اصل الكون .... الانفجار العظيم

سلمان الشمس

الحوار المتمدن-العدد: 7459 - 2022 / 12 / 11 - 23:48
المحور: الطب , والعلوم
    

أصل الكون....الأنفجار العظيم
لعقود طويلة ظل ألانسان يعتقد أنه ثابت بمكانه ، وكل شيء بالأعلى من شمس وقمر ونجوم وكواكب تدور حول أرضه منعمة عليه بالضوء والليل والنهار فهو جالس بمركز الكون وكل شيء مسخر له....حتى جاء العالم كوبرنيكوس (1543) ليخبرنا ان الارض هي التي تدور حول الشمس ، واذا كان هذا القول من المسلمات اليوم ، فانه كان حدثا فريدا بزمانه زعزع التعاليم الراسخة ، وغير أفكار الناس ، وحاربته الكنيسة التي رأت ان هذا القول مخالف لتعاليم الانجيل وحقيقة الأمر أنها كانت تخشى على مصالحها ، مصالحها التي تستوجب أن يظل كل شيء على حاله دون تغير وأن تظل الناس تطيعها طاعة عمياء......
بتطور التلسكوبات و المعدات والاكتشافات العلمية ، صرنا ندرك ان الارض جزء من المجموعة الشمسية ، وانها تدور حول الشمس مع ثمانية كواكب أخرى ، مرتبه حسب بعدها عن الشمس ... هي عطارد ، الزهرة ، الأرض ، المريخ ، المشتري ، زحل ، أورانوس ، نبتون ، بلوتو ..... يعتبر بلوتو الكوكب الأكثر بعدا عن الشمس ومداره يمثل الحافة الخارجية للمجموعة الشمسية...... وتعتبر شمسنا جزء من مجرة درب التبانة التي تضم الآف النجوم الاخرى ويمكن رؤيتها بالسماء على شكل سحابة رقيقة... وأقرب مجرة الى مجرتنا هي مجرة سحب ماجلان ، اضافة الى درب التبانة وسحب ماجلان يحتوى الكون الذي يمكن رصده أكثر من 100 مليار مجرة ذات اشكال واحجام مختلفة...
أن هذا الاتساع الهائل للكون لا ينفع قياسه بالكيلومترات ، لان المسافات شاسعة والأرقام كبيرة..... لسهولة تصور هذه المقاييس الضخمة وجد العلماء أن تقاس هذه المسافات بالسنة الضوئية وهي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة ، ولما كان الضوء ينطلق بسرعة 300 الف كيلومتر بالثانية ، فأنه يقطع خلال سنة مسافة مقدارها تسعة ونص تريليون كيلومتر.... والتريلون هو مليون مليون أو ألف مليار ويكتب رقم واحد وأمامه 12 صفرا......وحين يقال ان نجما ما يبعد عن الارض سنة ضوئية فهذا يعني ان الضوء سيحتاج الى سنة كاملة ليقطع المسافة بين الارض وهذا النجم والتي تبلغ تسعة ونص تريليون كيلومتر.......


