أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نافع شابو - رؤيا - لاهوتية علمية عقلية - معاصرة لرواية -الخَلق- في سفر التكوين – الجزء الثاني-















المزيد.....


رؤيا - لاهوتية علمية عقلية - معاصرة لرواية -الخَلق- في سفر التكوين – الجزء الثاني-


نافع شابو

الحوار المتمدن-العدد: 7527 - 2023 / 2 / 19 - 18:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كيف نفهم ، اليوم ، رواية "الخلق " في الكتاب المقدس كما وردت في سفر التكوين ؟


عندما تنظر الى مبنى لن تستغرب انَّ هناك من بناه و عندما تنظر الى لوحة لن تستغرب أنّ هناك من رسمها ، فلماذا تسال عن الخالق عندما تنظرحولك ؟ .
"ايرك هاودن"
اني كلما ازددت بحثاً في ظواهر هذا الوجود أستطيع أن أؤكد استحالة أن يكون العالم ونفوسنا، قد ظهرت عن طريق الصدفة. وبهذا أستطيع أن أؤكد حتمية وجود الله".
" داروين".
مقدمة
قرأت كتاب لأحد الكُتّاب المؤمنين كان عنوانه "بحثت فوجدتُ"وكان يقصد في بحثه عن الله(الحق) وهو كتاب يردُّ على كاتب ملحد ، الّف كتاب بعنوان"بحثتُ فلم أجد". يعلّق الكاتب المؤمن, بعد قرائته لكتاب الملحد فيقول:انَّ صاحبي الذي يقول أنّه بحث عن الله(الحق) فلم يجده فهو كمن يغطس في نهر ويخرج منه فيقول لم احّس بوجود الماء أو كمن يتنفس الهواء ويقول لا وجود للهواء لأني لا أراه"، هناك ناس وضعوا عُصّابة على عيونهم وقسّوا قلوبهم وسدّوا اذانهم لكي لايروا نور الحق أو يسمعوا قول الحق. كما قال عنهم الرب يسوع المسيح "متي 13:14" . انهم يعرفون وجود الله ولكنهم لايفهمون حق الله لأنهم غير مستعدين له , فعندما نتحدّث مع هؤلاء الناس عن الله الحق فهم لن يفهمونه لأنهم غير مستعدين له وهؤلاء ما أكثرهم.
منذ سنوات قرَّرتُ ان ابحث في مسألة الخالق والخليقة في مجالات : الدين (اللاهوت) والفلسفة (العقل ) والعلم .
ومنذُ عدّة سنوات كتبتُ - ولازلتُ أكتب -عشرات المقالات: بعناوين مختلفة مثل : ألعلم والأيمان، والعقل والأيمان ، والخلق والتطور . هذا بالأضافة الى عشرات المقالات الروحية ، وجميع هذه المقالات شملت دراسة الكتاب المقدس (والتفاسير) وكيف انّ العلم والفلسفة والعقل هي ادلة تُرسخ أيمان المؤمن ليستطيع ان يدافع عن هذا الأيمان -خاصة امام من يعتبرون انفسهم علماء وفلاسفة لايؤمنون بالخالق والذين يحاولون بكل السبل تشويه صورة الأنسان ، عندما يقلّلون من قيمة الأنسان ، وعندما يعتبرونه مجرد كتلة من اللحم والدم . وغايتي في كُلّ هذا ،كان ولايزال ،هو ان أحاول جمع الأدلة الأيمانية بوجود خالق للكون وهو شخص حي واجب الوجود : من خلال الكتاب المقدس (الوحي الإلهي) والكتب الروحية ،والخلقية ، والعلمية ، والعقلية ، والفلسفية ، لتكون حجج وأدلّة لاهوتية وعقلية و منطقية وعلمية لوجود مُصمّم ذكي وهو خالق الكون وواهب الحياة وهو لازال يعمل في الخليقة .
وبعد هذه الرحلة الطويلة من الأبحاث - والتي رسّخت وزادت ايماني - لأستطيع ان ادافع عن هذا الأيمان بالخالق الذي خلق الكون والحياة وصولا الى الأنسان الواعي الذي "هو صورة الله ومثاله...على صورة الله خلق البشر " ، كما ورد في الكتاب المقدس في بداية سفر التكون( 1: 26، 27) . ليس هذا فقط بل ساعدتني هذه الأدلة لأستطيع رؤية سفر التكوين وقرائته وفهمه على ضوء احدث الأبحاث والأكتشافات العلمية المعاصرة . كذلك استنادا الى رؤيا لاهوتية معاصرة لقراءة وشرح وتفسير الفصول الثلاثة الأولى من سفر التكوين والخاصة عن الخالق والكون والأنسان .
هذا بالأضافة الى دراستي لتاريخ الكتاب المقدس وقبلها الديانات الوثنية السابقة التي بنت رؤيتها على الأساطير وسط شعوب واديان وثنية تؤمن بآلهة الطبيعة ، مثل اله الشمس والقمر والنجوم ، قبل ان تتبلور الرؤيا ، عند الشعب العبراني للوصول الى حقيقة وجود اله واحد خالق السماوات والأرض والمخلوقات كما جاء في اول اية في الكتاب المقدس :" في البدء خلق الله السماوات والأرض" تكوين ! :1"
من خلال الوحي الألهي الذي سجّله لنا كُتّأب العهد القديم عبر العصور(منذ حوالي 3 آلاف سنة) والذي اوصلنا الى العهد الجديد الذي فيه يخبرنا كاتب سفر "العبرانيين " فيقول:" كلّم الله آباءنا من قديم الزمان بِلسان الأنبياء مرّاتٍ كثيرة وبمختلف الوسائل ، ولكنَّهُ في هذه الأيّام الأخيرة كلَّمنا بأبنهِ الذي جَعَلهُ وارثاً لكُلِّ شيءٍ وبه خَلَقَ العالم. هو بهاءُ مجدِ الله وصورةُ جوهره ، يحفظُ الكون ّ بقوّة كلمتهِ"(عبرانيين 1 : 1-3)
نعم هذا اعتراف ايماني يوجز كُلِّ سرّ المسيح ، حيث وصل التاريخ الى ذروته ، ووحي الله الى كماله . بتجسّد المسيح تمَّ عمل الخلق وبيسوع المسيح تصالحت البشرية مع الله ألآب . بولس الرسول في رسالته الى اهل كولوسي يقول ،عن وصفه للمسيح: "الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ ، الذي لايُرى، وبِكْرُ الخلائق كُلّها...وهو البدء وبكر من قام من بين الأموات ...لان الله شاء ان يحلّ فيه ِ الملءُ كُلَّهُ" كولوسي 1: 15 ، 18 ،19 "
عن ابن الله الحبيب يسوع المسيح "الكلمة" ، هذا النص كانه يدخلنا في بدايات سفر الخلق ، فهو نشيد يمتدح عظمة المسيح في الكون فهو صورة جوهر الله ،إبن الله الأزلي والذي صار انسانا ، يعكس الله ويكشفه للبشر ، المخلوق على صورة الله (يعكس صورة الله)
"لنصنع الأنسان على صورتنا كمثالنا....فخلق الله الأنسان على صورته ، على صورةِ الله خلَقَ ألأنسان "تكوين 1 : ،26"
فالأنسان يُمثّل الله على الأرض ، ويتسلّط على الخلائق ، وهو يستطيع ان يقيم علاقة مع الله ، مثل علاقة الولد بوالديه، كُلٍّ بطريقته هو صورة الله ، ويحاول ان يقتدي بالله . ألأنسان صورة الله والمثال يسوع المسيح يمثلنا
جاء في مقدمة كتاب بعنوان "عالم صوفي" وهي رواية حول تاريخ الفلسفة للكاتب جوستاين "غاردر "
الفلسفة الطبيعية ظهرت في القرن التاسع عشر - وهي لاتزال مستمرة الى يومنا هذا- ويمكن التكلم عن التيار ال"الطبيعي" ونعني "بالطبيعة"حسّا بالواقعية لايقبل أيّ’ حقيقة غير الطبيعة و العالم المُدرك (المحسوس) ، والعالم الطبيعي حُسّا يعتمد حصرا على الظواهر الطبيعية – لا على افتراضات منطقية ،ولا على أيِّ شكل من أشكال الوحي الإلهي.-
إنّ أفضل وسيلة لمقاربة الفلسفة هي طرح عدّة أسئلة فلسفية :
كيف خُلق الكون؟ هل وراء كُلِّ ما يحدث إرادة ام حُسّ ؟ هل توجد حياة أخرى بعد الموت؟ ودون ان ننسى هذا كله كيف يجب أن نعيش؟
السؤال المطروح : ما قيمة الخلق الأزلي إذن طالما ، بلحظة يُعاد المخلوق الى العدم كما يعتقد العدميّون ؟
ما هو الشيء ألأهم في الحياة ؟
أذا ما وجهنا هذا السؤال لرجل لايجد ما يشبع جوعه ، سيجيبنا انّهُ الطعام .
