أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - احمد الحمد المندلاوي - أصداء الحكمة والغربة، الحنين















المزيد.....

أصداء الحكمة والغربة، الحنين


احمد الحمد المندلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7476 - 2022 / 12 / 28 - 00:45
المحور: المجتمع المدني
    


# أستا حسين من الشعراء المقلّين ، والمنسيين في تراثنا الأدبي الشعبي الكوردي - الفيلي ، تناولت أشعاره الحكمة و الغربة والحنين ،وكاد يُنسى شعره ومواعظه و باقات حكمه إلى الأبد مع تجاويف الزمن ،لولا أني تذكرت شيئاً من أشعاره وحكمه , بعد 45 سنة من ارتحاله الى الملأ الأعلى،وكنت آنذاك يافعاً في الرابعة عشر من عمري عام 1959. . حيث كنت استمع الى أشعاره ومواعظه عندما يجتمع أقرباؤنا من الرجال عصراً في رأس المحلة "قلعة بالي" بدل المقهى، ويتحدثون عن كل شيء بصورة عفوية، أحاديث مختلفة .. أو في ليالي الشتاء الباردة حيث نجتمع حول موقد النار المغطّى ببطانية أو بـ"جاجم"الدثار المحلي والمسمى هذا الوضع بـ"الكرسي" و نحن نتناول شيئاً من التمر المعروف بـ"الأشرسي" مع الجوز الآتي من كوردستان العراق،و أحياناً من ايلام - ايران .. وهكذا تعلقت في ذهني بعض تلك الأحاديث بما فيها الأشعار و الأمثال و القصص . . و ها بعد سنين طويلة شعرت بأهمية هذا التراث الشعبي،و هذه الأشعار النادرة لكونها تعبر عن مرحلة من حياة شعبنا و أهالينا، والتي يجب حفظها للأجيال ؛ مما دفعني إلى التحري والبحث عن أشعاره ونبذة عن حياته ( رحمه الله ) من أفراد عائلته وغيرهم ،و الحمد لله حصلت على الشيء اليسير ، لكنه مهم بالنسبة لي، متأملاً الزيادة لإتمام الفائدة.