ضنن هذا السياق فأن الشمس تبعد عنا 8 دقائق ضوئية وهو الزمن اللازم للضوء لكي ينطلق من الشمس حتى يصل الينا ، ولو حدث انفجار بالشمس سوف لن نعلم به الا بعد مرور 8 دقائق..... والمسافة بين الشمس وأقرب نجم اليها والذي يسمى الأقرب القنطوري تتخطى أربع سنوات ضوئية...واذا ما رحلنا خارج مجرة درب التبانه سيواجهنا الحجم الهائل للفضاء فالأمر ما يزال في بدايته.....سوف لن نقابل جرما حتى نقطع مسافة 170 ألف سنة ضوئية حيث نجد مجرة سحب ماجلان الكبرى.......
واخيرا فان اكثر الأشياء التي تم رصدها حتى الآن هي المعروفة بشبه النجم أو كوازار.... والتي تبث كميات هائلة من الطاقة وتبعد عنا 100 مليار سنة ضوئية.
الانفجار العظيم
هل هذه المجرات ثابته ؟ هل هي ساكنة حقا كما تبدو الينا ؟ النظريات والمنجزات العلمية والتقنية المتطورة قادت الى حقيقة ان هذه النجوم والمجرات غير مستقرة بمكانها بل هي تبتعد عن بعضها البعض ..... أي ان الكون يتمدد ، بمعنى ان المسافة بين المجرات في ازدياد بمرور الوقت.... فليس هناك مجرة بحالة سكون وكل المجرات تتحرك مبتعده عن بعضها ......
الموضوع يشبه بالونا فارغا مرسوما على سطحه مجموعة من النقاط فكلما نفخنا البالون ابتعدت النقاط عن بعضها .... وهنا سطح البلون يمثل المكان بينما النقاط تمثل المجرات ..... والتشابه دقيق بين هذا المثال والكون الحقيقي حيث تبدو كل المجرات وهي تبتعد عنا ، ولو وضعنا نملة على احدى هذه النقاط على سطح البالون ، فسترى النملة ما نراه بالضبط ، ترى نفسها ثابتة وبقية النقاط تبتعد عنها .......الكون يتمدد ، بل يتمدد بكل لحظة ، وأنت تقرأ هذه الكلمات فهو يتمدد ، ويتمدد بعنف شديد جدا... ماهي الأدلة على تمدد الكون ؟
الدليل الاول
حين تكون واقفا على الطريق وتقترب منك سيارة اسعاف فأن حدة الصوت (وليس ارتفاعه) تزداد كلما اقتربت منك السيارة وتضعف حدته كلما ابتعدت ، هذه الظاهرة اسمها ظاهرة دوبلر وسببها أن موجات صوت سيارة الاسعاف يزداد ترددها اذا اقتربت منا ويقل التردد اذا ابتعدت عنا ..... وهذه ظاهرة موجية لان الصوت موجه ، ولما كان الضوء يتصرف كموجة ( والضوء المرئي يتكون طيفه من مجموعة من الألوان ، نشاهدها واضحة بقوس قزح تبدأ باللون الأحمر - تردد قليل - وتنتهي باللون الأزرق - تردد عالي )..... وكما هو الحال مع صوت سيارة الأسعاف ، فاذا اقترب منا مصدر ضوئي يزداد تردده أي يميل لونه الى الأزرق وحين يبتعد يقل تردده أي يميل لونه الى الأحمر ...... هذا ما لاحظه الفلكي ادوين هابل حين كان يراقب المجرات البعيدة ، لاحظ ان لونها يميل الى اللون الأحمر وهذا معناه ان تللك المجرات تبتعد عنا ،هذا الانحراف بضوء المجرات كان الدليل الأبرز لتمدد وتباعد الكون.
وكلما كانت المجرات أبعد كانت سرعة ابتعادها أكبر (قانون هابل) ، يشبه ذلك عندما تكون على احدى الطرق بسيارتك ، ثم تلاحظ أن السيارة التي امامك تسير مثلا بسرعة 70 كم بالساعة ، لكن الغريب انك ستلاحظ ان السيارة التي أمامها تسير أسرع منها (90 كم بالساعة) والتي تليها للأمام أسرع من السابقة وهكذا ....كلما نظرت الى سيارة أبعد تجد انها أسرع ..... الدهشة التي تصيبنا بهذا المثال هي نفسها الدهشة التي اصابت هابل والتي توصل من خلالها الى فكرته العبقرية حول تمدد الفضاء – الكون .
الدليل الثاني