الذي يرتجف بردا سيقول انها الحرارة ، أمّا الذي يعاني من الوحدة فسيجيب أنّها صحبة البشر الآخرين .
لكن ، هل يوجد ، رغم كل شيء ، أبعد من هذه الحاجات ألأوليّة ، ما يحتاجه أيضا جميع الناس؟
الفلاسفة يعتقدون أنّ الجواب نعم . انهم يؤكدون أنّ الأنسان لايحيا بالخبز وحده: "مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ"مت 4: 4". هذا ما قاله يسوع المسيح للمجرّب (الشيطان)
لاشكّ أنّ كُلّ الناس يحتاجون الطعام ، وهم يحتاجون أيضا الحبّ والحنان . لكن هناك شيء آخر نحتاجه كُلُّنا : هو أن نعرف من نحنُ ، ولماذا نعيش ؟
إذن ليست الرغبة في معرفة لماذا نعيش ، اهتماما "عارضا" كالأهتمام بجمع الطوابع والذي يطرح على نفسه هذا النوع من ألأسئلة يلتقي بذلك مع اهتمامات كُلّ الأجيال التي سبقته . إنَّ أصل الكون ، والأرض ، والحياة ، هي قضيّة أكثر أساسيّة من معرفة من الذي حصل على أكبر عدد من الميداليّات الذهبية في آخر أيام ألألعاب الأولمبية .
هدف بحثنا هذا هو ان يكون عن المعنى وعن التماسك منفتحا على التطورات الجديدة، وان يكون اسهاما متواضعا ولكن جادا في هذا ألأكتشاف الذي يأخذ بمجامع الألباب والذي هو ظهور الأنسان على الأرض. (انتهى الأقتباس)(1)
الفرق بين الفلسفة والعلم واللاهوت
الفلسفة تطرح الأسئلة ومرات عديدة لاتعطي الجواب اما العقل ينطلق (باخذ عمر الكون) . العقل يبحث ولكن العقل محدود لايستطيع ان يعرف كل شيء بل هو يهيء الأمور ، وعندما يأتي الوحي يجب ان نترك العلم . عندما قال يسوع المسيح انه انسان ولهذا السبب لم يتبعوه اليهود . وعندما قال انه ابن الله أرادوا ان يرجموه لانه خارج العقل . العقل محدود." ما من احد صعد الى السماء الا الذي نزل من السماء يسوع المسيح" .(2)
البحث عن البداءة:
"في البدء خلق الله السماوات والأرض"تكوين 1 :1"
يستوقفنا "بيير جيير " في البداءة. إنّ الوصول الى البداءة في الحياة اليومية امر يكاد يكون مستحيلا :"أنا لا استطيع الوصول الى لحظة ولادتي ولا الى لحظة نشوء شعبي . علي دوما ان التجئ الى شهود من الخارج .
