النقابات: قوة وشرعية تمثيلها لمنتسبيها

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

الحوار المتمدن-العدد: 7538 - 2023 / 3 / 2 - 20:00
المحور: ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي2023: دور وأهمية التضامن والتحالف الأممي للطبقة العاملة
    

تستمد أي نقابة قوتها من شرعية تمثيلها لجمهور منتسبيها، وترتبط الشرعية هذه بمجموعة من العوامل أبرزها مدى جماهيرية النقابة والتفاف جمهور العاملين حولها، ومقياس ذلك هو نسبة انخراط العاملين في قطاع معين إلى النقابة حيث أن الانتساب للنقابات هو أمر طوعي وليس إلزاميا. فشرعية التمثيل ترتبط بالقدرة على التفاوض الجماعي باسم منتسبي القطاع، والضغط على الخصم ( أصحاب العمل او الحكومة) بقوة التفويض الممنوح للجسم النقابي الذي يستطيع أن يُلوّح بالقيام بإجراءات احتجاجية قد تصل إلى حد التوقف عن العمل او الإضراب.
وترتبط شرعية التمثيل النقابي بمدى كونه ديمقراطيا، وانتخاب ممثلي النقابة عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة، وفق نظام انتخابي معروف ومنصوص عليه في النظام الداخلي للنقابة، وبإشراف هيئة محايدة قد تكون من داخل عضوية النقابة أو من خارجها. ولتعزيز ديمقراطية الانتخابات، يجب أن تكون دورية ومنتظمة، وأن تكون الهيئة العامة معلنة لعموم المهتمين من مرشحين ومراقبين، وان تكون شروط الترشح سلسة ومتاحة لجميع من تتوفر فيهم الشروط.
تخضع عملية تشكيل النقابات وترخيصها أحيانا لشروط رسمية معقدة، أو أمنية أو بيروقراطية، ما يبقي هذه العملية الحيوية رهنا برغبة السلطة التنفيذية وحساباتها. وأكثر من يعاني من ذلك هي الطبقة العاملة ونقاباتها، في حين أن تشكيل النقابات المهنية، مثل نقابات الأطباء والمهندسين والمحامين يخضع لاعتبارات أكثر صرامة ومهنية مثل الشروط الأكاديمية ورخص مزاولة المهنة التي تشترك في الإشراف عليها كل من النقابات القائمة والسلطات المختصة كوزارة الصحة للأطباء والصيادلة، والعدل للمحامين.
في فلسطين يبدو الوضع أكثر تشابكا وصعوبة بسبب البيئة القانونية المعقدة، وهي مزيج من القوانين الموروثة عن فترة الحكم الأردني في الضفة الغربية والمصري في قطاع غزة، فضلا عن بعض القوانين الموروثة عن عهد الانتداب البريطاني، والأوامر العسكرية الإسرائيلية، وقد تعطلت آليات التشريع الفلسطينية بسبب تجميد عمل المجلس التشريعي الفلسطيني منذ العام 2007، ثم حلّه بقرار المحكمة الدستورية عام 2018، واللافت أن قرار الحل ارتبط بالدعوة لإجراء انتخابات تشريعية جديدة، لكن الانتخابات لم تجر، وبقي المجلس معطلا. مع أن الواقع الموضوعي يستدعي اكثر من اي شيء آخر تفعيل سلطة التشريع بسبب التطورات الهائلة والمتسارعة الجارية في الواقع، والتي تتطلب مواكبتها بتشريعات حديثة تأخذ بعين الاعتبار التطورات الواقعية لظروف العمل، والالتزامات الدولية التي وقعت عليها دولة فلسطين في مجالات العمل والتنظيم النقابي.
أدى إقرار قانون العمل الفلسطيني في العام 2000 إلى إلغاء قانون العمل الأردني الذي كان سائدا وكان يمثل الإطار العام للتنظيم النقابي، من دون وضع إطار بديل، وذلك ما أدخل العمل النقابي في فوضى واسعة، ووجود أكثر من 300 نقابة تتنافس فيما بينها على الاسم والاختصاص والتمثيل، ما أدى إلى انقسام النقابات عاموديا وأفقيا، في المهنة الواحدة وفي المنطقة الجغرافية الواحدة، وبحسب الجهات السياسية التي تقف خلف تأسيس هذه النقابات. وأحيانا بسبب عوامل شخصية وفردية وأخرى مرتبطة بتشجيع أصحاب العمل ما أدى إلى إضعاف الصفة التمثيلية للنقابات العمالية، وذلك ما أبقاها إلى حد بعيد أقرب إلى الواجهات السياسية منها للأدوات المعنية بتحصيل الحقوق المطلبية لمنتسبيها.
علما بأن تشكيلة الجسم الرئيسي للنقابات العمالية ( الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين) تتكون من الأذرع العمالية للقوى والفصائل المشكلة لمنظمة التحرير، وقد سادت لفترة طويلة عقلية تقاسم المواقع القيادية وفق نظام الكوتا (المحاصصة) وذلك ما أضعف العملية الديمقراطية في هذه النقابات، وأبقاها رهنا بالتفاهمات الفوقية للقوى السياسية، كما أضعف قدرتها على تمثيل المصالح الحقيقية للعمال، ما أدى بالنتيجة إلى تشكيل أطر نقابية عمالية غير حزبية، بعضها استند إلى القطاع الواحد، أو موقع العمل أو إلى اعتبارات جهوية ومناطقية وشخصية، وأحيانا بسبب عوامل شخصية وفردية وأخرى مرتبطة بتشجيع أصحاب العمل ما أدى بالمحصلة إلى مزيد من تشتيت الحركة العمالية وإضعاف أطرها الرسمية في تمثيل مصالح العمال والضغط باسمهم، وإبقاء هذه الأطر أقرب إلى كونها واجهات للدعاية السياسية من كونها أدوات لتحصيل المطالب والحقوق العمالية.

*جزء من برنامج للمؤسسة الفلسطينية للتمكين والتنمية المحلية (ريفورم)

#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)       Nihad_Abughosh#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل