أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد خيري الحيدر - إلمامة بتاريخ المؤسسة الآثارية العراقية















المزيد.....


إلمامة بتاريخ المؤسسة الآثارية العراقية


حامد خيري الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 7556 - 2023 / 3 / 20 - 14:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


للمؤسسة الآثارية العراقية تاريخ طويل أرتبط مع نشأة الدولة العراقية الحديثة، ويرجع الفضل الأول في تأسيسها الى السياسية البريطانية الشهيرة "كَيرترود بيل"(1) أو "الخاتون" كما كان يُلقبها أهل بغداد، ومع تتابع السنين تَغيّر أسمها وهيكل إدارتها عدة مرات، فعند إنشائها عام 1920 تزامناً مع تأسيس أول حكومة عراقية برئاسة عبد الرحمن النقيب، سُميّت حينها بـ"الدائرة الآركيولوجية" وأصبحت "المس بيل" أول رئيسة فخرية لها، وقد ارتبطت آنذاك بمَصلحة المَعارف، وفي عام 1922 أمر الملك فيصل الأول 1883_1933، بإنشاء دائرة ومتحفاً للآثار العراقية، لترتبط الدائرة إثر ذلك بوزارة الأشغال، وفي عام 1923 تم افتتاح ذلك المتحف بعد أن خُصص له جناح مُستقل في بناية السراي الحكومي القديم في بغداد "القشلة"، تَمّت تَسميته "متحف بغداد للآثار"، إضافة الى مُلحقٍ صغير خُصص لإدارة أعمال الدائرة، لتُشكل حينها النواة الأولى لتأسيس مؤسسة الأثار العراقية.
وفي عام 1924 تم تشريع أول قانون للآثار في العراق سُميَّ "قانون الآثار القديمة"، من أجل تنظيم عمل هذه المؤسسة التي أصبح أسمها رسمياً "مديرية الآثار القديمة"، وفي عام 1926 ومن أجل الحَّد من ظاهرة سرقة وتهريب الآثار العراقية، صدر القانون رقم 40 الموسوم " قانون مَنع تهريب الآثار القديمة"، ارتبطت بعدها "مديرية الآثار القديمة" بوزارة المعارف، وفي عام 1936 صدر القانون الجديد للآثار تحت رقم 59 والذي أستمر نافذاً بمعظم فقراته لعقود عديدة رغم التعديلات الكثيرة التي أضيفت عليه، وبعد تشريع هذا القانون انتقلت مديرية الآثار مع المتحف الى مبنى آخر أكبر حجماً وأكثر سِعة، يقع في شارع "المأمون" ببغداد على جانب الرصافة عند ضفة نهر دجلة بالقرب من "المدرسة المستنصرية"، ثم في 3/12/1941 صَدر قرار بتحويل أسم المؤسسة الآثارية الى "مديرية الأثار العامة".
ومع مرور الوقت وتجمع كميات كبيرة من الآثار نتيجة لعمليات التنقيب المتواصلة التي أخذت تُجرى في جميع مناطق العراق، وكذلك لتَشعّب وكثرة الأعمال الآثارية وازدياد عدد العاملين فيها، أصبحت الحاجة إلى نقل مديرية الآثار مع المتحف مَطلباً مُلحّاً، لذلك تقرر تشييد بناية حديثة تليق بآثار العراق وتاريخه الطويل، وكانت تلك المبادرة إحدى خطط "مجلس الأعمار" الذي تم تشكيله أبان حِقبة الحكم الملكي عام 1950، والساعي لإقامة العديد من المشاريع الاستراتيجية الكبرى في العراق من بينها مشروع بناية المتحف العراقي المُبتغاة، حيث وضع حجرها الأساس من قبل الملك فيصل الثاني عام 1957، وقد أستمر العمل في تنفيذ تلك المشاريع وفق نفس خططها المرسومة سابقاً بعد تأسيس جمهورية العراق إثر قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 ومنها مشروع بناية المتحف.