اذا كان الكون يتمدد متوسعا ، فماذا لو عدنا عقارب الساعة للخلف ؟ يعني ذلك ان الكون سوف ينكمش ويتقلص كلما رجعنا بالزمن ، واذا استمررنا بالعودة للخلف سنصل الى لحظة كان الكون كله فيها نقطة واحدة ثم بدأت بالتوسع ، نقطة صغيرة جدا كثيفة وحارة بشكل يصعب تصورها ، تمددت هذه النقطة بلحظة تسمى الانفجار العظيم ، حدث ذلك من منذ ما يقارب 14 مليار عام ..... الانفجار هنا لا يشبه الانفجار الذي نراه بالافلام ، لا يشبه انفجار قنبلة تتطاير بالمكان .... قبل الانفجار العظيم لا يوجد مكان أو زمان ، الانفجار هو انبثاق للمكان والزمان ، الانفجار لم يحدث داخل الكون بل هو الكون نفسه وقد نشأ.
عندما ينفجرشيء ما لابد أن يخلف حراره ورائه ، فهل خلف انفجار الكون أي حرارة ؟ اذا كانت الاجابة نعم فلابد ان تكون هذه الحرارة قد هبطت خلال هذا الزمن الطويل الذي انقضى بعد الانفجار العظيم ، تم قياس تلك الحرارة بالصدفة من قبل ارنو بنزياس وروبرت ولسن اللذان كانا يعملان على اللواقط الرادوية ..... بالطبع لا يوجد مقياس حرارة ضخم يمكن وضعه بالسماء ، لكن هناك علاقة رياضية بين الحرارة والاشعاع ، بامكاننا قياس الاشعاع الكوني المتبقي من الانفجار وتحويله الى حراره ، فكانت درجة حرارة الكون 2.7 كلفن وهي درجة حرارة قليلة جدا ، يقودنا هذا الى نتيجة ان الكون بارد جدا بسبب التمدد وهبوط الحرارة من لحظة الانفجار ولغاية الآن ..... في أي جهة نريد وحيثما نظرنا في السماء ، سنجد ان درجة الحرارة هي نفس هذه القيمة 2.7 كلفن ، اذن ليس مصدرها نجم أو ما شابه ، مصدرها يجب أن يكون أكثر شمولية وهو اشعاع الانفجار العظيم.
من الضروري أن نلاحظ ان نظرية الانفجار العظيم حين تتحدث عن التمدد لا تتحدث عن تمدد المجرات بل تتحدث عن تمدد الفضاء ، الفضاء بين المجرات هو الذي يتمدد ..... ففي مثال البالون فأن سطح البالون – الفضاء هو الذي يتمدد ، وفي مثال السيارات الامر لا يتعلق بتلك السيارات بل الرصيف الذي يتباعد ويزداد طوله .............
الأسئلة الخالدة
حينما يقال ان الانفجار العظيم يمثل نشأة الكون كاملا بأبعادة المكانية والزمن ..... فأن أسئلة مثل من اين نشأ ولماذا يتمدد وغيرها تبدو أسئلة خاطئة من الأساس .... لأن هذه الأسئلة تعبر عن مكان ونظرية الانفجار العظيم تتحدث عن ما هو متجاوز للمكان ..... كذلك فان استخدامنا لألفاظ مثل اخر الكون وحدود ونهاية الكون ..... هي الفاظ لا تمثل حقيقة الأمر ... وهذا يعود الى محدودية التفكير البشري والمحكوم بابعاده الثلاث الطول والعرض والارتفاع .......
لنفترض ان هناك حشرة تعيش طول حياتها على سطح جريدة ، ووظيفتها ان تنطلق من عنوان الجريدة الى أخر سطر بزمن مقداره 20 دقيقة ثم تعود..... الحشرة هنا سترى العالم مكون من بعيدين طول وعرض و لا يمكن لها ان تتخيل وجود شيء اسمه أعلى او اسفل فقط ترى بعدين يمثلان سطح الجريدة ... لنفترض اننا طوينا الجريدة وجعلناها على شكل اسطوانة ، في هذه المرة وحين تصل الحشرة الى اخر سطر ستكتشف شيئا غريبا ، انها بحاجة الى خطوة واحدة فقط لتنتقل من اخر السطر الى العنوان ، هذا الانتقال يمثل لها معجزة وحلا سحريا فالمسافة التي تقطعها يوميا في 20 دقيقة قطعتها اليوم في لا شيء تقريبا ..... الامر ينطبق علينا فنحن كائنات محدودة ، بأبعادنا الثلاثة طول وعرض وارتفاع ، لا يمكن ان ندرك ما فوق ذلك من أبعاد......
اذا كان الكون نشأ من نقطة واحدة وتمدد فهل يظل متمددا الى ما لانهاية ؟ ام أنه سيصل الى مرحلة لا تستطيع بها قوى التباعد ان تقاوم قوى الجاذبية فيعاود الانكماش مرة اخرى ؟

#سلمان_الشمس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات