أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم محمد جبريل - الدولة والفرانكفونية والاستعمار















المزيد.....



الدولة والفرانكفونية والاستعمار


ابراهيم محمد جبريل
الشاعر والكاتب والباحث

(Ibrahim Mahmat)


الحوار المتمدن-العدد: 7476 - 2022 / 12 / 28 - 18:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1. مفهوم الدولة : The Concept of State تميزت العصور القديمة والوسطى بغياب مفهوم الدولة بشكلها الحالي، حيث انتشرت مسميات مختلفة منها، الإمبراطورية، والسلطنة، والممالك. إلا أن أغلب الممالك التي حكمت في العصور الوسطى في أوروبا حكمت باسم الدين، كفرنسا على سبيل المثال، وكان لسلطة الكنيسة أثر سلبي في التحكم بالدولة وسياستها، وإمكانها في عزل الملوك والأمراء عن طريق سحب الثقة منهم وفصلهم من الكنيسة، ما يعني افتقادهم لثقة وطاعة الشعب الذي يثق بالكنيسة لما كانوا يروا من أنها تطبيق لإرادة الرب، فانتشرت الحروب الدينية لمدة ثلاثين عاماً وانتهت في عام 1648 بتوقيع اتفاقية وستفاليا في أوروبا؛ واضعة حداً للحرب الدينية وسلطة الكنيسة على الحكم؛ بإنشاء نظام جديد للدول في أوروبا عرف فيما بعد باسم الدولة الحديثة وتعمم في أنحاء العالم فيما بعد.
وتعتبر الدولة منذ نشأتها الحديثة في أعقاب مؤتمر وستفاليا، إحدى حقائق الحياة السياسية المعاصرة التي رسخت تدريجياً حتى أصبحت تشكل اللبنة الأولى في بنية النظام الدولي الراهن، وبالرغم من اعتبار الدولة مؤسسة عالمية ضرورية، إلا أن تعريفها واسع ومتنوع لا يكاد يجمع عليه اثنان، بل ويمكن أن يُقال أن إيجاد تعريف واحد لمفهوم الدولة هو صراع إيديولوجي بحد ذاته؛ كون التعاريف المختلفة ناتجة عن نظريات مختلفة لوظيفة الدولة، مما يولد استراتيجيات سياسية ونتائج مختلفة، فمصطلح الدولة يشير إلى مجموعة من النظريات المختلفة والمترابطة والمتداخلة في كثير من الأحيان، حول مجموعة معينة من الظواهر السياسية
تعريف الدولة الحديث: تعود جذور كلمة الدولة للغة اللاتينية لكلمة Position التي تعني الوقوف، كما ظهر مصطلح الدولة في اللغات الأوروبية في مطلع القرن الخامس عشر، وفي القرن الثامن عشر تطور مصطلح الدولة واستخدم تعبير Publicae اللاتيني والذي يعني الشؤون العامة، وللدولة عدة تعريفات وُضعت من قبل العديد من المؤسسات ولاسيما الأوروبية منها، إلا أن التعريف الأكثر شيوعاً لمفهوم الدولة هو تعريف المفكر الألماني ماكس فيبر - Max Weber إذ عرفها بأنها منظمة سياسية إلزامية مع حكومة مركزية تحافظ على الاستخدام الشرعي للقوة في إطار معين الأراضي،كما عرفت موسوعة لاروس Larousse الفرنسية الدولة بأنها: مجموعة من الأفراد الذين يعيشون على أرض محددة ويخضعون لسلطة معينة، في حين رأى العديد من فقهاء القانون الدستوري أن الدولة: كياناً إقليمياً يمتلك السيادة داخل الحدود وخارجها، ويحتكر قوى وأدوات الإكراه وثمة تعريف آخر مقبول عموماً للدولة هو التعريف الوارد في اتفاقية مونتيفيديو - Montevideo بشأن حقوق وواجبات الدول في عام 1933. وقد عُرفت الدولة بأنها: مساحة من الأرض تمتلك سكان دائمون، إقليم محدد وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعالة على أراضيها، وإجراء العلاقات الدولية 1
تعريف مفهوم الدولة كحقيقة سياسية:
أ. مفهوم الدولة كحقيقة سياسية: تعتبر الدولة ومنذ نشأتها الحديثة في أعقاب مؤتمر وستفاليا لعام 1648، هي إحدى حقائق الحياة السياسية المعاصرة التي رسخت تدريجيّاً حتى أصبحت تشكل اللبنة الأولى في بنية النظام الدولي الراهن. وليس أدل على هذه الحقيقة من أن عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قد ناهز الـ 185 دولة، في حين عدد الدول الأعضاء في عصبة الأمم لم يتجاوز في أي لحظة من لحظات وجودها في مرحلة ما بين الحربين 40 دولة.
كما تلعب الاعتبارات السياسية عادةً دوراً رئيسياً في نشأة واختفاء الدول. وعلى سبيل المثال، فقد تغيرت الخريطة السياسية للعالم ثلاث مرات خلال القرن العشرين. فقد ترتب على الحربين العالميتين الأولى والثانية اختفاء دول وظهور دول أُخرى كثيرة على المسرح الأوربي، وأدت حركات مناهضة الاستعمار في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى حصول عدد كبير جداً من الدول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية على استقلالها ومن ثم إلى ظهورها لأول مرة على مسرح السياسة الدولية
وقد تنشأ الدول الجديدة عن طريق الوحدة، وهو ما حدث لبعض الدول الأوربية مثل ألمانيا، وإيطاليا خلال القرن التاسع عشر، ولدول أخرى عديدة منها دول عربية مثل اتحاد سورية ومصر في دولة واحدة (الجمهورية العربية المتحدة) في عام 1958، واتحاد ست إمارات عربية خليجية ليشكلوا معاً دولة الإمارات العربية المتحدة.
