أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نافع شابو - تأمّلات في زمن الميلاد-المسيح رئيس السلام- -الجزء الرابع -السلام مع الأخرين















المزيد.....


تأمّلات في زمن الميلاد-المسيح رئيس السلام- -الجزء الرابع -السلام مع الأخرين


نافع شابو

الحوار المتمدن-العدد: 7491 - 2023 / 1 / 14 - 16:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تأمّلات في زمن الميلاد"المسيح رئيس السلام"
"الجزء الرابع " السّلام مع الآخرين" أو كيف نصنع السلام؟
ذكرنا في مقدمة المقالات السابقة أنَّ المسيح هو رئيس السلام جاء ليعيد السلام والمصالحة مع الآب السماوي ويعطينا السلام الذاتي أي السلام الداخلي وينشر السلام في هذا العالم لنعيش بسلام مع اخوتنا في الأنسانية
فمنذ سقوط الأنسان في وحل الخطيئة والموت ، والخروج من الفردوس - التي كان فيها ابوينا ادم وحواء يتمتعان بسلام في محضر الرب - ظلّ الأنسان يعيش في صراع رهيب مع نفسه ومع أخيه الأنسان وكان يعيش في غربة وانفصال مع ابيه السماوي .
وكما ذكرنا سابقا فان السلام (في المفهوم المسيحي ) قائم على ثلاثة أركان وهي :
أولا :السلام مع الله (بالمصالحة التي تمّت بولادة يسوع المسيح وتالمه وموته على الصليب وفدائه للبشرية)
ثانيا :السلام مع النفس (مصالحة الذات والتمتّع بالسلام الداخلي)
ثالثا :السلام مع الآخرين ( او كيف نصنع السلام مع الآخرين أخوتنا البشر؟)

كُلّما استقامت وتعمّقت علاقتنا بالله وتصالحنا معه وعشنا بسلام معه وغمرنا سلامه ، كُلّما إغتنت وتأصلت علاقتنا بالناس ،أخوتنا ، وكُلّما استطعنا ان نعيش معهم بسلام .
وكُلّما إضطربت علاقتنا بالله كُلّما اختلّت وانحرفت علاقتنا بالناس ، ولن نستطيع ان نعيش معهم بسلام والعكس صحيح .
هكذا كُلما تقوقعناعلى ذواتنا وعشنا الغربة والصراع والقلق في عمق كياننا ، عندها لن نتمتع بسلام مع انفسنا ومع الله ومع اخوتنا البشر .
عندما ارسل يسوع تلاميذه ليبشروا المدن اليهودية "بملكوت الله القريب" ، أوصاهم قائلا:
"..وإذا دخلتم بيتا فسلِّموا عليه ،فإن كان أهلا للسلام ، حلَّ سلامكم به ، وإلّا رجع سلامكم إليكم ...الحق أقول لكم سيكون مصير سادوم وعمورة يوم الحساب (الدينونة) ، أكثر احتمالا من مصير
المدينة(متى 10 : 13 ، 15)
السلام هو تمنِّ بالبركة والخير ، كما في العبرية (شلوم) والعربية (السلام عليكم ، لكم). والسلام الذي يحمله الرسل هو المسيح نفسه ، وكما يقول بولس الرسول: "فالمسيح هو سلامُنا ، جعل اليهود وغيرَ اليهود (الأمم) شعبا واحدا وهدم الحاجز الذي يفصلُ بينهما "افس 2: 14".
يقول الرب يسوع المسيح في الموعظة على الجبل :
"هنيئا لصانعي السلام لأنّهم أبناء الله يدعون"(5 :9 ) . ويقول اشعيا النبي:
"ما أجمل على الجبال أقدام المبشّرين المنادين على مسامعنا بالسلام الحاملين بشارة الخيروالخلاص".
السلام ، الخير (السعادة) ، الخلاص ثلاثة الفاظ متقاربة تدل على الحالة الجديدة في العهد الجديد . والسلام لايعني فقط عدم الحرب ، بل كل بركة.

