أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان الشمس - الشخصية العراقية .... من منظور الدكتور علي الوردي















المزيد.....



الشخصية العراقية .... من منظور الدكتور علي الوردي


سلمان الشمس

الحوار المتمدن-العدد: 7504 - 2023 / 1 / 27 - 14:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شخصية الفرد العراقي.... من منظور الدكتور علي الوردي
في عام 1951 ألقى الدكتور علي الوردي محاضرة على قاعة الملكة عالية . المحاضرة كانت بعنوان بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث. وقد كانت هذه المحاضرة بداية لمشروعه الاصلاحي الذي طرحه بكتبه المتوالية ، معتمدا النقد والتحليل والتعرية للمفاهيم السائدة ، مزيلا القشور والمظاهر والهوامش والاضافات ، التي تشكل حاجزا أمام الرؤية الحقيقية للشخصية العراقية.
المشروع الذي بداه الوردي تم تجاهله والتغاضي عنه من قبل الكثير من النخب الثقافية والسياسية ولاسباب عديدة . تم تجاهله وعدم الذهاب به لمديات أوسع ، بل تحول الامر الى مجاملة للفرد العراقي تحت مسميات وصفات عدة مثل أبو الغيرة وأحسن شعب وارفع رأسك انت عراقي والعراقيين خوش ولد.....مع التغاضي عن التراكمات و العقد النفسية والسلوكيات لدى هذا الفرد والتي برزت الى السطح بشكل واضح بعد عام 2003 ، متجلية بأعمال السلب والنهب والحرب الطائفية والفساد الاداري والغش والعودة الى العشائرية.......
يقول الوردي: ليس من النافع لبلدنا ان نغض الطرف عن عيوبنا او التبجح دائما بما فينا من محاسن ، بل الاجدر ان نركز انتباهنا على عيوبنا لكي نستطيع اصلاحها بدل من الانشغال بذكر حسناتنا حيث لا ننتفع من ذلك غير الغرور المذموم.
هنا عرض مبسط لأراء وطروحات الوردي كمحاولة لاعادة قراءته.
ما هي الشخصية؟
من دارج القول أن نقول ان فلان له شخصية والآخر لا شخصية له. كأن الشخصية صفة تلازم البعض وتغيب عند الآخر ، مثلها مثل الجمال موجود عند البعض ومفقود عند الآخرين . وهذا قول غير صحيح فالشخصية صفة عامة لجميع الناس ، فلا أحد بدون شخصية . الفرق فقط ، في قوة هذه الشخصية ، قوتها أو ضعفها وليس في وجودها أو عدمها. الكل له شخصية ، التي قد تكون قوية أو ضعيفة.
يرى الوردي أنه يمكن تعريف الشخصية بايجاز : هي المجموعة المنظمة من الافكار والسجايا والميول والعادات التي يتميز بها شخص عن غيره .
كيف تتكون هذه المجموعة المنظمة ؟ هل هي استعدادات وراثية تولد مع الطفل ، أي ان يولد الطفل وهو يملك الاستعداد ان يكون صالحا او مجرما ،طيبا أوخبيثا...... أم ان المجتمع هو من يطبعه بطابعه الخاص؟
الانسان يولد وقد ورث ميولا واندفاعات بهيمية وغرائز ورغبات.... يسعى جاهدا لتحقيقها. وقد لخص العالم كارل يونج هذه الرغبات والحاجات الانسانية الى خمس حاجات مرتبة تصاعديا على شكل هرم ، كلما حقق الانسان حاجة سوف ينتقل لتحقيق الحاجة الاخرى.
الحاجات الفسيولوجية والبيولوجية (الطعام – الهواء- الجنس- السكن- النوم...)
حاجات السلامة ( الحماية – الامان- الاستقرار .....)
الانتماء/ الحب (الالفة الجنسية- العلاقات العائلية ....)
حاجات التقدير (الانجازات – المنزلة- المسؤولية ....)
تحقيق الذات ( النمو الذاتي – الابداع – الكمال .....)
هذه الرغبات التي يسعى الانسان جاهدا لتحقيقها سوف تواجه بما يفرضه المجتمع من قيود صارمة ، تبدأ هذه القيود بالعيب الذي يتعلمه الانسان بالطفولة من الأسرة ، ثم الحرام الذي يتعلمه من الدين ، ثم الممنوع الذي يتعلمه من القانون.
وما حياة الانسان الا السعي المتواصل في سبيل التوفيق بين ما يشتهي من حاجات انية وبين ما يفرضه عليه المجتمع من اصلاحات واعتبارات وقيم . أنه صراع متواصل بين قوتين متعاكستين : قوة بهيمية غريزية لا تعرف قيدا وقوى أخرى اجتماعية تحاول أن تسيطر على تلك القوة الغاشمة وتسكبها في قوالب حضارية مقبولة. يقول (موري ): ان الشخصية البشرية تكوين حركي ومحاولة مستمرة في سبيل التوفيق بين رغبات الانسان الطبيعية وقواعد المجتمع المفروضة عليه.
(ومن الناس من ينجح في المصالحة والتوفيق بين هاتين القوتين المتنازعتين فيصبح شخصا سويا ومنهم من يفشل فيصبح مجنونا أو مجرما أومنطويا على نفسه أو مستهترا أو معتديا حقودا ).
التنازع بين هاتين القوتين ، أخذ مسميات عديدة عبر التاريخ ، تنازع الخير والشر أو العقل والعاطفة ... (من الملاحظ ان رجال الدين ورجال الفكر قديما أحسوا بهذه الحقيقة واعتبروا النفس الانسانية ميدانا لنزاع مرير بين هدى الله ونزعات الشيطان ، أو كما قال الفلاسفة بين وحي العقل واندفاع العاطفة.)
نستطيع ان نشبه العوامل البيولوجية بالمواد الخام والعوامل الاجتماعية بالمعامل التي تصنع من هذه المواد الخام بضائع شتى : فشخصية الانسان ليس نتيجة العوامل البيولوجية والاستعدادات الوراثية (المادة الخام) وحدها ولا نتيجة العوامل الاجتماعية (المعمل) ، بل هي نتيجة تفاعل هذان العاملان.
(على سبيل المثال: ان نقص افراز الفص الامامي من الغدة النخامية يؤدي بالشخص الى ان يكون قزما ، ومن الملاحظ ان الاقزام يميلون الى حسن الهندام والتباهي وحب الفتنه . ولكن ليس من الصواب ان يقال : بان نقص الافراز بالغدة هو السبب المباشر في التباهي وحب الفتنه ، انما الاصح ان يقال : بان تأثير البيئة الاجتماعية على خلق القزم هو الذي أدى به لذلك ، ولو انه نشأ في بيئة أخرى أكثر عطفا لكان الارجح ان يكون على خلق آخر).
(كثيرا ما نجد شخصا قد ورث في تكوينه البيولوجي عوامل تدعوه الى الغضب وسرعة الاعتداء مثلا ولكنه ولد بين جماعة لا تحبذ هذه الصفة ولذا نراه قد حول طبيعته البيولوجية الى مجرى آخر غير مجرى الاعتداء ، وقد يصبح بتأثير البيئة الاجتماعية خانعا بكاءا يحب ان يؤذيه الغير بدلا من ان يؤذي هو الغير. أو ان يمتلك شخصا ذكاءا مفرطا لكنه يعيش في مجتمع يقدر الضخامة البدنية ، فيغيش منزويا خاملا لا ينتج علما او فلسفة.....وقد يصاب أحد الناس بالصرع أو بنوع خفيف من الجنون فيكون في بعض المجتمعات قديسا وفي البعض الاخر محجورا عليه في مستشفى الامراض العصبية.)
(وجد بعض الباحثين ان المجرمين في بعض البلاد تكثر فيهم دمامة الوجه او العاهة فاستنتجوا ان الدميم بطبيعته يميل الى الاجرام ، وهذا اسنتاج مغلوط ، لان الاجرام اكتسابي في أغلب الاحيان ، وسببه اجتماعي . الدميم ليس مجرما بالطبيعة ، أنما وصفه المجتمع منذ طفولته بالاجرام بسبب دمامته ، فنشأ مجرما، أي ان المجتمع كره هذا الطفل وعامله بخشونه وظلمه فأصبح مجرما. لو حدثت جريمة وحضر أمام الشرطة شخصان ، احدهما جميل الطلعة والاخر دميم ، فان الشرطة عادة ما تكون أميل وأسرع الى القاء القبض على الدميم ، والقاضي يكون أميل الى ادانة الدميم والافراج عن الجميل .)
لا زال الكثير يعتقدون ان الانسان مخير فيما يعمل وانه يستطيع ان يركب شخصيته ويصنعها كما يشاء فهو قادر ان يجمع في نفسه كل الخصال الحسنة. وبناءا على هذا التصور كثرت الخطب الرنانة والمواعظ والنصائح ، والتي لم تجد أو تغير شيئا . أكثروا من النصح والارشاد ولم يلتفتوا الى حقيقة ان الشخصية تنشأ وتتنوع وتنضج حسب قواعد يصعب الحيود عنها ، وانها قد تسير بالطريق المرسوم لها حسب تفاعل الطبيعة والمجتمع سواء أخطب الواعظون أم لم يخطبوا أو نصح المفكرون أو لم ينصحوا . فأستقامة الشخصية لا تقاس بالمنطق بل هي نسبية ، فاذا ربي الانسان في مجتمع معين وأقتبس منه قيمه وتقاليده فمن غير المجدي ان نطلب منه الاصغاء الى النصائح التي تخالف ما تعود عليه. رجل نشأ في بيئة تؤمن بالحجاب الشديد وتعتبره دليلا على عفة وشرف المرأة ، هذا الرجل ارتبط مفهوم الحجاب لديه بمفهوم الشرف. انه يقيس الامور ويميز بين المعقول وغير المعقول على ضوء القواعد التي تلقنها في مجتمعه ، ولن يستطيع الجدل المنطقي ان يقنع هذا الرجل بخلاف ما تعود عليه. هو يشجع منتخب البرازيل وسيظل يشجعهم حتى لو خسروا 6- صفر . المشكلة ان الكثير يرى أفكاره وقناعاته جزء من شخصيته ، ويرى ان تغير أو التنازل عن هذه الافكار يشكل أهانة له ، وسيظل يدافع عن هذه القوالب الجامدة المترسبة في فكره بكل ما أوتي من قوة ، وقلة من البشر من يمتلك القدرة ان يقف و يلتفت الى الوراء لحظة ، ليحاكم اراءه وقناعاته ، ويضعها بالميزان.
