|
تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح4
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7473 - 2022 / 12 / 25 - 22:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اختلاف وجهات النظر أمر طبيعي بين الناس ولا يعد شيئا غير طبيعي بمقدار ما يفصح عن فوة الحدث وقدرته على تحريك الرؤيا بأتجاهات متعددة، هذا لا يعني أن تتجاوز وجهات النظر الواقع وتخلق روابط وأحداث غير حقيقية لتعزيز أو تفنيد أفتراض أو تصور ما، المهم علينا أن نرى الواقع بكل تفاعلاته منها المضمر والمكون كما ننظر للمعلن والمشهور حتى نكون على مسافة حقيقية تقربنا من الواقع وتجنبنا سوء التقدير أو الوقوع بالوهم، هناك رؤية رصدتها من خلال كم التعليقات والردود على ما كتبت في القسم المتقدم بالمقالة والذي بين طبيعة ما جرى في تشرين من خلال عيون مختلفة في الزاوية والتنظير، هذه الرؤية تعلق الحدث بالماضي القريب الذي لم ينفك في تأثيره المباشر على الأحداث، فهي ترى فيما حدث هو أسترداد وعي مغيب من أثر صدمة نفسية شوشت الرؤيا العقلانية للشعب العراقي، وعدم أستيعابه لما حدث نتيجة تسارع الوقائع وقوة الصدمة على قرار لم نكن كعراقيين مهيئين أصلا له، فتسلل حكام اليوم ورؤيتهم وفلسفتهم السلطوية ومنهجهم العملي والتطبيقي من خلال أستغلال الهزيمة النفسية للشعل. إذا كان السبب الرئيسي فيما جرى يتعلق بأسترداد الوعي النفسي للشعب كما يسترد المريض الخارج من التخدير في عملية جراحية، فقد كان لا يشعر بألمه كما لا يشعر بوجوده الفعلي فهو يسبح بعالم من اللا زمان واللا مكان، إلا أنه في تلك الساعات أو الدقائق ربما كان يستعيد جزء من ذاكرته الجميلة كما يقول علماء النفس، لأن المخدر الطبي سيطر تماما على منطقة الألم في المخ وعطل عملها، فهو تحت التخدير لا يشعر إلا بأثر ومفعول منطقة الأحاسيس السعيدة، وعندما يبدأ مفعول المخدر بالتضاؤل شيئا فشيئا يستعيد الإحساس بالألم، ويبدأ بالتوجع للحظة التي لا يمكنه السيطرة على مقدار الألم فيكتشف ذاته أنه مثلا تعرض لجراحة أو قطع أو قص جزء من جسده، فما جرى بعد 2003 يمثل حالة تخدير وتغييب للوعي وفقدان القدرة على التمييز مصحوبا بشعور نوعي بالسعادة من الخلاص الحقيقي من ألام ماضية أستمرت طويلا، لكن هذا البنج كان قصيرا جدا ربما لم يدم حتى إلى عام 2006 التي صدمت العراق المريض بأحداث طائفية أعادت له الوعي المغيب من 2003. من المنصف جدا أن نشير للعامل النفسي الذي دوما ما كان محركا للكثير من التصرفات السلوكية الفردية والجمعية وهذا أمر علمي وعملي، خاصة أننا لا ننكر أن المزاج السياسي والشعبي وتحديدا العراقي عاطفيا دائما ويتأثر بالحوافز والبواعث النفسية، فالتاريخ العراقي للشعب يؤيد أن كل الأحداث المحورية التي مرت عليه، كان للعاطفة والأحاسيس دورا مهما في صياغتها، حتى في الخطاب السياسي المهاصر والحاضر كان دور الأستعطاف ولتهييج المشاعر الدينية والمذهبية وحتى القومية المجال الأوسع في التأثير، في حين أننا نشهد الخطاب العقلاني المنطقي الذي يراعي الحقائق ويتجنب الخيالات الشعبية (الشعبوية)، هذا الأمر مفروغ منه ولكن التركيز على الوعي النفسي يفترض أن تكون هناك مساحة حقيقية وحرة للقرار العراقي، أولا العراق ليس جزيرة نائية ومنعزلة عن العالم وأحداثه، ثانيا ليس كل الشعب العراقي حالة مماثلة ومتماثلة كعينة واحدة حتى نطبق عليها نظرية واحدة بغض النظر عن الظروف، نعم نقر أن هناك تغييب نفسي وأستدراج عاطفي وأحيانا محاولة لتقزيم قرار المشروعية السياسية والدستورية من خلال تحفيز الهم النفسي والخطاب الشعبوي، لكن لا ننسى أيضا أن العراق مجتمع واع وفيه من النخب والسياسيين والقوى الفاعلة التي لم يغيب ولا يمكن تغييب وعيها من قبل طبقة سياسية أصلا هي غائبة عن الوعي، وتتحرك بأصابع خارجية معروفة ولا ينكرها أحد. من المنطق العقلي ونحن نتكلم عن حراك شعبي بقاعدة فكرية وتوجه سياسي حاول أن يقلب المعادلة السياسية القائمة، ومحاولة في تغيير أساسي في قواعد العملية السياسية التي نشأت وولدت مع نظام مغاير ومختلف عن طبيعة التطور السياسي والفكري والأجتماعي لبلد يعد من البلدان الأكثر رسوخا في المنطقة من ناحية الوجود ومن ناحية القدرة على التأثير الإقليمي والدولي، هذا المنطق يحتم علينا أن نستوعب الأزمة والحدث والنتائج من حلال منظور واقعي وإن كنا بحاجة للنظريات العلمية والأفكار الأكاديمية، لكن هذا لا ينسينا أن الواقع أحيانا لا يستوعب هذه النظريات