وكما تنشأ الدول الجديدة نتيجة للوحدة والاندماج فإنها يمكن أن تنشأ نتيجة للتفكك والانفصال. وهذا هو ما حدث عندما انهار الاتحاد السوفيتي وتفكك إلى مجموعة كبيرة من الدول التي ظهر بعضها لأول مرة كدول مستقلة على المسرح الدولي. وقد يتم الانفصال نفسه بطريقة سلمية كما حدث بالنسبة لدولة تشيكوسلوفاكيا السابقة، وقد يتم بوسائل عنيفة أو بالحرب، كما حدث بالنسبة لدولة يوغسلافيا
التقسيم السياسي للعالم لم يستقر على شكل لا يمكن اعتباره نهائياً بعد والواقع أن التقسيم السياسي للعالم لم يستقر على شكل لا يمكن اعتباره نهائياً بعد، فلا تزال احتمالات الوحدة والاندماج بين الدول وكذلك احتمالات التفكك والانقسام والانفصال داخل الدول القائمة حالياً أمراً وارداً. ورغم التسليم، نظريّاً على الأقل، بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو ما يعني الاعتراف لكل شعب بحقه في إقامة دولته المستقلة، إلا أن وضع هذا المبدأ موضع التنفيذ واجه، ولا يزال يواجه صعوبات عديدة، فهناك شعوب مجزأة ومقسمة وتطمح في الاندماج معاً داخل دولة موحدة، وهناك شعوب أُخرى خاضعة لإرادة تعتبرها أجنبية وتريد التحرر والانفصال عنها وتشكيل دولتها المستقلة. ويشكل استمرار هذا الوضع أحد مصادر عدم الاستقرار في الحياة الدولية.
ب. مفهوم الدولة كمفهوم قانوني: لا يكفي أن تتمتع وحدة سياسية ما بالمقومات الثلاث اللازمة لقيام الدول (الأرض، الشعب، السلطة؛ لكي يصبح بمقدورها أن تمارس نشاطها بصورة طبيعية دون معوقات، وخاصة على الساحة الدولية. فاعتراف المجتمع الدولي بالدولة الوليدة يعتبر أمراً ضروريّاً لتمكينها من القيام بوظائفها في سهولة ويسر.
والاعتراف هو عملية يتم بموجبها إضفاء الشخصية القانونية على إحدى الوحدات السياسية والاعتراف بحقها في الانضمام إلى المجتمع الدولي كدولة جديدة لها ما للدول الأخرى من حقوق وعليها ما على هذه الدول من واجبات. غير أنه يتعين التمييز هنا بين الاعتراف بالدولة والاعتراف بالحكومة. فالاعتراف بالدولة عادة ما يتم لمرة واحدة ويظل قائماً طالما ظلت الدولة متمتعة بشخصيتها وأهليتها القانونية الدولية. أما الحكومات فتتغير. ولا تثور الحاجة للاعتراف بكل حكومة جديدة، خصوصاً إذا تم التغيير بالطرق السلمية والديمقراطية. لكن مسألة الاعتراف بالحكومة الجديدة تصبح واردة في أعقاب التغييرات الكبرى والمفاجئة التي تتم عادة من خلال ثورة شعبية أو انقلاب عسكري مفاجئ. ويأخذ الاعتراف بالحكومة الجديدة أي شكل من أشكال التعبير عن رغبة دولة ما في الدخول في علاقات رسمية مع هذه الحكومة. والاعتراف بالحكومة ينطوي ضمناً على الاعتراف بالدولة، لكن العكس ليس صحيحاً. فالاعتراف بالدولة ليس معناه بالضرورة
الاعتراف بأي حكومة يمكن أن تسيطر على هذه الدولة في أي وقت، غير أن الحكومة التي لا تنجح في تأمين اعتراف دولي كاف بها عادة ما تواجه بمصاعب كبيرة في تسيير شؤونها الخارجية. والاعتراف بالحكومات قد يكون صريحاً إذا صدر إعلان خاص بذلك، وقد يكون ضمناً بتبادل البعثات الدبلوماسية والقنصلية، ويثير موضوع الاعتراف بالدول قضايا خلافية عديدة في القانون الدولي2
الفرنكوفونية: اسم يطلق على تنظيم سياسي تشترك فيه عدة دول ناطقة بالفرنسية ألفت بينها هذه الرابطة لتحقيق مصالح مشتركة؛ وهي تنظيم يقابل منظمة الكومنولث البريطاني، إلا أنها أشد خطورة منها؛ حيث إن الفرنكوفونية تضرب جذورها في أعماق طبيعة الاستعمار الفرنسي، قبل أن تستنزف الثروات والخيرات ويهلك الحرث والنسل فيجعل أعزة القوم أذلة.
الميلاد والنشأة: لقد مهدت لميلاد منظمة (الفرنكوفونية) عوامل متعددة؛ ففي أواخر الستينات، وخاصة بعد إعادة انتخاب (الجنرال ديجول) رئيساً لفرنسا للفترة الثانية في 5/12/1966م بعد أن كانت حركات التحرر والاستقلال تتقوى من مختلف الدول التي كانت تخضع للاستعمار الفرنسي في آسيا وإفريقيا. ومن ثم ركز (ديجول) سياسة فرنسا على المحاور الآتية:
1- تثبيت الاقتصاد الفرنسي.
2- التقارب مع ألمانيا للتخلص من النفوذ الأمريكي.
3- إبعاد بريطانيا من السوق الأوروبية المشتركة.
4- دخول فرنسا ميدان الإنتاج الذري، فلا غرابة إذن أن يختفي المستعمر الفرنسي خلف الستار بعد استقلالات الستينات ليحرك بأصابعه من خلف الكواليس أناساً قد أحكم صبغتهم، يتشدقون بقيم الاستعمار الجديد وثقافته، ويتعهدون بنبذ الثقافات الوطنية والقيم الدينية الأصيلة وراء الظهور فكانت (الفرنكوفونية) وسيلة من وسائل الاستعمار الجديد اتخذتها فرنسا للضغط على مجموعة من الدول النامية وتوجيه سياستها، وكانت فرنسا تتظاهر بالانعزال عن فكرة تأسيس منظمة (الفرنكوفونية) في أوائل انبثاق الفكرة سنة 1960م لعاملين رئيسين: الأول: شعورها بالعار من جراء الجرائم البشعة التي ارتكبتها ضد الشعوب في عهد الاستعمار.
والثاني: تخوفها من أن تتهم بمحاولة استخدام اللغة الفرنسية كأداة جديدة للإمبريالية والسيطرة على الدول التي فقدتها منذ عهد قريب. فمن المعلوم تاريخياً أن الدول التي تعتبر مهد اللغة الفرنسية ومنبعها الأصيل مثل فرنسا وبلجيكا وكيبيك ليست هي التي دعت علناً إلى تأسيس منظمة الفرنكوفونية، ولكنها كانت تحرك الحبال من خلف الستار.
وقد برز من بين المتشدقين بالفرنكوفونية كل من (ليوبولود سيدار سنغور) من السنغال و (هماني ديوري) من النيجر و (الحبيب بورقيبة) من تونس و (شارل حلو) من لبنان و (نورو دوم سيهانوك) من كامبودجيا. ولقد لقيت دعوة هؤلاء في بداية أمرها مقاومة عنيفة من قبل قادة التحرر الوطني في إفريقيا وآسيا، الذين كانوا يصفون دعاة الفرنكوفونية بالخونة، مما أخر، تنظيم الحركة رسمياً وهيكلتها حتى عام 1970م حيث أنشئ أول فرع من فروعها المتخصصة وهو A. C. C. T. (وكالة التعاون الثقافي والتقني) . في (نيامي) عاصمة النيجر.
وكان بعض رؤساء الدول ينتمون إلى فكرة (الفرنكوفونية) بالاسم فقط دون الاندماج الحقيقي فيها، خلافاً لرئيس كيبيك الذي كان يصرح بالانتماء إليها كما كان يسعى جاداً لتحقيقها. وتستطيع كيبيك أن تنحو هذا النحو وتقف ذلك الموقف آنذاك؛ لكونها منطقة ناطقة بالفرنسية باعتبارها لغة أصلية لها من جهة، ولكونها محتضنة من قبل كندا التي لم يسبق لها احتلال بلد إفريقي من جهة ثانية، وهو الأمر الذي يبعد عنها أصابع الاتهام، ولذا لما نجحت فكرة الفرنكوفونية، وتم تأسيس وكالة التعاون الثقافي والتقني A. C. C. T. كان أول من اختير
لرئاستها هو الزعيم الكيبكي الكندي جان مارك ليجي Jean Marc Leger
أما اليوم فقد أصبحت الفرنكوفونية حقيقة ملموسة، وصارت تلعب دوراً بارزاً في توجيه سياسة فرنسا وعلاقاتها بالدول الأعضاء في هذه المنظمة البالغ عددها الآن 49 دولة. وتتخذ هذه المنظمة من جامعة ليوبولد سيدار سنغور بالإسكندرية جمهورية مصر العربية مقراً لها.
أ.السياسة العامة للفرنكوفونية:
تشمل السياسة العامة لمنظمة الفرنكوفونية ما يلي:
1- ربط الدول الأعضاء في المنظمة بفرنسا سياسياً وثقافياً وفكرياً واقتصادياً. وتعتمد معظم الدول الإفريقية المنضمة إلى (الفرنكوفونية)
على الفرنك الإفريقي المرتبط بالفرنك الفرنسي في الأسواق المالية. وقد قامت فرنسا بتعويم عملة الفرنك الإفريقي سنة 1994م مما سبب تزعزعاً اقتصادياً خطيراً لعديد من الدول الإفريقية.
2- التأثير على دول المجموعة الفرنكوفونية لاتخاذ مواقف مماثلة تجاه القضايا والقرارات الدولية والإقليمية وخاصة القضايا والقرارات التي تمس مصالح فرنسا.
3- إيجاد فرص غير متكافئة للتبادل التجاري بين فرنسا والدول الأعضاء في المنظمة، والعمل على كسر الحواجز أمام الصادرات الفرنسية إلى الدول الفرنكوفونية.
4- تقديم المساعدة للدول الأعضاء في مختلف المجالات، وخاصة في مجال الثقافة والإعلام والتطوير التكنولوجي وتعليم اللغات والزراعة وحماية البيئة،وتعتاد فرنسا أن تعلن خلال مؤتمرات الفرنكوفونية عن تنازلها عن ديونها المترتبة على عدد من الدول الأعضاء في هذه المنظمة3
دور فرنسا ومآثر ميتران:
لم تقم فرنسا بدور هام داخل الفرنكوفونية إلا في عهد الرئيس السابق: فرانسوا ميتران الذي انتخب رئيساً للجمهورية الفرنسية سنة 1981م؛ وذلك أن فرنسا كانت تنتظر لحظة انتهاء تلامذتها الأبرار من إعداد اللبنات الصلبة ووضع الأسس المتينة لهذا الصرح العلماني العملاق قبل أن تقوم هي بدور المهندس الماهر
الذي يتولى تشكيله وتنظيمه داخلياً وخارجياً.
ففي عهد ميتران تم تأسيس قمة رؤساء الدول الفرنكوفونية التي تعقد كل سنتين، ومؤتمر الوزراء الذي
يعقد كل سنة. كما تم تأسيس فروع ووكالات متخصصة تابعة لمنظمة
الفرنكوفونية مثل صندوق حماية البيئة، والمنظمة الزراعية لمساعدة دول الصحراء، والقناة الدولية TV5 للبث التلفزيوني المباشر، وبنك المعلومات الفرنكوفونية، والمجلس الدائم للفرنكوفونية، كما تم إنشاء لجان خاصة لمتابعة قرارات
مؤتمرات الفرنكوفونية، ووضع لوائح تصنف الأعضاء حسب الدرجات والمراتب، وتحدد السلطات والمسؤوليات داخل هذه المنظمة. كما عقدت منظمة الفرنكوفونية في عهد الرئيس ميتران خمسة مؤتمرات: 1986م في فرساي، 1987م في كيبيك، 1989م في دكار، 1991 في باريس، 1993م في موريس. وبلغت جملة الديون التي تنازلت عنها فرنسا في عهد ميتران لصالح الدول الأعضاء في الفرنكوفونية (16) مليار فرنك فرنسي شملت خمساً وثلاثين دولة، بالإضافة إلى المساعدات المادية والفنية.
المؤتمرات والقرارات:
مؤتمرات الفرنكوفونية لقاءات دورية تعقد في إحدى الدول الأعضاء في المنظمة بإشراف من فرنسا. وتتمخض هذه المؤتمرات عن قرارات وتوصيات تُتّخذلها لجان خاصة لمتابعتها وتنفيذها.
وقد عقدت (الفرنكوفونية) حتى الآن سبعة مؤتمرات على مستوى رؤساء الدول والحكومات، وفيما يلي سرد تاريخي موجز لتلك المؤتمرات:
1- مؤتمر فرساي (1986م) :
انعقد المؤتمر الأول للفرنكوفونية في مدينة فرساي بفرنسا في الفترة من 17 حتى 19 فبراير 1986م بحضور 42 دولة، ومن أهم القرارات التي تمخض عنها هذا المؤتمر ما يلي:
1- تأسيس وكالة دولية للتصوير التلفزيوني. وقد عرفت هذه الوكالة بعدإنجازها بقناة TV5 التي تغطي مناطق إفريقيا السوداء وجنوب أمريكا حيث توجد شعوب تتكلم الفرنسية.
2- إقامة معرض دولي للكتاب الفرنسي كل سنتين في العاصمة الفرنسية باريس
3- تنظيم جائزة باسم الفرنكوفونية.
4- تأسيس وكالة زراعية لمساعدة دول الصحراء.
2- مؤتمر كيبيك (1987م) :
عقد المؤتمر الثاني للفرنكوفونية في (كيبيك) في الفترة من 2 حتى 4 سبتمبر1987م. وقد شاركت في هذه القمة 41 دولة، و16 منها على مستوى الرؤساء و10 دول على مستوى رؤساء وزراء، و15 دولة على مستوى مندوبي حكومات، وفي هذه القمة تم اتخاذ خمسة قرارات للتعاون في مجال الزراعة والطاقة والثقافة واللغات والاتصال والتكوين التكنولوجي. كما قررت كندا في هذه القمة إعفاء ديونها المترتبة على سبع دول إفريقية في جنوب الصحراء والبالغ قدرها(246) مليون دولار أمريكي، وقد شملت كلاً من السنغال وكوت ديوار وغابون وزائير ومدغشقر والكونغو والكاميرون، على الرغم من عدم انضمام الكاميرون إلى منظمة الفرنكوفونية في ذلك الوقت. 4
3- مؤتمر دكار (1989م) : عقدت القمة الفرنكوفونية الثالثة في العاصمة السنغالية دكار في الفترة من 24 حتى 26 مايو 1989م بحضور 41 دولة، 17 منها على مستوى الرؤساء، و9 على مستوى رؤساء وزراء، و15 على مستوى مندوبي حكومات، وقد حضر الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران هذه القمة، وأعلن فيها عن إعفاء فرنسا ديونها المستحقة على خمس وثلاثين دولة إفريقية، وهي ما يعادل ستة عشر مليار فرنك فرنسي، ومن أهم نتائج هذه القمة ما يلي:
1- تأسيس صندوق الفرنكوفونية للبيئة.
2- وضع فكرة تأسيس المنظمة الزراعية لدول الصحراء موضع التنفيذ.
3- ابتداء بث القناة الدولية TV5 القناة الفرنسية C. F. I في إفريقيا.
4- إنشاء بنك المعلومات الفرنكوفونية.
5- إعلان فرنسا عن تقديم المساعدة للدول الفرنكوفونية بقيمة (237) مليون
فرنك فرنسي في السنة.
6- توقيع كندا على وثيقة لتقديم المساعدة للدول الفرنكوفونية بقيمة (280)
مليون فرنك فرنسي خلال سنتين ونصف.
4- مؤتمر باريس (1991م) : عُقدت القمة الفرنكوفونية الرابعة في العاصمة الفرنسية في الفترة ما بين 19 حتى 21 نوفمبر 1991م، بحضور 45 دولة، 21 منها على مستوى رؤساء الدول، و13 على مستوى رؤساء وزراء، و11 دولة على مستوى وفود حكومات. وقد تميزت هذه القمة عن سابقاتها بالتركيز على إعادة هيكلة منظمة الفرنكوفونية وتنظيمها داخلياً5
ومن أهم نتائجها ما يلي:
1- اعتبار القمة الفرنكوفونية التي تعقد كل سنتين أعلى سلطة في المنظمة، ويليها مؤتمر الوزراء الذي يعقد كل سنة.
2- تأسيس (المجلس الدائم للفرنكوفونية) ، C. P. F. ويضم هذا المجلس ممثلين لرؤساء الدول الأعضاء في المنظمة، ويجتمع مرتين في السنة لمتابعة ومراقبة تنفيذ القرارات الصادرة عن مؤتمر الفرنكوفونية.
3- اعتبار (وكالة التعاون الثقافي والتقني) A. C. C. T. الجهة الفنية المختصة بتقديم المساعدات في إطار الفرنكوفونية.
4- تأسيس هيئة قانونية تختص بالشؤون المالية القانونية للفرنكوفونية، وتزويد الدول الأعضاء فيها باللوائح والدراسات القانونية وخاصة في مجال القضاء، ونظام الأسرة، مما يمكن الدول الفرنكوفونية من الاعتماد على نصوص قانونية موحدة، وقد جاء هذا الاقتراح من كندا.
5- إعلان كندا عن تزويد الدول الفرنكوفونية بمنح دراسية باسم الفرنكوفونية تقدر بخمسين مليون فرنك فرنسي سنوياً وتستمر لمدة خمس سنوات؛ وذلك لإتاحة الفرصة لثلاثمائة وخمسين طالباً ينتمون إلى الدول الفرنكوفونية لمواصلة الدراسة في الجامعات الكندية.