ان محاولة الوقوع على نقطة بداءة البشرية او الكون ليست ممكنة بصورة مباشرة
غير ان وسيلة أخرى تبقى ممكنة امامنا ولكن على صعيد اخر هو صعيد التفكير المبني على خبرة حالية :
الكتاب المقدس والشعب اليهودي انما يشهدان في الأصحاحات ألأولى من سفر التكوين عن هذا التفكير وعن هذه التجربة
سؤال يخُصُّ كُلِّ إنسان مؤمنا أو غير مؤمن .
أنّ الكون واحد والحياة واحدة والأنسان واحد ومخلوق من اجل الواحد ألآخر. سيكتشف القارئ أنّ حضور الله الخلّاق ليس في لحظة عمل ماضية بل في نتائج افعاله اليوم ،ألآن وهنا . يقول الرب يسوع المسيح " أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ».”يو17:5
وأخيرا سيكتشف القارئ، شانه في هذا شان الكثيرين ، تعجبه اللوحة لكنه لايتعب نفسه للبحث عن الرسام
يقول العالم كارل ساغان : "العالم منظّم (الكون منظم) وهذا التنظيم كان معروف بالفلسفة ب"اللوغس" او "الكلمة" أي تلك القوة المنظمة للكون.[ في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله به خلق كل شي] .
ارسطو أراد معرفة سر" اللوغس" الذي يجعل ألأشياء منظمة " . " في البدء كان المنطق(الكلمة) والمنطق صار جسد" .هذا المنطق ليس قوة مجهولة للكون في المسيحية ، منطق الكون كله شخص أبدي . وهذا هو الأسهام في الدفاع في البداية ، وهذا كان حوار بولس الرسول مع الفلاسفة اليونانيين "لأنّ به وله ومنه كل شيْ".انتهى الأقتباس ".
الأب " بيار تيار دى شردان" من أعـظم العـلماء والمفكـرين المعـاصرين وهـو متخصص فى عـلم التطـوّر نادى فى مؤلفـاته بأن التطـوّر لا يُفهم إلا إذا اعـتبرنا الله ألفـه وياؤه...
يقول تيار دي شاردن في كتابه "العلم والمسيح ""إنّ تاريخ العاطفة الدينية الحالي عند البشر ، مهما كان وضعهم ، يبدو وكأنّه خاضع لنوع من الوحي ، في الضمير ألأنساني ، ناتج عن الكون الواحد والكبير ... المسيح هو محور الكون .... هذا المسيح الكوني هو المسيح الذي تُقدّمه الأناجيل ، وخصوصا القديسان بولس الرسول ويوحنا ، وهو المسيح الذي عاشه كبار المتصوّفين. فمن سيكون الأكبر ، أمام العالم والذي يستحق العبادة؟ المسيح أم الكون ؟
ويجيب تيار دي شاردن على السؤال فيقول :إنَّ الكون ينمو باطراد ، لذلك يجب ، حتما ، أن يكون المسيح رسميا وبكل وضوح ، فوق كل قياس ....علينا نحن المؤمنين ان نرفع ،أمام جميع البشر ، صورة المسيح الكوني .. وإبراز المفهوم الكاثوليكي للمسيح ،
"«أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ» يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ." (رؤ 1: 8"
"كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ." (يو 1: 3"
يصلّي الأب" تيار دي شاردن"هذه الصلاة فيقول :
{ أيهـا الخـالق. أباركك لأنك سمحت لى أن أعجب بأعـمالك. لقـد أتممت رسالة حـياتى بالعـقـل الذى أنت وهبتنيه. أذعـت للعـالم مجـد أعـمالك. فإذا كنت بأعـمالى التى كان يجب أن تتجه نحوك طلبت مجـد الناس فاعـف عـنّى لصـلاحك وحـنوك. أيتها الانسجامات السماوية باركى الرب. يا نفسى باركى الرب }.(3)
علم اللاهوت:
علم اللاهوت، هو علم دراسة الإلهيات دراسة منطقية، وقد اعتمد علماء اللاهوت المسيحيين على
التحليل العقلاني لفهم المسيحية بشكل أوضح، ولكي يقارنوا بينها وبين الأديان أو التقاليد الأخرى، وللدفاع عنها في مواجهة النقد، ولتسهيل الإصلاح المسيحي، وللمساعدة بنشر المسيحية، ولأسباب أخرى متنوعة
ينقسم علم اللاهوت إلى فروع كثيرة، كاللاهوت العقائدي، والأدبي، والتاريخي، والفلسفي، والطبيعي وغيرها. اللاهوت النظامي هو
جزء تخصصي من اللاهوت المسيحي ويصوغ الإيمان والمعتقدات المسيحية بشكل منظم ومنطقي ومتماسك.