قد يظن البعض أن السلام يتحقق لنا بدون أيّ جهد ولكن الكتاب المقدّس يخبرنا انّ علينا أن نسعى بكل قوانا للحياة في سلام مع كل انسان لأن السلام يتطلّب عملا شاقا .
يقول داود النبي"تجنّب الشر وأعمل الخير وألتمس السلام وأسع وراءه" (مزمور 34:15 ) ، وقد ردّد الرسول بولس صدى هذا الفكر في العهد الجديد بقولهِ :
"لا تجازوا أحداً شرّ بشرّ ...لاتنتقموا لأنفسكم ايّها الأحباء بل دعوا هذا لغضب الله ، فالكتاب يقول "لي الأنتقام ، يقول الربّ ، وأنا الذي يجازي "(روميا 12:17,18 )" .
ليس صنع السلام أمرا محبوبا عند الكثيرين لأنّ الأقرب للطبيعة البشريّة أن يحاربوا لأجل الحق ، ومجد المعركة هو أمل كسبها ، لكن لابد من طرف خاسر ، أمّا مجد صنع السلام فأنه قد يجعل الطرفين رابحين في الواقع ، فصنع السلام هو طريق الله ، بينما صنع الحروب والموت هو من صنع الشيطان ، فصانع السلام يقتفي أثر السلام باجتهاد وينشئ العلاقات الطيبة مع الآخرين عارفا أنّ السلام نتيجة للألتزام .
انّ السلام الحقيقي ينشأ من الأيمان بيسوع المسيح لأنّه وحده تتجسّد فيه كل خصائص السلام ، فلكي نجد السلام الحقيقي علينا ان نبحث عن يسوع المسيح نبع السلام ومصدره ونلتقي به ونتعرّف عليه ونقيم معه علاقة حيّة ، عندها نعرف ماهو السلام ، لانّه متواضع القلب ونيره خفيف وهو الذي يعلّمنا كيف نصنع السلام مع الأخرين وكيف يقودنا الى واحة خضراء ومياه حيّة . ورمز الصليب في بُعده الأفقي حيث نرى المسيح ماداً يديه ليحضن البشريّة من على صليبه وهو يسلّم روحه الى أبيه ، سلّمنا وربطنا معه بعهد السلام لانّه ملك العدل والحق والمحبّة والسلام .
يسوع المسيح بكى على أورشليم(مدينة السلام) وبحسرة قال :
"أورشليم، أورشليم ، ياقاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين اليها ، كم مرّة أردت أن أجمع أبناءك مثلما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها فما أردتم" (لوقا 13:34 ) .يتلهّف الناس على السلام ويتمنّون الأمن والأستقرار ، ولكن للأسف الكثيرين منهم لايعرفون أنّ هذا السلام يحتاج الى مهارة وفن وجهد وسهر وغفران وتسامح وتنازلات مؤلمة وتوبة حقيقيّة ومصالحة مع الله ومع النفس ومع الاخرين .
من الأفضل عمليّا أن نسوّي خلافاتنا مع أعدائنا قبل أن يجلب غضبهم علينا متاعب أكثر وقبل أن تستفحل ويستحيل علاجها ، وصانع السلام يتعامل مع المشاكل قبل حدوثها وعندما تثور الصراعات فأنّه يكشفها ويعالجها . يقول الرب يسوع المسيح :" واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم. باركوا لاعنيكم. احسنوا الى مبغضيكم. وصلّوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم .."متى 5 : 44"
كما أنّ صنع السلام عمل أصعب بكثير من اثارة الحروب لكنه لايثمر موتا بل حياة ، انّ الكثيرين من الديانات الأخرى يقولون انّ المسيحيّة ديانة فيها الأنسان يصبح جبانا مذلولاً تهان كرامته وهو ساكت. في الحقيقة العكس هو الصحيح ، فصنّاع الحروب والموت هم الجبناء والمهزومين والفاشلين في الحياة ، لأنّ الطريق الذي يسلكونه سهلٌ وواسعٌ والكثيرون يستطيعون سلوكه لانّه طريق الخراب والدمار وما اسهل أن تُهدم مدنا كاملة وتصبح خرابا في ايّام الحروب بينما يحتاج بنائها سنين . ما أسهل أن تقوم دولة بحرب ضد دولة أخرى قد يكون السبب زلة لسان يكون السبب في ان يحرق اليابس والأخضر . ما اسهل أن يتم تدمير حضارة بخطأ يرتكبه ملك أوقائد ، وتزال حضارة بنيت عبر مئات السنين . ما أسهل أن تحرق غابة بعود من الكبريت وخلال ساعات بينما يتطلب أعادتها عشرات السنين .
