أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - الدين العراقي في إصالة التكوين ح 1















المزيد.....

الدين العراقي في إصالة التكوين ح 1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7493 - 2023 / 1 / 16 - 02:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


حكمة الله الأولى التي يحلم بها الإنسان المجرد منذ أن عرف الطريق لها وأدرك أنه مخلوق يعرف أن له خالق عظيم يستحق التعظيم والتبجيل لأنه كذلك، هي الكيان الروحي المساوي والمتساوي الذي يجعل من جميع الناس بنفس الترتيب الذي وضعه الله للكون "كائنات ومفردات"، لأن الجميع صنع يده ولأن الجميع بما فيهم المتناقض والمتضاد والمنافر والموالف منظومة واحدة تعمل وفق أداء هارموني متسق بشكل يظهر قدرة الله على ضبط هذا الوجود اللا متناهي بما عرف عنه بالقدرة على الموازنة والتقدير الدقيق في منتهة الكمال المطلق، فهو مثلا لا يفرق بين مؤمن وكافر في القضايا الأساسية التي تتعلق بوجوده كفرد، مثلا الرزق والعناية الإلهية ومخاطبته كعقل يعي ويدرك ما يريد ويحرم قتله أو التجاوز على وجوده وسماه بالعدوان، دون أن يفرض عليه ما لا يريده أو ينتمي له وإن ترك ذلك إلى رحمته التي سبقت غضبه، هذه الحكمة أو العظمة تبقى حلما خياليا لا يمكن أن يبنيه الإنسان المأزوم بغرائزه ونفسه الأمارة بالسوء، لذا فمن يريد أن يجسد توقير أو تقديس هذه الحالة الروحية الذاتية أن يبني عقدها المنطقي على هذه الأسس، وأن يضمن أن لا تنتهك بعده أبدا، ولا أظن أن كائنا مهما أمتلك من القوة والإرادة قادر على أن يقول أنه قادر وضامن لها.
الدين تمكن من ذلك بالفعل وقد يكون هذا الكلام محل أعتراض أو تشكيك عند الكثيرين ممن لهم رأي مغاير وقد يكونوا على حق نوعما، لأن الإنسان في التجربة لتاريخية اتي عاشها متدينا أو مؤمنا أو حتى خارجا عن الدين، لم يلمس هذه القدرة بالشكل الذي أقوله، وربما قد توهم البعض في تبني مواقف متطرفة أو متشددة في القبول أو الرفض في حقيقة كون الدين يمكنه أو أمكنه فعل هذا، ولكن لو عدنا للتجربة التأريخية سنرى أن الدين كمعرفة توجيهية إرشادية لم تمنح القدر الكافي من الفعل البنائي المستقر، خاصة كلما أبتعدنا عن نقاط الأنطلاق الأولى للتشريع الديني، بما ترسب في عقل الإنسان أثار تجارب سابقة أو إنحرافات سلوكية معتادة بشريا وواقعيا.
لقد أمن الإنسان القديم بالدين ربما قبل أن بعرف الكلام أو اللغة أو حتى المفردات الأهم في حباته كالملبس والسكن والزراعة مثلا، بسبب طبيعته الروحية التكوينية فهو ليس جمادا ولا حجرا ولا ورح فقط، هو مزيج من عنصرين ذاتي وموضوعي، فهنا لا يمكن للدين أن يقف عند الحس فقط لأنه سبق الإحساس المختار أو المفروض خارجيا لذا فالروحي ذاتي وليس موضوعي من ناحية التوصيف التكويني، ومن هذا يتبين أن الدين أصلا وتأسيسا يمتنع عن التفكير في ما وراء الطبيعة لأن الذاتي يدور في فلك الذات ومقدار ما يمكنها من التعامل مع وعائها الروحي، لذلك يعيش المتدين حالة من الثقة بمعبوده لأنه بالفعل يجده معه أو في ذاته قبل أن يجده في النصوص والأحكام والفكر المتطور، ولا يقف الدين عند القوانين الجارية بماديتها الحادة كما يفكر الطبيعيون وإن لم ينكرها أيضا كلما إزدادت عقلانية الإيمان به، ففي الأديان نزعة إلى الأمل والحرية والاختيار لأنها تفتح الأبواب دوما على أن العالم الكوني يحوي الكثير مما هو غير متوقع أو غير مدرك بعلاته عن عقل الإنسان، وهذه النزعة التفاؤلية تمهد للحث على دراسة ما يسمى بالأسباب والتي هي تمهيد للعلوم لتتقدم وتفكر أكثر من حدود الواقع.
