أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نهاد ابو غوش - مخيم جنين ... مخيم البطولة














المزيد.....

مخيم جنين ... مخيم البطولة


نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)


الحوار المتمدن-العدد: 7513 - 2023 / 2 / 5 - 13:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نهاد أبو غوش
لا تزيد مساحة مخيم جنين عن كيلو متر مربع واحد، بينما يربو عدد سكانه على سبعة عشر ألفا من اللاجئين الذين هُجروا من منطقة حيفا وقرى جنين المحتلة عام 1948، مثل قرى زرعين والمنسي والمزار ونورس والنغنغية وإجزم، وعين حوض والخضيرة وصبارين. وعلى الرغم من صغر مساحته، إلا أن رمزية المخيم تجاوزت حدود المكان والزمان والأرقام الإحصائية، واستقرت عميقا في وجدان الشعب الفلسطيني وسجلّ نضالاته المجيد. بل إنها تجاوزت حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، فبات المخيم نموذجا عالميا وإنسانيا لقدرة الكف على مناطحة المخرز، وانتصار الدم على السيف.
أتاحت لنا جولة نظمها مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية التعرف عن كثب على الناس، وعلى تفاصيل المجزرة المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال صباح 26/1/2023 فأوقعت عشرة شهداء وعددا كبيرا من الجرحى. استمعنا إلى شهادات ذوي الضحايا والأطباء وطواقم الإسعاف وممثلي المؤسسات، وقصص الألم والقهر والبطولة. هنا ينطبق القول الشائع " الرؤية ليست مثل السمع"، فمن يسمع الأخبار من بعيد ومن اعتاد على إحصاء المذابح والانتهاكات والنظر إليها كأرقام ليس كمن يعاين الواقع على الأرض ويستمع لممثلي المؤسسات ولابنة الشهيدة، والطبيب الذي أشرف على استقبال الشهداء ومعالجة الجرحى، والطفل الذي ما يزال مسكونا بالرعب الذي شاهده بأم عينه.
تضافرت عوامل عديدة لتنسج قصة البطولة الحية والمستمرة، من بينها التاريخ المباشر لمحافظة جنين في الثورة الفلسطينية الكبرى، وخصوصا حركة الشيخ الشهيد عز الدين القسام الذي خاص معركته الأخيرة واستشهد في أحراش يعبد، والمعارك الضارية التي خاضها الجيشان الأردني والعراقي لحماية جنين وإنقاذها من الاحتلال عام 1948 حيث ما زالت قبور الشهداء شاهدة على ذلك. ثم حجم القهر والألم الذي حمله الناجون من القرى المهجرة ومذابح النكبة معهم وأورثوه إلى أبنائهم الذين ما زالوا يحفظون تفاصيل قراهم السليبة، الباقية أراضيها وأطلاها على مرمى النظر. ومن العوامل الحديثة مناخ الوحدة الوطنية الراسخة التي تجسدت في أبهى صورها خلال معركة مخيم جنين البطولية في الانتفاضة الثانية في نيسان 2002، فذكريات هذه المعركة ودلالاتها قدمت دليلا عمليا حاسما على أهمية الوحدة الوطنية، التي أثبتت المعركة والمعارك الكثيرة التالية، أنها ليست مجرد شعار، بل قوة مادية ومعنوية هائلة. كما كان مخيم جنين، ومحافظة جنين حاضرين بقوة مميزة في الملحمة الأسطورية لعملية التحرر الذاتي لأسرى سجن جلبوع، ثم في تشكّل أنوية الموجة الجديدة لعمليات المقاومة خلال العام الماضي والتي بدأت في جنين وانتشرت إلى نابلس وباقي محافظات الضفة، وكانت وما زالت تؤرّق الاحتلال وتقض مضاجع قادته الذي يصرون على النظر إليها كظاهرة أمنية يمكن استئصالها بالاغتيالات والاعتقالات، ولا يستطيعون رؤية الجانب الوطني في هذه الظاهرة، من حيث كونها تعبيرا عن توق شعب رازح تحت الاحتلال للحرية.
وبسبب رمزيته التي تمثل تحديا استراتيجيا للمحتل الساعي إلى إخضاع الفلسطينيين، واجتثاث أي حالة مقاومة أو اعتراض على سياساته ومخططاته، كان مخيم جنين هدفا دائما لعشرات عمليات الاجتياح والإعدامات الميدانية.
في كل عائلة شهيد، وفي كل زاوية معركة، وفي كل زقاق قصة بطولة يرويها الكبار ويتفتح وعي الصغار عليها. هنا استشهدت ماجدة عبيد، وعلى مدخل الحارة أعدم وسام أبو جعص وداست المركبة العسكرية جثمانه، وهذه أنقاض منزل الصايغ الذي قُصف بقذائف الأنيرجا "الحارقة" فدُمّر واستشهد كل من كانوا فيه، وهناك ودعت أم العبد الشهيد عز الدين صلاحات صديق ابنها الشهيد جمال، وغطته بالكوفية وغنت له ما تغنيه الأمهات لأبنائهن الشهداء. وعلى الجدران تزدحم صور الشهداء: شبابا في عمر الورد، أمهات وأطفالا، معلمين وأطباء وعمالا وطلبة، بين هؤلاء ثمة مكان مميز للشهيدة شيرين أبو عاقلة التي يعتبرها أهل المخيم منهم، وبسرعة احتلت صورة خيري علقم مكانتها بين شهداء المخيم إلى جانب صورة عدي التميمي، وعند مدخل المخيم صنع فنانون محلّيّون من بقايا القذائف والقنابل مجسما لحصان في مشهد ينطق بالمفارقات المأساوية، كيف يُنتج الضحايا من أدوات الموت عملا جماليا؟ وحتى لا يذهب الناظر بعيدا في خياله تُذكّره صور الشهداء التي تزنر دوار الحصان بالحقيقة التي ما زالت ترعف دما.
أكثر من 300 جندي شاركوا في تنفيذ المجزرة الأخيرة، خلافا لغرف الرقابة والسيطرة المركزية التي أشرف عليها قادة دولة الاحتلال وجنرالاتها، تحكُّم مطلق بالاتصالات والطرق والمُسيرات والمروحيات، وقوات إضافية كانت في حالة تأهب حول المخيم وفي المعسكرات القريبة.
التدمير شبه الكامل للمخيم خلال معركة 2002 لم يفلح في مسحه عن خريطة المقاومة. وألم الفقدان الذي يتقاسمه أهل المخيم ويتشاركونه زاد من تماسكهم وتلاحمهم، بل زاد من تمسكهم بحقوقهم. تُلخِّص الناشطة فرحة أبو الهيجا عضو اللجنة الشعبية للمخيم المعادلة بالقول "لقد سلبونا أرضنا وممتلكاتنا، ودمروا بيوتنا، لكنهم لم يسلبوا إرادتنا".
البطولة ليست مجرد حالة عاطفية ومشاعر متأججة في الصدور، فالمخيم بحاجة إلى عوامل صمود مادية، وإلى خدمات طبابة وتعليم وبنية تحتية، وعناية بالأطفال والشيوخ والأشخاص ذوي الإعاقة، وسائر الخدمات الاجتماعية، إلى جانب ترميم وإصلاح ما دمره الاحتلال. وفي ضوء التقليصات المستمرة للخدمات التي تقدمها وكالة الغوث (الأونروا) وتطال الخدمات الأساسية، وعدم شمول بعض خدمات السلطة للمخيمات، ثمة حاجة مُلحّة لإسناد المخيم وتوفير مقومات الصمود عبر حملة وطنية محلية وخارجية تتعاون فيها المؤسسات الرسمية مع مؤسسات المجتمع المدني وروابط الجاليات ولجان التضامن مع فلسطين.
مخيم جنين، بشهدائه وجرحاه وأسراه وأطفاله وعموم سكانه هو المخيم الذي صوّب البوصلة، فرفع روحنا المعنوية، وانتشلها من وهدة اليأس إلى آفاق الأمل والتفاؤل بالحرية والاستقلال طالما أن لدينا شعبا لا يلين كما هم أهل مخيم جنين.