دعا القديس توما الإكوينى علم اللاهوت "بالعقيدة المقدسة" وعرَّف هذا العلم كالآتي:"هو علم جامع بمعنى أنه يتكلم عن كل الامور
من وجهة نظر الله، فالله ذاته هو موضوع هذه الامور أم أنها تشير إليه."
عرّف تشارلز هودج (من جامعة برينستون)، والذي عاش في الفترة ما بين 1797 و 1879 اللاهوت في الفصل الأول من كتابه
"علم اللاهوت النظامي" بقوله: "علم اللاهوت هو علم حقائق الإعلان الإلهى بقدر ما لهذه الحقائق من صلة بطبيعة الله وعلاقتنا به.(4)
مصطلح "علم الاهوت" " theolog يأتي من دمج كلمتين يونانيتين بمعنى "دراسة الله". والعلوم اللاهوتية المسيحية هي ببساطة محاولة لفهم الله كما هو معلن في الكتاب المقدس. ويعجز أي علم عن تفسير ومعرفة الله بطريقة كاملة لأن الله أزلي غير محدود وأسمى مما يمكننا استيعابه. لذلك فإن أية محاولة لوصفه ستكون قاصرة (رومية 33:11-36). ولكن، الله يرغب أن نعرفه بقدر استطاعتنا، وعلم اللاهوت هو فن وعلم معرفة ما يمكننا أن نعرفه، وفهم ما يمكننا أن نفهمه عن الله بطريقة منظمة ومفهومة. وكثيراً ما يبتعد الناس عن دراسة اللاهوت إعتقاداً منهم بأنه يسبب الإنقسام. ولكن الحقيقة أن اللاهوت المفهوم والمدروس بطريقة صحيحة يوحد ولا يقسِّم. فاللاهوت الكتابي السليم هو شيء جيد؛ فهو دراسة تعاليم كلمة الله (تيموثاوس الثانية 16:3-17).
ودراسة علم اللاهوت، إذاً، هي ببساطة التعمق في كلمة الله لاكتشاف ما قد أعلنه الله لنا عن نفسه. وعندما نقوم بذلك، نتعرف عليه كخالق كل شيء، وحافظ كل شيء، وحاكم كل شيء. فهو الألف والياء، البداية والنهاية. فعندما سأل موسى الله عن من ذا الذي يقوم بإرساله لفرعون، أجاب الله: "أهْيَهِ الَّذِي اهْيَهْ" (أنا هو) (خروج 14:3). ويشير الإسم "أنا هو" إلى شخص. فالله له إسم، تماماً كما أعطى الآخرين أسماء. لذلك فإن الإسم "أنا هو" يشير إلى شخصية حرة ومهدفة ومكتملة. الله ليس قوة كونية أو طاقة أثيرية. هو الله القدير، الكائن بذاته منذ الأزل، وله عقل وإرادة – وهو "شخص" الله الذي أعلن نفسه للبشر من خلال كلمته، ومن خلال ابنه يسوع المسيح.(5)
اللاهوت الطبيعي
إن علم اللاهوت الطبيعي هو دراسة الله بناء على ملاحظة الطبيعة، في مقابل لاهوت الوحي "الفائق للطبيعة"، والذي يستند على الإعلان الإلهي الخاص. ولأن ملاحظة الطبيعة هو جهد عقلي، لذلك يشمل علم اللاهوت الطبيعي الفلسة والمنطق البشري كوسيلة لمعرفة الله.