ان تغيرالبشر واصلاح تفكيرهم يتم من خلال تغير ظروفهم الحياتية والمعاشية والتربوية ، اما الخطب الرنانة والوعد والوعيد فلم ولن تجدي شيئا.
هذا لا يعني ان سر الشخصية قد اكتشف نهائيا فما زالت في اعماق النفس البشرية قوى خارقة مبدعة تتحدى قوانين الزمان والمكان ومن الصعب تفسيرها . فالشاعر أو المخترع أوالموسيقي ..... تنبعث في نفسه قوى تسيره من حيث يدري او لا يدري. من الصعب أن نفسر موسيقى بيتهوفن أو نظريات نيوتن أو مسرحيات شكسبير.... بما يقوله العلماء عن تفاعل الوراثة والمحيط في تكوين الشخصية.
بالاضافة الى دور العوامل الوراثية وتفاعلها مع المجتمع في بلورة وابراز شخصية الانسان ثمة عامل أخر أشار اليه الدكتور علي الوردي وهو عامل التكتل والتفكك الاجتماعي .فاذا تفكك المجتمع نتيجة تحركه واتصاله بغيره من المجتمعات ، ضعف سلطان المثل العليا الخاصة به وقل ايمان افراده بهذه القيم والمثل بعد ما يلاحظوا نسبية هذه المثل . فليس ثمة شيء مطلق ، كل شيء نسبي ، الحرام عند مجتمع ما قد يكون حلالا عند مجتمع أخر والمرفوض هنا مقبول هناك وهكذا .... فكثير من عادات وتقاليد بعض الشعوب تكون مستهجنة ومرفوضة من شعوب أخرى. احتكاك المجتمع بمجتمعات أخرى سوف يزعزع ويحرك قناعات الناس بمثلها وقيمها وعاداتها ، ولذلك نرى الناس في المدن السياحية التي تستقبل السياح ، نراهم أكثر انفتاحا واستعدادا لتقبل الآخر من المدن المغلقة.
التنويم الاجتماعي ظاهرة التنويم المغناطيسي باتت معروفة اليوم . فالمنوم المغناطيسي عندما يحاول ان ينوم أحد الناس فانه يطلب منه ان يركز نظره في نقطة ثابته ثم يبدأ يكرر عليه القول : أنت ستنام... أخذت عضلاتك بالارتخاء....أصبحت جفونك ثقيلة .... أطبقت أجفانك الان ....أنت نائم الان. هكذا ينوم الانسان تنويما مغناطيسيا بالتلقين والايحاء والتكرار ، فاذا نام استطعت ان توحي اليه بكل شيء وسيقوم بفعله بعد استيقاظه.
(يقال ان أحد رجال الدين المتزمتين نوم ذات مرة واوحي اليه أثناء النوم انه اذا سمع دقة الساعة بعد استيقاظه فأنه يجب عليه عند ذاك ان يلقي خطبة رنانة في مدح الكفر والزندقة. فلما استيقظ هذا الرجل جلس كعادته يتحدث ولكنه لم يكد يسمع دقة الساعة حتى قام ناهضا واخذ يلقي خطابا حماسيا في مدح الكفر كما اوحي اليه أثناء النوم. وبعد انتهائه من القاء كلمته سأله أحد الحاضرين عن علة ما شوهد فيه من تناقض. فأخذ صاحبنا يأتي بالحجج والبراهين القاطعة انه لم يناقض نفسه وانه ما عمل الا الصواب وانه لم يقصد الا الخير).
يرى الوردي : اننا جميعا في جميع شؤون حياتنا واقعين تحت تأثير يشبه تأثير المنوم المغناطيسي سماه تأثير (التنويم الاجتماعي). فالطفل عندما يفتح عينيه للحياة يبدأ منومه الكبير ، أي المجتمع ، بالايحاء اليه انه فلان ابن فلان وانه جزء من عائلة أو طبقة معينه ، وانه ناجح أو فاشل ، وان الواجب عليه ان يفعل كذا ويقول كذا. وبذا فهو ينشأ كالمنوم ينظر الى نفسه كما ينظر الناس اليه ويقوم بما ينبغي ان يقوم به حسب ما أوحت اليه الجماعة التي يعيش بها.
قد يكون أحد الاطفال ذا عاهة أو يكون نحيلا ، سوف يتعرض الى استهزاء واستهجان أقرانه الاطفال ، يوحى اليه بمدار اليوم انه مشوه وفاشل ، فتتكون لديه عقدة نفسية عميقة من الصعب ان يزيلها عند الكبر، حتى لو صار مشهورا فان هذه العقدة ستمنعه من الاحساس بمنزلته الاجتماعية.
