أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - الأمة، القرآن والإعجاز، مساهمة من منظور التحليل النفسي اللاكاني















المزيد.....

الأمة، القرآن والإعجاز، مساهمة من منظور التحليل النفسي اللاكاني


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 7557 - 2023 / 3 / 21 - 00:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هرڤي كاستاني (Hervé Castanet )
ترجمة محمد الهلالي


اقترح جاك-آلان ميلر ( Jacques-Alain Miller) في مقالة له(1) (نشرت في الرسالة الإخبارية "لاكان كوتديان" (Lacan Quotidien )، عدد 474) الأطروحة التالية: "كل مسلم كيفما كان (ما عدا، ربما، بعض المتفاعلين مع ثقافة/ثقافات أخرى والذين يواجهون وضعية صعبة من جراء ذلك ويعلنون أنهم "مسلمو الأنوار"، أو الذين لهم عبقرية هائجة مثل سلمان رشدي) لا يطيق أن لا يُحترم مُحمد، يكون في وضعية صعبة، في وضعية غير مريحة، منزعج ومُجْهَد. كل المسلمين لا يُعالَجُون بالكلاشنكوف، بل بالعكس من ذلك، لكن الكل يُحس، بدرجات متنوعة، بهذا القلق (بالمعنى الذي يعطيه فرويد لكلمة Unbehagen).
لا يمكن إيجاز اللاهوت الإسلامي في سلسلة من التصورات عن الكون، كما لا يمكن إجماله على وجه الخصوص في التأكيد على أن "الله وحده خالد"، أي أن خلود الله باعتباره خالقا يعارض لا-تناهي الصيغ التعبيرية المنفتحة ودلالات التأويلات. لهذا السبب لا يمكن التعبير عن الله ورسوله بالصور.(2)
لنسائل، من جهة أخرى، القرآن ككلام متْلوٍّ، حيث يُجْلَى المدلولُ لصالح رنين خالصٍ مرتّل اعتمادا على عروضه الخاص به. ستفيد أعمال جاك بيرك (Jacques Berque) حول الخطابة العربية كبوصلة. ينبغي أن ندرك أن القرآن ليس مجرد نص/لغة أو مجرد الصوت الذي يقرأه. فالقرآن ككل "يشمل الأمة مكانا وزمانا بما أن هذه الأمة تستلهمُ العديد من تصرفاتها من القرآن، الذي هو بالنسبة لها مرجعية كونية (...) وهو أيضا استمرارية لمواقف ووضعيات".(3) القرآن هو "إمام مُبين، أي أن الدال والمدلول والأثر على الوعي الفردي والمعاملات الجماعية لا تنفصل عنه".(4) للنص القرآني سلطة غريبة يسميها العربي المسلم الإعجاز(أي ما لا يقبل التقليد وما لا يُعلى عليه). ليس القرآن في الإسلام الكلاسيكي مجرد نص "أدبي"، ولكنه رسالة لا مثيل لها، أي "ما هو بقول شاعر أو كاهن"، وبهذا المعنى يعتبر القرآن إماما مُبينا (أي براديغما/نموذجا للتفكير يُفصح عما يتكون منه). القرآن هو أول نعمة من نعم الله (وبعده يأتي الإنسان...)، لذلك "ينبغي أن ننظر إلى بناء النص والأوامر الأخلاقية وتنوع المعاملات والنظام الكوني ككل متكامل".(5)
يكمنُ ما هو أساسي في الفكرة التالية: القرآن هو الدعامة الفعالة لـ"تدفق" صوتي يُبلّغه جيلٌ للجيل الذي يليه ابتداء من الرسول، ذلك التدفق الذي "يترك في الشخص وفي الأمة نتائج وثيقة الصلة به".(6) وتؤكد النصوص القرآنية ذلك: "32. وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا. 33. وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا" (السورة 25 - الفرقان، الآيتان 32 و33).(7) "106. وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً" (السورة 17- الإسراء، الآية 106). (8) "3. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" (السورة 41 - فصلت، الآية 3).(9)