مثال على الفرق بين اللاهوت الطبيعي وبين الوحي الألهي
عند فحص تكوين وعمل النباتات المختلفة، يمكن أن أخلص إلى نتيجة منطقية هي أن الله الذي خلق هذه النباتات قوي وحكيم – هذا هو اللاهوت الطبيعي. وعند دراسة انجيل يوحنا 3: 16 يمكن أن أخلص إلى نتيجة منطقية هي أن الله محب وكريم – هذا هو لاهوت الوحي الألهي:"هكذا احبّ الله العالم حتى وَهَبَ إبنُهُ الأوحد ، فلا يهلِك كُلِّ من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية".
أكد القديس "توما الإكويني " قدرة الإنسان على إدراك حقائق معينة عن الله من خلال الطبيعة وحدها. ولكن، الإكويني كان أيضاً يرى أن المنطق البشري لا يتفوق على إعلان الله، كما تعلمه الكنيسة. وكان حريصاً على التمييز بين ما يمكن أن نتعلمه من خلال "المنطق الطبيعي" وبين الأسس العقائدية، وكان يسمي الحقائق المستخلصة من الطبيعة "تمهيد أو مقدمات الإيمان. بمعنى أن المنطق قد يقود إلى الإيمان ولكنه لا يمكن أن يحل محله.(6)
هناك نوعان من التفسير – علمي وشخصي . التفسيرات العلمية تفسّر ظاهرة طبيعية بمصطلحات شروط مبدئية معيّنة وقوانين طبيعية تُفسّر بدورها كيف أنَّ هذه الشروط المبدئية تتطور لأحداث ظاهرة تحت ألأعتبار . وعلى النقيض ،فإن التفسيرات الشخصية تُفسّر ألأشياء بواسطة عامل او إرادة هذا العامل".
هكذا سفر التكوين يمكن أن يُنظر اليه الأنسان الغير المؤمن بتحليل علمي فقط ، وقد يتقاطع مع التفسير الرمزي او الروحي الذي يشير الى انّ الخالق هو شخص . ويمكن توضيح ذلك بالمثل التالي :
"تخيّل أنَّك دَخَلتَ المطبخ ، ورأيت غلّاية على الموقد ، فتساءلت "لماذا تغلي الغلّاية؟" ، فقد تقول زوجتك :"إنَّ الطاقة الناشطة للهيب تتوصل من خلال القاعدة المعدنية للغلّاية الى الماء ، وتتسبب في اهتزاز جزيئات الماء اسرع وأسرع حتى تتطاير في هيئة بخار".
هذا سيكون تفسيرا علميا .
وقد تقول :"لقد وضعتها لأعمل فنجانا من الشاي" .
وهذا سيكون تفسيرا شخصيا .
وكلاهما مقبول ، لكنهما يفسران الظاهرة بطرق مختلفة ".
هذا ما يمكن ان نقوله أيضا في تفسير سفر التكوين عن الخالق والخليقة ، حيث " لايمكن أن يوجد تفسير علمي عن الحالة الأولى للكون . فحيث أنّها الحالة الأولى ، لايمكن ببساطة تفسيرها بمصطلحات الشروط المبدئية ألأولية والقوانين الطبيعية التي تقود إليها . ولهذا ،إن كان هناك تفسير للحالة الأولى للكون فلا بد ان يكون تفسيرا شخصيا – بمعنى وجود عامل له إرادة لخلقه . وسوف يكون هذا هو السبب الأول وراء انّ علة الكون لابد ان تكون شخصية .
