أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - الطقوسية التعبيرية ح2















المزيد.....

الطقوسية التعبيرية ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7484 - 2023 / 1 / 7 - 03:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إذا السحر ولد من رحم الدين والتدين والإيمان ولم يكن سابقا له ولا يبرر أن الإنسان القديم مثلا كان كثير الإيمان بالسحر والساحرين مع أننا لا نجد في الحقيقة ما يدعم هذا الفرض، لكن مسايرة لما ينشره البعض من أبحاث غير دقيقة حول أثر السحر في نشأة الدين ودوره في صنع الإيمان بالأرباب أو الآلهة التي تخضع للسحر وتستجيب له، ولطالما أهتم العاملون في المعبد وخاصة الكهنوت والرجال والنساء المقربون من السلطة العليا فيه أو في المجتمع ولليوم في دراسة جوانب من عالم السحر المتعدد في الطرائق والوسائل والأساليب وحتى في المصادر الدينية التي هب عمقها المعرفي محاولة للاستعانة بالوثنية، من خلال البحث عما عرفناه سابقا من معنى السحر وهو أكتشاف أقرب الطرق للوصول للغايات الدنيوية من خلال مسلك ذا طابع ديني، هذا الترابط بين الدين والسحر واحدا من أهم أسباب التغيرات السلبية التي رافقت الفكر الديني في عصوره المتعاقبة ولليوم، أولا من خلال البحث عن أسباب خفية أو معادلات مضمرة داخل الدين يمكن أو يعتقد أنها تملك مقدارا من القوة الخارقة، أو من خلال خداع العقول القاصرة وتضليلها عن أستخدام الوسائل والقوانين والطرق الطبيعية التي يشير لها الدين، من هذه الزاوية تحديدا ومثلا نرى خروج طوائف المتصوفة وأصحاب الطرق الوصولية وأفكار ميتافيزيقية غيبية مفرطة في روحانيتها التي تبعدها عن الواقع الطبيعي، منها ما يعرف بوحدة الوجود والتقمص والأستبدال والأستدلال الحرفي والعددي بنصوص مقدسة، إنها واحدة من أزمات الإنسان الدائمة التي تم اللجوء إليها على الظن، ويتم اليوم فيها اللجوء إلى الدين وتركيبته التفصيلية للعثور على حل لها، برغم التجربة الطويلة من الفشل إلا أنها قائمة وتتجدد يوميا.
وهناك رأي نظري لم يجد له صدى ولا حقائق على الأرض تفسر شكل المعبد بعد أن فهمنا صرورة المعبد وأرتباطها بالطقوس، يقول هذا الرأي إن طريقة إنشاء المعبد والطقوس التي تمارس فيه ما هي إلا أستجابة لا واعية للصورة الجغرافية التي ولد فيها الدين أو ولدت فيها المجموعة الدينية، هذا الإنعكاس شكلي حسي يمثل الطبيعة الجغرافية التي عاش فيها، فمثلا أن المعابد السومرية الأولى ومن أشهرها زقورة أور وحتى زقورة نيبور أو نفر ما هي إلا إنعكاس للطبيعة التي انحدرت منها الشعوب السومرية الأولى، بأعتبار وأفتراض أخر دون دليل أن هذه الشعوب جاءت إلى العراق منحدرة من مناطق حبلية أو مرتفعات على الأغلب، فشكل الزقورة التي هي بمثابة مكة للمسلمين أو الفاتيكان للمسيحين تمثل طبيعة تلك الشعوب كونها بنيت على شكل هرمي مستقر القاعدة، هذا الرأي بالرغم من أن لا دليل على صحة أفتراضه الأول والثاني لكننا يمكن أن نبرر الرأي على عقيدة العراقيين القدماء التي كانت ترى أن الأرض تخضع للسماء دوما، فهي تبدأ بقاعدة عريضة من المؤمنين لتصل في نهاية الهرم إلى القوة المطلقة التي بيدها كل شيء، وفوق أي شيء ممكن أن يكون.
في دراسة أخرى يربط الباحث بين الطبيعة والطقوس من خلال الرمزية التي تمثلها مفردات الطبيعة، فالماء الذي يكاد يكون كل شيء في منطقة سومر القديمة كان شرطا أوليا لبء كل الطقوس الدينية، هذا ليس من نتاج الدين وأفتراضاته لكنه بالتأكيد للقيمة التي يمنحها الإنسان من خلال الدين للماء، مع أن الأديان تفترض أشكالا أخرى من أدوات التطهير كما في الإسلام مثلا التراب مطهر والشمس مطهرة والنار مطهرة، لكن يبقى الماء برمزيته القديمة التي تنبع من تأثيرات ديانات العراقيين ما قبل الإبراهيمية عليها 1، هو المطهر الأساس وعمد الطقوس اليومية والفصلية وحتى في الأعياد، حتى أن الإسلام مثلا لا تقبل فيه أي عبادة بدون الطهارة والوضوء، والمسيحية لا تعتبر الإنسان مسيحيا ما لم يتعمد بالماء أولا 2 ، في الديانة العراقية القديمة الأمر أكثر أهمية خاصة الماء المقدس في ضفاف الفرات ودجلة، حيث ينزل العراقي بجسده كاملا في طقوس الأعياد مثلا كما نرى عند المندائيين الذين يمثلون حاليا أقدم الأديان العراقية ، لكي يتخلص من كل آثامه الماضية ليبدأ مرحلة تعافي جديدة من غير سوء.
يحضر الماء لقوة أيضا في المعتقدات اليهودية كمطهر قوي لجميع النجاسات التي تلحق بالأجساد، وعلى سبيل المثال جاء في الإصحاح الخامس عشر من سفر اللاويين "وَإِذَا حَدَثَ مِنْ رَجُل اضْطِجَاعُ زَرْعٍ، يَرْحَضُ كُلَّ جَسَدِهِ بِمَاءٍ" من هنا عرف اليهود ما يُعرف باسم "أحواض الميكفاه"، وهي أماكن مخصوصة مليئة بالماء وتوجد درجات سلم تحيط بها وتُستعمل من أجل الاستحمام في الأغراض الدينية التعبدية، فكل الأديان الإبراهيمية وما قبلها تتخذ من الماء طقسا ومقدمة للطقوس لاتصال الماء بالقداسة مع الخالق، فمثلا نرى المندائي عندما يخاطب الماء في ترتيب طقوسي ملزم يردد النص التالي كمناجاة لرب الماء وتقدير لعظمته (تبارك الماء الجاري، ماء الحي العظيم، سبحان ربي بالعهد المُصان، بسم الحي العظيم، السلام والنزاهة لك، يا أب الآباء، أب الماء الجاري) ، فالله وفق النص هذا أبا للماء الجاري بأعتباره يحمل روح الطهارة للوجود.
يمكن أختزال الطقوسية والقداسة والعبادات من خلال الرغبة الشخصية للفرد في أن يبدو إيمانه ردا علنيا للنعمة أو الرحمة الإلهية التي يتمتع بها، سواء أكان الأمر حقيقيا أو على سبيل التمني والمطالبة الرقيقة، ويعتقد بذلك ان مصدر كل خير انما يعود الى رضا الالهة عنة، وهو أول واجب يقوم به الخوف من الالهة والواجب الثاني هو الدعاء والتضحية والصلاة وكلاهما عبر طقوس علنية تبدأ من المعبد وتنتهي بإشارة من الكاهن أحيانا، اما بالنسبة للكهنة فكان الامير هو الكاهن الاكبر لألهه المدينة، وكان الملك هو الكاهن الاكبر لكل الكهنة وكاهن أعظم للإله الوطني، ويعمل تحت الكاهن الاكبر طبقات متعددة من الكهنة يطلق عليهم (سانجو) مهمتهم المشاركة في الطقوس وإخراجها كما يجب، بالإضافة إلى أن الكهنة الكبار لا يمكن أن يكونوا دوما في خدمة الشعب لأداء الطقوس والعبادات، ويمكن القول أن دين الفقراء والعامة من الناس يختلف في طقوسه وأهميته وعظمته عند المعبد عن دين وطقوس وعبادة الطبقة العليا من الملك والحاكم ونزولا في مستويات متدرجة.
من خلال هذه القراءة السريعة يتضح لنا بعض النقاط المتعلقة بالطقوسية والتقديس وعلاقتهما المتلازمة مع الدين، منها مثلا:.
• إن التحولات والمفاهيم والمعتقدات والطقوس لم تحدث بشكل هزات متتالية وعميقة في الفكر الانـساني أو ردات قعل نتيجة لواقع أو فعل، ولا هي تنظيرات وتأملات مبتكرة بدأت فردية ثم تحولات لفعل جمعي منساقة بعوامل الحماس أو القوة، ولا نتيجة تبدلات غير محسوبة مثلا أو غير منسجمة من أن تأخذ مداها من الواقع الديني والواقع الأجتماعي والبيئي، وانما كانت ذات تحول بطيء وتدريجي يراع الطبيعية في الأمر ومنساقة تماما مع تطور الفكرة الدينية من خلال المطلوب الحسي وليس الجوهر المعنوي.
• الطقوس كانت منذ أن نشأ الدين أعلان جماعي بالإيمان بفكرة على النحو الذي تتحول فيها من عامل تواصل إلى عامل لشد المجموعة إلى بعضها ومع بعضها، فهي تنعكس بنتائجها على قوة المجتمع وترابطه أضافة إلى ما تعنيه من تعزيز لسلطة المجتمع ورأسه في مواجهة الفرد.
• أرتباط الطقوس بالقداسة والمعبد ومن ثم بالله لم يكن من أساس ديني بقدر ما هو ترتيب بشري ونتاج تصورات ذهنية، الطقوس في أصل العبادة لها أهداف تربوية وإصلاحية ولم يكن الهدف منها أظهار شكلي أو إعلام إيماني، من هنا فالطقوس حين يتم المبالغة بها لا تعني أنها تزيد من قرب الإنسان من ربه وإلهه، والتقصير فيها لا يعني العكس أبدا.
• وأخيرا الطقوس ترتبط بالذاكرة الشعبية الجمعية والبيئية وليس بالضرورة أن تكون موحدو بالشكل والأداء، لذا عندما يدرس الباحث هذه الطقوس من منظور تاريخي يستنتج أن هناك أختلاف في الدين أو العقائد بأعتبارها تجسيد لها، لكن لا يلتفت إلى أنها كجزء من واقع الإنسان المعرفي تختلف وتتنوع تبعا للثقافة والموروث والمقدمات وحتى الفهم الطبيعي لها، ولكن يبقى الأصل المطقوس واحد لا يختلف في المضمون العميق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. . الحق الحق اقول لك من لم يولد من الماء و الروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ( إنجيل يوحنا الإصحاح الثالث .أما من الناحية التقنية فالعملية مبنية على تغطيس المولود الجديد في حوض يحوي ماء من قبل رجل دين . و الكلمة نفسها تأتي من الجذر الآرامي (عمد ) الذي يعني غطس و يقابله بالعربية الجذر(غمد) و أخذ المسيحيون هذا التقليد عن يوحنا المعمدان بن زكريا الذي كان يقوم بتعميد اليهود في نهر الأردن حتى يتطهروا تمهيدا لحلول ملكوت السماء و هو الذي قام بتعميد السيد المسيح في الأردن قبل بدء المسيح ببشارته
2. . غسل الجسد بأكمله بالماء . و هو أقرب ما يكون لطقس العماد الذي تحدثنا عنه من خلال إغراق الجسد بأكمله بالماء. طقس العماد ليس حكرا على المسيحية و الإسلام .فحتى يومنا هذا توجد طوائف في الشرق لا زالت تمارسه أهما الصابئة المندائية في العراق . هذه الطائفة التي تتخذ من يوحنا المعمدان نبيا لها و تدعوه ) يهيا أو يحيا بالعربية .( هي ما زالت تمارس هذا الطقس كما مارسه يوحنا المعمدان في نهر الأردن . فالعماد عند المندائيين يجب أن يتم في مياه جارية لذلك يفضلون السكن قرب مجاري الأنهار لممارسة هذا الطقس الديني . هذا بالنسبة للأديان التي نشأت في الهلال الخصيب . و لكن يمكن ملاحظة استخدام الماء للطهارة الدينية لدى جيران سكان الهلال الخصيب أيضا . فالزرادشتيين الفرس لم تغب عنهم هذه الظاهرة من خلال الوضوء الذي يمارسونه قبل صلاتهم و هو طقس قريب جدا من طقس الوضوء الإسلامي. و لكن الأهم هو ما يمارسه الهندوس في الهند و تقديسهم لنهر الغانج . فهم يتوجهون لهذا النهر من مختلف المدن و يقومون بالغطس في هذا النهر في تقليد يكاد يكون متطابقا مع العماد الذي كان يقوم به يوحنا المعمدان في الأردن .
**الاقتباسين من مقالة الباحث رماز هاني كوسه بعنوان (العماد و استعمال الماء في طقوس الطهارة الشرقية) على موقع الحوار المتمدن عدد 6174 في 16 / 3 / 2019.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطقوسية التعبيرية ح1
- الرمزية الألوهية والقداسة ح2
- الرمزية الألوهية والقداسة ح1
- الرب الله في الديانة العراقية القديمة ح 3
- الرب الله في الديانة العراقية القديمة ح2
- الرب الله في الديانة العراقية القديمة ح1
- المشتركات العقائدية بين الدين العراقي وفروعه الإبراهيمية ح 2
- المشتركات العقائدية بين الدين العراقي وفروعه الإبراهيمية ح 1
- الله والماء والحضارة ح3
- القداسة والشخصنة وأوهام الربوبية دون الله في الديانات الإبرا ...
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح4
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح3
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح2
- تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح1
- أحلام الخيبة ومنامات لا تشبه الموت
- الله والماء والحضارة ح1
- القيمة العملية لدور الله في نشأة الحضارة العراقية ح2
- القيمة العملية لدور الله في نشأة الحضارة العراقية ح1
- صورة الله في الديانة العراقية القديمة ح2
- الفرق بين حوالتي الدين والحق وشراء الدين في القانون العراقي


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - الطقوسية التعبيرية ح2