5- مؤتمر موريس (1993م) : عقدت القمة الفرنكوفونية الخامسة في موريس في الفترة من 16 حتى 18 أكتوبر 1993م بحضور 47 دولة، 19 منها حضرت المؤتمر على مستوى الرؤساء، و13 على مستوى الوزراء، و15 على مستوى وفود حكومات. وهي آخر قمة فرنكوفونية حضرها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، كما مهدت هذه القمة لفكرة تخفيض عملة الفرنك الإفريقي. ومن بين التوصيات الصادرة عنها ما يلي:
1- حث الدول الإفريقية على تطبيق الديمقراطية ونظام التعددية الحزبية تأكيداً لقرارات (بول) الفرنسية.
2- العمل على إقرار السلم في العالم.
3- العمل على تجسيد التعاون بين الدول الفرنكوفونية.
4- تخويل (المجلس الدائم للفرنكوفونية) . C. P. F سلطة خاصة لرسم
سياسة الفرنكوفونية في العالم.
6- مؤتمر كوتونو (1995م) :
أما القمة السادسة للفرنكوفونية فقد عُقدت في عاصمة جمهورية بنين (كوتونو) في شهر ديسمبر 1995م، وهي أول قمة فرنكوفونية حضرها الرئيس الفرنسي الحالي جاك شيراك بوصفه رئيساً للجمهورية الفرنسية، حيث كان يحضر المؤتمرات الفرنكوفونية السابقة بصفته رئيساً للمنظمة العالمية لرؤساء بلديات الدول الفرنكوفونية (A. I. M. L. F.) .
وقد قررت هذه القمة اعتماد المشروع الذي قدمه المجلس الدائم للفرنكوفونية بخصوص سياسة هذه المنظمة طبقاً للتوصيات الصادرة عن مؤتمر موريس سنة1993م، كما قررت اختيار أمين عام للفرنكوفونية في دورتها السابعة التي ستعقد في فييتنام.
7- مؤتمر هانوي (1997م) : عقدت القمة السابقة للفرنكوفونية في (هانوي) بفييتنام سنة 1997م. وفي هذه القمة ظهرت الفرنكوفونية في وجه جديد؛ حيث تم اختيار أول أمين عام لها وهو الدكتور بطرس بطرس غالي على حساب بقية المرشحين الأفارقة وغير الأفارقة بقرار من فرنسا، ولم يأت اختيار بطرس غالي أمينا عاماً للفرنكوفونية عفوياً؛ فهو من أشد الناس ولاء للعلمانية والتغريب، وقد جربه الغرب (النصراني والعلماني) فترة توليه منصب الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، وكانت فترة حالكة ترجمت فيها أمم الغرب فعلياً عداوتها للإسلام وأهله، كما أن فرنسا قد ثأرت من الولايات المتحدة بنصب بطرس غالي على رأس الفرنكوفونية بعد الضغوط الأمريكية التي أدت إلى تنحيته عن منصب الأمين العام للأمم المتحدة. وبناء على السلطات المخولة للدكتور بطرس غالي بصفته أميناً عاماً للفرنكوفونية فقد أصبح المتكلم الرسمي باسم هذه المنظمة وممثلها الشرعي لدى الهيئات والمحافل الدولية، وصار يوقع على جميع الاتفاقيات المبرمة بين وكالة التعاون الثقافي والتقني (A. C. C. T) الجهات الأخرى، كما يشرف على نشاطات هذه الوكالة بالتعاون مع مفوّض رسمي من قبل المجلس الوزاري للفرنكوفونية (C. M. E.) .
ب. مخاطرها: تكمن في منظمة الفرنكوفونية مخاطر جسيمة على العالم الإسلامي، وتتمثل في الأمور التالية:
1- سعيها لإحلال القوانين المستمدة من الفكر العلماني محل القوانين المحلية في الدول الأعضاء التي معظمها دول إسلامية ذات صلة بتعاليم الإسلام؛ فقد تضمنت التوصيات الصادرة عن القمة الفرنكوفونية الرابعة ضرورة تأسيس هيئة قانونية تزود الدول الفرنكوفونية بلوائح ودراسات قانونية في مجال القضاء ونظام الأسرة لتمكين هذه الدول من الاعتماد على نصوص قانونية علمانية موحدة!
2- نشر اللغة الفرنسية مع محاربة اللغات المحلية وخاصة العربية الفصحى في الدول الأعضاء في الفرنكوفونية. ويقام في باريس كل سنتين معرض دولي للكتاب الفرنسي، كما تنظم جائزة عالمية باسم الفرنكوفونية.
3- ممارسة الغزو الفكري وعملية غسل المخ من خلال إنشاء جامعة فرنكوفونية عالمية عبر الفضاء.
4- خلخلة القيم الدينية والأخلاقية في البيئات الإسلامية وتوجيهها نحو الحياة الاجتماعية الغربية الفاسدة من خلال البث التلفزيوني المباشر عبر قناة TV5 وقناة C. F. I.
5- تشتيت شمل المسلمين، وبث الخلافات بين الدول الإسلامية بسبب موالاة بعضها لمعسكر الفرنكوفونية ضد البعض الآخر الموالي لمعسكر الكومنولث البريطاني، مما يحول دون تحقيق وحدة حقيقية بين هذه الدول. وخير شاهد على ذلك ما تعانيه منظمة الوحدة الإفريقية في داخلها من صراع حاد بين هذين المعسكرين6.
إفريقيا في ظل التعاون العربي الإفريقي
تعد تجربة التعاون العربي الأفريقي من أقدم تجارب التعاون الإقليمية إذ يمتد إلى أبعد وأعمق من مظاهر الجوار الجغرافي ليشمل أيضا الروابط الثقافية والبشرية والحضارية التي نسجتها قرون طويلة من الحراك الاجتماعي والتفاعل الحضاري بين الشعوب العربية والأفريقية.
2. دخل لتعليم العربي الإسلامي إلى إفريقيا بدخول الإسلام في القرن السابع الميلادي وأدى إلى ازدياد الاتصال العربي الأفريقي، فقد أمد الإسلام العرب بسياج ديني وفكري ساعدهم على خلق وحدة وطنية وعلى ازدهار النهضة الثقافية، وخرج العرب لنشر الدين في الشمال والغرب والشرق، وتمكنوا من نشر الإسلام في أجزاء كبيرة من القارة الأفريقية. وأدى هذا التطور إلى حدوث نقلة نوعية في تاريخ العلاقات الثقافية بين العرب والأفارقة. فبالإضافة إلى دعم التعامل التجاري والهجرات البشرية، قام العرب بدور إيجابي في نشر العقيدة الإسلامية وبسط نفوذهم السياسي في أفريقيا. وساعد انتشار الإسلام على رواج كثير من مظاهر الثقافة العربية في القارة السمراء.
ثلاث ركائز إقليمية في القارة الأفريقية تواصلت فيها العلاقات العربية الأفريقية في هذه المرحلة:
1- الحبشة وشرق أفريقيا:
فقد كانت هجرة المسلمين للحبشة أول اتصال رسمي للإسلام بأفريقيا حيث وجد المسلمون الحماية والرعاية في كنف ملك الحبشة المسيحية، وأدى الاختلاط بين العرب المسلمين وسكان هذه المنطقة إلى انتشار الإسلام في الهضبة الحبشية وإريتريا
ورغم هذا الصدام اتسعت دائرة الإسلام بفضل جهود التجار والعلماء، واعتنقت بعض الجماعات الدين الإسلامي (القالا في الهضبة الحبشية والتقرى في إريتريا). ولكن معارضة الدولة الرسمية لتلك الجهود ومقابلتها بسياسة تبشيرية وتمسك الأحباش بدينهم حد من فرص انتشار الإسلام بصورة أعم خاصة مع سعي الدولة الإثيوبية إلى تحجيم دور المسلمين في المجتمع.
وقد أدى دخول العرب في أعداد كبيرة إلى نتيجتين مهمتين:
أولاهما: غلبة الثقافة العربية واللسان العربي على أجزاء كبيرة من البلاد.
وثانيهما: انتشار الإسلام بين الوطنيين الذين كانوا يؤمنون بالمسيحية وبعض المعتقدات الأفريقية. وصار الإسلام عامل ربط مهم بين شعوب سودان وادي النيل ذات الجذور العرقية المتباينة والثقافات المتنوعة.
وقد ساعدت تلك المؤثرات على إعطاء الجزء الشمالي من السودان درجة كبيرة من التجانس الثقافي والاجتماعي.
انتشر الإسلام والثقافة العربية في بلاد المغرب على يد المسلمين العرب الذين اشتركوا في موجة الفتوحات الإسلامية7
واختلط العرب مع البربر مما أدى إلى ظهور جيل من البربر المستعربين. وحمل العرب والبربر مشعل الإسلام والثقافة العربية عبر أربع طرق تجارية من شمال أفريقيا إلى غربها ووسطها، أولها ربط ليبيا وتونس بمنطقة بحيرة تشاد، وثانيها ربط تونس ببلاد الهوسا، وثالثها ربط الجزائر بأواسط نهر النيجر، ورابعها ربط المغرب الأقصى بأعالي نهر النيجر.
وقد اقترنت المرحلة الأخيرة بقيام عدد من الممالك الإسلامية تعاقبت على حكم المنطقة بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر، ومنها مملكة مالي وصنغاي وإمارات الهوسا التي تأثرت بالتدهور العام الذي حل بحوض النيل الأبيض المتوسط مع بداية القرن السادس عشر نتيجة سيطرة البرتغاليين على مصادر التجارة الشرقية، إذن يمكن القول بصفة عامة إن المرحلة السابقة على العهد الاستعماري اتسمت بازدهار العلاقات العربية الأفريقية وانتقال المؤثرات العربية إلى شرق القارة وغربها مما أدى إلى ظهور حضارة عربية إسلامية واضحة المعالم في تلك المناطق،ظهرت الآثار السلبية للاستعمار على العلاقات العربية الأفريقية عن طريق مشكلة اللاتعريب في جنوب السودان، في إطار ما يسمى بالسياسة الجنوبية التي ابتدعتها بريطانيا لفصل الجنوب السوداني عن شماله ومحاولة تغيير الهوية الثقافية للجنوب
إذا كانت المرحلة السابقة على العهد الاستعماري قد اتسمت بازدهار العلاقات العربية الأفريقية فإن القارة السمراء دخلت منذ السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر الميلادي مرحلة جديدة ارتبطت بنجاح البرتغاليين في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح والسيطرة على السواحل الأفريقية، وبدأت منذ ذلك الحين السيطرة الاستعمارية على القارة والتي استمرت حتى منتصف القرن العشرين. وتركت هذه السيطرة آثارا سلبية في مجال العلاقات العربية الأفريقية بطريقة مباشرة وغير مباشرة. ويمكن رصد أهم هذه الآثار فيما يلي:
1- ضعفت منطقة حوض البحر المتوسط حضاريا وثقافيا واقتصاديا، وتحول مركز الثقل الحضاري والاقتصادي إلى سواحل المحيط الأطلنطي، واستمر هذا الوضع حتى القرن التاسع عشر. وفى شرق أفريقيا وقع صدام عنيف بين البرتغاليين والمراكز التجارية والمدن والإمارات التي أسسها العرب. وخاض العرب والأفارقة كفاحا مشتركا لتحرير تلك الشواطئ في منطقة شرق القارة من الغزو البرتغالي.
2- عملت القوى الاستعمارية البريطانية والألمانية على تفكيك سلطنة زنجبار العربية عندما احتدم التنافس البريطاني الألماني على شرق أفريقيا، والذي انتهى بفرض الحماية البريطانية على هذه السلطنة، وبعد انتهاء الحماية البريطانية قامت جمهورية تنزانيا من تنجانيقا وبقايا سلطنة زنجبار العربية.
3- في منطقة الكونغو وقع قتال عنيف بين الاستعمار البلجيكي من جانب والمعارضين له من العرب القادمين من شرق أفريقيا والوطنيين من جانب آخر. وأراد ليوبولد الثاني القضاء على العرب في الكونغو حيث كانوا القوة المنظمة التي تستطيع مقاومته، ولأنه أراد تنفيذ هذا الهدف دون إثارة العالم لجأ إلى تشويه صورة العرب على أساس أنهم تجار رقيق يعملون على نشر الهوان بين شعوب الكونغو. وكان ذلك سببا في النزاع البلجيكي العربي الذي نشب مع أواخر
1. راوية توفيق، الجذور التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية موقع الجزيرة.نت
القرن التاسع عشر وصوره البلجيكيون على أنه حملة لمناهضة تجارة الرقيق مما أدى إلى انتهاء الوجود العربي في الكونغو، إلا أن أثر الحضارة العربية لم ينته باعتراف البلجيكيين أنفسهم.
4- عمل الاستعمار على تحجيم الامتداد المصري إلى الجنوب في عهد محمد علي والخديوي إسماعيل حتى عادت مصر إلى حدودها التقليدية عند وادي حلفا. فقد كانت هذه الأراضي التي امتدت إليها السيطرة المصرية مطمعا للقوى الاستعمارية الأوروبية خاصة أن مصر في اختيارها لمناطق عمقها كانت تهتم بالمواقع الإستراتيجية في البحر الأحمر والمحيط الهندي. كما أن مصر قامت إبان فترات امتدادها بإعداد مناطق وجودها حضاريا وعمرانيا على نحو أغرى القوى الاستعمارية بإرث تلك المناطق.
قبل دخول الاستعمار الغربي كانت المنطقة منطقة إسلامية ممتدة الأطراف، قامت فيها ممالك إسلامية اتخذت من الشريعة الإسلامية منهجاً للحكم، فقامت دولة غانا الإسلامية، ودولة كانم والبرنو الإسلامية، وإمبراطورية الصنغي الإسلامية، ودولة التكرور الإسلامية في السنغال، وارتبطت هذه الحضارة منذ تلك الفترة باللغة العربية والتعليم الإسلامي على أساس أن التعليم من أنفع وسائل الدعوة إلى الله، وهو الوسيلة الوحيدة لتعريف الناس بما عليهم من حقوق الله تعالى وحقوق عباده، وما لهم من حقوق على الآخرين.
ولا نعني بالتحصيل العلمي غير تعليم الناس كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم على فهم سلفنا الصالح، وما تحتاج إليه الأمة من علوم ومعارف تعين على تسيير حركة الحياة البشرية نحو التقدم والازدهار؛ ذلك لأن نشر العلم – ولا سيما العلم الشرعي- بين الشعوب والأمم هو سبيل سعادتها وفلاحها، ومحور تقدمها وتطورها، وعلة بقائها وسيادتها وقيادتها، فأوفر بلاد الله سعادة أحظاها بهذا التعليم .
دخول الاستعمار الغربي: وأما بعد دخول الاستعمار الغربي فقد تغيرت الأحوال، فبعد أن ذاق المستعمرون مرارة الهزائم المتتالية في معاركه مع المجاهدين في أكثر من منطقة؛ فطن إلى أن الثقافة الإسلامية التي يدرسها هؤلاء المسلمون تمثل القوة الحقيقية والطاقة الفاعلة التي تقوي عزائمهم في الصمود أمام عدوهم مهما كانت قوة هذا العدو، وهذا الإدراك المبني على دراسات استراتيجية أدى إلى البحث عن سبل لمقاومة هذه الطاقة الإيمانية، فاكتشفوا أن أفضل السبل هي تجهيلهم، فبدؤوا بسنّ القوانين التي تحظر إدخال الكتب العلمية وبخاصة تلك التي تُعنى بالعقيدة والحديث والمنهج السنّي، ووضعوا مراكز حدودية لمراقبة الكتب، فلم يسمحوا لغير كتب اللغة والأدب والتصوف وفروع الفقه المختصرة بالدخول، وهذا ما يفسر ظهور عدد كبير من فحول اللغة والأدب في المنطقة، كان شعرهم في غاية الجودة والروعة، بينما لا تكاد تجد منهم من له عناية بالحديث النبوي رواية ودراية، فضلاً عن معرفة عقيدة السلف ومنهجهم في العبادة والسلوك، وذلك لعدم توفر الوسائل والآليات المساعدة على ذلك. اللغة العربية هي التي يتعامل بها المسلمون في أمور دينهم، وقد اتصفت اللغة العربية8
اللغة الوحيدة التي بقيت قدرتها التواصلية أكثر من تسع عشرة قرنا: و دخول اللغة العربية في شمال الكاميرون كان متزامنا مع دخول الإسلام وانتشاره في جميع المناطق التي يتقنها المسلمون، لأن هذه اللغة هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة العلوم الإسلامية لدى المسلمين و يصعب علينا تحديد دخول اللغة العربية في شمال الكاميرون تشير بعض المصادر أنه دخوله كان في القرن الثاني عشر الميلادي ، عبر بحيرة تشاد في القرن السادس عشر الميلادي، فاللغة العربية إذا لم تدخل إلى الكاميرون منفردة بل دخلت بدخول الإسلام واهتمت بها كلا من الشعوب المعتنقة به و أصبحت اللغة العربية بذلك لغة التعليم والتعلم ولغة المراسلة، فكانت تُدرّس في الكتاتيب، وفي مجالس العلماء، و النظام المتبعة في التعليم آنذاك هو أن يتعلم الطالب مبادئ القراءة والكتابة والمنهج التقليدي المتبع يومئذ كان يهتم باكتساب المتعلم المعلومات عن طريق الحفظ واستظهار عن ظهر القلب
اللغة العربية هي لغة المعاملات الرسمية وهي ايضا لغة دور المؤسسات الدولة ولغة القوافل والتراسل:
والسبب في جعل اللغة العربية تحتل هذه المرتبة انها كانت لغة العبادة والمعاملات الدينية فكانت تدرس في الخلاوي والمساجد وكانت الشعراء يكتبون بها اشعارهم ، وأثر التعليم العربي في الفترة الاستعمار على اللغة العربية: تشير الدراسات بان كاميرون كانت دولة رائدة ومهمة في المنطقة قبيل الاستعمار ولكن بحلول الاستعمار وقف الاستعمار ضد من ينادي لمحاربته حيث كان الاستعمار الفرنسي هو العقبة الكبرى في تقدم وازدهار التعليم العربي، ونلحظ في تلك الفترة محاولة لطمس التعليم العربي من قبل المستعمر، وترك المستعمر الكثير من العقد في نفوس الدول الفرنكفونية وجعلهم يكرهون بعضهم البعض وفيما بعد تحول هذا الكره الي كره اللغة العربية ، وتضيق الأفق للدراسة باللغة العربية، وهذا يعني انه رغم الجهود الحثيثة التي بذلت من قبل الحكومة في ذلك الوقت الا انه كان افق التعليم بالعربي ضيقا جدا جدا، بحيث يتوقف دارس اللغة العربية عند المرحلة الابتدائية فقط ، ومن مظاهر تأثير الاستعمار على اللغة العربية في الكاميرون ، (أن الاستعمار دمج اللغة العربية باستراتيجية مع اللغة الفرنسية حيث أنشأ المستعمرون المدارس الفرنسية تسمى بمدارس القرية، والمجتمع الاسلامي رفضوا مظاهر التعليم الغربي الاستعماري، وبدأ المستعمرون يقبضون أبناء المجتمع ويلحقونهم بالمدارس الاستعمارية إجباريا حتى بعض الآباء يخفون أبنائهم لكي لا يلتحقون بهذه المدارس) 9
التضامن الإفريقي الآسيوي: من الوجهة النظرية، أي من أجل وضع فلسفة عأمة تدرس وتعالج في ضوئها تلك القضية. ومهما يكن الأمر، فإن الخطوة الأولى التي خطوناها تدعونا إلى ترتيب موضوعنا، حسب العناصر التي يتضمنها المصطلح المألوف عند أهل القانون، كما ذكرنا، مع ما يجب مراعاته من الفوارق التي أشرنا إليها، أي مراعاة الجانب الذي لا يقع تحت إرادة وإدراك الأطراف التي يشكلها مفهوم التضامن الإفريقي الآسيوي.
فهذه الملاحظة تجعلنا نعد الأسباب التي دعت إلى التضامن الإفريقي الآسيوي من نوعين:
1- الأسباب التي تتصل مباشرة بواقع الشعوب الإفريقية الآسيوية ذاتها.
2- الأسباب التي تتصل بالحالة العأمة في العالم بعد الحرب العالمية الثانية.
ويجب علينا، من ناحية أخرى، اعتبار الغايات التي يهدف إليها هذا التضامن من نوعين أيضاً:
1- الغايات التي تتصل بمصير الشعوب الإفىريقية الآسيوية كما تحدده هي لنفسها، بإرادة واضحة، صادرة عن واقعها مباشرة أي عن ظروف حياتها اليومية.
2- الغايات التي تتصل بمصير العالم وبتوقعات التاريخ بصورة عأمة أي بالتوقعات التي لا تدخل في نطاق الإرادة مباشرة، فهذه في نظري هي صورة الموضوع إذا ما حللناه إلى عناصره النظرية، ولكن كل عملية تحليل تؤدي بالشيء المحلل إلى أن يفقد جانباً من حقيقته، وإذا كان موضوع التحليل كائناً حيا من شأنه أن يفقد هذا الكائن صورته الحية بهذا التحليل، فربما يفقد كذلك موضوعنا حيويته، وتفقد الفكرة التي يتضنها قيمتها بوصفها تعبيراً عن ملحمة الشعوب الإفريقية الآسيوية، التي بدأت تشعر منذ باندونج بقيمة دورها في العالم، وبالدوافع التي تحركها في هذه الملحمة )10
وعليه فمن الصواب أن نخصص خطوتنا الثانية لعرض العناصر النظرية، التي يشملها الترتيب التحليلي السابق في صورة أخرى، تشكلها مع روابطها العضوية التي تربطها بواقع الحياة مباشرة، وتعبر عن تفاعلها المباشر في عملية التاريخ ذاتها، حتى تدرك مباشرة قيمتها في حياة الشعوب الإفريقية الآسيوية، ومعناها في مصيرها وفي مصير الإنسانية عأمة)11
المصادر والمراجع
1.مفهوم الدولة - The Concept of State - موقع الموسوعة السياسية .كم
2. نفس المرجع
3. سيدي غالي لو الفرنكوفونية مجلة البيان تصدرها المنتدى الاسلامي جمادى الأولى - 1419هـ سبتمبر - 1998م(السنة: 13)ص90
4.نفس المرجع ص90
5. نفس المرجع
6. نفس المرجع
7. 1.راوية توفيق، الجذور التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية موقع الجزيرة.نت
8.نفس المرجع
9. نفس المرجع
10. نفس المرجع
11. نفس المرجع
11. مالك بن نبي، أملات المحقق: إشراف ندوة مالك بن نبي، دار الفكر-دمشق سورية1979م. ص 102



#ابراهيم_محمد_جبريل (هاشتاغ)       Ibrahim_Mahmat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة الإفريقية والنسوية لإسلامية
- ملخص الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية
- الشعر العربي المعاصر
- المقالة وأثرها في تغيير المجتمع
- أثر الثقافة العربية على قبيلة مزغوم في الكاميرون
- الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية
- المجتمع المدني والديمقراطية والدولة واللامركزية
- المرأة في الأدب العربي الإفريقي
- الشعر النثري، لأحمد جابر دراسة أسلوبية نقدية
- الشاعر عبد الله الدرامي
- التعايش والحوار الوطني في إفريقيا


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم محمد جبريل - الدولة والفرانكفونية والاستعمار