"هناك سبب ثاني ، وهو انه بسبب ان علّة الكون تفوق الزمن والفضاء ، فلا يمكن ان تكون حقيقة فيزيائية . بل لا بدّ أن تكون لافيزيائية(فوق الطبيعية) ولا ماديّة . هناك نوعان فقط من ألأشياء التي يمكن ان تكون خالدة ولامادية . النوع الأول هو ألأشياء المجرّدة كالأرقام او الكيانات الرياضية . ومع ذلك ، فإن الأشياء المجردة لايمكنها ان تتسبب في إحداث أي شيء .(وهكذا الصدفة لايمكنها ان تخلق شيء من لاشيئ لانها ليست قوّة)
والنوع الثاني من الحقيقة اللامادية سيكون عقلا . فالعقل يمكنه ان يكون علة ، وهكذا يكون من المعقول انّ الكون هو نتاج عقل غير متجسّد جاء به الى الوجود...إنّ علة الكون هي عامل شخصي يتمتع بإرادة حرة . ويمكنه ان يخلق اثرا جديدا دون اية شروط مسبقة محددة . يمكنه ان يقرر قائلا : "ليكن نور " ، فينطلق الكون الى الوجود .(7)
يقول العالم اللاهوتي وعالم الرياضيات جون لينكس الذي حاور عالم الأحياء " ريتشارد دوكنز":
"............... بالنسبة لي ،: تفسير الكتاب المقدس هو:" في البدء كانت الكلمة وكان اللوغس ، وهذا منطقي تماما ...وهو يجعل قدرتنا على استخدام العلم منطقية .... اللوغوس ازلي وان الكون وقوانينه والقدرة على التفسير الرياضي ، انَّ هذه الأشياء مشتقة ، بما فيها العقل البشري من اللوغوس "انتهى الأقتباس".
في المسيحية ليس النص الكتابي صنما نعبده ولانجسر ان نقترب منه ،إنّه كلام الله وضع في فم البشر ونحنُ نفهمه باساليب البشر . لابُدّ من إدخال النقد الى عالم التفسير .
أي انَّ النقد(علم النقد) هو عمليّة فهم وتمييز نستعمل فيها كُلِّ وسائل العقل لنفهم فهما صحيحا اللغة البشرية التي تحمل كلام الله .(انتهى الأقتباس)
عندما نقرأ سفر التكوين فنحن لسنا بصدد عالم تلقيناه من البشر ألأولين ،وإنّما بصدد فكر حكماء إسرائيل ، إنطلاقا من خبرتهم الأنسانية والدينية ، وللتعبير عن قناعتهم بشكل روايات رمزية ، استخدم هؤلاء الحكماء ، صورا اسطورية(الأسطورة ليست خرافة لأنّها تعبّر في قالب رمزي عن معان إنسانية سامية ) من الشرق القديم ، وحاولوا تكييفها مع ايمانهم بالأله الواحد...نصوص سفر التكوين مليئة بالحكمة تتناول علاقة الأنسان الثلاثية : مع الله ومع الطبيعة ومع شبيهه ، المرأة. ولكي نقرأ هذه "الرواية" جيدا ، لايجوز ان نبحث فيها عن تقرير لحدث تاريخي ، وأنّما ان ندع الرموز تقودنا ، فنسلط عليها الأضواء ، انطلاقا من خبرة إسرائيل .
-الروايات الكتابية لا تركز على ماذا جرى؟ وأنّما " ماذا تريد هذه الرواية أن تقول لنا ؟" فلسنا بصدد التاريخ – عمل المؤرخين بالمعنى الحصري- وانّما بصدد "تاريخ مقدّس "(الكتاب المقدس والتاريخ ص 93)
- الكتاب المقدس لايمكن الحكم عليه حرفيا دون ألأخذ بعين الأعتبار "أسلوبه الأدبي" . أي طريقة الكتابة المألوفة في زمن معيّن
سفر التكوين هو أوّل اسفار موسى أو البنتاتوكس وهو يحدّثنا عن تكوين العالم (الكون )وبداية عمل الله في البشر
مضمون سفر التكوين يتم تفسيره من خلال الأنطلاق من الدراسة ألأدبية والتاريخية والعلميّة للنص الكتابي علّنا نبلغ بالقاريء الى اكتشاف كلمة الله من خلال كلمات البشر ، لنؤمن بالله . وبهذا الروح المؤمنة سنقرأ سفر التكوين ، نقرأ عن الأنسان الأول ، الأنسان الأصل الذي نكتشفه في كُلّ واحد فينا .[أي انّ نص سفر التكوين هو يخاطب كُلِّ انسان في كُلِّ زمان ومكان ]
لم يُكتب سفر التكوين دفعة واحدة ، بل جاء نتيجة تأمُّل أجيال وأجيال ، فجمع في طيّاته إختبار الحاضر والتاريخ السابق وآفاق المستقبل .سفر التكوين هو قصة شعب ، سيطلب اليه ان يمشي بالكمال مع الله
سفر التكوين يورد لنا أصول الكون وبداية عمل الله في العالم . يعالج بداية البشرية في الكون الذي خلقه الله .