وفي 9/11/1966 تم افتتاح مُجمّع المباني الرسمية لمؤسسة الآثار العراقية، الذي شغل مساحة من الأرض بلغت 4500 متر مربع في منطقة الصالحية وسط بغداد، حيث ضَّم بناية جديدة لمديرية الآثار العامة والمتحف العراقي، ومكتبة تخصصية كبيرة ومساحات خضراء، إضافة الى مخازن ومُستودعات لحفظ الآثار ومرافق خدمية، كما ضَّم المتحف الجديد عشرين قاعة كبيرة، توزعت على طابقين، احتوت على عشرات خزانات العَرض. وقد تم تنظيم عرض المواد الأثرية في هذه القاعات وفق تسلسل الحِقب التاريخية لبلاد وادي الرافين، تبدأ بفترة عصور ما قبل التاريخ وحتى الفترات الاسلامية، إضافة الى قاعة "عبد الله شُكر الصَرّاف للمسكوكات"(2). ومن الجدير بالذكر أن دعم هذا المشروع الكبير قد تم من قبل مؤسسة "كولبنكيان"، التي تعهدت بتمويل إنشاء عدة مشاريع هامة أخرى في العاصمة بغداد الى جانب بناء المتحف، هي.. ملعب الشعب الدولي ومستشفى مدينة الطب والمسرح الوطني، وكذلك مساهمتها في نشر وطباعة العديد من الكتب الهامة التي توثق تاريخ العراق الحضاري، من بينها كتاب "الحضر مدينة الشمس" لعالمي الآثار فؤاد سفر ومحمد علي مصطفى عام 1974.
وتقتضي الأمانة التاريخية الإشارة الى حادثة غاية في الغرابة قد لا تحدث إلا في بلدٍ أحاطته العجائب قبل الغرائب مثل العراق، مَفادها أن مؤسسة "كولبنكيان" أرادت أن تُهدي المتحف العراقي بمناسبة افتتاح بنايته الجديدة خمس عشرة لوحة عالمية ثمينة، قُدّرت قيمتها في تلك الفترة بآلاف الدولارات، كانت من ضمن مجموعة مقتنيات صاحب المؤسسة الراحل "كالوست كولبنكيان"(3)، على أن يُخصص لها قاعة مُناسِبة داخل المتحف لغرض عرضها هناك، مع لوحة يُذكر فيها أنها هدية المؤسسة للشعب العراقي كنوع من الدعاية لها، لكن المفارقة التي لا تُصدق هي أن الحكومة العراقية في تلك الفترة وبمُنتهى السذاجة وقصر النظر أمتنعت عن استلامها، بحجة أن المتحف ليس فيه مكان شاغر لعرض تلك اللوحات، بالرغم من النصيحة العقلانية الهامة التي قدّمها مدير الآثار العام آنذاك الدكتور فيصل الوائلي بقبول تلك الهدية، كونها إرث عالمي ثمين تزداد قيمته بمرور السنين، ليَخسر العراق المُبتلى منذ الأزل بمَحدودية تفكير حكامه تلك الهدية الثمينة(4).
وفي 1977 حدث تطور كبير في هيكل عمل ودارة المؤسسة، حيث صدر قرار حكومي بتحويل "مديرية الآثار العامة" الى النظام المؤسسي لتُسمى إثر ذلك "المؤسسة العامة للآثار والتراث"، حيث أصبحت مؤسسة كبيرة متكاملة تضّم أربع مديريات عامة، موّزعة حسب التقسيم الجغرافي للعراق، هي..
1_ مديرية آثار ومتاحف المنطقة الشمالية، وتُشرف على العمل الأثري في محافظات.. دهوك، نينوى، أربيل، السليمانية.
2_ مديرية آثار ومتاحف المنطقتين الشرقية والوسطى، ومهمتها الاشراف على العمل الآثاري في محافظات.. بغداد، ديالى، كركوك، بابل.
3_ مديرية آثار ومتاحف مناطق الفرات الأوسط والمنطقة الغربية، وتشرف على الاعمال الأثرية في محافظات: صلاح الدين، الأنبار،، كربلاء، النجف.
4_ مديرية آثار ومتاحف المنطقة الجنوبية، وتشرف على الاعمال الآثارية في محافظات.. الديوانية، السماوة، ذي قار، البصرة، ميسان.