إذا الدين في تصوري ليس ظاهرة حادثة بأسباب سواء أكانت منطقية أم لا، وليس هو شعور متوالد نتيجة ظروف وتفاعلات نفسية أو عقلية أو كلاهما، ولا هو تنبيه خارجي جاء للوجود نتيجة إرادة ديان في نقطة محددة من تاريخ الزمن الإنساني وأستمر نتائجه عندما تيقن العقل الإنساني حاجته لهذا التنبيه، الشعور الديني كما قلنا حسي فطري يظهر وينمو مع نمو العقل وأدواته، لذا كانت إشارة كل الأديان على أن العاقل هو من عرف ربه أو المقولة المشهورة " من عرف نفسه فقد عرف ربه "، إذا الوعي بإنسانية الإنسان ونسق تطوره وأشكال التطور هي التي تكشف دينية الإنسان وإيمانه به، فالطفل المولود حديثا وهو في تطوره الطبيعي غالبا ما يهتم بغرائزه وحاجاته الأساسية، ليس أهتمام أختياري مراد بوعي وإن كان لاحقا سيكون كذلك، لكن لأنه ليس في برنامجه الحسي والشعوري غير هذا المطلب الأساسي، ولكن مع تفدم العمر به حتى هذا الشكل من الحس يتطور وتنوع وبكبر إلى تفرعات وأتجاهات مختلفة في تحولات منشئها نفسي وعقلاني يتسايران معا في بلورة وعي ضخم وسيتضخم أيضا.
إذا الدين وإن كان فطريا أبتداء وتكوينا وتكيفا لكنه لا يتبلور سلوكيا إلا من خلال عنصري الوعي و التجربة، أو الوعي والتنبيه، هنا يبقى الشعور الحسي مغمورا بحاجة إلى باعث أو منبه تتكفل البيئة والظروف بذلك، عندها يبدأ إنشغال الإنسان بالدين والعلاقات المرتبطة به، ما أن تبدأ الإنشغالات الأولى حتى ينخرط في سلسلة من الترابطات والأسئلة وربما البحث عن تفسيرات أو توضيحات ليحتل الدين تدريجيا محل أهتمامات الأولى ويسير مع البحث المعرفي للإنسان، وهذا طيعا معتمد بشكل رئيسي على البيئة والظروف والزمن والأحداث التي تفعل عامل الأهتمام والبعث.
المجتمع البشري تماما يشبه حياة الفرد منا فهو يولد بنفس الخصائص ويمارس نفس السلوكيات الغريزية والمتعلم منها بالتدريب أو بالتعليم أو من خلال التجربة، فقد ولد المجتمع الأول وإرهاصات الشعور بعالم غيبي مسيطر ومتسلط وفوقي وقادر ولازم غير منفك ترافق شعوره الأولي، لذا عندما يدرس الأجتماعي المتخصص بعلم الأجتماع الديني مثلا يرى أن الظاهرة لها مشتركات كثيرة بين الشعوب والأمم دون أن يكون بينها رابط أو قرب زماني أو مكاني، فقد اعتمد علماء مقارنة الأديان على رصد تأثير دين في دين آخر من خلال التشابه والأسبقية أو أسباب النشوء والعلل الباعثة مثلا، فالتشابه بين الأديان قد يعود إلى تطابق الاستعداد لدى المتدينين أو لتماثل البيئة ومراحل نمو الأفكار الدينية بين شعبين في منطقتين نائيتين دون أي تواصل بينهما، وقد رأى أستاذ الأديان في معهد فرنسا جورج أدوميزيل أن تشابه أسماء الآلهة في اللغات الهندية- الأوروبية ليس دليلا مقنعا على أنها نابعة من أصل مشترك، لذا اهتم بالبحث عن أصل اجتماعي يفسر فيه نشوء فكرة الثالوث الإلهي لدى كل من الرومان والهنود.
الأصل المشترك لا يخرج أبدا عن كونية الإنسان وطبيعته، فهو يتحرك يتماثل عند الأنطلاق من نقطة الصفر دوما لأنه يملك أو مكون كذلك، وحتى الأديان نفسها تقر ذلك (مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) لقمان (28) ، هنا قد يكون التأثير صحيحا عندما يتعلق التشابه بشعائر وعقائد يمكن تفسيرها بعوامل طبيعية واجتماعية وغريزية، لكن التطابق أو التشابه بين بعض الأديان في التفاصيل الدقيقة والكثيرة يجعل المصادفة أمرا مستبعدا وربما مستحيلا، فحتى في حال عدم ثبوت اتصال أمتين متباعدتين عن بعضهما فإن التفسير المنطقي لا ينفي أن يكون مصدر الأفكار الذي تتلقى منهما هاتين الأمتين واحدا، سواء كان هذا المصدر هو الإله (الوحي) أو الفطرة البشرية التي هي نظام واحد لا يختلف مع تبدلات الزمان والمكان، طبعا نحن نتكلم عن مفهوم الفطرة الأجتماعية الأولى التي عجزت كل المدارس الفلسفية والبحثية سواء في الأنثروبولوجي أو علماء الأجتماع أو المعرفة الطبيعية وعلم النفس في الأستدلال على علة التدين المشتركة بين كل المجتمعات البشرية، وكيفية نشؤها بشكل متشابه ومشترك، لذا صارت تتخبط في نظريات وأحتمالات واستدلالات جزئية دون أن تحاول التقرب من الحقيقية المشتركة، وهي أن المجتمع البشري صورة مكبرة ومضخمة تماما لذات النفس البشرية المنفردة..
