ما الذى يجرى فى العالم المتغيرلنلحق به

مجدى عبد الحميد السيد
كاتب متخصص فى شئون العولمة والتكنولوجيا
(Magdy Abdel Hamid Elsayed)

الحوار المتمدن-العدد: 7509 - 2023 / 2 / 1 - 10:12
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

لو نحينا التغيرات المناخية جانبا لإن لها تأثيرا كبيرا على الأرض ككل والتفتنا إلى ما يحدث للمجتمع الإنسانى نفسه سنجد أن المجتمعات فى معظم دول العالم تتغير بطريقة متسارعة جدا منذ مطلع التسعينيات. لقد كان التغير الإنسانى كبيرا جدا خلال القرن العشرين ولكنه لم يصل إلى صلب الإنسان نفسه حيث تغيرت بعض المجتمعات بوتيرة سريعة والبعض لم يتغير كثيرا ، ولكن منذ حوالى ثلاثين عاما انخرطت معظم المجتمعات فى تغيرات عنيفة بالمقارنة بما كان يحدث سابقا ، ومعظم تلك التغيرات قادتها العولمة التى جعلت الأفكار والثقافات قبل البضائع تتحرك فى كل أراضى وبحار ومحيطات وسماء العالم ، وكانت الوجهة اقتصادية أولا بغرض أن تصبح الولايات المتحدة هى العالم نفسه لتسود الحضارة الغربية وينتهى التاريخ كما توقع المفكر الأمريكى فوكوياما ، ولكن الغريب بالفعل هو ما فعلته دول شرق آسيا التى أوقفت الزحف الأمريكى الغربى على العالم وبنفس أدوات العولمة المتمثلة فى الاقتصاد والتكنولوجيا عبر الانترنت والفضائيات .
هناك من يعتقد أن غزو العراق غير المبرر والحروب على الإرهاب على الطريقة الأمريكية أفقدت الولايات المتحدة حوالى خمسة تريليونات من الدولارات أنفقها جورج بوش الابن أدت إلى أزمة عام 2008 التى لم تفق الولايات المتحدة من آثارها إلى الآن ، بل إنها خلقت جنوب شرق آسيا جديد لم يتأثر بتلك الأزمة مثلما تأثرت الولايات المتحدة ومعظم دول العالم مما أدى لصعود الصين كثانى قوة اقتصادية عالمية عام 2010 متخطية اليابان وألمانيا ، وكانت تلك بالفعل أول مرة يحدث فيها صعود لدولة من العالم الثالث لتحتل المركز الثانى عالميا والمركز الأول فى التصدير برغم عدد سكانها الهائل الذى يمكن أن يوقف أى تنمية ، والدور الآن على الهند ثم إندونيسيا للدخول إلى عالم السبعة الكبار خلال السنوات القليلة القادمة .
إن المعجزة الجديدة لم تكن فى الهند والصين فقط بل كانت فى معظم دول آسيا التى بدأت تحتل مكانة عالمية تناطح فيها الولايات المتحدة وأوروبا مستخدمة نفس الأدوات ولكن بطريقة مغايرة . فالصين الشيوعية الماركسية صنعت نظاما جديدا يمزج الشيوعية بالكنفشيوسية بالطاوية بقليل من الديموقراطية لتخرج للعالم صين جديدة بعد عام 1989 وهو العام الذى قتل فيه الآلاف فى ميدان تيانمن ولكنه غير الصين لتصبح صين جديدة تجعل الحزب الشيوعى يضم أفضل عقول بدلا من الأحزاب الشيوعية التى تترهل بفعل الفساد ، والهند تحاول تطويع الديموقراطية الغربية لصالحها بتحويلها إلى ديموقراطية ديجيتال تحاول من خلالها الخروج بالمجتمع الفقير إلى آفاق أرحب عبر تطوير الزراعة والصناعة والتكنولوجيا ، أما سنغافورة وإندونيسيا وماليزيا فهى دول تحاول الوصول إلى معادلة جديدة فى تناغم الاقتصاد مع الأديان فى المجتمعات المحلية ذات العقائد والأعراق المتعددة دون أن تفقد هويتها الثقافية.
إن التغيرات العالمية لمرحلة ما بعد الأزمة العالمية 2008 غيرت العالم بالفعل وقد لمست معظم دول آسيا بما فيها دول الخليج العربى هذه التغيرات العالمية فاستعدت لها وشاركت فيها حتى لو بنسبة قليلة كما حدث فى الإمارات العربية والمملكة السعودية وقطر وحتى تركيا وإسرائيل وإيران برغم الحظر ، إن تلك التغيرات العالمية تعتمد على طريق رئيسى هو طريق العلم والتكنولوجيا الذى أصبح يفتح الباب للصناعة والزراعة والتجارة ويهيمن على الاقتصاد وعلى حياة الناس وثقافتهم عبر الانترنت والاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعى . إن العلم –والتكنولوجيا- ساهم فى سرعة تحويل الأموال عبر العالم ، وغير معظم طرق الصناعات التقليدية لتنضم الآلات إلى الإنسان فى صنع طفرة صناعية سماها البعض " الثورة الصناعية الرابعة" وهى الثورة التى جعلت الآلة ترتبط بالكمبيوتر والانترنت تمهيدا لمرحلة سيادة الروبوت والآلة المبرمجة كليا والتى تعمل بدون إنسان خلال العقود القادمة ، ثم غير العلم – والتكنولوجيا- معظم طرق الزراعة بعد تطوير الهندسة الوراثية وعلم الجينات ليتم معرفة أدق التفاصيل عن النباتات والأغذية ووصل الأمر إلى أن تقوم الطائرات الصغيرة بدون طيار (الدرونز) فى بذر البذور فى المناطق النائية واستكشاف البيئة وتصويرها نهارا وليلا ، أما التجارة فقد تحولت إلى تجارة اللحظة بحيث يستطيع رجال الأعمال أن يأخذوا قرارات فى لحظة تقاس بالمللى ثانية بالبيع والشراء بمئات المليارات من الدولارات يوميا .
نحن أمام تغيرات عالمية غير مسبوقة أتمنى أن نساهم فيها نحن كأفراد ومجتمعات قبل الدول بحيث يمارس كل منا التعامل مع التكنولوجيات الحديثة بأسلوب علمى فيستطيع استخدام وسائل العولمة الحديثة مثل الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى لزيادة خبراته فى مجاله العلمى والمهنى وحتى الشخصى وزيادة معرفته بالعالم من حوله وما يحدث فيه ليكون أحد المشاركين فى صنع العالم الجديد بدلا من الانزواء والتوقف عند البكاء على الأطلال والدخول فى دوامة الترندات المغيبة للعقول.
إن النظرة الإيجابية الموجودة لدى الشباب الآن بالمشاركة فى مواقع التواصل الاجتماعى حتى بالأشياء التى نظنها تافهة سوف تتطور ليشاركوا العالم فى تطوراته وتغييراته القادمة وبالتالى نضع أقدامنا مع التقدم مثلما فعلت دول شرق آسيا ، صحيح أن الهند مثل معظم دول الشرق الأوسط تتأثر كثيرا بالعاطفة الدينية إلا أن ذلك التأثر ليس هو المعوق الكبير عن الأخذ بأسباب التكنولوجيا والعلم ، وصحيح أن الصين شيوعية قد تبدو مستبدة ديموقراطيا إلا أن ذلك لم يمنعها من رفاهية شعبها ليصبح فيها أكثر من 150 مليون مليونير خلال عشر سنوات فقط ، وصحيح ان المملكة السعودية متشددة دينيا إلا ان ذلك لم يمنعها من تطوير الصناعة والتجارة بطريقة واعدة مثلما فعلت جارتيها الإمارات التى قفزت قفزة غير مسبوقة وقطر صغيرة العدد التى أصبحت تغزو أسواق العالم الاستثمارية.
إنه عالم يتغير بالفعل بوتيرة تقاس بالثوانى وليس بالأيام فهل سنجاريه فى تغيراته ؟ ممكن جدا.

#مجدى_عبد_الحميد_السيد (هاشتاغ)       Magdy_Abdel_Hamid_Elsayed#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل