|
الشعر العربي المعاصر
ابراهيم محمد جبريل
الشاعر والكاتب والباحث
(Ibrahim Mahmat)
الحوار المتمدن-العدد: 7465 - 2022 / 12 / 17 - 18:00
المحور:
الادب والفن
لا تتفق آراء المؤرخين حول بداية التاريخ العربي الحديث أو نهايته، فمنهم من يرى أنه يبدأ مع توجه العثمانيين نحو بلاد المشرق العربي منذ منتصف القرن السادس عشر، ثم امتداد نفوذهم إلى معظم البلاد العربية، ومنهم من يرى أنه يبدأ مع نهاية القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وكذلك الحال بالنسبة لنهاية التاريخ العربي الحديث، فمنهم من يرى أنه ينتهي عند بداية القرن العشرين، في حين يرى آخرون أن نهايته مع الحرب العالمية الأولى. وتختلف آراء المؤرخين أيضًا حول بداية التاريخ العربي المعاصر، فمنهم من يرى أنه يبدأ مع بداية القرن العشرين، ومنهم من يرى أنه يبدأ مع الحرب العالمية الأولى، باعتبارها نقطة تحول في تاريخ المنطقة العربية، على حين يرى البعض الآخر أن الحرب العالمية الثانية هي بداية التاريخ العربي المعاصر". (مرَّ الشعر العربيُّ منذ عهد امرىء القيس إلى عصر البارودي في أطوار مختلفة: كان في الجاهلية وصدر الإسلام شعر الفطرة والسليقة المنبعثة عن الشعور والإلهام، تَعْرِضُ الحادثةُ أو المنظر للشاعر فينفعل ويتأثر، يلهج لسانه بما يختلج في فؤاده، وقد ينبعث من طيات ضميره لا بوحيً خارجيٍّ، هو في كلتا الحالتين لا يعمد إلى تنميق أو تزويق، أو يعتمد لفظًا بعينه، وإنما اللغة ملك يمينه وطوع لسانه، وكأنها بمفرداتها الزاخرة، ومعانيها المتباينة موضوعة في كفِّه يختار منها ما يكفي لأداء المعاني التي تتجاوب في خاطره، وكثيرًا ما يعمد إلى هذا الأداء بأوجز لفظٍ وأمتنه، دون إسهابٍ أو حشوٍ، ولا سيما إذا كان شاعرًا فحلًا طويل الباع في فن الشعر، وله درايةٌ بوجوه تصريف الكلام) 1هناك من الباحثين مَن يصدرون عناوين رسائل الماجستير أو أطروحات الدكتوراه بعناوين تحتوي على كلمةالتغيرات الاجتماعية الحديثة"، أوالتغيرات الاجتماعية المعاصرة"، وهم يقصدون بالحديثة التغيرات التي حدثت بعد أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، ومن ثم يخلطون بذلك بين الحديث والمعاصر. و جاء الشعر العربيّ القديم صورة صادقة لمن قالوه، ولأمر ما قال نقاده منذ القرن الثاني:الشعر ديوان العرب"، ولم يكن العربيّ الأول يعمد إلى الخيال المجنح الذي يخلق الصور، ويغوص وراء المعاني في أعماق الفكر، وإنما يصور إحساسه وشعوره دون تزيد أو نقصان، ودون فلسفة أو منطق، وقد كان دستورهم في ذلك قول أحدهم: وإنَّ أحسنَ بيتٍ أنت قائلُه ،. بيتٌ يقالُ إذا أنشدته صدقا وكأن الشعر العربيّ حينذاك بيت مشيد بالحجارة المتينة العارية عن الزخرف والطلاء، ويروعك بسذاجته وشموخه ومتانته، وفي السذاجة جمال الفطرة) 2 إن عملية تحقيب التاريخ المصري موضع اختلاف بين المؤرخين المصريين فبينما يرى البعض أن تاريخ مصر الحديث يبدأ بالحملة العثمانية أو الفتح العثماني لمصر عام 1517، يرى البعض الآخر أن هذا التاريخ يبدأ بقدوم الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وطبعًا لكل طرف من الطرفين حجته، فكلا الطرفين له حجته، وطبعًا القول بأن التاريخ الحديث يبدأ بعصر محمد علي عام 1805 قول رصين، ولكن لا يمكن الفصل بين الحملة الفرنسية وعصر محمد علي؛ لأن الفرق بينهما سبع سنوات يمتد التاريخ العربي الحديث والمعاصر لعدة قرون، تبدأ من مطلع القرن السادس عشر حتى منتصف القرن العشرين، أو قُرب نهايته، وهي فترة زاهرة بالعديد من الأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، تخلَّلتها فترات من الضعف والتخلف، والجمود والعزلة، وأخرى اتسمت بالقوة والتقدم والنهضة، والاحتكاك بالعالم الخارجي وأن تاريخ العرب الحديث يبدأ مع دخول العثمانيين إلى المنطقة العربية، وينتهي عند بداية الحرب العالمية الأولى، ليبدأ التاريخ العربي المعاصر في أعقاب هذه الحرب العظمىويمكن القول بناءً على هذين الرأيين: إن الباحثين الاجتماعيين يستطيعون بسهولة وصْف الظواهر أو المشكلات الاجتماعية التي يبحثونها بأنها حديثة أو معاصرة، فكل ما كان بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى هو معاصر، وما كان قبلها فهو حديث. أخذ العرب غير قليلٍ من حضارة الأمم التي فتحوا بلادها، وألفوا أنواعًا من العيش، وألوانًا من الحياة ونظام الحكم، لم يعرفوها من قبل، شاهدوا مناظر جديدةً اختمرت في عقولهم زمنًا، واطلعوا على ثقافاتٍ متباينةٍ؛ من يونانية، وفارسية، وهندية، ونبطية، وما شاكل هذا، وكان من الطبيعيّ أن يتأثروا بكل ذلك، كنا ننتظر أن يتطور الشعر العربيّ تطورًا جديدا، خليقًا بهذا الانقلاب الكبير في حياة الأمة العربية، وأن يحتذي العرب حذو الإغريق مثلًا في ملاحمهم وقصصهم ومسرحياتهم، ولكن ما طرأ على الشعر العربيّ لم يعد الشكل الظاهريّ، وظل البناء القديم، والقالب )4 كان هذا أول لقاء بين المصريين وبين الثقافة الغربية ولما عاد هؤلاء المبعوثون عادوا بثقافة جديدة ، وعقلية اتصلت بالحضارة الغربية ، وعرفوا أشياء لم يكونوا يعرفونها من قبل ، فقاموا بترجمة كثير من علوم أوربا وألفوا باللغة العربية كتباً في العلوم والآداب فأثروا اللغة بما زودوها به من أفكار ومصطلحات حديثة في الخمسينيَّات هذا القرن ظهرت القصيدة العربيَّة بالشكل الجديد ، وكانت إرهاصاتها قد بدأتْ في الأربعينيَّات، وقد وجدتْ مدرسة الشعر الحر الكثير من المريدين، وترسَّخت بصورةٍ رائعة في جميع البلدان، بدءًا بالملائكة والسيَّاب والبيَّاتي في العراق في الأربعينيَّات، ثم ما لبثَتْ هذه الدائرة أنِ اتَّسعت في الخمسينيَّات فضمَّت إليهم شعراء مصريين آخَرين؛ مثل: صلاح عبدالصبور، وأحمد عبدالمعطي حجازي، وفي لبنان ظهر علي أحمد سعيد (أدونيس) وخليل حاوي، ويوسف الخال، وكذلك فَدوَى طوقان، وسلمى الخضراء الجيوسي في فلسطين، أمَّا في السودان فقد برز في الأفق نجم كلٍّ من محمد الفيتوري، وصلاح محمد إبراهيم (أماالأدبوهو الذي يعنينا في كتابنا هذا أكثر من سواه، فقد اشتدت فيه حركة التعريب، ولا سيما الروايات والقصص، وقد عرفت فيما سبق أن الكلية الأمريكية ببيروت أسست سنة 1860، ثم أسست الكلية اليسوعية بعدها بقليل، وقد كان لهاتين الكليتين أثرٌ بارزٌ في توجيه النشء إلى القصة الغربية، ولما هاجر كثير من نصارى لبنان إلى مصر؛ حيث الحرية والشهرة والثورة، أخذ هؤلاء المهاجرون يترجمون القصص الأوربيّ ويذيعونه في الناس،)5 أمَّا عن أوَّليَّة الكتابة في الشعر الحر فإشكاليَّةٌ اختلف حولها النقَّاد والشعراء أنفسهم؛ فقد زعمتْ نازك الملائكة في مقدمة