ولا يؤمن بالأفكار الأكاديمية المفسرة التي تتعالى عنه وعن جذور الحرام وأتى الفعل الثوري، بقدر ما يستجيب لقرار المجموع المتعلق بالضروريات والحسيات والشعور الوجودي بالكرامة الوطنية والهم الأجتماعي، أظن أن تشرين لم تكن وليدة نظرية ولا يمكن تفسيرها بنظرية واحدة أو ردها لرأي أو فكرة ما، تشرين فيما أعتقد كان فعلا تأخر عن موعده لأسباب ومبررات عديدة لعب فيها النظام السياسي دورا محوريا حينما جعل درعه ضدها الدين والطبقة الدينية الموغلة بالفساد والتخريب وكراهية العراق وشعبه. من كل الحديث السابق وعندما تطرقنا وبشكل محتصر عن حدث وطني كبير من خلال أسطر قليلة أردنا أن نبين أن موقعة تشرين لا يمكن تجهل تأثيرها الآن وفي المستقبل، لأنها عززت من قدرة الشعب على إيصال قراره بالشكل الذي يتماشى مع المزاج الدولي والأممي عبر الوسائل الديمقراطية التي أقرها الدستور كحق أساسي، أيضا قدمت تشرين القضية العراقية بكل أبعادها خاصة موضوع الأحتلال والتدخل التفصيلي والمستمر بشؤونه الداخلية من أكثر من جهة وأكثر من فاعل، كما فضحت هذه الحركة زيف النظام السياسي الذي جاء به المحتل وجعله شرطي يحرس مصالحه وأهدافه بعيدا عن مصلحة العراق وشعبه، كما فضح مقولة تتردد على الألسن الشعوبية والانفصالية المعادية لوحدة العراق ووجوده بلد سلام وتأزر ومحبة، أن العراق بلد مجمع من مكونات ولا بد من تقسيمه كمكونات لاغين بذلك حقيقة التاريخ والجغرافية والواقع، أن بلد المكونات هذا لم يطلب من أحد تقسيمه، فالشعب العراقي عاش موحدا منذ أن ظهر للوجود دولة وإمبراطورية وحضارة ونظام وتاريخ. العراق اليوم بفضل تشرين أكثر قدرة على مقاومة كل المخططات وألاعيب ذيول الأحتلال التي ما زالت جاثمة ونائمة على صدر الشعب، لكنها نائمة ومرعوبة وتعتريها هواجس الهزيمة التاريخية المحتمة وهي تعرف أن غضبة العراق لا ترحم، وأن القادم عليها أسوأ حتى مما يتوقعون، تشرين هي النهضة الوحيدة التي وقفت كفعل وليس شعارا بوجه الفاسدين وقدمت التضحيات التي لا يمكن لشعب تحملها من أجل التغيير والخلاص، ولولا دور المؤسسة الدينية بكل فروعها وأشكالها وتوجهاتها التي حاولت اللعب على حبال الأنتهازية والنفاق والدجل لما بقي عرش ومكان للفاسدين وهي بذلك أرتكبت الجريمة السياسية والاخلاقية والدينية بحق الشعب العراقي، تشرين بالأخر والأول فعل عراقي خالص يعبر عن جوهر الشخصية العراقية الصابرة، التي تحاول دفع الضرر والأذى عنها كما يقول المثل "بمرديه" حفاظا على وجود العراق وتأمينا لمستقبله الحر والمستقل.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح3
-
تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح2
-
تشرين العراق 2019 بعيون ملونه.... ح1
-
أحلام الخيبة ومنامات لا تشبه الموت
-
الله والماء والحضارة ح1
-
القيمة العملية لدور الله في نشأة الحضارة العراقية ح2
-
القيمة العملية لدور الله في نشأة الحضارة العراقية ح1
-
صورة الله في الديانة العراقية القديمة ح2
-
الفرق بين حوالتي الدين والحق وشراء الدين في القانون العراقي
-
صورة الله في الديانة العراقية القديمة ح1
-
أسس الديانة العراقية القديمة ح 7
-
أسس الديانة العراقية القديمة ح 6
-
أسس الديانة العراقية القديمة ح 5
-
أسس الديانة العراقية القديمة ح 4
-
أسس الديانة العراقية القديمة ح 3
-
أسس الديانة العراقية القديمة ح 2
-
أسس الديانة العراقية القديمة ح1
-
الدين بين طورين ح 4
-
الدين بين طورين ح 3
-
مقامات الهوش في وسط الحوش ح2
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يُعلن استهداف دبابات في الريف الغربي للسويد
...
-
مصر: تسجيل صوتي منسوب لوزير النقل ينتقد فيه -هشاشة البنية ال
...
-
دولة جديدة تلوح في الأفق، ماذا نعرف عن استقلال كاليدونيا الج
...
-
نتنياهو يرفض خطة إقامة -مدينة إنسانية- جنوبي غزة ويتّهم حماس
...
-
بين الذاكرة والمخاوف: -لبنان الكبير- والتحديات القادمة من -ب
...
-
الأنظار تتجه إلى بروكسل.. اجتماع دولي يضم وزيري خارجية فلسطي
...
-
حدثان أمنيان في غزة ووسائل إعلام إسرائيلية: العثور على جثة ج
...
-
فرنسا: إلقاء القبض على سجين فر من سجن بضواحي ليون داخل حقيبة
...
-
إعلام إسرائيلي: نتنياهو أطال الحرب لدوافع حزبية
-
تردي الوضع الصحي لحسام أبو صفية في سجون الاحتلال
المزيد.....
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
-
مغامرات منهاوزن
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|