أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحالي (الجزء الثامن)















المزيد.....

نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحالي (الجزء الثامن)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7469 - 2022 / 12 / 21 - 02:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بعد الشوط الذي قطعناه على مسار هذه المحاولة الفلسفية، يجدر بنا الآن مقاربة عملية الانتقال من النقد المزدوج للعمل الحديث إلى نقد الأيديولوجيات السياسية للحداثة.
وقفنا في ما سبق على النقد المزدوج الذي تضمنه عمل نيتشه. فمن ناحية، دعا إلى التساؤل عن المكانة الاي يحتلها العمل، كنشاط قسري، في المجتمع الحديث وكذلك العواقب الناتجة عن هذا المبالغة في تقدير العمل. من ناحية أخرى، أنجز نقدا أرستقراطيا للعمل، بمعنى أنه سلط الضوء على الوجود الضروري لأقلية صغيرة قادرة على مقاومة الحماسة في العمل، أقلية تضم الفنانين الذين من شأنهم تكريس أنفسهم للحياة التأملية.
قاد هذا النقد الأرستقراطي نيتشه إلى مقارنة العامل، سواء كان برجوازيا أو عاملا، بالعبد - "لأن من لا يملك ثلثي يومه لنفسه وحسابه هو عبد، وليكن بعد ذلك ما يريد" (نيتشه 2014، 233) - دون السقوط، مع ذلك، كما توحي بعض التفسيرات، في مديح العبودية. لذلك نعتقد أنه على ضوء هذا النقد المزدوج، يمكن تحليل وفهم نقد نيتشه للأيديولوجيتين السياسيتين الإبنتين الكبيرتين للحداثة: الاشتراكية والليبرالية.
في طليعة سياق انتقاد نيتشه للاشتراكية، قارن بين الثقافة ذات الأصل العسكري وما يسمى بالثقافة الصناعية، والتي تمثل وفقا له قمة الابتذال لكون "قانون الحاجة البسيط هو ما يتم ممارسته فيها" ( نيتشه 2008أ، ص: 8- 96). ثم تساءل عن حقيقة مفارقة ظاهريا وهي أن في مجتمع حيث "يجب على المرء أن يبيع نفسه، يحتقر الشخص الذي يستغل هذه الحاجة ويشتري العامل" ( المرجع نفسه ).
يبدو غريباً بالنسبة له أن العمال لا يرون في "قطب الصناعة" سوى "كلب ماكر" أو "مصاص دماء يتكهن بكل بؤس" ( المرجع نفسه.). لماذا يبدو الخضوع لرب العمل أكثر إيلاما للعامل من الخضوع، مثلا، للقادة العسكريين أو حتى للطغاة؟ هذا هو السؤال الذي سمح لنيتشه بأن يفسر ظهور الاشتراكية.
قد تكون الإجابة الأولى، المستوحاة من توكفيل، هي أننا عندما نتصور إمكانية الهروب من قوة متفوقة، فإننا نميل أكثر فأكثر إلى التمرد ضدها. إلى جاتب ذلك، مثل مؤلف كتاب "الديمقراطية في أمريكا"، اعتقد نيتشه أن "دمقرطة أوروبا أمر لا مفر منه" (ياسبرز 1986، 263؛ كروليك، 2002).
منظور نيتشه قريب نسبيا، في النقطة التالية، من فكر ماكس فيبر حول الخصائص التقليدية أو القانونية - العقلانية أو الكاريزمية التي يمكن أن تتخذها أشكال الهيمنة (فيبر 1971، 222-3). وفقا له، يرفض العمال الخضوع لصاحب العمل عندما لا يظهر الأخير كرئيس شرعي. بعبارة أخرى، اعتقد نيتشه أن أرباب العمل يفتقرون إلى "نبل أرستقراطية النشأة" كما في الماضي. إن الشخصية النبيلة للإنسان، الموروثة من التقاليد، هي التي جعلته شرعيا في أعين الجماهير. لذا فإن المشكلة ليست في الهيمنة بحد ذاتها، طالما أن الجماهير "مستعدة أساسا لأي نوع من العبودية" ( المرجع نفسه )..
لكن هل ما زال من الضروري أن يكون الشخص الذي يمارس الهيمنة أو على الأقل يبدو شرعيا. عندما لا يكون الأمر كذلك، يعتقد الجميع أنه يمكنهم المطالبة بالسيطرة. وهكذا نشهد ظهور الاشتراكية:
"يشعر الإنسان العادي جدا أنه لا يمكن الارتجال في النبل وأنه يجب عليه أن يثمن فيه الثمار التي تنتجها فترات طويلة - لكن التفوق الشائن والابتذال من قبل الصناعيين ذوي الأيدي الحمراء والسمينة دفعه إلى الاعتقاد بأن الصدفة والحظ فقط هما اللذان رفعا بعضهم فوق بعض: حسنا، يختم من تلقاء ذاته، لنجرب نحن أيضا الفرصة والحظ! لنرم قطع النرد! - وهكذا بدأت الاشتراكية".
السبب الثاني لظهور الاشتراكية يكمن في سلوك "البرجوازيين الأغنياء". هؤلاء الأخيرون، غير قادرين على العيش "بتواصع وصبر"، وغير مهتمين بالعدالة، يستفزون الجماهير العاملة (نيتشه 2014، 490) وهكذا ينشرون "الجرب الاشتراكي" ( المرجع نفسه، 491). الآن، يتعلق الأمر بفهم ليس تحليل نشوء الاشتراكية من قبل نيتشه ولكن رفضها الخبيث. يتم توفير المؤشر الأول من خلال تكوين المعسكر الاشتراكي: الأشخاص غير المنضبطين الذين بمجرد وصولهم إلى السلطة، سوف يطبقون انضباطا رهيبا (نيتشه 2012، 168).
السمة الاشتراكية بامتياز، من وجهة نظر نيتشه، هي في الواقع الفوضى، والرفض العنيد لأي شكل من أشكال التراتبية، وهو اتجاه يرتبط ارتباطا وثيقا بعملية الدمقرطة، وهي إرث  الحركة المسيحية .
يقول نيتشه: "مقابل [الفوضويين]، في المظهر، [يوجد] الديمقراطيون المسالمون والمحتاجون والمنظّرون الثورييون، بل المزيد من هؤلاء المتفلسفة والمتعصبين للأخوة الذين يسمون أنفسهم "اشتراكيين" ويريدون "مجتمعًا حرا"، ولكنهم في الواقع جميعهم متفقون على العداء الجذري والغريزي تجاه أي شكل آخر غير شكل القطيع المستقل (إلى حد رفض مفهومي "السيد" و "العبد" - لا إله ولا سيد، حسب الصيغة الاشتراكية)؛ متفقون على معارضتهم المستمرة لأي مطالبة معينة، بأي حق وامتياز معين (أي، في الحالة الأخيرة، لأي حق: لأنه عندما يتساوى الجميع، لا يحتاج أحد إلى "حقوق" بعد الآن) (نيتشه 2006، 610-1).
يمكن استخلاص ثلاثة دروس من هذا النص. أولاً، يدمج نيتشه الحركة الاشتراكية والحركة الفوضوية إلى درجة إقراض الصيغة الثانية للصيغة الأولى. يمكن تفسير هذا المزيج من خلال حقيقة أن نيتشه يرى في الفوضويين كما في الاشتراكيين ممثلين عن أنصار مساواة الظروف التي تخيفه إلى أقصى حد (كروليك 2001، 311). ومع ذلك يمكننا أن نآخذ عليه في هذه النقطة أيضا عدم معرفته بتنوع التيارات الأيديولوجية في عصره، أو عدم تطبيق توصياته الخاصة، أي التفكير في ما يميز الفكرتين بدلاً مما يجمعهما.
ثانيًا، لا يمكن لفكرة المجتمع الحر إلا أن تظهر غير كفؤة في نظر نيتشه، بقدر ما يعتبر الأخير، كما رأينا، أن العالم بالتحديد هو ميدان واسع للصراع والسلطة.
ثالثًا، إنما باسم المجتمع، باسم الأمة، بمعنى نظام أعلى من الفرد، أدان نيتشه هذه الأيديولوجيات التي تحمل أخلاق القطيع المستقل. لأن التراتبية بالنسبة لنيتشه هي بالضبط أساس أي مجتمع (ياسبرز 1986، 263-5).
وهكذا فإن الاشتراكية هي حاملة كل الشرور الحديثة (ياسبرز 1986، 265): رفض التراتبية، الفردانية (القطيع المستقل) وابتذال الثقافة والتسوية الرتيبة.
من جهة أخرى، رأى نيتشه الاشتراكية على أنها "سوء فهم أخرق للمثل الأعلى الأخلاقي المسيحي" (ياسبرز، نفس المرجع). دين الشفقة والتعاطف، حسب قوله، موروث مباشرة من المسيحية وينتج، مرة أخرى، في أخلاق الضعيف ضد القوي. ومن ثم فهو ينوي انتقاد الفكرة القائلة بأن القضاء على المعاناة سيكون الهدف النهائي للإنسانية، بينما بالنسبة له، فإن هذا الهدف سيكون بالأحرى تحقيق الرقي الثقافي للمجتمعات.
أخيرا، يدافع الاشتراكيون عن أولئك الذين لا يفكرون إلا في البقاء على قيد الحياة أو العيش بالتواكل، وليس أولئك الذين يعيشون بشكل كامل.. لخص سيميل موقف نيتشه تماما، وهو موقف أخلاقي بارز ولكنه يختلف عن الأخلاق الحديثة؛ إذ كتب يقول: "بكلمة واحدة، أراد أن يستبدل المثل الأعلى الاجتماعي الذي يعتمد من أجله كل شيء على العالم السفلي للإنسانية بالمثل الأعلى للارتقاء بالإنسانية، ورأى في أنبل وأرقى ممثلي هذه الأخيرة الضامنين والمرشدين لتطورها" (سيميل 2006، 86-90).
أخيرا، بإثارة مسألة الدولة يمكننا إنهاء هذا العرض الموجز لخطإ الاشتراكيين. نيتشه يستنكر الموقف المتناقض للأخيرين فيما يتعلق بمؤسسة الدولة. ترغب الاشتراكية في نهاية المطاف في إلغاء الدولة، لكنها في الوقت نفسه "ترغب في امتلاء سلطوي للدولة بحيث أن الاستبداد وحده لم يشهد له مثيلا" (نيتشه 2014 ، 304-5؛ 2012، 168).
ولكي تحقق الاشتراكية غاياتها، ولا سيما تحقيق المساواة بين جميع الأفراد، يجب أن تحصل على "الاستعباد الكامل لجميع المواطنين للدولة المطلقة" (المرجع نفسه). وإذا حققت الاشتراكية غاياتها، فذلك بفضل الاشتغالل الأيديولوجي على الجماهير التي قدم نيتشه وصفا لها جعل الدعاية الأكثر شمولية تستحيي منه.
يقول نيتشه في هذا السياق: "تستعد [الاشتراكية] بصمت للسيطرة بواسطة الإرهاب وتغرز في جماهير انصاف المتعلمين، كمسمارا في الرأس، كلمة "العدالة"، من أجل حرمانهم من كل الذكاء (بعد أن عانى هذا الذكاء فعلا من الكثير من نصف الثقافة) ولتزويدهم بضمير مرتاح للعبة القبيحة التي سيتعين عليهم لعبها".
(يتبع)