كتابهاقضايا الشعر المعاصرأنَّبداية حركة الشعر الحر كانت سنة 1947م في العراق ومن العراق، بل من بغداد نفسها، وزحفت هذه الحركة وامتدتْ حتى غمرت الوطن العربي كله وكذا زعمت أنَّ باكورة الإبداع في هذا اللون الفني كانت قصيدتها (الكوليرا)، ثم قصيدة (هل كان حبًّا) لمواطنها الشاعر العراقي بدر شاكر السيَّاب، وكلتاهما نُشِرتا سنة 1947م. وظل المسرح منذ ذلك الوقت يعتمد على الرويات الأجنبية الممصرة، وأحيانًا يضع له بعض المؤلفين مسريحاتٍ لا تمثل الحياة المصرية في شيء، وبها كثير من عادات الغرب وتقاليده، ولم يتجه المسرح وجهة إصلاحية إلّا نادرًا، مثل ما مر بك من روايات عبد الله نديم وأضرابه) 6 بدايات الشعر الحر كانت قبل عام 1947م هناك قصائد حرَّة معدودة، قد ظهرت في المجلات الأدبيَّة والكتب منذ سنة 1932م منهم: اسم علي أحمد باكثير، ومحمد فريد أبي حديد، ومحمود حسن إسماعيل، وعرار شاعر الأردن، ولويس عوض وسواهم وكان كتابة هذا اللون على يد شاعر القطرين اليمني المصري علي أحمد باكثير، الذي ترجم مسرحية (روميو وجولييت)؛ لشكسبير إلى العربية على شعر التفعيلة، وكان وقتها طالبًا في السنة الثانية بقسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة (1936م) على أن الاهتمام بالمسرح وبالتمثيليات لم يكن كبيرًا، وإنما عُنِيَ المترجمون بنقل القصص الغربيّ بأنواعه وألوانه؛ ومن أقدم الذين اشتغلوا بترجمة القصص نجيب حداد اللبناني فنقل إلى العربية رواية صلاح الدين تأليفولترسكوتورواية السيد Cid تأليف كروني Corneille وسماها:غرام وانتقام"، روايةهير نانيتأليف هوجو، وسماها:حمدان"، ورواية رميو وجوليت، تأليف سكسبير، وسماها:شهداء الغرام"، ورواية البخيل لـمولييرورواية الفرسان الثلاثة، تأليف إسكندر دوماس في أربعة أجزء، طبعت لأول مرة سنة 1888. ) 7وقد جاءت هذه الترجمة ردا على زعمٍ خاطِئٍ من أستاذه الإنجليزي بأنَّ اللغة الإنجليزيَّة هي اللغة الوحيدة التي تتَّسِع للأشكال الجديدة، وأنَّ وسيلة التعبير بالشعر الحر أو المرسل المنطلق لا توجد في غيرها من اللغات، ومنها اللغة العربية فرد عليه باكثير غاضبًا إنَّ اللغة العربية تتَّسع لكلِّ أشكال التعبير، وإنَّه من الممكن كتابة الشعر المرسل بها، فسخر منه أستاذه، وركب ناقة الخُيَلاء والشطط، فعكف باكثير على المسرحيَّة فترجمها وأتمَّها، وكانت بحقٍّ أولى التجارب الشعرية الناضجة التي مهَّدت الطريق أمام شعراء مدرسة الشعر الحر بعد ذلك، يقول باكثير:ولكن ليس هناك ما يحولُ دون إيجاده الشعر الحر في اللغة العربية، فهي لغة طيِّعة تتَّسع لكلِّ شكلٍ من أشكال الأدب والشعر وكما نرى عند شكسبير في أنطوني وكليوباترة"،يوليوس قيصروغيرهما من الروايات والمسرحيات التاريخية، ولكن هذه القصص فيها نفحة الأديب، وخيال الشاعر، وعبقرية الفنان، وليست سردا تاريخيًّا مكتوبًا بأسلوب صحفيّ، ومثل زيدان في هذا سليم البستاني في روايةزنوبيا وبدوروغيره ممن سلكوا هذا النهج التاريخي، وزيدان أسلم من سواه عاقبة، ثم ظهرت بعد ذلك، وللأسف قصص رخيصة تتملق النزعات الدنيا عند الشعوب، وتقرأ لقتل الوقت، وتمثل كثيرًا من وجوه الحياة الإنسانية المخزية ) 8 وفي البداية، ينبغي أنْ نتعرَّف على ماهيَّة الشعر الحر وأنماطه، وأهم الفروق بينه وبين الشعر المرسل أو المنطلق، يقول أحد أساتذة النقد الأدبي مُوضِّحًا الفرقَ بين هذين اللونين الشعريَّين:الشائع بين نقَّادنا المعاصِرِين أنَّ أهمَّ خَصائص الشعر المرسل هي الإبقاء على الوزن، مع التنويع في القوافي، وأهمُّ خَصائص الشعر الحر هي عدم التزام الوزن التقليدي، والاعتماد على وحدة التفعيلة، بدلاً من وحدة البيت، مع التزام القافية أحيانًا وممَّا يجدر بالذِّكر أنَّ الشِّعر الحرَّ قامَ على إهمال قاعدة البحر الواحد والقافية الموحَّدة، وإلغاء فكرة البيت المكوَّن من شطرين متساويين، فأصبحت القصيدة عندهم تتألَّف مِن سُطُور تَطُول وتقصر؛ فالطول حسب الحالة النفسية للشاعر، ولم يعد الشاعر بحاجةٍ للحشو لإكمال وزن البيت ومن كبار شعراء والادباء البارزين في العصر الحديث طه حسين ، العقاد ، أحمد شوقي ، توفيق الحكيم ، ايليا أبا ماضي ، جبران خليل جبران ، ميخائيل نعيمة ، أحمد أمين ، حسين هيكل ، البشير الإبراهيمي ، سامي البارودي ، نجيب محفوظ ، محمود درويش ، نازك الملائكة ، نزار قباني الشيخ ناصيف اليازجي توفى سنة 1871م وإبراهيم بن علي الأحدب توفي سنة 1891م فى لبنان ، ومحمود سامي البار ودي توفي سنة 1904م في مصر . لقد عني هؤلاء الشعراء عناية خاصة بتحري الدقة في التعبير ، وجزالة اللغة واختيار المعاني الرفيعة والموسيقى العذبة يقول هيكل في شعر هذا الطور : ( ،كان أسلوباً حيا مشرقا قد اختير للتعبير عن أغراض تشبه أغراض الأقدمين حينا وتختلف عنها في كثير من الأحايين ، على أن الشاعر من أصحاب هذا الاتجاه كان يتخذ من العالم العربي القديم عالماً مثالياً يخفق له قلبه ،إنه عالم الآباء الاماجد ، والتاريخ العريق ، والدولة الإسلامية العربية الغالية (جاء الغرب بقصص خليع يثير الشهوة، ويقتل الحياء، ويلطم وجه الفضيلة والشرف، يوحي بالإجرام والفسق، وجاءوها بمهازل تمثل على المسارح باسم الفن، وأدب موبوء يزلزل العقيدة، ويخدش وجه العفاف، ويعرض على الناس باسم القصة، إنه أدب نغل، ورود آسن، وغذاء عفن، التقطه من يتجرون بعقلية الجماهير، ومن وقعوا وقوع الذباب على الفضلات الفاسدة من نفايات الحضارة الأوربية، وقدموه لقونهم في شكل زريّ) 9 للشيخ (حسين بن أحمد المرصفي) أثر واضح في شعراء هذا الطور بما قدم للشعراء من نماذج شعرية رفيعة ، وبما تناول من شعر البارودي بالتحليل والإشادة ، فهيأ بذلك أذهان الشعراء لهذا الاتجاه الجديد اتجاه البار ودي الذي بعث به الشعر العربي من رقدته في العصر السابق، لقد سيطر هذا الاتجاه على الحياة الأدبية في الوطن العربي كله سيطرة تامة حتى إن الجيل الذي جاء بعد البار ودي من أمثال شوقي وحافظ ومحمد عبد المطلب فى مصر ، وخليل مطران في الشام ومعروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي فى العراق ساروا على طريقة البار ودي ، فقضوا بذلك على الشعر التقليدي قضاء تاماً بحيث اختفي شعر الألاعيب اللفظية والمحسنات البديعية المفرطة المتكلفة وحل محله هذا الاتجاه البياني التفت الشاعر إلى ذاته فعبر عما يجول فيها من مشاعر وأحاسيس ، وبخاصة تلك التي تهز أعماقه هزّاً عنيفاً وعلى الرغم من أن الحنين إلى الأوطان قديم في الشعر العربي فلم يصل شاعر إلى ما وصل إليه البار ودي من روعة التصوير وتدفق العواطف ، وشوقي عانى ، أيضاً ، من مرارة النفي والغربة عن الأهل والوطن ، عندما نفي إلى أسبانيا فقضي أربع سنوات هي سنوات الحرب العالمية الأولي 1914-1918م ، فصور ما كان يحس به من مرارة الاغتراب ، فأنشد أروع قصائده هناك ، يقول فى نونيته المشهورة مصوراً الحنين إلى مصر وقد (انتشر لون من القصص بأوربي في مصر في أخريات القرن التاسع عشر باسم الواقعية، وقد لخصنا السمات العامة للمذهب الواقعيّ في كتابناالمسرحية"، ولا يزال الأدب الأوروبيّ والأمريكيّ واقعًا تحت تأثير المذهب الواقعيّ، ولقد جنى على بعض الأمم الغربية جنايةً فظيعةً، وأشاع فيها التحلل والضعف، ولذلك أخذ كثير من أدباء الغرب يناهضونه)10 وحافظ (إبراهيم يعاني) التجربة نفسها عندما أرسل مغضوبا عليه إلى السودان وهو أشبه بالنفي فأرسل إلى أصدقائه قصائد تفيض بالشكوى من مرارة الغربة ، بل يصل به الحال إلى أن يسمي السودان ( وادي الهموم اهتم الشعراء في هذا الطور بأوطانهم وقضاياها اهتماماً كبيراً فقد شاركوا أمتهم فى كل ما ألم بها من أفراح وأحزان ، بل إن الحياة السياسية مصورة في شعرهم أصدق تصوير فخليل مطران يدعو إلى محاربة الجهل ومحو الأمية ، لأن التعليم هو الذي يرتقي بالأمة، ويجعل حكمها في يدها لا في أيدي الولاة والحكام ويشارك الشعراء شعوبهم في حياتهم الاجتماعية ، وشعر الوطنيات يحتل حيزاً كبيراً في دواوينهم . و(لعلك أدركت مما سبق كيف أن الأدب الأجنبي قد طغى تياره واشتد، فالمدارس تفرض فيها اللغة الإنجليزية في كل الدروس، ولا يعفى إلّا درس العربية والدين، والأدب أخذ يغرف من بحور الغرب دون تَحَرٍّ أو تدقيق، وجمهرة المثقفين تَجِد فيم ينقل إليها صورًا من حياة الغرب لم تعهدها، والغرب هو المتملك القاهر، والنفوس تشرئب لمعرفة عاداته، وسر قوته، وكثير من ألوان حياته) 11وقصيدة (حافظ ابراهيم) التي شارك بها في افتتاح الدار التي أنشئت لرعاية اللقطاء والأيتام ، تعد من روائع الشعر الاجتماعي فقد صاغها في شكل قصة مؤثرة تصور ما تلاقيه هذه الفئة من ظلم المجتمع .أما شوقي فقد عبر عن مشاركته الأمة العربية في أفراحها وأحزانها أما في السياسة فقد شاركوا فيها مشاركة كبيرة ، فالبارودي اشترك في الثورة العرابية التي نشبت ضد الإنجليز حتى نفي إلى سرنديب وأما شوقي فإن ديوانه حافل بالقصائد السياسية ضد الاحتلال الإنجليزي ، ومثله حافظ الذي هاجم اللورد كرومر هجوماً عنيفاً ذلك المستعمر الإنجليزي الذي أهان المصريين واللغة العربية والدين الإسلامي و(من المشكلات الاجتماعية التي أثيرت في هذه الفترة، وكان لها دويٌّ عظيمٌ مسألة الحجاب والسفور، ومركز المرأة في المجتمع، ولقد أدى اختلاطنا الشديد بالأجانب، وتطعلنا إلى محاكاتهم في كل شيء، والسير على نهجهم في مدنيتهم إلى ظهور هذه المشكلة ) 12 من القضايا الاجتماعية التي أثيرت في أول هذا القرن ، وأثارت موجات واسعة من النقاش، قضية ( الحجاب والسفور ) التي أثارها قاسم أمين توفى سنة 1908م بكتابيه ( تحرير المرأة ) و( المرأة الجديدة) ولكنهم لم يجرءوا على الجهر بآرائهم أمام جمهور المسلمين في ذاك الوقت؛ لتمكن عادة الحجاب من النفوس، حتى ظهر قاسم أمين1، فنشر كتابيهتحرير المرأةو"المرأة الجديدة"، وقد كان لهما أثر بليغ في الحياة المصرية، وإن لم يظهر هذا الأثر سريعًا، بل ظلت المرأة مدة يتجاذبها السفور تارةً والحجاب تارةً، حتى خلعته أخيرًا، ولم يعد له أثر إلّا في بيئات محدودة) 13 تطور الادب الحديث وعوامله لقد أخذت عوامل النهضة تعمل عملها في نفوس الأدباء والشعراء ، وفى عقولهم فقد طبعت كثير من دواوين الشعراء في عصور العربية الزاهرة من أبرز شعراء هذا الطـور (رفاعة الطهطاوي) توفى سنة 1873م وعائشة التيمورية توفيت سنة 1902م قلنا أن هذا الطور طور انتقال لأن الشعراء لم يتخلصوا تماماً من سمات الشعر الركيك المليء بالمحسنات والتخميسات والتشطيرات ومع ذلك فقد ظهرت في أشعار بعض شعراء هذا الطور آثار تلك النهضة ، فالقارئ لشعر الطهطاوي يجد فيه طابعاً تجديدياً بارزاً يتمثل في الشعر الوطني ، لأن فى الشعر الوطني حديثاً عن الوطن بمفهومه السياسي والحضاري و(من أهم العوامل في النهضة الأدبية الحديثة، والاتصال بالفكر الأوربيّ بجانب الترجمة، ما قام به المستشرقون من جهد في سبيل اللغة العربية وآدابها، وبحث العقيدة الإسلامية ومذاهبها، ونشر ما عفت عليه الدهور، وأغفلته يد النسيان من كنوز اللغة العربية). 14 ويلاحظ في هذا النشيد، إضافة إلى مضمونه الوطني، التجديد والتنويع فى الموسيقى، وهو اتجاه لم يكن مألوفاً في شعر من سبقوه إلا عند الأندلسيين (كان من الطبيعيّ أن يتأثر الشرق العربيّ، ولا سيما مصر، ولبنان، بهذا الاتصال المباشر بالأدب الأجنبي، ففي مصر يجثم الاحتلال الإنجليزي على صدر الوادي الخصيب، ويشتد نفوذ الأجانب من كل دولة، يفدون أفواجًا ينشدون الغنى والسعادة في هذه البلد المضيافة والأرض البكر، وتفرض اللغة الإنجليزية على تلاميذ المدراس المصرية، ويعمد الأدباء اللبنانيون والسوريون الذين يمموا صوب مصر هربًا بحرياتهم إلى الأدب الغربيّ ينقلون منه ألوانًا شتّى إلى اللغة العربية) 15أما عائشة التيمورية فهي أشهر شاعرة فى القرن الماضي إن لم نقل إنها الشاعرة التي كانت تنظم بالعربية في ذلك القرن ، الشاعرة التي يضعها النقاد فى مكانة رفيعة يقول العقاد : ( فإذا استثناء البارودي أولاً والساعاتي ثانياً فشعر السيدة عائشة التيمورية ليعلو إلى أرفع طبقة من الشعر ارتفع إليها شعراء مصر في أواسط القرن التاسع عشر إلى عهد الثورة العربية (اتصل الغرب بالمشرق بادئ الأمر حينما كان الشرق في عنفوان صولته، وقمة مجده، يغص بالمدارس الجامعة، ويزخر بالكتب الثمينة، ويشمخ بعلمائه وفلاسفته ورياضييه، وكانت أوربا لا تزال في سِنَةٍ من النوم، حينما فرغ الشرق أو كاد من يقظته الطويلة وجهاده العنيف في سبيل العلم والمدينة، ولما استيقظت أوربا قليلًا، تلفتت فوجدت شعبًا غريبًا يعمر جزءًا خصبًا من قارتها، وقد أحاله جنةً ترف فيها العلوم والفنون والآداب، فتطلع أهله إلى الأندلس منذ ذلك الحين، يرمقونها بعيون دهشة، وأفواه فاغرة، وبودهم أن يعرفوا بعض ما عليه أهلها من علم.) 16 اتسم الشعر في هذا الطور بالتخلص تماماً من قيود المحسنات البديعة وربما كان الذي هيأ للشعراء ، في هذا الطور أن يتخلصوا من الطورين السابقين كما أن البعد الكامل من الثقافة التقليدية ، ثقافة عصر المماليك ، والاقتراب إلى حد من الثقافة الأوربية ، نقول إلى حد ما ، لأن أثر الثقافة الأوربية لم يكن قد تغلغل في النفوس (وطئت أقدام العرب كثيرًا من أرض القارة الأوروبية، وعبرت بعضها عبور المسافر أو المغامر أو التاجر، ووقفت في بعضها وقفة الفاتح القادر، فعبروا فرنسا عبورًا سريعًا، وامتد طوفانهم إلى أودية بوردو"، وتألب عليهم أوشاب أوربا من فرنسيين وألمان، وسواهم، حتى انحسر طوفان العرب عن فرنسا غب معركة) 17 أنشأ محمد على أول مطبعة عربية في مصر سنة 1821م في حيّ بولاق فعرفت باسم مطبعة بولاق، لقد كان لمطبعة بولاق أثر واضح في النهضة الأدبية المعاصرة حيث قامت بطبع أمهات كتب الأدب العربي شعراً ونثراً ، كان من أثر الصحف في النثر أنها هذبته وصقلته ، ونقلته من المحسنات البديعية من سجع وجناس وطباق ، إلى نثر مرسل دون قيد من القيود البديعية ، الجمعيات الأدبية والعلمية: لقد كان للجمعيات الأدبية والعلمية أثر كبير في النهضة الأدبية فأنشئت أول هذه الجمعيات في سوريا 1847م ، وكان هدفها الارتقاء بالعلوم ونشر الفنون والآداب فقد أنشئت المدارس العربية على نمط المدارس الأوربية التي تعلم اللغات والعلوم الحديثة كالرياضيات والجغرافيا والأحياء والكيمياء والطبيعة ، فكان لهذه المدارس أثرها في نشر الوعي الثقافي للأمة (وكانت بيروت قد شهدت من قبل مارون النقاش يؤلف بعض المسرحيات أو يقتبسها من الأدب الغربيّ؛ مثل مسرحية:البخيل لـموليير"، وكان يدعو فنه هذا الذهب الإفرنجي المسبوك وكان لمارون ابن أخٍ اسمه سليم نقاش، رحل بعد موت عمه إلى مصر، وسعى فيها حتى أنشأ مسرحًا وفرقةً، وظهر بمصر في ذلك الوقت رجل يهوديّ اسمه يعقوب صنوع"، أسس مسرحًا عربيًّا بالقاهرة ترجم له عشرات) (الدسوقي2000 : الجزء الأول: 368)18، لقد أنجب هذا الطـور شعراء أفذاذاً تمـيز شعرهم بخصيصتين لم تكونا فيمن سبقهـم من الشعراء أولاهما : البيان الناصع الذي يعد عنصراً أساسياً من عناصر شعر هذا الطور ثانيتهما : المحافظة على النمط العربي المشرق الذي كان يمثله شعراء العربية الكبار أمثال أبي تمام والبحتري والشريف الرضي والمتنبي وابن زيدون وغيرهم لقد اتجه شعراء هذا الطور إلى التعبير عن مشاعرهم عوامل تطور الادب العربي: عرف الأدب العربي الحديث تطور مشهوداً صاحبه ظهور عدت فنون أدبية شعرية ونثرية كالمسرحية والرواية و القصة،،،ويعود الفضل في ذلك إلى عدت شخصيات أدبية ساهمة في هذا التطور بإبداعاتها واجتهاداتها ونذكر منهم طه حسين ، العقاد ، أحمد شوقي ، توفيق الحكيم ، ايليا أبا ماضي ، جبران خليل جبران ، ميخائيل نعيمة ، أحمد أمين ، حسين هيكل ، البشير الإبراهيمي ، سامي البارودي ، نجيب محفوظ ، محمود درويش ، نازك الملائكة ، (لعله شيء لا ريب فيه أن كثيرًا من الشعراء الذين تلقوا الدعوة إلى الشعر الحر في حماسة لا يعرفون حتى الآن الغرض منها. إن بعضهم يخلط بينها وبين الدعوة إلى تجديد الموضوع في القصيدة العربية، وبعضهم يظن أن غايتها الوحيدة هي تثبيت دعائم ما يسمونه بالواقعية في الشعر. ولئن كنا لا ننكر أن هذه الظنون وأمثالها لا تتعارض مع طبيعة الشعر الحر، غير أننا نلح مع ذلك على التذكير بأن الشعر الحر ظاهرة عروضية قبل كل شيء)19 في بدايات العِقد الثاني من القرن العشرين، ظهرَتْ محاولات فنيَّة تدعو على استِحياء – إلى الخُروج على قُيُود الوزن والقافية التي عرفها الشِّعر العربي منذُ نَشأته في العصر الجاهلي، والتي اتَّكأتْ بشكلٍ رئيسٍ على وحدة البحر الشعري، والقافية الموحَّدة وقد جاءَتْ قصيدة الشعر الحر في أغلبها مزيجًا مخفَّفًا ومقبولاً من الواقعية والرمزية، كما لم تبتعد هذه القصيدة عن السياسة وأجوائها الصاخبة أبدا؛ بدعوى الدفاع عن قَضايا إنسانية أو وطنية وقومية؛ مثل: قضيَّة فلسطين التي احتلَّت مركز متميِّزًا في شعر أغلب هذه الحقبة، وكان الشاعر الفلسطيني (محمود درويش) فارسها العظيم (كان النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر إيذانا بظهور تيّارات فكرية ومذاهب أدبية، تعددت مشاربها وتنوّعت مرجعيّاتها الفكرية فتباينت بذلك أشكالها التّعبيرية وآلياتها الفنّية وفق أسس شعرية، رأى فيها أصحابها القدرة على حمل تجارب العصر الجديدة الّتي لا تقوى الأشكال التّقليدية على حملها كاملي بلحاج، أثر التّراث الشّعبي في تشكيل القصيدة العربية المعاصرة) 20 ودعا آخَرُون إلى التحرُّر الفني من أسْر الأوزان العتيقة التي جثَمتْ على صدر الشعر العربي طويلاً؛ فمنعَتْه من الوقوف على قدمَيْه، ويتبيَّن هذا من قول نازك الملائكة في أوَّل عهدها بهذا اللون الفني الجديد، وقد يرى كثيرون معي أنَّ الشعر العربي لم يقف بعد على قدميه بعد الرقدة الطويلة التي جثَمتْ على صدره طِيلة القرون المنصرمة الماضية، فنحن عمومًا ما زلنا أسرى، تُسيِّرنا القواعد التي وضَعَها أسلافنا في الجاهليَّة وصدر الإسلام، ما زلنا نلهَثُ في قصائدنا، ونجرُّ عَواطِفنا بسلاسل الأوزان القديمة(ذلك أنه يتناول الشكل الموسيقي للقصيدة ويتعلق بعدد التفعيلات في الشطر، ويعني بترتيب الأشطر والقوافي، وأسلوب استعمال التدوير والزحاف والوتد وغير ذلك مما هو قضايا عروضية بحته، إننا مع الشعر الحر بإزاء دعوة إلى دراسة الإمكانيات التي تقدمها بحور) 21 هجوم القافية الموحدة: وقد هاجمت القافية الموحَّدة في قولها: إنَّ هذه القافية تُضفِي على القصيدة لونًا رتيبًا، فضلاً عمَّا تُثِيره في النفس من شعورٍ بتكلُّف الشاعر وتصيده للقافية الشعر الحر أو شعر التفعيلة مدرسةً شعريَّةً جديدة، نجحت في تطوير الشعر العربي، خاصَّة في شكله الموسيقي القائم على وحدة البحر الشعري ووحدة القافية حركة الشعر الحر في العصر الحديث كانت نقلةً فنيَّة وحضاريَّة جديرةً بالدراسة والتأمُّل؛ حيث إنها انتقلتْ بالشعر العربي من مجالاته الضيِّقة وأغراضه ومعانيه التقليديَّة إلى آفاقٍ أكثر رحابةً ومرونةً، استوعبت كثيرًا من تجارب الشاعر الحديث، وثَقافاته المتنوِّعة التي نهلَتْ مِن منابع عدة؛ تراثية، وفلسفيَّة، ويونانيَّة، وفرعونيَّة، وغربيَّة. فإنَّ قصيدة الشِّعر الحر قد تمتَّعت بحظٍّ وافِر مِن حُرية التصرُّف بالشكل؛ كاستِخدام تفعيلات قريبة صوتيًّا مِن بعضها أحيانًا بدل التقيُّد الصارم بتفعيلةٍ واحدة بعينها، ثم الحرية في طُول وقصر الأبيات والمقاطع، وإدخال الكثير من الرُّموز والأساطير ومصطلحات العصر والمفردات الأجنبيَّة؛ نظرًا لسعة ثقافة شُعَرائها، فإن مدرسة البعث والإحياء كانت وليدة حركة بعث شامل في الأدب والدين والفكر؛ إذ أخرجت المطابع أمهات كتب الأدب ـ خاصة ـ مثل: الأغاني، ونهج البلاغة، ومقامات بديع الزمان الهمذاني، كما أخرجت دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني، وكان الشيخ محمد عبده قد حقق هذه الكتب وسواها، وجلس لتدريسها لطلاب الأزهر ودار العلوم، فضلاً عن الصحوة الشاملة في شتَّى مرافق الحياة، والاتصال بالثقافة الحديثة وصدور الصحف والمجلات، وانتشار التعليم ومُحاوَلات التجديد، أو من حيث التنوُّع الثقافي والنقدي الذي اتَّسَمَ بالتحرُّر والانطِلاق؛ حيث نادى الشعراء المجددون بإطْلاق النفس على سجيَّتها، وثاروا على العَروض الخليلي، ودعوا إلى التحرُّر مِنْ أسْر القافية الموحَّدة، وطالبوا بأنْ يقول الشاعر ما شاء، على أيِّ شكلٍ ترتَضِيه قريحته، وفي أيِّ قالب، المهمُّ هو الوحدة المعنويَّة والعضويَّة، والصدق الفني، والخيال المحل، المزايا الخادعة في الشعر الحر فيما يلي وهي ثلاث: أولًا التحرر من الأوزان وأن الشاعر يلوح معها غير ملزم باتباع طول معين لأشطره، "ثانيًاالموسيقية التي تمتلكها الأوزان الحرة، فهي تساهم مساهمة كبيرة في تضليل الشاعر عن مهمته. لأن موسيقية الوزن وانسيابه يخدعانه ويخفيان العيوب. ثالثًاالتدفق، وهي مزية معقدة تفوق المزيتين السابقتين في التعقيد. وينشأ التدفق عن وحدة التفعيلة في أغلب الأوزان الحرة، فإنما يعتمد الشعر الحر على تكرار تفعيلة ما مرات يختلف عددها من شطر إلى شطر) 24 الإبداع الفني عند الشاعرة: الإبداع الفني عند نازكة مستمدة من اطلعها الواسع في حقل الادب واللغة حيث قرأت عمدة ابن رشيق ، والمثل السائر وادب الكاتب ، وخزانة الادب للبغدادي والبيان والتبيين في ثمانية ايام ً ورسالة الغفرانوالضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر للآلوسي وقد احبته حباً كبيراً و"شعراء النصرانية للويس شيخو، وقد حفظت منه مئات من الابيات الجاهلية وحفظت اخبار حرب البسوس غيباً، وحفظت الابيات التي النابغة والفنون التغلبي والمرقش وغيرهم بأسمائهم وفي الشعر قرأت ديوان البحتري وابن زيدون والبهاء زهير وابن خفاجة وابن سهل مفصلاً وحفظت لهم كثيراً ، كما قرأت كتباً حديثة كثيرة بينهاعبقرية الشريف الرضي لزكي مبارك و"تاريخ حياة معدة لتوفيق الحكيم، و"مع ابي العلاء في سجنه لطه حسين، واميرة الاندلس وعنترة لشوقي، و"بلوغ الارب للالوسي، ومن الدواوين الحديثة بعض الدواوين العراقية ، وديوان ليالي الملاح التائه لعلي محمود طه، وبهذا الاطلاع الواسع سبب في ابداعها الفني لكن لاتزالُ جدلية البحث في أسبقية الشاعر المبدع الفني الذي كتب القصيدة الأولى في الشعر الحر (شعر التفعيلة) بدر شاكر السياب أم نازك الملائكة مستمرة . كلٌ يأتي بدليل مستند الى تاريخ كتابة القصيدة وظروفها. وكل ذلك لمنح الريادة لأحدهما على الآخر. وهناك من يرى بأن بلند الحيدري هو أسبق منهما بالاعتماد على انه نشر ديوانه الأول (خفقة الطين) في منتصف عام 1946 قبل ديوان نازك الملائكة الأول (عاشقة الليل) أوائل 1947 ، وديوان بدر شاكر السياب الأول (أزهار ذابلة) أواسط 1947 تُعَد نقطة انقلابٍ في تاريخ الشعر العربي الحديث كله؛ باعتبارها التجربة الأم فيما عُرِفَ بالشعر الحر أو شعر التفعيلة، ويتَّضح هذا من قوله في مقدمة المسرحية: فأُقدمها اليوم للقرَّاء العرب كما خرجَتْ للناس في طبعتها الأولى سنة 1940م، أُقدمها منتشيًا ممَّا أجد في سُطورها من أنْفاس شَبابي الأول، ومغتبطًا لما أصابَتْ من حظٍّ عظيم؛ إذ صارَتْ نقطةَ انقلابٍ في تاريخ الشعر العربي الحديث كله، فقد قُدرَ لها أنْ تكون التجربة الأم فيما شاعَ اليوم تسميته بالشعر الحر أو الشعر التفعيلي وأسميتُه أنا قديمَّا: الشعر المرسل أو المنطلق (وقد عز على كثير من أدباء العرب وعلمائهم أن يظل هذا التراث النفيس غريبًا محتبسًا في مكاتب أوربا، فأخذوا منذ تنبهوا يغشون هذه المكتبات وينقلون بعض المخطوطات القيمة، أو يصورنها؛ وقد اهتمت بذلك جامعة القاهرة، ورصد لهذا العلم الأموال، وبعثت العلماء لهذه الغاية، وقد جدت الجامعة العربية في نقل كثير من هذه المخطوطات وتصويرها، حتى تهيأ لها عدد غير يسير منها، سيلقى ولا شك كثير من الضوء على الحقائق العلمية والأدبية والتاريخية المتداولة) 25 هذه التجربة قد بدأت في مصر، ثُمَّ انطَلقتْ لتُؤثِّر في شُعَراء كثُر بعد إنشائها بعشر سنوات، كالشاعرة العراقيَّة نازك الملائكة، وبدر شاكر السيَّاب، تجربة انطلقَتْ في منيل الروضة على ضِفاف النيل بالقاهرة، ثم ظهر صَداها أوَّل ما ظهر بالعراق لدى الشاعرين المجددين الكبيرين: بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، بعد انطلاقها بعشرة أعوام وقد اختارَ باكثير بحر المتدارك وزنًا التي تقومُ على تفعيلة واحدة خماسيَّة متكرِّرة أربع مرَّات في كلِّ شطرة، وهي (فاعلن)، لكنَّه لم يستخدم نظام الشطر، بل استخدم السطر الذي يطولُ ويقصر بحسب انفعال الشاعر وعاطفته وقد عد هذا البحر من أنسب البحور، وأكثرها مرونةً وطواعيةً لشعر التفعيلة حطَّم الشاعر الجديد ما كان يُردده بعض النقَّاد المحافظين من أنَّ هناك ألفاظًا شعريَّة وألفاظًا غير شعريَّة؛ حيث أصبحت كلُّ لفظةٍ قادرةً على أنْ تَفِي بالمعنى المراد، طالما أنَّ الشاعر أحسن توظيفها واستعمالها في مكانها الصحيح وخِلال ما سبَق، يتَّضِح لنا أنَّ الشعر الحر شعرٌ يجري وفق القواعد العروضية للقصيدة العربية، ويلتزم بها ولا يخرج عنها إلا من حيث الشكل، والتحرُّر من القافية الواحدة في أغلب الأحيان؛ فالوزن العروضي موجود، والتفعيلة مُوزَّعة توزيعًا جديدا أبرز رواد الشعر الحر أو التفعيلة: الشعر الحر قد طلع من العراق ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي نازك الملائكة،. عاشقة الليل نازك صادق الملائكة الشاعرة العراقية المميزة التي صنعت ثورة جديدة في الشعر المعاصر، و(لعل أبرز الأدلة على أن الحركة كانت وليدة عصرنا هذا أن أغلبية قرائنا ما زالوا يستنكرونها ويرفضونها، وبينهم كثرة لا يستهان بها تظن أن الشعر الحر لا يملك من الشعرية إلا الاسم فهو نثر عادي لا وزن له.) 26 حيث أثارت نازك الملائك مع الشاعر العراقي بدر شاكر السياب ثورة في الشعر العربي الحديث بعد نشرهما في وقت واحد قصيدة الكوليرا عام 1947م فكانت أمها تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية تحت اسم أدبي مثلت الملائكة العراق في مؤتمر الأدب العربي المنعقد في بغداد عام 1965م (تلك هي الظروف الخاصة للشعر الحر. ولا يخفى أن الحركة الأدبية التي تنبت فجأة على هذه الصورة تفقد ميزة هامة مما يملكه الأدب الذي يتطور متدرجًا. ذلك أنها لا تملك قواعد تستند إليها، ولا أسسًا تجري وفقها بحيث تأمن الخطأ والزلل. وإنما لا بد لأتباعها، وهم يسندونها ويرفعون صوتها، من مجازفة وتضحية، وأنه لموجع للشاعر المخلص لفنه أن يكتب وهو على علم بأنه يخوض ميدانًا جديدا قد يقضي على شاعريته، وقد يودي بسمعته الشعرية التي جهد لبنائها وسهر ونتيجة لهذه الظروف العامة والخاصة، يسهل أن يسقط المبتدئون من الشعراء في التشابه والتكرار الممل، فينهج الواحد منهم نهج زملائه الآخرين دونما ابتكار، لا عن تقليد واعٍ، وإنما على صورة غير واعية.) 27 وقد أكدت نازك على ضرورة التزام الشعراء الجدد بعنصري الوزن والقافية وان كان ذلك في سطر شعري واحد وليس في بيت من شطرين، لأن الوزن والقافية في نظرها هما أساس الإيقاع الداخلي للقصيدة وأساس الميثاق الذي يربط الشاعر بالملتقى. قصيدة الكوليرا قامت بالثورة على القصيدة العربية، ما زال المتعصبون والمتزمتون من أنصار الشطرين (يدحرجون في طريق الشعر الحر صخورهم التي يظنونها ضخمة؛ بحيث تقتل هذا الشعر وتزيحه من الوجود؛ مع أنها لا تزيد على أن تتدحرج من الجبل إلى الوادي ثم ترقد هناك دون أن تؤثر في مجرى نهر الشعر الحر الجارف الذي ينطلق يروي السهول الفسيحة وينتج أزهارًا وفاكهة ونخيلًا وبساتين. وهؤلاء المتعصبون ما زالوا يرددون قولًا مضمونه أن الشعر الحر ولد غير شرعي؛ فلا علاقة له بالشعر العربي) 28 نازك الملائكة ولا شك من أكبر الشعراء العرب المبدعين والمجددين في القرن العشرين تركت أثرها وبصماتها ونحتت اسمها في ذاكرة تاريخ الأدب العربي الغني والمشرق تقول نازك(وأنا قد أثبت بالأدلة العروضية في هذا الكتاب أن ذلك الرأي باطل فإن شعرنا الجديد مستمد من عروض الخليل بن أحمد، قائم على أساسه؛ بحيث يمكن أن نستخرج من كل قصيدة حرة مجموعة قصائد خليلية وافية ومجزوءة ومشطورة ومنهوكة) 29 (وكثيرا ما تساءل الدارسون: من هو الرائد الأول في هذا المضمار، إذ كانت الأسبقية للاهتداء إلى الشكل الجديد متنازعة بين نازك والسياب ، وأرى أن هذه المسألة؟ على هذا النحو طفيفة القيمة، لأن محاولات كثيرة تمت قبل ذلك، وكان أكثرها؟ كما قلت فيما تقدم استطرافا أو تجربة عابرة، ولعل نازك أول من شمل هذا الكشف بالإيمان العميق والوعي النقدي الدقيق، في مقدمتها على ديوان شظايا ورماد)30 فالوحدة هنا ليست وحدة الوزن والقافية، ولكنَّها وحدة المعنى والجملة التامَّة، كما أنَّ النَّغَمَ الموسيقيَّ لا ينتهي بانتهاء السطر، بل يطَّرد ليستغرق السطرين والثلاثة، وقد اعتمد الشاعر على وسائل شتَّى لتحقيق هذا الترابُط المعنوي والسردي الرائع بين الأسطر؛ فاستخدم الاسم الموصول (التي) في نهاية السطر الأوَّل، وجاءت جملة الصلة (تقشعرُّ لها الأبدان) 31 في السطر الثاني، كما استخدم كثيرًا من حُروف العطف؛ مثل: (الفاء) التي تُفِيد التعقيب والترتيب في أوَّل السطر الثالث، و(الواو) في أوَّل السطر الرابع، و(ثم) في أوَّل السطر الخامس وتُطالِعنا أشعار عدة لباكثير، غير مسرحيَّاته الشعريَّة، تنهج هذا النهج الجديد، الذي يعتَمِد على التنويع في القوافي، واستخدام الموسيقا بحرفيَّة جديدة تخضَع في تشكيلها للحالة النفسية أو الموقف الانفعالي،بحيث أصبحت القصيدة الجديدة صورةً موسيقيَّة متكاملة، تتلاقَى فيها الأنغام المختلفة وتفترق مُحدثة نوعًا من الإيقاع الذي يُساعِد على تنسيق مشاعر الشاعر وأحاسيسه المشتَّتة، وحتى يستطيع الشاعر أنْ يجعَلَها صورةً مقفلة ومكتفية بذاتها، ولها دلالتها الشعوريَّة الخاصَّة، التي يستطيع متلقِّي القصيدة أنْ يُدرِكها في غير عناء، وأنْ يحسَّ تساوقها مع المضمون الكلي للقصيدة ويتضح هذا بجلاء في قصيدته التي يقول فيها في غُرفَةٍ واجِمَةٍ قَفْرةٍ ليسَتْ لها بارِقةٌ لِلمُنَى هادئة لا عَنْ طُمَأنينةٍ ساكنة مِثْل سُكون الفَنَا 32 فهذه تجربةٌ تأمُّليَّة بدا فيها الشاعر فيلسوفًا متحيِّرًا، يبحَثُ عن نفسه في خضمِّ هذا التِّيه الدنيوي، الذي تجسَّم أمامه في هذه الغُرفة الصامتة المُقفِرة التي لا حياةَ فيها ولا مُنى ولا طمأنينة، لكنَّها هادئة وساكنة سُكونَ الفناء. فكلُّ شيءٍ يوحي بصورة الموت، الذي يمتد من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل، صورةٌ فنيَّة مليئة باليأس والقتامة التي تبدو في هذا النور الحائر في أرجاء الغُرفة، وهذه الاستغاثة التي تتوسَّل إلى اليأس أنْ يُخرِجها من ظلمات الجهل والنسيان فالغرفة القفرة الساكنة ما هي إلا الدنيا الضيِّقة، وما هذا اليائس البائس سوى الإنسان الذي لا حول له ولا قوَّة؛ فهو الذي استبد به اليأس والنسيان، فلم يعد يذكر أقرب مفردات. اشعار نازك الملائكة: لقد اتخذ الشعر الحر قبل البدايات الفعلية له في الخمسينيات مسميات وأنماطا مختلفة كانت مدار بحث من قبل النقاد والباحثين ، فقد أطلقوا عليه في إرهاصاته الأولى منذ الثلاثينيات اسم الشعر المرسل والنظم المرسل المنطلق الشعر الجديد و شعر التفعيلة أما بعد الخمسينيات فقد أطلق عليه مسمى الشعر الحر ومن أغرب المسميات التي اقترحها بعض النقاد ما اقترحه الدكتور إحسان عباس بأن يسمي بالغصن مستوحيا هذه التسمية من عالم الطبيعة وليس من عالم الفن ، لأن هذا الشعر يحوى في حد ذاته تفاوتا في الطول طبيعيا كما هي الحال في أغصان الشجرة وأن للشجرة دورا هاما في الرموز والطقوس والمواقف الإنسانية والمشابه الفنية تعددت مفاهيم الرّمز فنجد غنيمي هلال يعرفه قائلا: الرّمز هو الإيحاء، أي التعبير الغير المباشر عن النّواحي النّفسية المستمرّة الّتي لا تقوم على أدائها اللّغة في دلالاتها، فالرّمز هو الصلة بين الذّات والأشياء بحيث تتولّد المشاعر عن طريق الإثارة النّفسية لا عن طريق التّسمية والتصريح على سبيل المثال: شتاء هذا العام يخبرني بأنّني سأقضي وحيدا ذات شتاء وأنّ ما مضى من حياتي مضى هباء 33 وبدأ رواده ونقاده ومريدوه يسهمون في إرساء قواعد هذه المدرسة التي عرفت فيما بعد بمدرسة الشعر الحر ، ومدرسة شعراء التفعيلة أو الشعر الحديث ، وفي هذا الإطار يحدثنا أحد الباحثين قائلا لقد جاءت خمسينيات هذا القرن بالشكل الجديد للقصيدة العربية ، وكانت إرهاصاتها قد بدأت في الأربعينيات ، الملائكة والسياب والبياني في العراق في الأربعينيات ، ثم ما لبثت هذه الدائرة أن اتسعت في الخمسينيات فضمت إليهم شعراء مصريين آخرين مثل صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى حجازي ، وفي لبنان ظهر أحمد سعيد أدونيس، وخليل حاوي ويوسف الخال ، وكذلك فدوى طوقان وسلمى الخضراء الجيوسي في فلسطين ، أما في السودان فقد برز في الأفق نجم كل من محمد الفيتوري وصلاح محمد إبراهيم . نماذج من أشعارها أنا الليلُ يسألُ مَن أنا أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسود أنا صمتُهُ المتمرِّد قنّعتُ كنهي بالسكونْ ولففتُ قلبي بالظنونْ34 الشّعر العربي وجد في الأسطورة متنفسا يعبّر من خلاله الشّاعر عن قضاياه ومواقفه ومصدرا من مصادر إلهامه ومجالا من مجالات إبداعاته، ومعنى ذلك الشّاعر المعاصر اتّخذ من الأسطورة جسرا يرتقي إليه كلّما أراد أن يخط قصيدة، فكان له عونا وطريقا يهتدي به كلّما غاص في بحر الشّعر والإبداع، جاعلا من التّراث الشّعبي منبعا لكتاباته الشّعرية، لم تقف حركة التطور الموسيقية للقصيدة العربية عند حدود التحرر الجزئي من قيود القافية ، بل تخطتها إلى بعد من ذلك ، فقد ظهرت محاولة جديدة وجادة في ميدان التجديد الموسيقى للشعر العربي عرفت بالشعر الحر وكانت هذه المحاولة أكثر نجاحا من سابقتها كمحاولة الشعر المرسل ، أو نظام المقطوعات ، وقد تجاوزت حدود الإقليمية لتصبح نقلة فنية وحضارية عامة في الشعر العربي ، ولم يمض سنوات قلائل حتى شكل هذا اللون الجديد من الشعر مدرسة شعرية جديدة حطمت كل القيود المفروضة على القصيدة العربية ، وانتقلت بها من حالة الجمود والرتابة إلى حال أكثر حيوية وأرحب انطلاقا . عُد بِي يا زورقي الكلِيـلا فَلَنْ نَرَى الشاطئ الجَمِيـلا عُد بِي إلى مَعْبـَدي فـإنّي سَئِمْتُ يَا زَوْرَقِـي الرَّحِيـلا وضِقْتُ بالموجِ أيَّ ضِيـقٍ وما شَفَى البحـرُ لي غَلِيـلا إلامَ يا زورقي المُـعَنَّـى نَرْجُو إلى الشَّاطِيءِ الوُصُولا؟ والمَوْجُ مِنْ حَولنـا جِبَـالٌ سَدتْ عَلى خَطْوِنَا السَّبِيـلا والأُفـقُ مِنْ حَولنا غُيُـومٌ لا نَجْمَ فِيه لَنَـا دلِيـلا كمْ زَورقٍ قبلَنـا تَوَلَّـى وَلَمْ يَزَلْ سَـادراً جَهـُولا فَعُـد إلى معبدي بقلـبي وَحَسْـبُ أيامنـا ذُهـولا حسبُك يا زورقـي مَسيراً لن يُخْدعَ القلبُ بالسَّـرابِ وارجِعْ، كما جِئْتَ ، غيرَ دارٍ قد حَلُك الجـوُّ بالسَّحَـابِ وَمـَلَّ مجدافُـك الـمُعَنَّى تَقَلُّـبَ المـوجِ والعُبَـابِ35 أما أنماطه فهي أيضا كثيرة وقد حصرها ( س . مورية ) في دراسته لحركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الحديث في خمسة أنماط من النظم أطلق عليها جميعا مصطلح الشعر الحر فيما بين عامي 1926 م ـ 1946 م و تقول نازك الملائكة حول تعريف الشعر الحر ( هو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ويكون هذا التغيير وفق قانون عروضي يتحكم فيه ) . أغنية حب للكلمات فيمَ نخشَى الكلماتْ وهي أحياناً أكفٌّ من ورود بارداتِ العِطْرِ مرّتْ عذْبةً فوق خدود وهي أحياناً كؤوسٌ من رحيقٍ مُنْعِشِ رشَفَتْها، ذاتَ صيفٍ، شَفةٌ في عَطَشِ فيم نخشى الكلماتْ ؟ إنّ منها كلماتٍ هي أجراسٌ خفيّهْ رَجعُها يُعلِنُ من أعمارنا المنفعلاتْ37 غرباء أطفئ الشمعةَ واتركنا غريبَيْنِ هنـا نحنُ جُزءانِ من الليلِ فما معنى السنا? يسقطُ الضوءُ على وهمينِ في جَفنِ المساءْ يسقطُ الضوءُ على بعضِ شظايا من رجاءْ سُمّيتْ نحنُ وأدعوها أنا: مللاً. نحن هنا مثلُ الضياءْ38 دعوة إلى الأحلام تعالَ لنحلُمَ ، إنَّ المسـاءَ الجميـلَ دنا ولينُ الدجَى وخدود النُّجـومِ تُنـادي بنا تعالَ نصيد الرؤى ، ونعُـد خُيـوطَ السَّنَا ونُشْهِد منحدراتِ الرمـالِ على حُبِّـنَا39 مرثية امرأة لا قيمة لها مرثية امرأة لا قيمـة لها صور من زقاق بغداديّ ذهبتْ ولم يَشْحَبْ لها خَد ولم ترجفْ شفاهُ لم تسْمعِ الأبوابُ قصَّةَ موتِها تُرْوَى وتُرْوَى40 خرجت الصّورة في الشّعر الحديث من مجرد علاقة جزئية بين مشبّه ومشبّه به، ومن مجرّد المهارة والبراعة في الدقة إلى نوع من المشاهد أو اللّقطات الموحية المتتالية في سرعة تنقل لنا صورا متلاحقة مرئية ومسموعة، أشبه بما نشاهده في أفلام السّينما ولذلك أطلقوا عليها كلمةالمونتاج41 يستخدم صلاح عبد الصبور هذا النّوع، فينشد قائلا: مطر يهمي وبرد وضباب ورعود عاصفة قطّة تصرخ من هول المطر تعد الموسيقى الشّعرية من أكثر الظّواهر الفنّية بروزا في الشّعر العربي المعاصر وأشدها ارتباطا بمفهوم التّجديد والّتي كانت تنحصر عند القدامى في الوزن والقافية والبحور الخليلية. وقد وجد الشّاعر المعاصر نفسه في أمسّ الحاجة إلى التّغيير في الشّعر فظهرت محاولات جادة في سبيل هذا التّغيير إلاّ أنّ هذا التّغيير في رأي عز الدين إسماعيل لم يكن جزئيا أو سطحيا وإنّما كان جوهريا شاملا وكان تشكيلا جديدا للقصيدة العربية من حيث المبنى والمعنى 42 إنّ هذا التّغيير لم يكن نتيجة عجز الشّعراء وإنّما كان دافعه الحقيقي، في رأي عز الدين إسماعيل، جعل التّشكيل الموسيقي في مجمله خاضعا خضوعا مباشرا للحالة النّفسية أو الشّعورية الّتي يصدر عنها الشّاعر، فالقصيدة في هذا الاعتبار صورة موسيقية متكاملة، تتلاقا فيها الأنغام المختلفة وتفترق محدثة نوعا من الإيقاع الّذي يساعد على تنسيق المشاعر والأحاسيس المشتّتة إنّ الموسيقى القصيدة العربية المعاصرة قائمة على أساس أنّ القصيدة بنية إيقاعية خاصّة ترتبط بحالة معيّنة للشّاعر بذاته، فقد تشبث الشّاعر المعاصر بالحرّية المطلقة كما كان يرفض التقيد وهذا ما يمثّله أدق تمثيل قول أبي القاسم الشّابي:إنّ روح الشّاعر حرة لا تطمئن إلى القيد ولا تسكن إليه، حرّة كالطّائر في السّماء، والموجة في البحر والنّشد الهائم في آفاق الفضاء، حرّة فسيحة من كلمات الشّابي، 43 التجديد في البحور الشعرية البحور الصافية التفعيلات هي : التي يتألف شطرها من تكرار تفعيلة واحدة ست مرات كالرمل والكامل والهزج والرجز والمتقارب والمتدارك، كما يدخل ضمن تلك البحور مجزوء الوافر مفاعلتن مفاعلتن وهذا ما جعل نازك الملائكة تقرر بان الشعر الحر جاء على قواعد العروض العربي ، ملتزما بها كل الالتزام ، وكل ما فيه من غرابة أنه يجمع الوافي والمجزوء والمشطور والمنهوك جميعا . ومصداقا لما نقول أن نتناول أي قصيدة من الشعر الحر ، ونعزل ما فيها من مجزوء ومشطور ومنهوك ، فلسوف ننتهي إلى أن نحصل على ثلاث قصائد جارية على الأسلوب العربي دون أية غرابة فيها أما جوهره فهو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية للواقع التي تعيشه الإنسانية المعذبة الشّاعرة حرة في استعمال عدد التّفعيلة في السّطر إنّ الشّعر الحر لم يلغ الوزن ولا القافية، لكنّه أباح لنفسه أن يدخل تعديلا جوهريا( أما القيود التي تضيق آفاق الأوزان القديمة، فهي تلوح للفرد المعاصر ترفًا وتبديدا للطاقة الفكرية في شكليات لا نفع لها، في وقت ينزع فيه هذا الفرد إلى البناء والإنشاء وإلى إعمال الذهن في موضوعات العصر. إنه يكره أن يضيع جهوده في إقامة هياكل شعرية معقدة، لها من الرصافة والهيبة أكثر مما يطيق. ولعل الرصانة الشديدة منفرة للذهن العامل الذي يريد البناء، التفعيلات في الأشطر فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فالرّمز يقوم على إخراج اللّغة من وظيفتها الأولى وهي التّواصل وإدخالها في الوظيفة