الاعداء وقوى الخط المنكوس المستمرة والتي تستهدف بلادنا واخلاقنا وحضارتنا وتاريخنا ورجالنا وثرواتنا وشبابنا ونسائنا ... الخ ؛ وبالتالي باتت هذه القضية مسألة مهمة ومصيرية ، وغير قابلة لأي تملص أو تكاسل، ولا تحتمل أدنى تأخير ... ؛ ولقد أحسن من قال :

وإذا أصيب القومُ في أخلاقهم ××× فأقم عليهم مأتمًا وعويلاَ



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهديد التهريج الطائفي للسلم الاهلي والامن المجتمعي
- ظاهرة الصداقة المزيفة في مجتمعنا
- مقولة وتعليق / 23 / فلسفة الدولة و قانون منع بيع الخمور
- مقولة وتعليق / 22 / تحدي الحياة والصبر على مصاعبها
- مقولة وتعليق/ 21/ حقد الصديق وجفاء القريب
- الحرب التركية القذرة ضد العراق
- مقولة وتعليق / 20 / اهمية عاطفة الحنان في حياتنا
- بوادر فرض الحصار الامريكي على العراق مرة اخرى
- ايام الزمن الاغبر / الحلقة الثالثة / وحش الطاوة
- ذم الفلاحين العراقيين
- حقيقة الصراع في العراق
- جرائم صدامية مروعة / 12/ الاعدام بالديناميت ( المتفجرات)
- مقولة وتعليق / 17 / غيرة الحاكم وتوجسه من ابناء شعبه
- بوادر انبثاق روح الامة العراقية
- مقولة وتعليق / 19 / البدايات الرائعة وخيبة النهايات
- مقولة وتعليق / 18 / الاعلام السلطوي
- ضرورة محاكمة البعثيين والصداميين
- بريطانيا واستهداف الاغلبية العراقية
- مقولة وتعليق / 16 / السياسي النادر
- مقولة وتعليق / 15 / الفرق بين الحب الاناني والحب الانساني


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - رياض سعد - مقولة وتعليق / 24 / مكارم الاخلاق