أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عثمان محمد حمدان - الحرب الشَّر الأعظم















المزيد.....

الحرب الشَّر الأعظم


عثمان محمد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 7542 - 2023 / 3 / 6 - 04:49
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


مقدمة المترجم:
كريس هيدجز Chris Hedges صحفي ومُؤلف وباحث أمريكي صاحب حُجَّة واضحة ضدَّ الحرب، ليس على أُسُسٍ فلسفيَّةٍ أو أخلاقيَّة فقط، ولكن من واقع تجربته كمراسل حربي حيث عمل لما يقرب من عقدين في تغطية الحرب في البَلقَان والسلفادور. يرى هيدجز أن الحرب تخلق إحساسا بالهدف والهوية للأفراد والمجتمعات، ولكنها تؤدي في نهاية المطاف إلى خيبة الأمل والصدمة. تتناول كتاباته تقاطعات السياسة والثقافة والمجتمع حيث أشْتهِرُ بانتقاده للإمبرياليَّة الأمريكيَّة ووسائل الإعلام السَّائدة. يرى هيدجز أن المؤسسة الليبرالية التقليدية في الولايات المتحدة فشلت في معالجة عدم المساواة الاقتصادية والسياسية المتزايدة في البلاد. ويؤكد أن الطبقة الليبرالية أصبحت متواطئة مع نفس الأنظمة التي سعت ذات مرة إلى إصلاحها.

--------------------

الحرب الاستباقيَّة، سواء في العراق أو أوكرانيا، هي جريمة حرب. لا يَهُمُّ ما إذا كانت الحرب قد شنَّت على أساس الأكاذيب والافتراءات، كما كان الحال في العراق، أو بسبب خرق سلسلة من الاتفاقيات مع روسيا، بما في ذلك وعد واشنطن بعدم توسيع حلف الناتو إلى ما وراء حدود ألمانيا الموحدة، وعدم نَشْرِ الآلافِ من قُوَّات الناتو في وسط وشرق أوروبا، وعدم التدخل في الشُّؤون الداخليَّة للدول الواقعة على حدود روسيا، وكذلك رَفضُ تنفيذ اتفاقيَّة مينسك للسَّلام. أتوقَّعُ أن غزوَ أوكرانيا لم يكن ليَحْدُث لو تمَّ الوفاءُ بهذه الوعود. بالرغم من أن لروسيا كُلَّ الحق في الشُّعُورِ بالتهديد والخيانة والغضب، لكن تفهم ذلك لا يعني التَّغاضي عن جريمة الحرب. إن غزو روسيا لأوكرانيا، هو حرب عدوان إجراميَّة بموجب قوانين ما بعد نورمبرغ.

لقد عَلِمَتُ آلةَ الحربِ. الحربُ ليست السياسة بوسائل أُخرى، إنها شرُّ محضٍ. قَضَيتُ عقدين كمراسل حربٍ في أمريكا الوسطى والشرق الأوسط وإفريقيا والبلقان، حيث قمت بتغطية الحروب في البوسنة وكوسوفو. تُسكّنُني أشباحُ العشراتِ مِمَّن حصدتهم الحربُ، بمن فيهم صديقي المقرَّب، مراسل رويترز كورت شورك، الذي قُتل في كمينٍ في سيراليون مع صديقي الآخر، ميغيل جيل مورينو دي مورا.

أعرفُ فوضى الحربِ وحِيرَاتَهَا، وعدم اليقينَ والارتباكِ الُمستمر. في معركة بالأسلحة النَّاريَّة، تكون أنت على درايةٍ فقط بما يحدثُ على بعد أقدامٍ قليلة حَوَّلك. تُكافح بِشدَّة، وليْس دائمًا بِنجاح، لِمعْرِفة مِن أَيْن يَأتِيك إِطلَاق النَّار لِتجنُّب نَفسِك الإصابة.

لَقد شَعرَت بِالعجز والشَّلل اَلذِي لا زال يُداهمني، بعد سنوات، مِثْل قِطَار بِضاعة يُسْرِع فِي مُنتَصَف اللَّيل، يَترُكني مطْويًّا فِي دُثُر مِن الرُّعْب، وقلبِي يَتَصدَّع ، وَجسَدِي يَتَصبَّب عرقًا.