ينتج عن قراءة القرآن بصوت مرتفع، وهي القراءة التي تميز الأمة وتؤثر فيها، "بنية مشبّكة"(10) على مستوى المعنى (التباس المحتوى، تضارب لساني) وعلى المستوى الصوتي (التفرقة بين الدال والتلاوة الشعائرية). كما أن بنيات القرآن متماثلة على مستوى البناء وهو ما يبيّن انفصال مستوى المعنى عن المستوى الصوتي، ويبين أن الفن هو حِلية بدون مرجع لتمثله. في الحالة الأولى يضيع المدلول، وفي الحالة الثانية يتشوش الثبات البصري. إن التصوف العربي الإسلامي هو الأنسب لفهم لحظة اختفاء المَعالم المرشِدة. لا يتعلق الأمر بتناظر وإنما بتماثل، حيث يتولد أحدهما (الفن) عن الآخر (القرآن نفسه).
فالاعتداء على القرآن (عبر عدم احترامه، وتجسيد النبي من خلال الصور) ليس مجرد معارضة ملفوظ، والطعن في نص قطعي، وإنما هو اعتداء على ما يُعتبر أكثر حميمية لدى المسلم بما أن الدال (التدفّق المتلوّ) يُولّد آثارَ متعة في الجسد- إنه يُصيبه بتأثر عاطفي.(11)
النص المقدس للمسيحي أو اليهودي هو (باختصار شديد) ملفوظ مجاله الفكر وليس الجسد (ما عدا لدى المتصوفة). أما بالنسبة للمسلم، فنقدُ كلام القرآن معناه الاعتداء على جسد من يؤمن به. إنه الاعتداء، دوما، على ما هو أكثر حميمية في الذي يولّدُ "حدثَ الجسم"(*). يعلمنا التحليل النفسي أن الاعتداء على هذا "الكيان المجسد"(12) هو اعتداء على ما هو أكثر حيوية وأكثر حميمية/إظهارا في ذات ما. ما يعتبره المسلم سبّا للإسلام قد يتعلق بما هو مطبوعٌ في/على الجسد الحي. هذا الأثر هو - حتى وإن اسُتعمل من جديد من طرف أمة المؤمنين وميز المؤمنين عن الكافرين، حتى وإن صار جماعيا، بعد استعادته من الماضي الذي كان فعالا فيه فعالية تامة - هو قبل كل شيء، وربما بشكل أساسي، علامة متعة مجسدة، أي خاصة ومتفردة... فالاعتداء على هذا الأثر، حتى في حقل الأنوار، هو أمر لا يُقبل ولا يُفعل بكل تأكيد. يعرف التحليل النفسي، ربما، معرفة جيدة نسبيا، سبب ذلك...
هل هذا كل ما في الأمر؟ هل علينا أن نؤيّد جبْرِية توجزُ العالم – كما ينحو إلى ذلك التصوف الإسلامي – في "إله يتحكم في كل شيء"؟(13) ألا تعني كلمة إسلام الاستسلام؟ هذا نسيان للتحدي(14) الذي يجسده النص القرآني بالنسبة للمسلم - هذا التحدي القائم على النص-البراديغم، لا محدودية في المعنى وتفرقة خارج المعنى، على شرف المؤمن. فالمؤمن المتأثر بكل ذلك هو جواب خاص، بدون تعميم، عن الجبرية القائلة بأن الله كتب ما يحدث ويتحكم في كل شيء.
تم تثبيتُ القرآن، بدءًا بما قام به الرسول، ثم بظهور النص المكتوب على يد الخلفاء، وأخيرا من خلال كونه الثابت الأوحد بل وغير المخلوق بالنسبة للمسلم. لكنه يستلزم أيضا الحركة: إنه يقتضي القراءة والتنفيذ. فالمعاينة عبارة عن مفارقة طرفاها الثبات والحركة معا. من خلال تلاوة/تجويد القرآن يُحرر المؤمنُ المدلولَ ويُخضِعُ المنطقَ الدالَ الصوتيَ للصوت الخاص الذي يفرّق إبان التلفظ. ليست القراءة استردادا فقط، إنها تأويل كذلك. وكما قال ذلك جاك بيرك، رابطا ما بين الجبرية والشرف: "يجدُ الناس الفقراء إلى أبعد الحدود، مقارنة بغنى الله، أنفسَهُم قد امتلكوا بفضله لغته في لسانهم العربي".(15) سيكون على المؤمن أن يُتمّ -ليس جوهر الكتاب- وإنما الأثر البشري الذي ينتظره منه مُنزلُ الوحي. هذا هو شرف المؤمن كجواب (وكردّ دفاعي) على التحدي القرآني.
لما يسبّ "الكافر" الدين فإنه (كما يقول المؤمن) يعتدي على هذا الواقعي الخاص حيث يتم ربط الجسديِّ الأكثر حميمية في الذات المسلمة وجوابِها بالاستسلام – وليس فقط باعتقاد ذهني يمكن مواجهته بنقاش يقوم على مواجهة أطروحة بأطروحة مضادة. قد يتم إثبات أن القرآن، كأي نص، يملك مدلوله، لكن هذا المدلول يوجد في درجة ثانية، كما أن قراءة/تجويد السور والآيات تجعل ذلك المدلول ينسحقُ تحت ضغط الدال المتجسّد. هنا تجد كلمة (Unbehagen) -التي أشار إليها جاك-ألان ميلر، بالمعنى الذي أعطاه لها فرويد- باعثها.