هو مقدمة لكل العهد القديم يُخبرنا أنّ الله خلق الكون بكلمته ، والأنسان على صورته ومثاله . ألأنسان أُخذ من التراب ولكن فيه نسمة حياة من عند الله .
إنطلق الكاتب من واقع المجتمع الذي يعيش فيه قبل المنفى (587م) وبعده فالقى عليه وحي الله .
راجع تفسير الكتاب المقدس -ألأب بولس فغالي .(8)
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1)
راجع كتاب عالم صوفي للكاتب" جوستاين "غاردر "
(2)
بولس الفغالي في برنامج "المنبر الحر" على قناة النور مع جورج رحمة في 21-11
(3)
كتاب العلم والمسيح للاهوتي وعالم الأركولوجية "تيار دي شاردان"
(4)
.wikipedia.org/wiki https://ar
أيضا المرجع التالي
https://arabic-christian-counseling.com/index.php?option=com_content&view=article&id=878:q-q220&catid=12&Itemid=165&lang=ar
(5)
https://www.gotquestions.org/Arabic/Arabic-what-theology.html
(6)
https://www.gotquestions.org/Arabic/Arabic-natural-theology.html
(7)
راجع كتاب "القضية ..... الخالق" للكاتب لي ستروبل 143ص القضية الخالق .
(8)
الأب بولس فغالي :
https://logosofgalilee.com/



#نافع_شابو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤيا - لاهوتية علمية عقلية - معاصرة لرواية -الخَلق- في سفر ا ...
- اللاهوت المعاصر بين الأيمان والعلم
- كتاب -القضية....الخالق - أدلة علمية على وجود الله
- تأمّلات في زمن الميلاد-المسيح رئيس السلام- -الجزء الرابع -ال ...
- ميلاد يسوع المسيح – رئيس السلام – الجزء الثالث
- ميلاد يسوع المسيح -رئيس السلام- الجزء الثاني
- ميلاد يسوع المسيح - نور العالم -
- -فريدريك نيتشة - والوجودية المعاصرة
- حقيقة غزوات العرب - كما جاء في المصادر غير الأسلامية -
- أليكسندر دوغين: إما أن تنتصر روسيا أو يزول العالم بالسلاح ال ...
- الموت باب القيامة في الأيمان المسيحي
- الحُريّة في مفهوم المسيحيّة - المقدِّمة -
- بداية نشوء الكون دليل على وجود خالق
- سقوط القسطنطينية -سنة 1453 - وانحسار المسيحية في الشرق
- انتفاضات الشعوب ألأيرانية على الثورة الأسلامية ونظام - ولاية ...
- جدلية العقل والأيمان – الجزء الثالث –هل يتّفق العقل مع الأيم ...
- جدلية العقل والأيمان – الجزء الثاني – إجابة على أسئلة وجودية
- جدلية العقل والأيمان - الجزء الأول
- قفزة (طفرة ) من الجامد الى الحي - بين نظرية الصدفة او العشوا ...
- تعقيد الخلية الحيّة دليل على بصمة الله الخالق


المزيد.....




- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نافع شابو - رؤيا - لاهوتية علمية عقلية - معاصرة لرواية -الخَلق- في سفر التكوين – الجزء الثاني-