نبذة عن حياته
ولد أُستا "الأسطـه" حسين في مدينة “كويسنجق" في كوردستان العراق حوالي سنة 1880 م . . بناء على أحاديثه عن الحروب والانقلابات التي عايشها وجرت في دول المنطقة "ايران،تركيا،العراق" واسمه ( حسين صفر رحيم البياري ) والمشهور بـ ( أسطة حسين ) لأنه كان صفاراً ماهراً لا يجاريه أحد من أقرانه في هذه الصنعة... وبحكم عمله كان يتنقل بين العشائر الكوردية للعمل في فصل الربيع، بين البلدين ايران والعراق على الدواب مصطحباً معه إثنين من أبناء اخوته يدعيان "سعيد وعلي" في رحلته الأخيرة... حطَّ رحاله في مدينة خانقين على ضفاف نهر الوند المعطاء ،ومكث فيها فترة طويلة للعمل ، واطلع على العادات والتقاليد الشعبية التي تتمتع بها هذه المدينة التاريخية الجميلة،كما أتقن لهجتهم أيضاً .. وخلال هذه الفترة ،اكتسح البلاد الوباء المعروف . .فانتزع منه صغيريه ( سعيد وعلي ) حيث دفنا هناك في خانقين، هنا قرر عدم العودة الى أهله و زوجته وطفلته الوحيدة (فاطمة الصغيرة) تحت تأثير تلك الفاجعة وشدة وقعها و هولها عليه عقلياً و عاطفياً، فوق هموم الغربة عن أهله و ذويه و مدينته ؛ وظل متنقلاُ من قرية الى قرية ،ولا أحد يعلم بمصابه الأليم ، إلى أن استقر به النوى في قضاء مندلي ليسكن في محلة قلعة بالي ، ولكنه انبرى كالحكيم الخبير الذي لا يستسلم للمحنة و سنابك خيلها الى نهاية المطاف.
فاستقر في هذه المدينة المتواضعة لأسباب كثيرة منها جمالها الرائع ،و أناسها الطيبين و بيئتها الكوردية ،ليكتب له القدر أن يكون مواطناً عراقياً مندلاوياً (قلباً و قالباً)؛ هذا وكان قد ادّخر شيئاً من المال ،فابتاع به داراً واسعة لسكنه ، ثمَّ اقترن باحدى بنات المحلة .. وبدأ بتكوين نفسه من جديد مستفيداً من المثل الكوردي الدائر "سال نو، دال نو" و يعني "عام جديد، وحظ جديد" أو كما يقال:" لا يردّ الميتَ البكاءُ عليه " . .و ( ما فاتَ ماتَ،و كلُّ آتٍ آتِ..) و ليواصل مسيرته في الحياة بإيمان وجديّة و يطوي صحائف الألم و السأم السوداء، و الدنيا مازالت بخير.
أسطة حسين كان رجلاً طويل القامة ، أبيض اللون ،ذا شاربينِ غليظينِ نوعما، طيباً ملتزماً بأمور دينه ،يتردّد على الجامع الكبير في محلة السوق الكبير لأداء الفرائض،والمشاركة في المناسبات الدينية لا سيما المناقب النبوية الشريفة .كان "رحمه الله" قليل الكلام ،لم يمزح أبداً،و لا يسمح بذلك في حضوره، واذا تحدث قال حكمة بليغة، أو موعظة حسنة ، أو حادثة قصيرة ، أو شعراً لطيفاً ،أو مثلاً مفيداً ، أو قصة تراثية، و هكذا ،وكان كلامه واضحاً جداً خليطاً من لهجات المدن التي مرَّ بِها خلال حلّـه و ترحاله بين العشائر و القرى الكوردية بلهجاتها المختلفة ( السورانية، و اللورية،والفيلية) من كويسنجق الى سنندج و بانه وقصر شيرين وكلار وكفري وخانقين ثـمَّ مندلي . وبذا كان كلامه ذا نكهة خاصة يدخل القلب كما يقال بلا جواز ، إضافة الى لغة الأم الكوردية ، أتقن العربية والتركمانية والفارسية .
نماذج من اشعر:
بعد البحث والتحري من أبنائه و أحفاده وجيرانه حصلت على مجموعة من أشعاره اللطيفة و أمثالـه ،و شيء من حكمه وباللهجة الكوردية طبعاً ويمكن تصنيف أشعاره الى :
1 ـ أشعار دينية عرفانية .
2 ـ أشعار اجتماعية وجدانية.
3- أشعار حكمية وعظية .
ومن أشعاره الوجدانية التي تعبر عن حالات الغربة والحنين إلى مسقط الرأس و الأهل , ومراتع الصبا،( ترجمتي) قوله:
إلامَ انتظرُ تحتَ ظلالِ الأشجارِ الباسقةْ ؟
وإلامَ أتحمّلُ ثقلَ الغربة ،ودائها ؟. .
على قلبي المسكينْ ؟
وإلامَ أنتظرُ تحتَ ظلِّ النخيلْ ؟
وأتحمّلُ دلالَ الآخرينْ . .
آهٍ من غربةِ الوطنْ . .
محنةٌ فوقَ المحنْ
أشعلتْ في رأسي شيباً
من غيرِ أوانْ
لا قيلَ لي : لا تحزنْ ..هكذا الزمانْ
ليسَ فيه وفاءٌ و لا أمانْ
هلْ يا ترى!! أرى أحبابي مجدّداً..
وأكحّل عيني بترابِ قريتنا الكبيرةْ .
و هل كبُرت تلكَ الصغيرة !!
إلامَ انتظرُ . . لقد طالَ الانتظارْ.
أأنتظرً أم أكتفي بالرسائلِ فقطْ !!
الطيفُ هو ساعي البريدْ
الوحيدْ
الذي يجلبُ السعادةَ لي ..
عليَّ الإنتظارْ ...
و الإنتظارْ ...