المرجع:

- Hervé Castanet, Lacan quotidien, n° 477, février 2015.

هوامش:

1) "سبُّ الدين هو قبل كل شيء بذاءة وفُحش. دالّ مُبلبِل يتدخل فيجرح ويخدش "الحشمة العامة" للأمة. عدد محدود من المؤمنين، بكل تأكيد، هم الذين يحملون السلاح، لكن لا يتعلق الأمر بهذا الفعل، يتعلق الأمر بالاستحالة المنطقية المطلقة التي تطبع الحضور المتزامن، في الذات المسلمة، للإيمان واللامبالاة تجاه سبّ الدين. لا يوجد جسد مسلم لا يَتهيّج لما يسبُّ كافرٌ الدين. وهذه ليست هي حالة اليهود ولا المسيحيين...". (Jacques-Alain Miller, Lacan Quotidien, n° 474, février 2015 ).
2) Louis Massignon, «Les méthodes de réalisation artistique des peuples de l’Islam», Les allusions instigatrices, Fata Morgana, 2000.
- Oleg Grabar, Penser l’art islamique – Une esthétique de l’ornement, Albin Michel, 1996.
3) Berque J., « Lire le Coran », Langages arabes du présent, Gallimard, 1974, p. 195.
- Le Monde, 7 février 2015, «Lectures équivoques».
4) Ibid., p. 196.
5) Ibid., p. 200.
6) Ibid., p. 198.
7) Ibid., p. 198-199.
8) Ibid., p. 199.
9) Ibid.
10) Ibid., p. 200.
11) Miller, Jacques-Alain, «Biologie lacanienne et événement de corps», La Cause freudienne, n° 44, p. 58 : «le savoir passe dans le corps et il affecte le corps».
*) أي حدث للخطاب وفي نفس الوقت حدث للمتعة بجعل الخطاب ينجز قفزة في المعنى (bond du sens ) التي تتعارض مع الحس السليم (bon sens )...
12) Ibid., p. 57.
13) Massignon, Louis, « Les méthodes de réalisation artistique des peuples de l’Islam », op. cit. p. 32.
14) Pierre Bourdieu, « Le sens de l’honneur » Esquisse d’une théorie de la pratique précédé de Trois études d’ethnologie kabyle, Points-Essais, 2000.
15) Berque, Jacques, « Lire le Coran », Langages arabes du présent, op. cit., p. 212.



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فكرة الثورة عند لينين (من خلال أعماله الكاملة)
- ما هي أهمية كتاب -رأس المال- لكارل ماركس؟
- شرح أفكار كتاب رأس المال لماركس
- البلاشفة والإسلام
- التأويل الماركسي للإسلام: نموذج بندلي جوزي
- مارسيل كونش: وفاة فيلسوف الطبيعة في عصرنا
- الأحزابُ السياسية المغربيّة كيْفَ نشأتْ ولماذا فشلتْ ومَا عل ...
- عَيْنُ الاِخْتِلَافْ (الجزء الخامس والأخير)
- عَـــــيْـــنُ الاِخْتِلَافْ (الجزء الرابع)
- عَـــــيْـــنُ الاِخْتِلَافْ (الجزء الثالث)
- عَيْنُ الاِخْتِلَافْ (الجزء الثاني)
- عَيْنُ الاِخْتِلَافْ (الجزء الأول)
- النبي والبروليتاريا: حول موقف اليساريين من الإسلاميين (كريس ...
- الملحد كمواطن والملحد كإنسان نقدُ ماركس للدولة العلمانية (فر ...
- ثَلاثَة عَشَر أطروحَة دِفَاعًا عَنْ المَارْكْسِيَّة النّسْوِ ...
- الأحزاب السياسية المغربية كيف نشأت ولماذا فشلت وما علاقتها ب ...
- رسالة من -ميرلو بونتي- إلى -جورج لوكاش-
- الجينيالوجيا حسب نيتشه
- عين الاختلاف نصوص شعرية على عتبة الفلسفة
- هتلر والإسلام: هتلر هو حامي الإسلام (حسب الدعاية النازية)


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - الأمة، القرآن والإعجاز، مساهمة من منظور التحليل النفسي اللاكاني