أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد خيري الحيدر - دراسة فنية لتمثال باسطكي














المزيد.....

دراسة فنية لتمثال باسطكي


حامد خيري الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 6628 - 2020 / 7 / 26 - 23:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أكتشف هذا التمثال البالغ الاهمية عن طريق الصدفة عام 1975، وذلك خلال تبليط الطريق الواصل بين مدينتي دهوك وزاخو في شمال العراق، الى جانب تل أثري كبير يُعرف باسم "باسطكي"، ويقع ضمن حدود قرية صغيرة تُسمى بنفس الاسم، لذلك عُرف بين الباحثين بهذه التسمية "تمثال باسطي". ومن المهم ذكره هنا أن الطريق الذي عثر فيه على التمثال هو نفسه الذي كان يسلكه الأكديون للوصول الى مناطق تجمعاتهم التجارية والعسكرية في منطقة "كبدوكيا" وسط بلاد الاناضول، لذلك فمن المؤكد أن هذا التل يمثل أحدى المدن الصغيرة التي تقع على هذا الطريق. وقد أحدث هذا التمثال حين اكتشافه ضجة كبيرة في الاوساط الآثارية والفنية، كونه يمثل أثراً فنياً فريداً من نوعه بالنسبة لتطور الفنون في بلاد وادي الرافدين، ولم يسبق ان أكتشف مثيل أو شبيه له في جميع المواقع الأثرية في العراق.
التمثال يبلغ وزنه 150كغم وهو معمول من معدن البرونز بأسلوب الصب، وتم صنعه من قطعتين البدن والقاعدة، تم تثبيتهما الى بعضهما بواسطة أسافين برونزية. يمثل بدن التمثال النصف الاسفل لجسم أنسان عاري يبلغ ارتفاع المتبقي منه 23سم، يظهر وهو جالس بوضعٍ تتعامد فيه ساقاه بشكل أفقي الى بعضهما لتضم بينها أسطوانة مجوفة، وقد تم تثبيته على قاعدة دائرية قطرها 72سم ومحيطها 120سم وارتفاعها 10سم، كما ويضم سطح القاعدة أيضاً نص مسماري باللغة الأكدية القديمة، مكوّن من ثلاثة حقول منقوشة على شكل مستطيل أبعاده 13×34سم، تمثل كتابة تذكارية للملك الرابع في السلالة الأكدية "نرام سين" 2291_2255ق.م، تذكر في مضمونها بأن هذا الملك قد قضى على تسعة أقوام في المناطق المعادية لإمبراطوريته.
تعرض التمثال للأسف الى الكسر والتشويه المتعمد، حيث تم قطع نصفه العلوي بالكامل، كما تم قطع أجزاء من أصابع الأرجل، وفي الغالب كان ذلك من قبل القبائل "الكَوتية" الغازية التي أسقطت الإمبراطورية الأكدية عام 2230ق.م، ودمروا مدنها وخربوا معالمها ورموزها بالأخص الملكية منها. وقد أدى فقدان النصف الأعلى من التمثال الى صعوبة في تحديد طبيعة الشخص الجالس، وهل هو يمثل أحد الآلهة أو أنسان في وضع طقوسي ديني معيّن، فيما لو تم الأخذ بطبيعة وضع الجلوس والغاية منها وكذلك الحركة التي كان يؤديها من خلالها.
أن وضعية الجلوس في هذا التمثال نادرة وغريبة وليس لها قرائن في الفن العراقي القديم، لكنها تشابه الى حدٍ ما نماذج أخر تظهر في المنحوتات البارزة الأكدية وكذلك صور الأختام الأسطوانية التي تعود الى الفترة الأكدية، حيث يظهر فيها شخص بوضع الركوع أو القرفصاء ولكن ليس الجلوس التام، حيث يمثل شخص إله راكع يمسك بيديه أسفيناً كبيراً مثبتاً إياه في الأرض، وما يزيد من هذا التشابه هو وجود حقول الكتابة المسمارية في تلك الأختام والتي تعتبر أحد مميزتها.
كل ذلك دعا الى الاعتقاد أن الشخص الجالس يمثل أحد الآلهة وهو يُركز بجلسته أسفين البناء أو الراية المقدسة في الأرض تمهيداً لبناء معبداً عليها، وهو شيء يتطلب أخذ موافقة الآلهة مسبقاً التي تقوم من أجل ذلك بتكريسها وتطهيرها لهذا الغرض، حسب المعتقدات الدينية لسكان وادي الرافدين. ومن الآراء المطروحة كذلك في تحديد هوية الشخص الجالس أنه البطل السومري الشهير "كَلكَامش" وذلك من خلال شكل النطاق العريض الذي يحيط بطن التمثال، والذي يُذّكر بالأنطقة التي تظهر على أجساد البطلين "كَلكامش" و"أنكيدو" في صور الأختام الاسطوانية.
أن أهم وأبرز ما في هذا التمثال هو الأثبات بوصول الفنان الأكدي الى فهم التفاصيل التشريحية لجسم الانسان وخاصة بما يُعرف بـ"النسب القياسية"، وهذا ما يبدو واضحاً في تنفيذ شكل وحجم العضلات وتناسقها، وكذلك طول السيقان وحجم الأقدام وأصابعهما وحساب حجهما نسبة الى حجم وشكل البطن، لذلك يقع عمل هذا التمثال وفق الأسلوب الواقعي المستند الى الطبيعة الجسمانية للإنسان، وهو ما يُمّيز الفنون الأكدية بشكل عام، والتي اعتبرت حينها بمثابة ثورة على التقاليد والطرز الفنية القديمة التي كانت سائدة قبلاً والتي تُمثلها الفنون السومرية القديمة.
كان تَمثال "باسطكي" النادر أحد القَطع الأثرية الهامة التي سُرقت من المتحف الوطني العراقي خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لكن يشاء الحظ الحسن أن يتم أستراجعه بعد بضعة أشهر وقبل أن يتم تهريبه الى خارج العراق، وهو موجود حالياً ضمن معروضات القاعة الأكدية في ذلك المتحف.



#حامد_خيري_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة فنية لمسلة النصر العائدة للملك الأكدي نرام سين
- عام مَضى ... الذكرى الأولى لرحيل المناضل جبار خضير الحيدر
- نظرة على الأدب الملحمي ... القسم الثاني
- نظرة على الأدب الملحمي ... القسم الأول
- وداعاً أستاذنا فاضل عبد الواحد علي
- الرُصافي في حادثةٍ طريفة
- قسوة الموت وخلود النضال ... تحية مجد لذكرى المناضل الراحل جب ...
- العراقيون وقيلولة الظهيرة
- سأنتصر
- أنهار الخمر ...... حكاية من خيال بلاد ما بين النهرين القديمة
- جوانب من المدينة العراقية القديمة
- أغلى من الذهب ...... حكاية من خيال بلاد ما بين النهرين القدي ...
- ذكرى مأساة العراق
- بسمات عند شجرة الكستناء ...... حكاية من خيال بلاد ما بين الن ...
- بعيداً عن نينوى ...... حكاية من خيال بلاد ما بين النهرين الق ...
- نبوءة الماضي ...... حكاية من خيال بلاد ما بين النهرين القديم ...
- أمنية لعامٍ جديد
- عام سعيد غربتي
- المهن والحرف في العراق القديم
- الخمور والحانات في العراق القديم


المزيد.....




- رحلة -ملك العملات المشفرة-، من -الملياردير الأسطورة- إلى مئة ...
- قتلى في هجوم إسرائيلي على حلب
- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد خيري الحيدر - دراسة فنية لتمثال باسطكي