وفي 5/4/1987 تم تحجيم هذه المؤسسة العريقة، نتيجة المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي سببتها للعراق الحرب الكارثية العَبثية مع أيران، حيث صدر قرار من ما كان يُسمى آنذاك "مجلس قيادة الثورة"، بإلغاء المؤسسة العامة للآثار والتراث وحَل مجلس إدارتها، ودَمج المديريات التابعة لها بدائرة واحدة تُسمى "دائرة الآثار والتراث" تتبع إدارياً لوزارة الثقافة والأعلام، ثم ألحَقَ هذا القرار الجائر بأمر ارتجالي غير مَدروس صدر في نفس العام من قبل هذه الوزارة ، يقضي بنقل مَقر الدائرة من بنايتها الحديثة في منطقة "الصالحية" بجانب المتحف العراقي الى بناية السراي القديم "القشلة"، بحجّة إعادة الحياة الى الأبنية التراثية العريقة في العاصمة بغداد.
ثم في عام 1998 ونتيجة لاستعادة دائرة الآثار شيئاً من عافيتها ونشاطها بفعل الانجازات العلمية الهامة التي حققها الآثاريون العراقيون، صَدر قرار من قبل رئاسة الجمهورية يقضي بإعادة تنظيم المؤسسة الآثارية، ليصبح أسمها منذ ذلك الحين ولحد الآن "الهيئة العامة للآثار والتراث" يكون ارتباطها بوزارة الثقافة التي تم فصلها عن وزارة الإعلام، على أن تصدر التشريعات الخاصة بذلك، وبالفعل فقد صدَر في عام 2002 القانون الخاص بالهيئة الجديدة تحت رقم 45، والذي أعاد هيكلتها ومجلس إدارتها والدوائر التابعة لها وأسلوب تنظيم عملها واختصاصاتها والجهات التي ترتبط بها، ثم في نفس العام صدر القانون الجديد للآثار والمرقم 55، الذي الغى بموجبه القانون رقم 59 لسنة 1936 والتعديلات التي أجريت عليه خلال السنين الماضية، ليبقى هذا القانون مُعتمداً ونافذاً حتى الوقت الحاضر.
علماً أنه عند تأسيس المؤسسة الآثارية العراقية قد أتُخذ من أحدى الرموز السومرية الجميلة والمُعبّرة التي تعود الى أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، ليكون شعاراً لها، ألا وهو كأس الماء الفوارة المقدسة التي تحملها يد الإله الحكيم، إله الأرض والمياه "أينكي"، تتدفق منها بغزارة ينابيع نهري دجلة والفرات رمزا الحياة الخالدة، ولايزال هذا الشعار مُعتمداً للمؤسسة حتى اليوم.
وخلال هذ التاريخ الطويل من عُمر المؤسسة الآثارية العراقية، تولى إدارتها العديد من الشخصيات، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنه منذ تأسيسها عام 1920 وحتى عام 1934، كان يُشرف عليها خبراء وعلماء آثار أجانب.. والذين تولوا تلك المسؤولية الكبيرة هم...
1_ المس كَيرترود بيل 1920_1926
2_ ر.س. كوك 1926_1929
3_ سيدني سميث 1929_1931
4_ كَليوس كَوردن 1931_1934
5_ الأستاذ ساطع الحصري 1934_1941
6_ سيتن لويد 1941 (وكالة)
7_ السيد حسين عوني عطا 1941 (وكالة)
8_ الأستاذ يوسف غنيمة 1941_1944
9_ الدكتور ناجي الأصيل 1944_1958
10_ الاستاذ فؤاد سفر 1958 (وكالة)
11_ الأستاذ طه باقر 1958_1963
12_ الأستاذ أكرم شكري 1963 (وكالة)
13_ الدكتور فيصل الوائلي 1963_1968
14_ الدكتور عيسى سلمان 1968_1977
15_ الدكتور مؤيد سعيد 1977_1998
16_ الأستاذ ربيع محمد القيسي 1998 (وكالة)
ليشغل بعدها هذه المهمة عديد من الآثاريين العراقيين ولفترات زمنية متفاوتة.