لَقد سمعت نشيج أُولئك الَّذين يِخْتلْجهْم الحزن وَهُم يتشبَّثون بِجثث الأصْدقاء وأفْرَاد العائلة، بِمَن فِي ذَلِك الأطْفال. ما زلت أسْمعهم. لا تُهِم اَللغَة. الإسبانية. العربيَّة. العبْريَّة. الدِّينْكاويَّة. الصِّرْبيَّة الكرْواتيَّة. الألْبانيَّة . الأوكرانيَّة. الرُّوسيَّة. فالْمَوْتُ يَتَجاوَز الحواجز اللُّغويَّة.
أعرف كيف تبدو الجراح. الأطراف المتطايرة. الرُّؤوس المنسوفة تسبح في كتلة دَمَويَّة لزجة. البطون المبقورة. برك الدَّم. صرخات المحتضرين، نِداءاتهم للمرَّة الأخيرة لأمَّهاتهم. والرَّائحة. رائحة الموت. التضحية العظمى التي بذلت من أجل عِقْبان الجو وديدان الأرض.

تعرضت للضَّرب على أيدي الشُّرطة السِرِيَّة العراقية والسعودية. لقد تمَّ أسري من قبل الكونترا في نيكاراغوا، الذين اِتَّصلوا لاسلكيا بقاعدتهم في هندوراس لمعرفة ما إذا كان ينبغي عليهم قتلي، ومرَّة أخرى في البصرة بعد حرب الخليج الأولى في العراق، ولم أكُن أعرف أبدا ما إذا كنت سَأَعْدَمُ، وُضِعَتْ تحت حراسة مُسْتمِرَّة وغالبا بدون طعام، وأشرب من برك الطين.

الدرس الأساسي في الحرب هو أننا كأفراد مُتمايزين غير مُهمِّين. نصبح أرقاماً. علف. كائنات. الحياة، التي كانت ثمينة ومقدَّسة، تُصبح بلا معنى، ويتم التَّضحية بها لإِشباعِ شهيَّة إله الحرب التي لا تُشْبعُ. لا أحد في زمن الحرب مُسَتِثْنَى. "كُنَّا ذوات مُستهلكة" ، كتب يوجين سليدج عن تجاربه كجندي في مشاة البحرية في جنوب المحيط الهادئ في الحرب العالمية الثانية: "كان من الصَّعب قَبُول ذلك. نحن ننتمي لأمةٍ وثقافةٍ تُقَدِّرُ الحياة والفرد. أن تجد نفسك في موقف تبدو فيه حياتك ذات قيمةٍ مُتدنيةٍ هو أقصى درجات الشعور بالوحدة. إنها تجربة مُهينة".

يتذكر سليدج ضابطا شابا في مُشاة البحرية الامريكية كان لديه "ميل مُروعُ وفاحشُ" لِلتَّبَوُّلِ في أفواه الجثث اليابانية. مشهدُ الحرب يُصيبك بالهلوسة. يسميها سليدج "تشكيلة غير واقعية". إنها تتحدى الفهم. الحرب، مثل الهولوكوست، كما كتبت باربرا فولي، "لا يُمكنُ الإحاطة بها". "لا يمكن الوصول للأبعاد الكاملة للحرب من خلال الإطار الأيديولوجي الذي ورثناه من العصر الليبرالي".

تفقد القدرة على تَصَوُّرِ ومعرفة الوقت في معركةٍ بالأسلحةِ النارية. بضعُ دقائق. بضعُ ساعات. في هُنَيْهَةِ، تُسَوِّي المنازل بالارضِ وَتَطْمِسُ مجتمعاتٍ باكملها، كل ما كان مألوفا في يوم من الأيام، وتَتَرك وراءها أطلالا مشتعلة وصدمة تلاحقك طوال عُمْرِكَ. لقد ذُقْتُ ما يكفي من الحرب، ما يكفي من خوفي، تحول جسدي إلى هلام، لِأُوقِنْ أن الحرب هي عين الشر، أصدق تعبير ٍعن الموت، ترتدي زِيًّا وطنيا وتُباع للسذج كتذكرة للمجدِ والشرف والشجاعة لكنها تتقاصر عن الحرية والديمقراطية. إنها إِكْسِير سَامٌّ وَمُغْرِي. أولئك الذين بقوا على قيد الحياة، كما كتب كورت فونيغوت، يُكافحون بعد ذلك من أجل "إعادة اختراع أنفسهم وعالمهم،" وهو ما لن يكون له معنى مرة أخرى. كما كتب والت ويتمان، الذي كان يعتني بالجنود الجرحى في المستشفيات خلال الحرب الأهلية، في دفتر ملاحظاته: "الحرب الحقيقية لن تحتويها الكتب أبدا". يجادل ويتمان قائلا: "لن يُكتب تاريخها الداخلي أبدا فحسب، بل إن جدواها وتفاصيل الأفعال والعواطف لن يتم تصورها أبدا."