(كان العالم باستور ، فيه عرج قليل ونحول ، وكان يشعر من طفولته بعقدة النقص ، وبعد اكتشافه للميكروبات وانتشار اسمه في العالم ظل يشعر بالنقص الذي أوحاه المجتمع اليه. دخل مرة بمحفل كبير عقد للاحتفال به ، وعندما سمع الهتاف والتصفيق اثر دخوله القاعة ، سأل صديقه : لماذا هذا التصفيق؟ أدخل ولي العهد؟ لقد ظن ان التصفيق لولي العهد وليس له. ومن العجيب ان بعض الناس اذا سمع التصفيق ظن ان التصفيق له وليس لولي العهد.)
اذا كانت النفس البشرية ، وما يتكون حولها من شخصية ، هي صنيعة الجماعة أو صورة منعكسة عنها ، فما المانع من تكون للشخص عدة أوجه ، يتقمصها بحسب تواجده بين هذه المجموعات . يقول وليم جيمس : ان الانسان عادة له عدة نفوس وليس نفسا واحدة. فاذا ذهب احدهم الى حفل ما ، نراه يتقمص مع البدلة الجديدة شخصية اخرى ، نراه يتحرك ويتحدث بطريقة مختلفة عن حياته العادية . وحضور المرأة لاي تجمع يغير من اسلوب حركة وحديث الرجال بهذا التجمع .والكل يشعر بما يرى في نفسه وطريقة تفكيره من تحول كبير بتغير مكانه ، فهو في البيت غيره في الدائرة ، وفي الدائرة غيره في المقهى .....قد يكون في المقهى مناصرا لحرية المرأة مدافعا عنها ولكنه في البيت حاجرا على زوجته واخواته.
فطن المفكرون منذ القدم ان الافراد الذين ينشأون في مجتمع معين يتشابهون في بعض الخصائص التي تميزهم عن الجماعات الاخرى . على الرغم من التباين والتفاوت بين افراد المجتمع الواحد فانهم يشتركون في صفات عامة تجعلهم يختلفون عن غيرهم بفوارق شخصية واضحة. عدد الجاحظ مزايا كل امة في عصره فقال ( ميزة اهل الصين الصناعة ... واليونايون الحكم والاداب.....والعرب وجهوا قواهم الى قول الشعر وبلاغة المنطق وحفظ النسب والاهتداء بالنجوم والبصر بالخيل والسلاح.....والفرس في الملك والسياسة....والاتراك بالحروب .....والزنوج بالرقص وضرب الطبل ....واشتهر الهنود بالحساب وعلم النجوم واسرار الطب.... ).
ازدواجية الشخصية العراقية
للمجتمع العراقي ، كأي مجتمع آخر ، له بعض الخصائص التي تميزه عن غيره والتي تؤثر بدورها في تكوين شخصية الافراد المنتمين له.
يقول الوردي : لقد لاحظت بعد دراسة طويلة بأن شخصية الفرد العراقي فيها شيء من الازدواج . واني لا انكر ان ازدواج الشخصية ظاهرة عامة توجد بشكل مختلف لدى كل انسان ولكني أوكد لكم ان الازدواج فينا مركز ومتغلل في أعماق نفوسنا.
فالعراقي بالغالب يقول ويدعي أشياء مثالية كثيرة ولكنه يسلك ويتصرف ويعمل بطريقة مختلفة تماما. ( فهو أكثر من غيره هياما بالمثل العليا والدعوة اليها في خطاباته وكتاباته ولكنه بنفس الوقت من أكثر الناس انحرافا عن هذه المثل بواقع الحياة.) وقد أورد الوردي كثير من القرائن التي تدعم رأيه.
أحد الكتاب العرب زار العراق ، وكان الوقت رمضان فعجب من شدة التمسك بمظاهر الصوم من ناحية ومن كثرة المفطرين من ناحية أخرى . والعراقي من أشد الناس غضبا على من يفطر علنا وهو من أكثرهم افطارا. انه أقل الناس تمسكا بالدين ، وأكثرهم انغماسا في النزاع بين المذاهب الدينية . فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية اخرى. قد يدعو وهو في مجالس الوقار الى مقاطعة البضاعة الغربية ، ولكنه اذا دخل السوق ، يريد شراء بضاعة ما ، تراه قد نسي ما قال، واندفع مشتريا أي بضاعة جيدة ورخيصة ، متغاضيا عن السؤال اذا كانت غربية او لا.
(حدث مرة ان اقيمت حفلة كبرى في بغداد للدعوة الى مقاطعة البضاعة الاجنبية ، وقد خطب بها الخطباء خطب رنانة وانشد الشعراء قصائد عامرة. وقد لوحظ ان اغلب الخطباء والشعراء كانوا يلبسون اقمشة اجنبية).
(ازدواج الشخصية ظهر في العراق منذ زمن قديم ، وقد كان ظهوره واضحا في صدر الاسلام . وربما كان ذلك من الاسباب التي جعلت الكثيرين يصفون أهل العراق بانهم أهل الشقاق والنفاق. ولا تزال هذه السمعة لاصقة بالعراق حتى يومنا هذا ، وطالما سمعنا أهل العراق أنفسهم يلهجون بها في بعض المناسبات.....)
