أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - رائد الحواري - رحلة في متاهات الأسر رأفت البوريني















المزيد.....

رحلة في متاهات الأسر رأفت البوريني


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 7492 - 2023 / 1 / 15 - 23:41
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


رحلة في متاهات الأسر
رأفت البوريني
ما زلت أعتبر ما قالته عائشة عودة في روايتها "أحلام بالحرية": "إن الحديث عن الألم هو ألم إضافي" حقيقة موضوعية، فليس من السهل أن يتحدث الإنسان عما مر به من ألم، لأنه سيستعيد ألمه، فكيف يمكن للأسرى أن يكتبوا تجاربهم في السجون والأسر؟، وكيف يمكن للقارئ ـ الذي يعاني من ضغوطات عديدة وفي زمن القهر والذل ـ أن يقرأ عن أشخاص وأحداث تزيده غما وكآبة؟
هنا يأتي دور الكاتب الأديب الذي يحسن تقديم تلك الأحداث الموجعة، فمن خلال سلاسة اللغة والأحداث، وتقسيم العمل الأدبي إلى محطات لا ترهق القارئ ولا تتعبه، ولمرور السريع على الأحداث القاسية (التعذيب والتحقيق) مع المحافظة على الفكرة، أو استخدام المخففات ـ اللغة الأدبية، المرأة، التخيل عند الحديث عن تلك المراحل القاسية كلها تجعل المتلقي يتناول العمل الأدبي بصورة سهلة وبأقل الأضرار النفسية.
كتاب "رحلة في متاهات الأسر" يمكن للقارئ أن يتناوله في جلسة واحدة، وهذا يشير إلى أن الكاتب "رأفت البوريني" استخدم لغة وشكل وطريقة أدبية جعلت القارئ يستمتع بما قدم له، وبهذا يكون الكتاب قد نحج في جذب القارئ إلى كتابه.
يمكن تصنيف الكتاب "رحلة في متاهات الأسر" إلى المذكرات الشخصية، حيث يبدأ " رأفت البوريني" بالحديث عن دارسته في الأردن، وكيف أنه الحرب الخليج حالت دون ذهاب أسرته إلى الكويت حيث كان يعمل والده، مما أضرهم إلى البقاء في الأردن، وبعد أن أنهى المرحلة الثانوية عادة إلى فلسطين وتحيدا إلى بلدته "بورين" ليتعرف على ابن عمه "ناظم" أكثر ويشاركه في مقاومة الاحتلال، إلى أن يقع أسيرا وهو على أطراف البلدة، حيث نصبت قوات الاحتلال كمينا لهما.
نلاحظ أن الكاتب يمر مرورا سريعا على مرحلة التحقيق لما فيها التعذيب، وكأنه لا يريد أن يتذكر تلك الأوجاع والآلام، رغم أن فترة التحقيق استمرت لمدة خمسين يوما، وهذا يأخذ القارئ إلى أن هناك ألم (مخفي) لا يريد الكاتب أن يزعجه به، فآثر عدم الخوض في تفاصيله كثيران مكتفيا بحديث العام عن تلك المرحلة.
أما المحاكمة وإصدار الحكم عليه مدة عشرين سنة، فقد استحضر أمه لتكون مساندة له، وكأنه بحضورها أراد أن يزيل حجم الظلم الواقع عليه: "... أقاربي، فقد كنت مشتاقا جدا لرؤيتهم وخاصة والدتي التي لم تغب عن بالي أبدا، حيث كنت دائم التفكير فيها" ص35، وبما أن للأمهات مكانة خاصة عند الأسرى، فقد كان الحكم على رأفت البوريني" لا يزعجه ولا يلقي له بالا، إلا بعد أن فكر بأثره واقعه على أمه: "أصدر القضاة حكمهم بالسجن 20 عاما بحقي ومثلها بحق ابن عمي، وحين نطق القاضي حكمه لم يهتز لنا جفن وبكل صدق دون مبالغة أنشعر بأية مخاوف أو توتر، واعترتني مشاعر الزهو والاعتزاز والفخ وحتى اللحظة لا أعلم سبب ذلك.
...لكن حين كنت في حافلة نقل الأسرى (البوسطة) عائدا للسجن فكرت في أمي وكيف ستتقبل هذا الحكم وأنا أعلم أن مشاعر الأم تكون مختلفة في مثل هذه المواقف" ص36و37، إذن التفكير في الأم كان عامل ضغط على الأسير، وهذا يشير إلى نبله وعلاقته الوطيدة معها، وإلا ما كان ليفكر بوقع الحكم عليها.
وعندما أخبرها عبر الهاتف المهرب عن الحكم: "...وشعرت برجفة صوتها وهي تسألني عن نتيجة المحكمة... بقيت أمي صامتة لا تتحدث ولكنني كنت أسمع صوت أنفاسها ورجفتها. ثم قالت لا تقلق يا ولدي وابق قويا" ص37و38، إذا ما توقفنا عند هذا المشهد نجد حالة القهر عند الأم، لكنها تتجاوزها بصرعة بعد أن خاطبت "رأفت" لا تقلق وابق قويا، وكأنها من خلال تلك القوة التي منحتها لنفسها حيث استطاعت أن تتجاوز اضطرابها وحزنها وجزعها أعطت ابنها القوة ليواجه سجنه الطويل والمرير، وما كان صمود والثبات "رأفت" ليكون دون موقف الأم الشجاعة.
الكاتب يتحدث في كتابه عن نفسه وعن أهله وعن رفاقه وعن النضالات العديدة التي خاضوها لتحقيق حقوقهم كأسرى، ولم يتم الحديث عن إي أحداث خارج هذا الإطار إلا في "الأم المناضلة: جمر الحقيقة" حيث تحدث أم الأسير "ياسر المشطي" التي كانت تعاني من مرض (فوبيا الأماكن المغلقة) وتأتي لزيارة ابنها حيث تبقى في ساحة السجن وتكتفي بما توصله زوجته لها عن أخباره، وبعد أن سمح ضابط الاحتلال للأسير بخروج إلى بوابة السجن ومشاهدة والدته ولمدة خمس دقائق فقط، والتباعد بينهما مسافة ثلاثة امتار، حدثته قائلة: "سامحني يا ولدي...لن أتمكن من زيارتك بسبب مرضي" تموت الأم في عام 2008، دون أن تستطيع أن تشاهد أو تلتقي بأبنها.
في هذا الفصل أوصل الكاتب مأساة الأسير الفلسطيني، وأوصل وحشية المحتل الذي يمارس الفاشية بكل ما فيها من عنصرية وعدم إنسانية، وهذا الشكل من تقديم يسحب للكاتب، حيث تناول جوانب إنسانية بعيدا عن السياسة وما فيها.
من المخففات التي جاءت في "رحلة في متاهات الأسر" حضور المرأة "نجود" خطيبة الكاتب، فقد جاءت حضورها ملازما لحضور الأم، لهذا عندما تحدث عنها جاءت اللغة ناعمة، بيضاء تليق بهما: "...فصاحبة العيون العسلية سحرتني بجمالها، وطلتها فقد رايتها كالقمر في كامل بهائه، وكالوردة المتفتحة التي تنظر من يقطفها، وكانت كمن تنبهت لنظراتي لها، فظهر على محياها طيف ابتسامة ولمة حجل زادها روعة وجمالا" ص62، فهذه اللغة تليق بالمرأة التي قبلت أن تخطب رجل محكوم بعشرين سنة، وأن تبقى منتظرة إلى أن يحرر، أليس هذه المرأة تستحق أن تقدم بهذه اللغة البيضاء أن اقرن جمالها بخلقها وعطاءها؟
لهذا نجدها تحرص على زيارة خطيبها باستمرار: "وانتظمت خطيبتي الغالية نجود بزيارتي شهريا منذ تشرين أول 2015 وحتى ليوم" ص78، ولا تكتفي "نجود" بهذا بل نجدها تُوصل "رأفت" إلى الآخرين وتعرفهم به، من خلال إنشاء صفحة على الفيس بوك باسم "أحباء الأسير رأفت البوريني" حيث استطاع الكاتب أن يبدأ مشروعه الأدبي من خلال مقالات ومقتطفات يرسلها لخطيبته، وبدورها تنشرها على صفحته، وما ما جاء في لهذا الكتاب من مقتطفات عن تلك البدايات التي كتبها، إلا تأكيدا على دورها في وجود الأديب والكاتب "رأفت البوريني"
الكتاب من منشورات دار أبعاد للطباعة والنشر، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى 2022.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأم في كتاب رنين القيد -عنان زاهي الشلبي-
- الليلة الأولى رواية تحارب الشعوذة والعادات البالية
- التألق في قصة -درب الفردوس المفقود- تقى مسعود
- الذاكرة الفلسطينية في كتاب -الذاكرة الحية- أحمد صالح جربوني
- رواية سعيد وزبيدة محمود شاهين
- تماثل الشخصيات في رواية -أصابع امرأة نيئة- هدى حواس
- الرمزية في رواية -العائد إلى سيرته- باسل عبد العال
- مناقشة كتاب الكتابة على ضوء شمعة حسن عبادي وفراس حج محمد
- مناقشة كتاب -الكتابة على ضوء شمعة، إعداد المحامي الحيفاوي حس ...
- الكتابة وأثرها الإيجابي في -فكر بصمت- قصي الفضلي
- السياسي في رواية -جنوبي- رضمان الرواشدة
- السياسي في رواية -جنوبي- رمضان الرواشدة
- والأحداث والحكم في -السيجارة الأخيرة (مدائح الكافور) أحمد يع ...
- الخصب وعودة الحياة في قصيدة -يا أجراس الله- محمد فرطوسي
- المضمون واللغة في -مأدبة الغياب- أسمى وزوز
- الكلاسيكية الجميلة في رواية -أجفان عكا- حنان بكير
- ديوان -خلل طفيف في السفرجل- أحمد العارضة
- ديوان العسل البري نمر سرحان
- المضمون التقدمي والفنية الأدبية في كتاب -ساعات في الجحيم- يو ...
- الواقع والرمز في رواية -زمن دحموس الأغبر- غريب عسقلاني


المزيد.....




- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - رائد الحواري - رحلة في متاهات الأسر رأفت البوريني