تُدمر الحربُ جميعَ الأنظمةِ التي تُحافظُ على الحياة وتَغَذّيها - العائلية والاقتصادية والثقافية والسياسية والبيئية والاجتماعية. فبمجرد أن تبدأ الحرب، لا أحد، حتى أولئك المسؤولين اسميا عن شَنِّهَا، يعرف ما سيحدث، وكيف ستتطور الحرب، وكيف يُمكن أن تَدْفَعَ الجيوش والدول نحو حماقة انتحارية. لا تُوجد حروب جَيِّدة. ايُّ حربٍ. وهذا يشمل الحرب العالمية الثانية، التي تم غسلها وتطهيرها وإضفاء الطابع الأسطوري عليها للاحتفال بالبطولة الأمريكية والنقاء والخير. إذا كانت الحقيقة هي الضحية الأولى في الحرب، فالغموض هو الضحية الثانية. إن الخطاب العدواني الذي تَبَنَّتْهُ الصحافة الأمريكية وتقوم بتضخيمه، وشِيطنة فلاديمير بوتين ورفع الأوكرانيين إلى مقام أنصاف الآلهة، والمطالبة بتدخل عسكري أكثر قوةٍ إلى جانب العقوبات المصممة لإسقاط حكومة بوتين، هو خطاب طُفُولِيّ وخطير. إن كون النسخة المعكوسة للصراع صحيحة في وسائل الإعلام الروسية يُغذي الجُنون.

لم تكن هناك مناقشات حول النزعة السلمية في أقبيةٍ سراييفو عندما كنا نتعرض لمئات القذائف الصربية يوميا وتحت نيران القنَّاصة المستمرة. كان من المنطقي الدفاع عن المدينة. كان من المنطقي أن تَقتلَ أو تقتُلُ. وقد أثبت جنود صرب البوسنة في وادي درينا وفوكوفار وسريبرينيتشا بجلاء قدرتهم على شن هجماتٍ قاتلة، بما في ذلك إطلاق النار على مئات الجنود والمدنيين واغتصاب النساء والفتيات بالجملة. لكن كل هذا لم يُنْقِذْ أَيًّا من المدافعين في سراييفو من سُمِّ العنف، القوة المدمرة للروح التي هي الحرب.

كنت أعرف جنديا بوسنيا سمع صوتا خلف الباب أثناء قيامه بدورية في ضواحي سراييفو. أطلق على الفور دفعةً من الكلاكنشوف عبر الباب. فالتأخير لبضع ثوانٍ في القتال يُمكنُ أن يعني الموت. عندما فتح الباب، وجد بقايا دَمَوِيَّةً لفتاة تبلُغُ من العمر اثني عشر عاماً. كانت ابنته في الثانية عشرة من عمرها. لم يتعاف بعدها أبدا.



#عثمان_محمد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين: البنتاغون يستعد ...
- العنْصريَّة والْفاشيَّة
- الانْتفاضة العالميَّة ضِدَّ النِّيوليبراليَّة وسياساتهَا الت ...
- ذُبُولٌ مُتَنَبَّأٍ بِهِ
- تصاعد تنظيم النقابات الامريكية في عام 2022: لندفع باتجاه حرك ...
- اِنْهض فِي غضب وَأمَل: كَيْف يُمْكِن لِلاحْتجاجات البركانية ...


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عثمان محمد حمدان - الحرب الشَّر الأعظم