ما اسهل أن تجبر الملايين من الناس أن يطيعوا حكاّمهم ويصبحوا عبيدا للدكتاتورييّن ولكن كم هو ثمن الحريّة والسلام باهضا عندما يريد الأنسان أن يكسر قيود العبودية والأذلال. يسوع المسيح عرف ان هزيمة الموت هي بالتضحية وبذل الذات من أجل سلامة وحياة البشريّة فواجَهَ الموت بالموت وانتصر عليه بالقيامة واسّس بذلك مملكة السلام ، ويقول لنا:"لأنّ الذي يريد ان يخلّص حياته يخسرها ، ولكن الذي يخسر حياته في سبيلي يجدها "(متى 16:24 ) . وهكذا يقول لنا الرب يسوع " جئت لأجل ان اعطي الحياة والحياة الأفضل" .
علينا أن نصنع السلام مع الآخرين بسرعة حتى لانصل الى النقطة التي فيها من الصعب التراجع عن قرارنا فيفوت الأوان وقد يكلّف ذلك دموعا ودماء"متى 5 : 25 ، 26" . وايضا يخبرنا كاتب سفر الأمثال أن لا نتسرّع بتوجيه التهم الى الآخرين بل علينا أن نناقش التهمة مع الخصم أولا "أمثال ( 25:8,9,10 ) .لكن للأسف في زماننا هذا يبدو أن أقوال المسيح والرسول بولس حول موضوع السلام والغفران والمصالحة لاتقرّها حتى المحاكم القضائية التي تطالب بتطبيق الحقوق القانونية .
يقول الرسول بولس :
"لاتجازوا احدا شرّ بشّر ، وأجتهدوا أن تعملوا الخير أمام جميع الناس ، سالموا جميع الناس ان أمكن ، على قدر طاقتكم ،"(روما 12:17,18 ) ، فعندما يؤذينا أحدهم بشّدة فبدلا من معاملته بما يستحق (أي تطبيق مبدأ العين بالعين والسن بالسن)علينا أن نحسن اليه ونجعل منه صديقا لنا. ويبرّر الرسول بولس ذلك بالعقل والمنطق ( قبل أن يستشهد باقوال الرب يسوع المسيح) للأسباب التالية:
1-لأنّ الغفران قد يؤدي الى كسر حلقة الأنتقام ويؤدّي الى المصالحة المتبادلة ، فعندما نمتص الشر بالخير والتسامح والغفران عندها يستنفذ الأخر حججه و ينطفي نار غضبه .
2-عندما نسالم الاخرين عندها قد يخجلوا من تصرفاتهم و يغيّروا أسلوبهم معنا .
3-انّ مقابلة الشر بالشر ستسبب لنا من الضرر مثلما تسببه لعدوّنا ولكّن الصفح عنه (ولولم يتُبْ هو مطلقا سيحرّرنا من عبء ثقيل من المرارة ) .
ان الثأر والأنتقام والحرب كالزيت الذي يصب على النار فيزيد النار اشتعالاً ، بينما السلام والغفران والتسامح هي بمثابة ماء تطفي النيران المشتعلة . السلام والأنسجام بدل الأنقسام والأنتقام هو الطريق الوحيد ليعيش الأنسان مع الاخرين بسعادة وفرح وأمان ،لأنّ الغضب والأنتقام والحقد والكراهيّة هي مثل النار تحرق صاحبها قبل أن تحرق الآخرين . يقول الرسول بولس :"باركوا مضطهديكم ، باركوا ولا تلعنوا ......اذا جاع عدوّك فاطعمه واذا عطش فاسقهِ لانك في عملك هذا تجمع على رأسه جمر نار ، لاتدع الشر يغلبك"روميا 12 : 14 ،20" ، بل اغلب الشر بالخير"(روميا 12:14,20 ) .