#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)       Nihad_Abughosh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسرائيل: من إدارة الصراع إلى السعي لإنهائه (2 من 2)
- إسرائيل : من إدارة الصراع إلى محاولات إنهائه (1 من 2)
- المقاومة وسعي إسرائيل لحسم الصراع (2من2)
- المقاومة وسعي إسرائيل لحسم الصراع (1من2)
- دمهم في رقبتك يا بيبي
- لكل فعل رد فعل والفلسطينيون لن يستسلموا
- مجزرة مخيم ومحاولات حسم الصراع*
- عن الاحتجاجات والخلافات الإسرائيلية الداخلية
- تصعيد إسرائيلي على كل جبهات الصراع
- المقاومة المتجددة وظاهرة عرين الأسود*
- تعامل الولايات المتحدة مع -ساحتها الخلفية-*
- أوكرانيا والسعودية وسط الصراعات الدولية*
- فرية بيع الفلسطينيين لأرضهم (2 من2)
- فرية بيع الفلسطينيين لأرضهم (1 من2)
- إسرائيل تريدها سلطة ضعيفة وخاضعة
- التربية الاعلامية واثرها في تثبيت الرواية الفلسطينية
- عن التربية الاعلامية في فلسطين*
- التصعيد المستمر بالضفة لم يرقَ لحالة الانتفاضة الشاملة
- البيان الشيوعي والأزمنة الحديثة
- راهنية البيان الشيوعي


المزيد.....




- تحويلات المصريين بالخارج تقترب من 30 مليار دولار خلال 10 أشه ...
- ربما تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي.. ما حقيقة فيديو قصف إسرائي ...
- تراث أصفهان الفارسي والمواجهة بين إيران وإسرائيل
- غضب في مدينة البندقية على حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
- يسمع ضجيج القنابل قبل صوت أمه.. عن طفل رضيع في مستشفيات غزة ...
- -فائقو الثراء- في ألمانيا يمتلكون أكثر من ربع إجمالي الأصول ...
- صحيفة روسية: هل هناك من يستطيع تزويد طهران بالقنبلة النووية؟ ...
- ترامب: يمكن للصين مواصلة شراء النفط الإيراني
- فيتنام تحاكم 41 متهما في قضية فساد بقيمة 45 مليون دولار
- صحف إسرائيلية: هدنة ترامب تريح طهران وتنعش مفاوضات غزة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نهاد ابو غوش - مخيم جنين ... مخيم البطولة