يلاحظ الوردي ان كل مدينة يكثر فيها رجال الدين ينتشر فيها أيضا ازدواج الشخصية على درجة كبيرة. ذلك ان الانسان في هذا المجتمع مضطر ان يكون دينيا تقيا في ناحية من حياته ودنيويا يسعى وراء مصالحه من ناحية أخرى.
ان الفئات الاجتماعية الاكثر عرضة لهذه الازدواجية كما يرى الوردي : هم رجال الدين والمتعلمين والمثقفين والسياسين....، الاغلبية الساحقة من هذه الفئة قد وقعت تحت تأثير هذه الازدواجية ، فهم متدينون أو قوميون أو ماركسيون أو علمانيون ..... في جانب من حياتهم ولكنهم في الجانب الاخر تقليديون وبدائيون......قد ينادون بالاختلاط والمساواة بين الجنسين وحرية المرأة ، فيما نجد ان حياتهم العائلية تحكمها القيم العشائرية والاسرية ومفاهيم الفحولة والشرف الشرقي . ازدواجية متطرفة في تبني عدة اتجاهات متناقضة ، من المفاهيم العلمانية والثورية والغربية في الخطاب والاعلام الى العشائرية والطائفية في الوقائع والمواقف (يتكلم بلغة البير كامو وفي داخله ملا عليوي).

يرى الوردي ان هناك عدة عوامل فعالة ساعدت على استفحال ازدواج الشخصية في العراق أهمها النزعة الجدلية ، صراع البداوة والحضارة ، التربية المتشددة ، اللغة، التناشز.
النزعة الجدلية عرف العراقيون من قديم الزمان بميلهم للنقاش والجدل . قال الجاحظ ( ان العلة في عصيان اهل العراق على الامراء هي انهم أهل نظر وذووا فطنة ثاقبة ، ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث ، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتميز بين الروساء واظهار عيوب الامراء ...... وما زال العراق موصوفا بقلة الطاعة وبالشقاق على أولي الرئاسة ).
( اذا استفحلت النزعة الجدلية في شعب جعلته أكثر من غيره ميلا للاطلاع والقراءة ، وأوسع أفقا من الناحية الذهنية . ولكنها من الناحية الاخرى تجعله مشتت الاهواء والاراء ، لا يستقر على مبدأ واحد مدة طويلة ، ولا يعجب بزعيم أو يلتف حوله ويستمر على تأييده.)
النزعة الجدلية تجعل الناس مثاليين في تفكيرهم أكثر مما ينبغي..... تعلم الفرد ان يطلب من غيره اعمالا لا يستطيع هو ان يحققها ، فهو يريد من غيره ان يكون مثاليا بأعماله حسبما يقتضيه الجدل المنطقي ، ونراه عندئذ شديد النقد سليط اللسان ، يفترض في من ينتقدهم ان يكونوا معصومين من الخطأ... وادلته العقلية طوع أمره .... يريد أن يأخذ اكثر مما يعطي ، الفرد الجدلي يختلف عن غيره بكونه يحمل سلاحا صارما هو سلاح المنطق يستخدمه كيفما شاء.)
جاء بالحديث المأثور : اذا اراد الله بقوم سوء أورثهم الجدل وقلة العمل . وهذا الحديث يعطي صورة معبرة للشعب الذي تستفحل به النزعة الجدلية. والى يومنا هذا ما زلنا نقول ما لا نفعل ونحترم بمجالسنا الشخص المتفوه صاحب الصوت العالي ، الذي يجيد ألاعيب الكلام ، أكثر من الشخص الذي يعمل بصمت.
(عاش بالعراق الكثير من أقطاب التفكير الديني وأعلام المنطق والفلاسفة ، وفيه نشأت مغظم الفرق الاسلامية وأقطاب التصوف والأئمة ، وهولاء طبعوا التفكير العراقي بالنمط المثالي وجعلوا الشعائر السائدة تمجد الاخلاق الفاضلة . ولذا أصبح الفرد العراقي متعودا ان يخطب ويكتب في حدود ما يستوجبه الدين أو يقتضيه المنطق من أفكار سامية وبراهين دامغة ، ولكنه لم يستطع ان يغير من طراز حياته اليومية شيئا ، ولذلك صار متقمصا شخصيتين أو ذاتين مختلفتين ، ذاتا يفكر بها وذاتا أخرى يعمل بها....)
صراع البداوة والحضارة
يقع العراق على هامش صحراء الجزيرة العربية ، هذه الصحراء المتاخمة للعراق تميزت بصفة خاصة ، هي صفة الجفاف المتزايد على مدى عدة قرون ، مما أضطر ساكنيها للهجرة الى البلاد المجاورة . ولأن أرضه زراعية خصبة (ارض السواد) فقد تلقى العراق النصيب الأكبر من هذه الموجات ، حيث لا يوجد جبل أو بحر يمنع البدو من النفوذ اليه.
يرى الوردي ان هذه الحقيقة الحضارية تؤدي بنا الى نتيجة عظيمة الأهمية : حيث نجد في العراق منذ بدء المدنية الأولى ، طبقتين أو حضارتين تتصارعان ، حضارة بدوية محاربة من ناحية وحضارة زراعية خاضعة من ناحية أخرى.
(نشأ في العراق بناء على ذلك ، نظامان للقيم : نظام يؤمن بالقوة والبسالة وتسود فيه قيم الاباء والشجاعة والكبرياء وما الى ذلك من صفات المحارب الفاتح ، وبجانبه نظام آخر يؤمن بالكدح والصبر ويمارس اداء الضريبة والخضوع والتباكي......)
( فالفرد العراقي أصبح مضطرا أن يقتبس نوعين من القيم الاجتماعية ، أو يقلد طبقتين ، طبقة البدوي الغالب وطبقة الفلاح المغلوب ، فهو تارة يؤمن بالغلبة ويتباهى بها أو يحاول ان يظهر قوته على غيره ، وتارة يئن من سوء حظه..... ولعلنا لا نخطأ اذا قلنا ان العراقي يكون خاضعا عند مواجهة من هو أقوى منه بينما يكون غضوبا اذا واجه شخصا ضعيفا. وهذه ظاهرة موجودة بالنفس البشرية ولكنها بالنفس العراقية أقوى وأوضح لان قيم البداوة والزراعة قد ازدوجتا بالعراق منذ أقدم العصور ولا تزال تصطرع في أنفسنا حتى اليوم).
(من دلائل الصراع بين القيم البدوية والمدنية في العراق هو ما نشاهده من ازدواج بالقانون ، فليس هناك في الدنيا مجتمع حديث يسيطر فيه قانونان قانون عشائري وقانون مدني. والعراقي مترنح بين هذه القانونين لا يدري اين يتوجه. انه يرقص رقصة عشائرية ويغني اغاني مدنية ، وخلاصة الامر: نشاز)
انتشار القيم البدوية في المجتمع العراقي قد اضاف الى ازدواج الشخصية عنصرا جديدا ، فالشخصية البدوية تمجد الغزو والسلب والنهب وتتصف بالكرم ، ما يكسبه من الغزو يكرم به ضيفه ، وقد تجد شخصا يتماهى مع القيم البدوية بالسطو على حقوق الناس أو سرقة أموال الدولة ولكن هذا لا يمنعه من البذخ بأقامة الولائم والتباهي أو لبس لباس الوقار والفضيلة والذهاب للمسجد متعبدا راجيا دخول الجنة.
أحد الظواهر البارزة والراسخة بالمجتمع العراقي: هي تقدير واحترام وحتى تقديس الانسان القوي أو الزعيم الاوحد ، وهذه الظاهرة ورثها من القيم البدوية والريفية التي كانت متماهية مع اخلاقيات الغزو والسلب والنهب واحتقار الضعيف ، وقوانين البقاء للاقوى الرائجة بالجزيرة العربية . وعند أغلب العراقيين حنين أبدي للقائد الأوحد ، الضخم ، الهيبة.... وقد حاول الدكتور الوردي تفسير أسباب احترام العراقيين للزعيم الالماني هتلر فقال : ان السبب في ذلك هو القوة التي يمتلكها ، واعجاب العراقيين التاريخي بالشخصيات القوية حتى لو كانت استبدادية أو اجرامية . ( فنحن بأعمالنا بدو نحتقر الضعيف ونحترم القوي. أما بأفكارنا فنحن أفلاطونيون ننشد المثل العليا....... من حسن حظ غاندي انه لم يولد بين العرب ، فلو كان هذا الرجل النحيل يعيش بيننا لاشبعناه لوما وتقريعا....دأبنا ان نهاب المترفين ونحترم الجلاوزة الضخام ، وسوف لن نحصل في دنيانا على غير هولاء ما لم نغير هذه العادة الخبيثة ).
التربية المتشددة
التربية المتشددة المتزمتة تكثر في العراق ، ونظرة واحدة على أسلوب التربية بالاسرة والمدرسة تكفي لتأييد هذا القول . فالأهل يطلبون من الطفل الكمال في كل شيء ، في أعماله وسلوكه وكلامه ، ويحاسبانه على كل هفوة تصدر عنه حسابا عسيرا . وفي المدرسة عليه ان ينكب على قراءته وكتابته ، منكسا رأسه ، قاطعا أنفاسه ، لا يلتفت يمينا أو يسارا ، من نجح بهذا فهو طفل عاقل مؤدب ، من أخفق الويل له. والطفل مضطر أن يكظم غيضه ويكبت عواطفه مدة الدراسة . وصورة خروج الطلبة من المدرسة لحظة نهاية الدوام ، تحمل رمزية عالية ، كأنهم يخرجون من سجن ، يركضون ويضربون بعضهم ..... نوع من التنفيس عن ما يعانون من كبت.
على هذا المنوال ينشأ الطفل وقد نمت فيه شخصيتان : شخصية مؤدبه خاضعة ، وشخصية ثائرة معتدية. حتى مدارسنا الحديثة ما زالت تحتوي على بقايا من تلك الروح القديمة.