ويتطلب منا هذا الإيجاز وكشيء من الوفاء، أن نلتفت الى أولئك الرواد العراقيين الأوائل، الذين عَملوا في هذه المؤسسة ووفوا لها بشكل كبير، وحققوا انجازات كبيرة في إرساء دعائم علم الآثار في العراق، سواء في مجال العمل الحقلي أوعن طريق البحث والتوثيق، بالرغم من عدم تخصصهم الأكاديمي في هذا المضمار، مثل سليم لاوي "إداري" ومحمد علي مصطفى "مهندس" وبشير يوسف فرنسيس "مُدرس" وكَوركَس حنا عواد "مُعلم"، حتى حصل العراق على أول وأبرز عالمي آثار مُتخصصين أكاديمياً، هما الأستاذان الكبيران طه باقر وفؤاد سفر، اللذان قادا بعد إكمالهما دراستهما العليا في الولايات المتحدة وعودتهما للوطن عام 1938، العديد من المشاريع العلمية الآثارية وفي معظم مناطق العراق من أعمال حقلية وبحوث علمية، بالإضافة الى مساهمتهما البارزة في تطوير وتحديث هذه المؤسسة لتكون مماثلة لقريناتها في دول العالم المتقدمة، كما بَذلا جهداً استثنائياً لتأسيس أول معهد لدراسة الآثار والحضارات القديمة في العراق، لينشأ بذلك قسم الآثار في كلية الآداب عام 1951، وليصبح تلاميذهم الذين تخرجوا على أيدهم فيما بعد، أمثال بهنام أبو الصوف وطارق مظلوم وعبد القادر حسن علي وفوزي رشيد وفاضل عبد الواحد علي وعامر سليمان وغيرهم، الجيل الذهبي الذي رَسّخ هذا العلم بين العراقيين وثبّت قواعد وأركان المؤسسة الآثارية.
ولا يَكتمل الحديث عن تاريخ المؤسسة الآثارية العراقية من دون الإشارة الى قسم هام وحيوي منها، ألا وهو مكتبة المتحف العراقي التي تأسست رسمياً في عام 1933، أي بعد ما يقارب العَقد على تأسيس مديرية الآثار القديمة، حيث أخذت مجاميع الكتب تَرد شيئاً فشيئاً الى المديرية الناشئة عن طريق الإهداء أو الشراء من المؤسسات العلمية والمتاحف والجامعات العالمية، فأزداد عددها مع مرور الأيام، فأصبحت مُناسِبة لتكوّن نواة مكتبة تخصصية ساندة للباحثين والمُختصين في حقلي التاريخ والآثار، وقد خُصّص للمكتبة عند بداية تأسيسها أحدى قاعات بناية السراي الحكومي القديم، ثم لضيق المكان تم نقلها الى بناء صغير ملاصق لبناية المتحف العراقي القديمة قرب جسر الشهداء عام 1944، وبعد تَشييد بناية المتحف العراقي الحديثة في منطقة الصالحية عام 1966 انتقلت المكتبة كذلك الى بنايتها الجديدة هناك، والتي لازالت باقية فيه حتى الوقت الحاضر. ويَجدر بالذكر أن أول مدير لمكتبة المتحف العراقي كان الأستاذ الراحل كَوركَيس حنا عواد، الذي تولى مهمته لمدة قاربت الثلاثة عقود 1933_1963، حيث تسلم إدارة المكتبة وفيها بحدود ثمانمئة كتاب فقط، ليتركها ولها من رصيد الكتب أكثر من ستين ألف.
وقد أخذت المكتبة تكبر باستمرار مع مرور السنين، لتغدو واحدة من أكبر مكتبات العراق بعد أن ضَمّت اليها عشرات آلاف الكتب وبمختلف اللغات والموضوعات إضافة الى التاريخ والآثار، مثل الأديان، الجغرافية، الاجتماع، الفنون، المعاجم، المسماريات، كما انتقلت الى المكتبة لتكون جزءاً منها عدد من المكتبات الشخصية الكبيرة لعلماء وباحثين ورجال سياسة عراقيين متوفين، أمثال.. مصطفى جواد، عباس العزاوي، فؤاد سفر، يعقوب سركيس، فؤاد جميل، ساسون حسقيل، عبد الجليل الطاهر، رشيد عالي الكَيلاني.
وبالإضافة الى المكتبة كان صدور مجلة "سومر" الآثارية وديمومة ورودها على مدى سنين طويلة منذ أن صدر عددها الأول عام 1945 وحتى الآن، واحدة من أهم الانجازات التي حققتها وتفخر بها المؤسسة الآثارية العراقية في جانبها الاعلامي، وكان اصدراها بمثابة نتيجة مُكملة للجهود الحثيثة الرائعة التي بدئها الآثاريون العراقيون الرواد في ثلاثينات القرن العشرين، وما أثمرت عنه جهودهم الرائعة تلك من نتائج مهمة لأعمالهم الآثارية الحقلية ودراساتهم التاريخية، التي أخذت بالازدياد والتطور بمرور الوقت، لذلك دعَت الحاجة لإصدار مطبوع يتم فيه توثيق تلك الأعمال، إضافة الى نَشر آخر المقالات والبحوث العلمية الخاصة بعلم الآثار والتاريخ باللغة العربية وكذلك باللغات الاجنبية.
وقد كان لمدير الآثار العام آنذاك الدكتور ناجي الأصيل دوراً كبيراً في إنجاز هذا المشروع، حيث تولدت لديه فكرة إصدار المجلة مباشرة بعد توليه منصبه في عام 1944، حيث أراد حينها أن ينهض بمؤسسة الاثار العراقية، ويُحوّلها الى مؤسسة علمية عالية المستوى، تعتمد الأسلوب المنهجي الأكاديمي في توثيق نشاطاتها، إضافة الى مسؤولياتها الأخرى في عمليات التنقيب والصيانة الأثرية وإدارة وتأسيس المتاحف. وقد نجَح الدكتور الأصيل في مساعيه هذه الى حدٍ كبير، حيث ساعده آنذاك في تلك النهضة نخبة مهنية راقية من جيل الآثاريين الرواد والعاملين في الحقل الآثاري مثل فؤاد سفر، طه باقر، بشير فرنسيس، كَوركَيس عواد، محمد علي مصطفى، ولحّد هذا اليوم تُعتبر الفترة التي تولى فيها الدكتور الأصيل مسؤولية إدارة الآثار العراقية بمَثابة العصر الذهبي الذي يَصعب تكراره لهذه المؤسسة.
ولتنفيذ هذا المشروع الكبير فقد تشّكلت لجنة خاصة للأشراف على شؤون المجلة الوليدة، والتي كانت بمثابة هيئة تحرير لها.. حيث تكوّنت اللجنة برئاسة الدكتور ناجي الأصيل وعضوية كل من..
1_ سيتن لويد ... المستشار الفني لإدارة الآثار(5)
2_ حسين عوني عطا ... معاون مدير الآثار العام
3_ بشير فرنسيس ... رئيس مفتشي الآثار
4_ طه باقر ... أمين المتحف العراقي
5_ فؤاد سفر ... الخبير الفني بشؤون الآثار
6_ كَوركَيس عواد ... أمين مكتبة المتحف العراقي
7_ سامي خماس الصقار ... مفتش / سكرتير اللجنة
وقد عَمَدت اللجنة الى اختيار الدكتور مصطفى جواد مستشاراً لغوياً للمجلة، كي تُعرض عليه البحوث المُقدمة للنشر للتحقق من سلامتها اللغوية، حيث كان مُعاراً خلال تلك الفترة للعمل في مديرية الآثار، وفي الوقت نفسه كان أستاذاً للملك فيصل الثاني 1935_1958.. من جانب آخر اقترحت اللجنة المُشّكلة عدة أسماء لتكون عنواناً للمجلة مثل.. بابل، آشور، نينوى، بلاد الرافدين، أكد، الوركاء، بين النهرين.. لكن الآراء استقرت على أسم "سومر" تكريماً لبلاد سومر مَهد أولى الحضارات الانسانية، كما اتفقت اللجنة أن يكون حجم المجلة من النوع الكبير بقياس 24×30سم، كي يتسع لحجم الصور والمخططات التي ترافق عادة البحوث والتقارير الآثارية، ولكي تأخذ مداها العالمي، تقرر أن تُصمّم المجلة بقسمين.. الأول هو القسم العربي (من اليمين الى اليسار)، ويضّم المقالات والبحوث المكتوبة باللغة العربية أو المترجمة إليها، والثاني هو القسم الأجنبي (من اليسار الى اليمين)، ويضّم المقالات والبحوث المكتوبة باللغات الاجنبية من انكَليزية وفرنسية وألمانية وغيرها من اللغات الأخرى.