أواخر حياته
كان يسردُ تاريخَ الانقلاباتِ والحروبِ .. ويصفُ الملوك و الأمراء الذين توالوا على الحكم،وذلك بحكم أسفاره الكثيرة بين الدول الثلاث " ايران،تركيا ،العراق " وكان يتحدث بحماس عن القاضي محمد و جمهورية مهاباد وعن دور الزعيم الملا مصطفى البارزني الخالد .. فأدرك ثورة 14 تموز 1958 وقال عنها أشياء لم أتذكرها حيث كنت صبياً الصف الخامس الإبتدائي..و أنا استمع الى أحاديثه الجميلة و قصصه الفولكلورية . .ولكنَّ الذي أتذكره إنَّه كان يحب الزعيم عبد الكريم قاسم قائد الثورة العراقية ،ومعجباً به،و قال عنه شعراً خلال سياق أحاديثه عندما يسمع شيئاً عنه ،أو يرى صورته مرتدياً بزته العسكرية.
توفي "رحمه الله " شتاء عام 1959 ودفن في مدينة النجف الاشرف ، حسب وصيته رغم انه كان شافعي المذهب .
وله ذرية صالحة بلغ تعدادهم أكثر من 160 فرداً يسكن غالبيتهم في العاصمة بغداد ،و ديالى و السليمانية و كركوك،والرمادي ،والكوفة ،وكربلاء المقدسة و بيجي، و خانقين ومنهم من استقر في المهجر بريطانيا وإيران،والصين وهولندا و تركيا بينهم أطباء ومهندسون وأدباء و فنانون و مدرسون يعملون بجد و مثابرة لبناء عراقنا الجديد،ولينعم شعبنا المظلوم في ظلاله بعزّ و سؤددٍ.و أمانٍ.
هذه كانت نبذة يسيرة عن أحد شعرائنا الكورد المنسيين في مدينتنا الجميلة مندلي . 17/4/2016م

أحمد الحمد المندلاوي



#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متحف الناقة من بغداد - قانسو
- شخصيات فيلية..6 بصير
- أماكن من مندلي سرتبه / سه ر جو
- أعشى البندنيجين على ضفاف سَرجُو
- الكورد الفيليون في العراق / تاريخ في ذاكرة الشجن
- ذل من لا سيف له..
- عشيرة الأركوازي في العراق
- سفيرة المأساة الانسانية..
- رهفيات مهداة لعام 2023م..
- إصالة في عراقة..
- المعمار الحاج برغل ...
- اأوراق متناثرة من تاريخ مندلي..19
- قرأت لكم ،بل راق لي ..
- أسماؤنا ..سفراؤنا /123
- على ضفاف ذكريات القلحاجية /333
- شهداء الرأي و المعتقد ..111
- رجل في ذاكرة قلعة بالي
- من مذكرات سامي التميمي:...
- عقود ..في عنقود
- أمين مكتبة ديالى..


المزيد.....




- مندوب مصر بالأمم المتحدة يطالب بالامتثال للقرارات الدولية بو ...
- مندوب مصر بالأمم المتحدة: نطالب بإدانة ورفض العمليات العسكري ...
- الأونروا- تغلق مكاتبها في القدس الشرقية بعدما حاول إسرائيليو ...
- اعتقال العشرات مع فض احتجاجات داعمة لغزة بالجامعات الأميركية ...
- تصويت لصالح عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- الأمم المتحدة تدين الأعمال العدائية ضد دخول المساعدات إلى غز ...
- الإمارات تدين اعتداءات مستوطنين إسرائيليين على قافلة مساعدات ...
- السفير ماجد عبد الفتاح: ننتظر انعقاد الجامعة العربية قبل الت ...
- ترحيب عربي وإسلامي بقرار للجمعية العامة يدعم عضوية فلسطين با ...
- سفير فلسطين بالقاهرة: تمزيق مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة ميث ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - احمد الحمد المندلاوي - أصداء الحكمة والغربة، الحنين