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحال ...
- نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحال ...
- محنة التنقل والترحال عبر مسالك وعرة بين الجبال - مذكرات
- نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحال ...
- السنون تمضي والذكريات تبقى - مذكرات
- نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحال ...
- إيفا كايلي.. فضيحة فساد مالي بجلاجل
- نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصى- في عصرنا الحال ...
- أيها الباذنجانيّون المطبعون تبريراتكم واهية..
- نيتشه والعمل الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحالي(الجزء الث ...
- نيتشه والعمل الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحالي
- كناطح صخرة يوما ليوهنها..
- أفكار أولية حول استعمال مفهوم -الاستراتيجية- في الجغرافيا ال ...
- الكذب إخفاء حقيقة لا بد من ظهورها - مذكرات
- حتى لا ننسى.. تنظيمات مغربية سياسية وجمعوية ونقابية رفضت مبا ...
- فلاسفة الأنوار
- حقوق الإنسان في العالم العربي.. بين وصم المدافعين عنها ب-الإ ...
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
- لويس ألتوسير.. فيلسوف خنق زوجته وأزهق روحها
- المغرب: لأطفال يتأثرون ايضا بالعنف القائم على النوع الاجتماع ...


المزيد.....




- الدفاع الروسية تعلن حصيلة خسائر القوات الأوكرانية خلال 24 سا ...
- طبيبة تبدد الأوهام الأساسية الشائعة عن التطعيم
- نتنياهو يعيد نشر كلمة له ردا على بايدن (فيديو)
- ترامب: انحياز بايدن إلى حماس يقود العالم مباشرة إلى حرب عالم ...
- إكسير الحياة وطارد الأمراض.. هذا ما تفعله ملعقة واحدة من زيت ...
- المبادرة المصرية تدين الحكم بحبس المحامي محمد أبو الديار مدي ...
- مقابل إلغاء سياسات بيئية.. ترامب يطلب تمويلا من الشركات النف ...
- مسؤول إسرائيلي يكشف آثار تعليق شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إ ...
- -حماس- تعلن مغادرة وفدها القاهرة إلى الدوحة
- الملوثات الكيميائية.. القاتل الصامت في سوريا والعراق


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحالي (الجزء الثامن)