امأ كاتب المزمور يقول:"تجنّب الغضب وأبتعد عن الغيظ ، ولا تحسد من يفعل الشرّ"(مزمور 37:8 ) ، ويقول داود النبي :"فالأشرار يقطعهم الربُّ ....أما الودعاء فيرثون الأرض وينعمون في سلام "(مزمور37:10و11 ) . انّ الذين يصنعون الحروب والموت والدمار باسم الله لايعرفون الله الحقيقي بل يعبدون إلها على مقاييسهم الخاصة ، لأنّ الله هو ملك السلام وواهب الحياة فبأيّ حقّ وبأي سلطة يقتل الأنسان اخوه الأنسان ، بينما الخالق خلق الأنسان على صورته كمثاله ، كما يقول كاتب سفر التكوين .
"فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ." (تك 1: 27
الأنسان له قيمة عظيمة عند الله والخالق هو الوحيد الذي له الحق باسترداد حياة الأنسان والذين يحاربون أخوتهم في البشريّة فهم يحاربون مشيئة الله وسلطانه على الأرض والسماء ويخالفون ارادة الله ومشروع الله الخلاصي للبشريّة ويهينون طبيعة الله "المحبّة" "، الله رئيس السلام ، الله واهب الحياة ، الله خلقنا لنشاركه ملكوته السماوي ، فكيف نحارب ونسفك دم أخوتنا كما فعل قايين بهابيل ؟
لماذا لا نتعلّم دروسا من الكتاب المقدّس عن غضب الله على الذين يسفكون دماء الناس ؟"فقال الرب له(لقايين) ماذا فعلتَ؟ دمُ أخيك يصرخ اليّ من الأرض ، والآن فملعونٌ أنت من الأرض التي فتحت فمها لتقبل دم أخيك من يدك"(التكوين4:10,11 ) .
عندما استلّ الرسول بطرس سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه(عندما جاءت الجموع لألقاء القبض على يسوع المسيح في بستان الزيتون) قال يسوع له"ردَّ سيفك الى مكانه فمن يأخذ بالسيف بالسيف يهلكُ"(متى 26:52 ) .
نعم ملكوت المسيح لاتتحقّق بالسيوف بل بالمحبّة والسلام والأيمان والطاعة للرب ، هذه خلاصة وجوهر الحياة المسيحيّة بأن نعيش بمحبّة وسلام مع الاخرين وأن نغفر لهم وبنفس الوقت علينا أن لا ننسى بأن الكتاب المقدس لايبرّر التصرفات والأفعال الرديئة للأعداء.
عندما يسعى الأنسان الى تعزية الناس البائسين بسبب الحروب والموت والأضطهادات ، ويبشّر بالسلام في عالم لا يعرف إلا الأنتقام والثأر والحقد فأن ذلك الأنسان سيخلّده التاريخ وتخلّده الأجيال والأمثلة كثيرة عن هؤلاء الناس أمثال:
" مهاتما غاندي" محرّر الهند الذي كان شعاره عدم مواجهة العنف بالعنف بل اختار طريق المسيح للوصول الى الحرية والتحرّر من الأستعمار البريطاني .