اذا كانت الشخصية هي محاولة مستمرة للتوازن بين رغبات وغرائز الانسان الطبيعية وبين قواعد وشروط المجتمع التي يتبناها الضمير، فالتوازن بين هاتين القوتين صعب ، وكثيرا ما يفشل الانسان في نيل هذا التوازن أو ضبطه.
( وهذا ما دعى أصحاب التربية الحديثة الى القول بضرورة تسهيل القواعد المفروضة على الطفل واعطاء المجال لرغباته الطبيعية ان تتحرر وتترعرع ضمن حدود معينة ). فقد تكون رغبته ان يكون ممثلا او موسيقيا .... والمفروض تنمية رغبته تلك وصقلها ومساعدته على اكمالها ، فليس بالضرورة ان يصير الجميع أطباء ومهندسين كما هو شائع الان .
ان شدة التربية والتزمت في التأديب كثيرا ما يؤدي الى نمو خليقة الرياء والنفاق لدى الطفل... يقول ما لايعني ، ويمارس ما لا يؤمن به.
الطفل ينشأ ويكبر وبعقله الباطن الكثير من العقد النفسية التي نتجت من كبت رغباته ودوافعه. (فالدافع الجنسي مكبوت لشدة الحجاب والفصل بين الجنسين ، ودافع القوة مكبوت لسيادة الاستعباد في العراق منذ مئات السنين ، ودافع الحياة مكبوت لما توالى من مجاعات وحروب واوبئة وفيضانات..... عقد جمة وكوامن مكبوته تحاول الظهور تحت قناع الانتقاد أو الشغب أو شدة الاعتراض ).
اللغة
ابتلى العراق ، حاله حال بقية البلدان العربية ، ابتلى بالفارق الكبير بين اللغة الدارجة واللغة الفصحى. بين لغة الاعمال اليومية ، ولغة الخطابة والكتابة.
(نحن تعودنا ان نتكلم بلغتين ، وكأننا نفكر باسلوبين مختلفين. فنحن في حياتنا الاعتيادية نتكلم باللغة العامية الدارجة ، ولكننا ما نكاد نواجه حفلا أو نكتب مقالا حتى نبدأ بالتحذلق باللغة الفصحى . وبهذا فنحن نتقمص شخصيتين ونفكر على نمطين).
(اللغة الفصحى لغة البرج العاجي ، لغة رفع الفاعل ونصب المفعول به وجر المضاف اليه . وهذه امور لا تمس الحياة العملية مساسا كبيرا. ان حياة الواقع ، التي يحياها عامة الناس ويعانون فيها ما يعانون ، لا تنتفع من كون الفاعل مرفوعا أو المفعول به منصوبا ، حياتهم تتطلب لغة عملية بسيطة تؤدي المعنى من غير التباس أو غموض ، ولهذا هم معرضون عن استخدام اللغة الفصحى بمعاملتهم اليومية . لهذا السبب كان الادب والشعر وغيرهما من أفانين اللغة الفصحى لا يهتم بها عادة عوام الناس ، بل كانت محصورة بين جدران القصور الباذخة المملوءة بالجواري).
(لقد كان مثل هذا الفرق بين اللغة الدارجة والفصحى شائعا باوربا أثناء العصور الوسطى ، وقد ثار الاوربيون على هذا الازدواج في بدء نهضتهم الحديثة ، فوحدوا بين اللغتين تقريبا ولم يبق الان من الفرق الا جزء ضئيل هو ذلك الفرق الطبيعي بين لغة المثقفين ولغة العامة في كل زمان ومكان ، وبهذا سلمت نفوسهم من الازدواج الى حد كبير).
التناشز الاجتماعي والسياسي
وقع العراق تحت الاحتلال العثماني لما يقارب 400 عام . وتعتبر هذه الفترة فترة ركود ، حيث الامور تسير على وتيرة واحدة ، فليس هناك تخلل بالقيم والمفاهيم السائدة حيث كان الانسان يعيش على وتيرة واحدة من التخلف والثبات في القيم النفسية والاجتماعية والسياسية. ولكن مع دخول الانكليز للبلاد عام 1921 ودخول المعدات الحديثة معهم ، السيارة والطائرة والراديو....... وما رافقها من مفاهيم حديثة كالحرية والديمقراطية والعدل والمساواة ....حصل تناشز (تنافر- تباين ) بين هذه المفاهيم الواردة وما اعتاده الناس من أنماط فكرية وسلوكية مثل الدخالة وحق الزاد والملح والثار والنهوة والنخوة والضيافة وغسل العار والوساطة......
ولازال هذا التناشز دارجا بالمجتمع لغاية الان . فهو يقود سيارة حديثة ولكنه لا يحترم اشارات المرور ويقتني هاتف جوال حديث ولكنه يستخدمة للاتصال بأفراد العشيرة وليس الشرطة اذا تعرض لحادث ، ويفهم الديمقراطية بمعنى افعل ما تشاء والحرية حرية سلب حقوق الغير.
يحصل التناشز لان التقدم السريع الذي يحصل في مجال الحياة اليومية بفضل الاستفادة من منجزات التقدم العلمي والتقني ، هذا التقدم لا يصاحبه تقدم مواز بالافكار والقيم والاخلاق والممارسات السلوكية والروحية فيحصل التناشز بين ماتتطلبه التقنيات الحديثة من مفاهيم مصاحبة لها وبين المفاهيم البدوية والريفية والعشائرية.
الفرد في البلدان المتطورة لا يعاني من هذا الازدواج لأنه (ينشأ في حياته البيتية على عادات تلائم الحضارة التي يعيش فيها ، فهو اذا كبر لا يجد فرقا كبيرا بين حياته الاولى بطفولته وحياته الثانية بكبره ، أما الفرد عندنا فهو قد ينشأ في بيئة محلية مفعمة بقيم العصبية ، حتى اذا كبر تعلم أفكارا مناقضة لتلك القيم ، وهو بذلك يجد نفسه مضطرا ان يجاري هذه تارة وتللك تارة أخرى).
عرض الوردي العديد من الامثلة حول ظاهرة التناشز الاجتماعي بالمجتمع العراق : (الاب يسمح لابنته ان تدخل المدرسة ثم تتعين في وظيفة خارج البيت ، ولكنه يريدها مثل امه لا تعرف من دنياها غير الطاعة والخضوع.... واذا علم ان ابنته وقعت بالغرام انتفض غاضبا يريد ان يغسل عن نفسه العار...).(الرجل العربي في تعامله مع المرأة قد يتقمص شخصيتين مختلفتين احداهما حديثة والاخرى قديمة. فهو يتحدث الى المرأة ويغازلها مثل ما يفعل الرجل الاوربي متأثرا بالافلام التي تروج للحب والغرام ، ولكنه عندما يريد الزواج تنتفض القيم القديمة في اعماقه ويبحث عن امرأة لا تعرف الغزل والغرام....دون جوان مع صديقته وحاج في بيته).
لا يقتصر التناشز على المجال الاجتماعي فقط بل هناك الكثير من صور التناشز السياسي بالمجتمع العراقي . يرى الوردي : ان الوعي السياسي عند العراقيين متقدم عن وعيه الاجتماعي. فهو يطالب الحكومة بالحقوق المثالية والعادلة دون القيام بأي من الواجبات الملقاة عليه ، يريد من حكومته ان تكون مثل السويد بخدماتها ورقيها ، ولكنه يتصرف مع الدولة مثلما كان يتصرف والده مع الدولة العثمانية ، فيقع التناشز بين المطلوب من الحكومة والسلوك العام للفرد. يؤيد أحد المرشحين للانتخابات ويحلف أنه سوف يصوت له ، وعند وصوله لصندوق الانتخابات ، تبرز عنده الطائفية والعشائرية....فيصوت لمرشح أخر. ومن صور التناشز السياسي السائدة بالمجتمع ان أحدهم اذا عين وزيرا أو مديرا لمؤسسة فأنه يصرف كأنها ملك له ، يديرها بأسلوب بدائي عشائري تحكمة الوساطة والرشوة وليس اسلوبا اداريا تحكمه المفاهيم الادارية الحديثة لتطوير المؤسسة وأشاعة روح التعاون بين أعضائها لرفع انتاجيتها.
ختاما يقول الوردي : ان هذا الازدواج الذي حاولت ان اكتشفه في شخصية الفرد العراقي ، على اختلاف طبقاته ، لظاهرة اجتماعية تدعو الى التأمل العميق. واظن اننا سنظل حيارى في مجال الحياة الجديدة ، مترددين لا نعمل شيئا ، اذا لم نلتفت لهذه الظاهرة ، ونعترف بوجودها ، ونحاول معالجتها علاجا جديا. فما دامت هاتيك الهوة موجودة بين ما نعمل وما نفكر ، وما دمنا ندعي شيئا ونفعل غيره ، فاننا سنبقى سائرين فيما نحن فيه اليوم من قلق وارتباك لا حد لهما. هو داء لا بد له من دواء......



#سلمان_الشمس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اصل الكون .... الانفجار العظيم
- العلمانية لا تعني الالحاد
- قوى الأنسان الخفية...الباراسيكولوجي
- نشأة الدين.....قراءة لكتاب مستقبل وهم لفرويد
- غوستاف لوبون ...قراءة لكتاب سيكولوجية الجماهير
- مدخل الى فيزياء الكم
- دعوة لانقاذ جرحى الانتفاضة العراقية
- حتى لا تذهب الاحتجاجات الى العنف ...رسالة مفتوحة للمرجعية ال ...
- خيار الحكم الرئاسي للعراق
- نزيف ساحة التحرير
- النظرية النسبية عرض مبسط....الى استاذي جواد البشتيني
- قصة الفلسفة البراغماتية......الى استاذي محمد زكريا توفيق
- بمناسبة قرب انعقاد مؤتمر القوى المدنية بالعراق
- الخروج من مظلة الحزب الشيوعي العراقي
- نظرية التطور 2-2
- نظرية التطور.... 1-2
- نظرية التطور.... 1-2
- التفكير المستقيم والتفكير الاعوج 2-2
- التفكير المستقيم والتفكير الاعوج 1-2
- مهرجان القتل والسحل في العراق(3-3)


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان الشمس - الشخصية العراقية .... من منظور الدكتور علي الوردي