وقد عانت المجلة صعوبات كبيرة عند اصدارها أول مرة، بسبب الظروف الصعبة التي حلت بالعراق خلال فترة الحرب العالمية الثانية 1939_1945، من ناحية تأمين الورق بحجمه الملائم وايجاد أحبار الطباعة المناسبة، وكذلك اختيار المطبعة التي يمكنها تنفيذ هذا العمل، لكن رغم ذلك فقد تكللت تلك الجهود العظيمة بإصدار مجلة "سومر" التي غدَت المطبوع العلمي الرسمي للمؤسسة الآثارية العراقية، وذلك في شهر كانون الثاني عام 1945، لتلاقي ترحيباً كبيراً في الأوساط الثقافية والأكاديمية العراقية والأجنبية.
وقد كان نظام اصدار المجلة منذ عددها الأول بواقع مرتين في العام أي جزئين في مجلدين أحدهما شتاءً والآخر صيفاً، ثم أصبحت منذ عام 1956 تصدر مرة واحدة في منتصف العام بشكل جزئين في مجلد واحد، لتصبح هذه المجلة وعن جدارة الواجهة الرئيسية للمؤسسة الآثارية العراقية والمرآة التي تعكس أعمالها ونشاطاتها، حيث تم فيها نَشر معظم نتائج التنقيبات التي جَرت في العراق، وكذلك الدراسات والبحوث المتعلقة بتلك النتائج، فأصبحت بمرور الوقت بمثابة أرشيف آثاري مُتكامل لدراسات آثار العراق وتاريخه، لتسعى لاقتنائها أرقى المكتبات العالمية ومراكز البحوث الآثارية، كما ومن المفيد ذكره أيضاً أنه قد أصبح للمجلة تقليد غير مُعلن عبر الزمن، هو أن يتولى رئيس المؤسسة الآثارية إضافة لواجباته ومسؤولياته رئاسة تحريرها وإدارتها. وبالرغم من إصدار المؤسسة الآثارية العراقية للعديد من المطبوعات والدوريات الأخرى مثل مجلة "المسكوكات"، لكن ظلت "سومر" على الرغم من سنين عمرها الطويلة هي الأولى والأهم من بينها.

الهوامش:
1_ كَيرترود بيل... باحثة ومستكشفة بريطانية، ولدت بمدينة دورم الإنكَليزية في 14 تموز عام 1868، جاءت إلى العراق عام 1916 مع قدوم القوات البريطانية الى هذا البلد، ثم عملت مستشارة للمندوب السامي البريطاني "بيرسي كوكس" خلال عقد العشرينيات من القرن العشرين، حيث لعبت خلال هذه الفترة دوراً بالغ الأهمية في ترتيب أوضاع هذا البلد بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، ثم لتغدوا مع سِعة علاقاتها وغزارة معارفها وخبراتها أهم عون للمندوب السامي البريطاني في هندسة مستقبل العراق، توفيت في 12 تموز 1926 ودفنت في مقبرة الإنجليز في باب المعظم وسط بغداد.
2_ سُميّت القاعة بهذا الاسم نسبة الى المرحوم الحاج "عبد الله شُكر الصرّاف" 1910_2000، أحد المُمتهنين لمهنة الصيرفة في محافظة النجف، جعلته مهنته هاوياً لجمع المسكوكات النادرة، حيث تمكن من جمع 1593 مسكوكة نادرة تعود لفترات تاريخية مختلفة، تمتد من الفترة الساسانية وحتى العثمانية مروراً بالأموية والعباسية، منها 431 مسكوكة من الذهب، و1090 من الفضة، و72 من النحاس، قام بإهدائها الى المتحف العراقي عام 1969 بعد أرشفتها وتأريخ زمن ضَربها، بالمقابل وتقديراً لتلك الهدية الثمينة تم تخصيص تلك القاعة في المتحف العراقي لغرض عرضها على الناس والباحثين.