ومثلهُ " نلسُن مانديلا " رئيس افريقيا الجنوبية الذي توصّل الى ان السبيل الأفضل للحرية والسلام لاياتي من خلال فوهة البندقية بل هو جهاد ونضال سلمي يقود في النهاية الى الحريّة والسلام ، وهكذا تحررت جنوب افريقيا من النظام العنصري الذي كان يقوده اقلية عنصرية . ولا ننسى محرّر الزنوج السود القس الأمريكي"مارتن لوثركنك " الذي خاض نضالا طويلا قاد الى تحرير الزنوج وكل ذوي البشرة السوداء في امريكا ولم يكن سلاحه سوى كلام الله من خلال الكتاب المقدس فكان يستشهد بهذا الكتاب عن السلام والمحبة والحريّة التي جاء بها المسيح منذ الفين سنة ، والأمثلة كثيرة عن بلدان اتحاد السوفيتي السابق عندما قاموا بثورات مخملية سلمية للمطالبة باستقلال بلدانهم من الحكم الشيوعي الشمولي القمعي . وكذلك اشخاص وجماعات قادوا بلدانهم نحو الحريّة والسلام ولم يكن سلاحهم سوى الكلمة والحق والسلام.
"عيشوا في سلام مع جميع الناس"(روميا12:18 ) ، يقول كاتب الرسالة الى العبرانيين أيضا: "سالموا جميع الناس وعيشوا حياة القداسة" ويقول كاتب المزمور"هنيئاً لمن لا يسلك في مشورة الأشرار ....فيكون كشجرة مغروسة على مجاري الأنهار...وما هكذا الأشرار لكنّهم كالريشة في مهّب الريح"(مزمور1:1,2,3,4 ) .
ان الله بعدما صالحنا مع نفسه بالمسيح أعطانا رسالة أن نصالح العالم مع الله بالمسيح"....وهذا كلّه من الله الذي صالحنا بالمسيح وعهد الينا خدمة المصالحة أي أنّ الله صالح العالم مع نفسه في المسيح وما حسبهم على زلاّتهم وعهد الينا أن نعلن هذه المصالحة ، فنحن سفراء المسيح"(2كورنتوس 5:18,19,20 ) ،
ما أجمل رسالتنا - خاصة نحنُ مسيحيي الشرق الأوسط - الذين نحمل اسم المسيح ؟ ولكن بالمقابل كم هي المسؤولية الملقاة على كاهلنا شاقة وخطيرة لنكون فعلا سفراء حقيقيّين لنمثّل حقيقة رسالة المسيح لهذا العالم الذي يسوده الحقد والكراهيّة والحروب والمآسي والأضطرابات والفقر والجوع (الجسدي والروحي) ؟.
ما أحوجنا ، اليوم ، لننشر رسالة المحبّة والسلام ،وخاصة في هذه الضروف التي عشناها ولا زلنا نعيشها ، حيث الأنسان الذي هو صورة الله أصبح لاقيمة له وسط ذئاب تفترسه بدون رحمة ، وفقد الكثيرون انسانيّتهم بسبب الأنانيّة وحبّ الذات والسعي وراء المصالح الشخصية والمال والسلام الشخصي دون المبالاة بحياة وسلامة الآخرين . بل هناك ،عند البعض ، السادية والتعطّش الى قتل الحياة بكل أشكالها فاصبحنا نعيش تحت حكم شريعة الغابة .
يقول الرب يسوع المسيح : (اذهبوا ها أنا أُرسلكم مثل الخراف بين الذئاب "لوقا 10 :3 " ، نعم الرب قال لنا انّنا سنواجه مقاومة هذا العالم وسنعيش مثل الحملان بين الذئاب ، ولكن لانيئس نكمّل واجبنا والرب هو الذي يجازي صانعي السلام.
واليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين ،عندما ننظر حولنا ، عن الحروب والماسي البشرية ، سنجد كم أنّ ربنا يسوع المسيح صادق في أقواله ونبوّاته وكم نحن في حاجة الى التأمّل في هذه الأقوال لنعمل بها ونسلك الطريق الذي سلكه الرب وتلاميذه من بعده . نحن لنا رسالة وارساليّة خطيرة وعلينا أن نحترس من الذئاب الخاطفة وأن نواجه أعدائنا بالمحبّة والتضحيّة والعطاء والعمل على ارساء السلام في عالم فيه الناس بحاجة الى السلام والأمان والأستقرار وننقل الى الآخرين كيف أننا نلنا العزاء بالروح القدس وكيف انّ لنا رجاء وثقة بالمسيح رئيس السلام ، ونشرح لهم طبيعة مملكة السلام التي نتمتع بها نحن المسيحيّين . هكذا نعّزيهم في كل شدّة وضيق وهكذا نستطيع أن نساهم في كسر الحلقة المفرغة من العنف والأرهاب والحقد والكراهيّة والغضب والغليان والشعور بالمرارة التي يأنُّ منها الملايين من الناس في هذه الأيّام العصيبة التي جعلت الكثيرين يهاجرون ويعانون من الغربة وفقدان الأحبّة والأصدقاء لابل فقدنا ارواح مئات الألوف من الشباب والأطفال والشيوخ والنساء بسبب الحروب والتعصّب الطائفي والعرقي والأثمي والديني . هكذا نساهم في استئصال العنف والميل الى الأنتقام لدى الآخرين وذلك في زرع ثقافة السلام والمحبّة وشرح معنى البشارة بالفرح (الأنجيل ) للمتعطشين الى السلام ، لأنّ ذلك من صلب رسالتنا وواجبنا ومسؤوليتنا أمام الله وأمام الناس.
يقول الربّ يسوع المسيح: " اذهبوا الى العالم كلّه وبشروهم ..." والرسول بولس يشدّد على قول الرب يسوع المسيح هذا عندما يقول( الويل لي ان لم ابشّر) .
يقول كاتب كتاب " النجّار الأعظم" : "ان كلام المسيح فيه رسالة عزاء لمن يتألّمون والرب يكشف لنا عن جروحاتنا حتى نهرب اليه هكذا نتحرّر من كل ازماتنا ومشاكلنا وخوفنا ونأتي بانسحاق حقيقي الى أسفل الصليب وهناك نترك أثقالنا فقد تكون بلايا الحياة هي وسائل الله لازالة الأقذار والنجاسات والخشونة من أخلاقنا .ويحثّنا بولس الرسول أن نصلي من أجل جميع الناس والملوك والسلاطين ليعيش العالم في سلام وأمان فيقول:
"فأطلب قبل كل شيء أن تقيموا الدعاء والصلاة والأبتهال والحمد من اجل جميع الناس ومن أجل الملوك واصحاب السلطة حتّى نحيا حياة مطمئنّة هادئة بكلّ تقوى وكرامة وهذا حسن عند الله مخلّصنا الذي يريدُ أن يخلص جميع الناس ويبلغوا الى معرفة الحق "(1تيموثاوس 2:3,4 ) .
انّ الرسول بولس يطلب من المؤمنين أن يصلوّا من أجل ملوكهم وحكّامهم لكي يقودوا شعوبهم الى السلام والأمان في زمن كان نيرون هو الأمبراطور في ذلك الوقت (م 54-68 ) ، ومن المعروف أنّ هذا الأمبراطور كان بالغ القسوة ، وكان بحاجة الى كبش فداء للتكفيرعن الحريق الذي دمّر معظم روما في عام 64 م ، ولكي يبعد الأننظار عن نفسه وجّه الأتهام الى المسيحيين وكان معروفا بالمذابح الوحشيّة التي أرتكبها بحق المسيحيّين حيث قتل الآلاف منهم ورمى الكثيرين منهم فريسة للوحوش ، وعندما كتب الرسول بولس رسالته هذه الى تلميذه تيموثاوس كان اضطهاد المسيحيّين يتزايد. وما اشبه اليوم بالبارحة حيث المسيحيّيون مضطهدون في كل العالم بصورة معلنة وغير معلنة ، وقد شمل هذا الأضطهاد مسيحيّ الشرق الأوسط ، ولا زالوا يعانون من الأرهاب والقتل والتهجير والتهديد ، ولكن رسالتنا واضحة كما يخبر الرسول بولس أعلاه وهي رسالة المحبّة والسلام والوحدة والصلاة من اجل أعدائنا وهي أقوى أسلحة نستطيع أن نواجه بها اسلحة الشر .