الإيحائيةلأنّ النّفس إذا وقفت على تمام المقصود لم يبقى بها شوق إليه أصلا أمّا إذا أجهد المبدع نفسه في التّخيّر شد انتباه المتلقي وجعله متعطشا لمتابعته التنويع في عدد التفعيلات فينظم الشاعر من البحر ذي التفعيلة الواحدة المكررة أشطراً تجري على هذا النسق : فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن و نظام التفعيلة في الشعر الحر وعدم التزامه بموسيقى البحور الخليلية فقال : إن الشكل الجديد ( أي الشعر الحر ) يقوم على وحدة التفعيلة دون التزام الموسيقى للبحور المعروفة ، فالوزن العروضي موجود والتفعيلة ثابتة مع اختلاف في الشكل الخارجي ليس غير تجربة القوافي الشعرية عام 1945م ولنأخذ نموذجاً من بعض أبيات الإعادة الجديدة عام 1950 ونلاحظ التغير الحاصل في المعاني، تقول الشاعرة التي تصور مشاعر الرهبان ومملكتهم التي تقوم على الكبت والحرمان: شيّدوها مـن كل لفتةِ شوقٍ فـي العيون الحبيسة المحرومة وسقوا أرضها الجديدة من بر كان تلك العواطف المكتومة 44 هنا خرجت الشاعرة عن القافية الواحدة الأصلية، التي بدأت فيها المطوّلة وهي الهمزة المكسورة أضف إلى أنّها أعطتها عنواناً تفاؤلياً وهو (أغنية للإنسان) بعد أن كانت جزءاً من مأساة الحياة: لاحظ المفردات المتفائلة مثل (عبيرية الصدى والنشيد، قُبَلٌ عذبة، ونجومه السحرية). كما تعددت القافية فأصبحت أربع قوافٍ بدل ثلاث قواف في الصورة التشاؤمية ثم جاءَتْ تجربة ترجمة مسرحية (الليلة الثانية عشرة) لشكسبير، على طريقة الشعر المقفَّى المألوف، وأردفَها بترجمة مسرحية (روميو وجولييت) على تفعيلة بحر المتقارب (فعولن فعولن فعولن فعول)، ومن أبياتها قوله على لسان جولييت وهي تُوشِك أنْ تحتسي السائل المنوم الذي أعطاه لها الراهب؛ لتكونَ في هيئة الموتى مدة اثنتين وأربعين ساعة، رَيْثما يحضر زوجها روميو فينطلق بها من القبر الوَداع الوَداع! إلَهِي يعلَمُ وَحْده أَيْنَ يجمَعُنا الدهر بعد اليوم وقد جاء وزنها على المتدارك، وتَمَّ توزيع تفعيلاته (فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن) على النحو الآتي: فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن ويلاحظ تسجيع القافية بين (مهزله مخجله) وبين (الدول الخجل). ومن أمثلتها أيضًا قصيدة عنوانها: (بين الصحو والذهول)، يقول فيها وَقَفْتُ لا أدرِي عَلامَ الوُقوفْ فِي شاطِئ النِّيلِ قُبَيْلَ السَّحَر والكوْن غَافٍ وَرُؤاهُ تَطُوف في هَمَسات الرِّيحِ بَيْنَ الشَّجَرْ في رَقَصات النُّور نُور القَمَرْ45 با كثير يقول فيها: غَدا بَنِي قَوْمِي وما أدنَى غَدا إمَّا نكونُ أَبَدا أو لاَ نَكونُ أبَدا إمَّا نكونُ أمَّةً من أعظَمِ الأُمَم ترهَبُنا الدنْيا وتَرجُونا القِيَم ولا يُقالُ للَّذي نُرِيده لاَ46 ويلاحظ أنَّ هذه القصيدة قد جاءَتْ على بحر الرجز، وأعاد الشاعر توزيع تفعيلاته (مستفعلن)، على سُطُورها، وكانت القافية تتوحَّد أو تتغيَّر حسب انفعالات الشاعر وشُعوره الذي امتلأ بالغضب والحسرة؛ بسب واقع الأمَّة العربيَّة الأليم، وما أصابَها بعد هزيمة ولذا فإنَّ باكثير وقبلَ وفاته بعامين يُخيِّر أمَّته العربيَّة بين البقاء والفناء بحرف التخيير وعلى الرغم من قصر عدد سُطور هذه القصيدة فإنها كانت بالغةً في تأثيرها الاجتماعي والسياسي والوجداني في عقل الأمَّة وقلبها. 47 المصادر والمراجع العامة 1 عمر الدسوقي في الأدب الحديث دار الفكر العربي الطبعة: الجزء الأول 1420 هـ2000م ص 165 2.نفس المرجع، ص 165 3. نفس المرجع، ص 165 4. نفس المرجع، ص 165 5. نفس المرجع، ص 368 6.نفس المرجع، ص 369 7. نفس المرجع،ص 369 8. نفس المرجع، ص 165 9.نفس المرجع،ص 371. 10.نفس المرجع،ص 372 11.نفس المرجع،ص 372 12.نفس المرجع،ص368 13.نفس المرجع،ص368 14.نفس المرجع،ص 373 15 .نفس المرجع ص359 16.نفس المرجع،ص 373 17.نفس المرجع،ص 373 18.نفس المرجع،ص 368. 19 نازك صادق الملائكة قضايا الشعر المعاصر دار العلم للملايين-بيروت -لبنان الطبعة: الخامسة ص 69 20 نفس المرجع، ص 12 21. نفس المرجع، ص69 24 نفس المرجع، ص 41 25 .نفس المرجع، ص 378 26. نفس المرجع، ص 39 27.عبد الستار نورعلي نازك الملائكة بين الشكل والمضمون الأربعاء 27 حزيران 2007 الحوار المتمدن-العدد: 1974 2007 / 7 / 12 28. نفس المرجع، ص 55 29.نازك صادق الملائكة قضايا الشعر المعاصر دار العلم للملايين-بيروت -لبنان الطبعة: الخامسة ص 39 30.إحسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت الطبعة: الأولى، 1978 ص 16 31.نازك صادق الملائكة قضايا الشعر المعاصر دار العلم للملايين-لبنان الخامسة ص 70 32. نفس المرجع، ص 55 33. نفس المرجع، ص 273 34.عمر الدسوقي في الادب الحديث دار الفكر العربي الجزء الأول 2000م ص 359 35. نفس المرجع، ص 55 36. نفس المرجع،ص52 37. نفس المرجع،ص48 38. نفس المرجع،ص48 39.ديوان نازك الملائكة ، المجلد الثاني ، ، دار العودة بيروت ، 1986 ص 273 40. نفس المرجع، ص 273 41.شلبي، 2005 ص 50. 42.إسماعيل، 1972 ص 62 43.أحمد، بدون ص 160 44. نازك صادق الملائكة قضايا الشعر المعاصر دار العلم للملايين-لبنان الخامسة، ص 273 45. نفس المرجع، ص 273 46. نفس المرجع، ص 273 47. نفس المرجع، ص 273
#ابراهيم_محمد_جبريل (هاشتاغ)
Ibrahim_Mahmat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقالة وأثرها في تغيير المجتمع
-
أثر الثقافة العربية على قبيلة مزغوم في الكاميرون
-
الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية
-
المجتمع المدني والديمقراطية والدولة واللامركزية
-
المرأة في الأدب العربي الإفريقي
-
الشعر النثري، لأحمد جابر دراسة أسلوبية نقدية
-
الشاعر عبد الله الدرامي
-
التعايش والحوار الوطني في إفريقيا
المزيد.....
-
الرئيس الايراني: نأمل ان نشهد تعزيز العلاقات الثقافية والسيا
...
-
-الآداب المرتحلة- في الرباط بمشاركة 40 كاتبا من 16 دولة
-
جوامع الجزائر.. فن معماري وإرث ديني خالد
-
-قيامة ليّام تقترب-.. الصور الأولى من الفيلم السعودي -هوبال-
...
-
الدوحة.. إسدال الستار على ملتقى السرد الخليجي الخامس وتكريم
...
-
فنانون عرب يطلقون مبادرات لدعم اللبنانيين المتضررين من العدو
...
-
عمرو دياب يعلن اعتزال الغناء في الأفراح بعد أشهر من واقعة -ا
...
-
-جيل الصابرا-.. كيف تنبأ عالم مصري بمستقبل نتنياهو وإسرائيل
...
-
فيلم -المتحولون واحد- يعود إلى الجذور برسائل عميقة عن الطبقي
...
-
مغني الراب -ديدي- يواجه 120 اتهاما بالاعتداء الجنسي
المزيد.....
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
المزيد.....
|