3_ كالوست سركيس كولبنكيان... رجل أعمال أرمني ولد عام 1869، سُميَّ أيضاً بـ" السيد خمسة بالمئة"/"Mr. Five Percent"، لأنه كان يتقاضى نسبة خمسة بالمئة من عائدات النفط، لدوره المهم في إتاحة حقول البترول في الشرق الأوسط للاستثمار والتطوير الغربي، ثم ليغدو من جراء ذلك أحد أثرياء العالم. قبل وفاته في عام 1955 أوصى بأن يُخصص جزءاً من ثروته لإنشاء مؤسسة خيرية تُسمى باسمه تقوم بدعم وتمويل المشاريع الثقافية والتعليمية والفنية والعلمية في جميع بلدان العالم.
4_ هذه المعلومة الغائبة عن معظم العراقيين، قد أفاد بها كاتب السطور أستاذه الراحل في قسم الآثار الدكتور عبد الإله فاضل اختصاصي الكتابات المسمارية، الذي كان شاهداً على هذا الحدث مع بداية عمله الوظيفي في المؤسسة الاثارية العراقية.
5_ سيتن لويد ... عالم آثار بريطاني ولد في مدينة برمنغهام عام 1902، عمل في التنقيبات الأثرية في كل من مصر وتركيا، كما نقب في العراق في العديد من المواقع الاثرية الى جانب الآثاريين العراقيين. انتدبته الحكومة العراقية للعمل كمستشار في إدارة الآثار للفترة 1939_1949، أصبح بعدها أستاذاً في جامعة لندن، حصل على العديد من الأوسمة والألقاب في العراق وبريطانيا جراء خدماته... له العديد من المؤلفات، منها... "The twin rivers" ،" The art of the ancient near east" ، توفي عام 1996.

المصادر:
1_ حيدر حميد شعلان ، كاظم عبد الله عطية ، سميرة شعلان كَيطان ... المتحف العراقي .. نشأته وتطوره ... مجلة كلية التربية للبنات ... العدد/27_ج2 ... بغداد 2016
2_ سامي خماس الصقار ... ميلاد مجلة علمية ... مجلة سومر/ العدد 49 .... بغداد 1998
3_ عمر جسّام العزاوي ... علم الآثار في العراق.. نشأته وتطوره ... بيروت 2013
4_ قحطان رشيد صالح ... الكشاف الأثري في العراق ... بغداد 1987
5_ كَوركَيس عواد ... مكتبة المتحف العراقي في ماضيها وحاضرها ... مجلة سومر/ العدد 11_ج2 ... بغداد 1955
6_ ناهض عبد الرزاق القيسي ، عبد الهادي فنجان الساعدي ... الآثاريون العراقيون الرواد / السِفر الأول ... بغداد 2018



#حامد_خيري_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشارة تاريخية إلى الزَلازل في شَمال العراق
- التنقيب الأثري ... مهنة المَتاعب والمَشاق والمَهارات المُتعد ...
- مدخل الى علم الآثار
- مناضلٌ من ذاك الزمان ... سيرة حياة المناضل الشيوعي الراحل خي ...
- البيت العراقي القديم ... القسم الثاني
- البيت العراقي القديم ... القسم الأول
- أهم المدن التاريخية والمواقع الأثرية في وادي الرافدين ... ال ...
- أهم المدن التاريخية والمواقع الأثرية في وادي الرافدين ... ال ...
- المعتقدات الدينية والمجتمع العراقي القديم ... القسم الثاني
- المعتقدات الدينية والمجتمع العراقي القديم ... القسم الأول
- هل قُتِل فؤاد سَفر؟
- ملاحظة على موضوع بلاد ما بين النهرين أزلية الوجود
- بلاد ما بين النهرين أزلية الوجود
- لأجلِ عُيونكم ... مهداة لشهدء انتفاضة تشرين الباسلة
- سَيبقى حُلمك يا وَطني
- دراسة تحليلية لرمزية الإناء النذري المكتشف في مدينة الوركاء
- دراسة فنية لتمثال باسطكي
- دراسة فنية لمسلة النصر العائدة للملك الأكدي نرام سين
- عام مَضى ... الذكرى الأولى لرحيل المناضل جبار خضير الحيدر
- نظرة على الأدب الملحمي ... القسم الثاني


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد خيري الحيدر - إلمامة بتاريخ المؤسسة الآثارية العراقية