هذا لا يعني ضعفنا واستسلامنا للقدر ولا نتحرّك ساكنين بل علينا أن نطرق كل ابواب المحاكم الدوليّة ومنظّمات حقوق الأنسان والأمم المتّحدة ونطالب بحقوقنا وأرضنا لنعيش بكرامة وحريّة مهما كان الثمن . وهذا ما فعله الرسول بولس وتلاميذ المسيح حيث كانوا يدافعون عن قضيّتهم المركزيّة وهي تمسّكهم بايمانهم ورسالتهم ، رسالة المحبّة والسلام والرجاء وكان سلاحهم هو سيف الكلمة والحق والسلام والحوار للوصول الى الحقيقة حتى مع أعدائهم بينما كان سلاح اعدائهم هو سيف الموت والتهديد والترهيب.ولكن في النهاية المسيحية أصبحت بعد ثلاثة قرون منتشرة في انحاء العالم .
وما اشبه اليوم بالبارحة حيث انّنا كمسيحيّي الشرق الأوسط نمر في نفس الضروف التي مرّ بها الرسل قبل الفي سنة من الآن وما علينا الآ أن نستعمل نفس الأسلحة المطلوبة أعلاه لمحاربة أعدائنا وسيكون النصر لنا مهما طال الزمن لأنّ الحق هو المنتصر دائما حتى لو تأخر ، فبالأيمان نغلُب أعدائنا ونبطل قوّة النار والأرهاب وننجوا من الموت بالسيف وبالمسيح ننال القوّة بعد ضعف(عبرانيّين 11:33 ) . بالأيمان والمحبّة والسلام نطرد الخوف والقلق لأنّ ربنا يسوع المسيح معنا في كلّ حال وفي كل وقت ومكان مهما كانت الضروف حولنا .
وختاما يقول الرسول بولس في رسالته الى مؤمني كولوسي"لأنّ الله شاء أ ن يحلّ فيه (أي المسيح)الملء (أي ملء اللاهوت) كلُّه وان يصالح به كلُّ شيء في الأرض كما في السماوات ، فبدمه على الصليب حقٌق السّلام"(كولوسي 1:19 ) .
وسلام المسيح مع جميعكم امين.



#نافع_شابو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميلاد يسوع المسيح – رئيس السلام – الجزء الثالث
- ميلاد يسوع المسيح -رئيس السلام- الجزء الثاني
- ميلاد يسوع المسيح - نور العالم -
- -فريدريك نيتشة - والوجودية المعاصرة
- حقيقة غزوات العرب - كما جاء في المصادر غير الأسلامية -
- أليكسندر دوغين: إما أن تنتصر روسيا أو يزول العالم بالسلاح ال ...
- الموت باب القيامة في الأيمان المسيحي
- الحُريّة في مفهوم المسيحيّة - المقدِّمة -
- بداية نشوء الكون دليل على وجود خالق
- سقوط القسطنطينية -سنة 1453 - وانحسار المسيحية في الشرق
- انتفاضات الشعوب ألأيرانية على الثورة الأسلامية ونظام - ولاية ...
- جدلية العقل والأيمان – الجزء الثالث –هل يتّفق العقل مع الأيم ...
- جدلية العقل والأيمان – الجزء الثاني – إجابة على أسئلة وجودية
- جدلية العقل والأيمان - الجزء الأول
- قفزة (طفرة ) من الجامد الى الحي - بين نظرية الصدفة او العشوا ...
- تعقيد الخلية الحيّة دليل على بصمة الله الخالق
- نشوء الحياة وتطورها بين المفهوم العلمي والمفهوم الأيماني
- ليلة القدر هل هي ليلة نزول القرآن أم ليلة ميلاد المسيح ؟
- برهان –الوعي - : لغز العقل دليل على انّ العلم يشير الى مصمم ...
- الأسلام ودين ابراهيم -الحنيفية-


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نافع شابو - تأمّلات في زمن الميلاد-المسيح رئيس السلام- -الجزء الرابع -السلام مع الأخرين