ما نريد أن نصل له هو تأشير حقيقية مهمة وقد تكون فريدة في طرحها، وهي أن الدين أيا كان أسمه أو شكله أو طريقة الإيمان به أو التعبير عنها، يخضع في المجمل إلى نفس العوامل والأسس والدوافع الأساسية المشتركة، بمعنى أخر علينا أن لا نبحث عن أسبابها خارج الظاهرة لتفسيرها أو وضع نظريات أفتراضية لا تلامس روح القضية من خلال تصورات بعيدة عنها زمانا ومكانا، فالدين العراقي القديم نشأ وتطور وتكامل وأصبح جزء من واقع المجتمع العراقي بنفس الأسس والأساليب التي يبتدعها الإنسان البدائي في أحراش الأمازون أو مجاهل أفريقيا، الفرق يبدأ من طريقة الفهم للتعبير عنه أو في طريقة تعبير الفهم من خلال الممارسة، وهذا يتعلق بالبيئة أولا وبما تمنح البيئة من دلالات أو أعتبارات تحرك العقل، فالمجتمعات المنعزلة المغلقة تبقى في تعبيراتها منعزلة ومغلفة ولا تقبل الأنفتاح، لأنها تتوجس من الغريب أو القادم من خارج دائرتها المعرفية، أما المجتمعات المنفتحة والتي لا تعاني من عقدة الأختلاط والتشارك والتبادل وقبول الأخر، فأن التعبير عن إيمانها مرتبط بالمساحة الكبيرة من الحرية التي تتمتع بها، والقدرة على التطور السريع والتجديد والتحديث، هذا تماما ما ينطبق على المجتمعات القابلة للانصهار أو الغير طاردة للوافد الغيري، ومنها على وجه الخصوص المجتمع العراقي قديما وحديثا، بأعتباره ممرا حضاريا للشعوب والثقافات والأفكار دون حساسية أو أنغلاق.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دوران الوجود حول مفهوم الرب وقضية الموت ح 2
- دوران الوجود حول مفهوم الرب وقضية الموت ح1
- الطقوسية التعبيرية ح 3
- الطقوسية التعبيرية ح2
- الطقوسية التعبيرية ح1
- الرمزية الألوهية والقداسة ح2
- الرمزية الألوهية والقداسة ح1
- الرب الله في الديانة العراقية القديمة ح 3
- الرب الله في الديانة العراقية القديمة ح2
- الرب الله في الديانة العراقية القديمة ح1
- المشتركات العقائدية بين الدين العراقي وفروعه الإبراهيمية ح 2
- المشتركات العقائدية بين الدين العراقي وفروعه الإبراهيمية ح 1
- الله والماء والحضارة ح3
- القداسة والشخصنة وأوهام الربوبية دون الله في الديانات الإبرا ...
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح4
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح3
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح2
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح1
- أحلام الخيبة ومنامات لا تشبه الموت
- الله والماء والحضارة ح1


المزيد.....




- السعودية.. الشرطة تتدخل لمنع شخص بسلاح أبيض من إيذاء نفسه في ...
- فيضان يجتاح مناطق واسعة في تكساس وسط توقعات بمزيد من الأمطار ...
- إدانات ألمانية وأوروبية بعد تعرض نائب برلماني للضرب
- مقتل مراهق بأيدي الشرطة الأسترالية إثر شنه هجوماً بسكين
- مجتمع الميم بالعراق يخسر آخر ملاذاته العلنية: مواقع التواصل ...
- هايتي.. فرار عدد من السجناء ومقتل 4 بأيدي الشرطة
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل أحد حراس القنصل اليوناني أثناء مراس ...
- قتيلان في هجوم استهدف مرشحا لانتخابات محلية في المكسيك
- محلل سياسي مصري يعلن سقوط السردية الغربية حول الديمقراطية ال ...
- بيلاروس تتهم ليتوانيا بإعداد مسلحين للإطاحة بالحكومة في مينس ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - الدين العراقي في إصالة التكوين ح 1