|
التصوير الضوئي
إياد الغفري
الحوار المتمدن-العدد: 7436 - 2022 / 11 / 18 - 17:47
المحور:
كتابات ساخرة
غادرت أرض ما كنت أحسبه الوطن قبل ثلاثة آلاف وسبعمائة واثنين وسبعين يوماً.
على الصعيد الفردي وفي ظل اختفاء الإنجازات نبدأ بالاهتمام بالتاريخ مما يدفع "العتاقي" من أمثالي لتذكر الماضي الغابر أو لتذكر انتصارات حقيقية أو متخيلة. الأمر مشابه بالنسبة للأمم التي تختلق تاريخها وتطوعه لإنشاء جذور عريقة لأسلاف كان خيرهم راع أجرب، وكتابة ملاحم وأساطير عن انتصارات في حروب لم يكن أطولها ما دار بسبب عقر ناقة، سلخ عنزة أو شواء دجاجة. *** *** *** أثبتت دراسة تاريخية أن التواجد البشري على وجه الكوكب قد بدأ في نهاية العصر القطروستاسي الأول وذلك في مناطق تمتد بين البحر الأحمر والخليج المتنازع عليه بين الكفرة المجوس أبناء المتعة وبين أبناء الحلال من أهل السنة والجماعة وذلك قبل حوالي مليوني عام على الأقل؛ حيث أن الهوموسابيان "الإنسان العاقل" ظهر لاحقاً في مناطق أخرى، ولا يمكن لعاقل أن يعتبر أمتنا من سلالة الهوموسابيان لتضارب المشارب والنزعات.
هذه الدراسة التي كان لي شرف المشاركة بإعدادها منفرداً هدفت نيل رضا أولي الأمر منا وتوسل أعطيات أصحاب السمو والمعالي في مناطق الثراء العربي وهناك بحث أركيولوجي أعمل عليه حالياً يثبت أن أول بطولة لكأس العالم كانت في الألف التاسع قبل الميلاد بين فريقين يعتقد بأن الرابح منهما كان من سلفنا الصالح وبالتحديد من نسل شاث بن يافث بن جوعان بن سلمان بن سليمان من أبناء آدم عليه السلام، وأقسم بالله إن لم أحصل على الأعطيات لأًخسِّرنّ فريقكم يا ملاعين يا أحفاد الإخشيدي المناكيد.
اعتاد جدي أبو إحسان توصيف البعض بأنهم يكبرون أعضائهم الذكورية بقطع من القماش، وذلك بعامية دمشقية تقول عن المرء أنه يكبر "كذاه" بالشراطيط، ولا أعلم إن كانت متابعتي لبثوث الدكتور كمال هي السبب في تذكري للمرحوم جدي لتشابه طريقة الأداء؛ إلا أنني أتجه لهما بالدعاء وأطلب له "لجدي" المغفرة على عدم استمنائه قبل أن يبذرا خلفته التي كنت من ضحاياها، وكذلك لجد المذكور.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، وعلى مبدأ تكبير "الماخوذ" بالشراطيط، انتهج ولي العهد المفدى نهج آل ثاني الرياضي.
حيث أن الصحراء السعودية ستستضيف الألعاب الأولمبية الشتوية بعد سبع سنوات، وكما سخر بعض الحاقدين من قدرة الدوحة على تنظيم كأس العالم من قبل فإن البعض سيسخر من هذا الخبر اليوم، لكن الكائن البشري أثبت أنه أغرب الحيوانات التي تواجدت على سطح هذا الكوكب، وقدرة اللجان التنظيمية على الإجماع بالتصويت على استضافة الألعاب الشتوية لصالح المملكة حفظها الله ما هي إلا دلالة إضافية على وجود الله.
لو أن هذا الكون كان بلا مسير، فكيف أمكن أن تستضيف الصحارى النفطية بطولات عالمية كهذه؟ أشهد ألا إله إلا هو، يفعل ما يشاء بمن يشاء وإليه إنا لمنقلبون.
***
عندما قدمت لوطني الحالي قررت إحياء بعض هوايات الشباب، ولأن الهواية الأحب لنفسي تتمثل في السحل بالبطون على البطون، وهي لا تحظى بعروض أو فرص تستحق عقاب رب العزة عليها، قررت البحث عن هوايات أخرى. جمع الطوابع هواية فقدت ألقها بعد اكتشاف الإيميل اللعين، وصار باعة الطوابع النادرة يشابهون الديناصورات في أسواق المستعمل، وترى واحدهم يمسك ملقطه وينسق بضع طوابع في ورقة ليبيعها ببضع من الدراهم، وهو يعرض أكواماً من الطوابع البريدية بطريقة الدوغما، الكيلو بيورو والعتب مرفوع. هوايتي الثالثة كانت التصوير الضوئي، حيث أنني انتسبت أيام الشباب لدورة للتصوير الضوئي رعتها وزارة الثقافة الغراء على مدى عام في معهد الفنون التطبيقية المسمى باسم أحمد وليد عزت حينها، وكانت الآنسة رتيبة هي مدرسة مادة التصوير الضوئي.
يومها وفي غرفة من البيت الدمشقي القديم امتدت أحواض للأحماض بين مظهر ومثبِّت على منضدة في الزاوية، وكان هناك لمبة حمراء تنير لنا عملية تظهير الصور المطبوعة على الورق بينما راحات أكفنا تمسد الأوراق في السائل البارد وتنتشي بلمسة من كف زميلة، مما دفعني حينها لإبقاء أصابعي التي تلونت أطرافها بالبرتقالي بسبب المواد الكيماوية لأطول مدة ممكنة.
حلمي كان امتلاك كاميرا "ياشيكا"، حيث أن "الزينيت" التي أبلت بلاءً حسناً كانت تعاني من تكلس في الستارة جعلها تفقد القدرة على التصوير لاحقاً، وقبل أن أتوقف عن ممارسة تلك الهواية لصالح الهواية الأولى اشتريت جهازاً روسياً لطبع الصور، وكنت أنتظر انتهاء الفيلم الذي أصوره بحرص وتقتير، حتى أقوم بتحميضه، تجفيفه ثم طباعة ما تيسر لي من صوره. وقلة هي الصور التي كانت تنجو من العين الناقدة لرتيبة خانم رحمها الله، ما علينا خبرتي في التصوير كانت أسود وأبيض وما بينهما، وربما يكون هذا هو السبب في إعجابي بالموقف الرمادي من ثورة اكتحلت فيها عيون القتلة باللون الأحمر وأخضرت محافظهم بالعملات. أعتذر كيلا تزعج كلماتي النخب السورية، البثاثين، الوزراء، الفسابكة، أعضاء الائتلافات والتحالفات فأنا والله لم أقصدهم بالقتلة لأنهم أقل شأناً من القتلة أنفسهم، ورغم أن جريمة التحريض على القتل توازي عقوبتها عقوبة مرتكب الجريمة، إلا أن الفارق كبير حيث أن المحرض يتسم بالخسة والجبن عادة مما يدفعه لتحريض الحمقى على الاقتتال وارتكاب الجرائم. *** في سوق للمستعمل شاهدت قبل أسابيع حلم شبابي أمام عيني، لكني تجاهلته وأكملت سيري، وكيلا يفهم أحد الأمر بشكل خاطئ، فالمعروض لم يكن الفاضلة نبيلة عبيد، بل كاميرا "ياشيكا" صارت أفلامها بندرة الشرفاء من السوريين، موجودة لكنها ليست ذات أهمية ولا تصلح إلا للذكريات.
عدت للمنزل وقررت شراء كاميرا حديثة من العيار الثقيل، وبعد مشاهدة بضع المئات من الموديلات والأنواع عثرت على ضالتي. الكاميرا التي كانت مثاراً للإعجاب والحديث قبل سبعة أعوام صارت مما يتم تخفيض ثمنه لإفساح المجال لغيره ليقبع على رفوف الاستهلاك، وما كان قمة التطور صار قابلاً للانتقاد، مجتمع استهلاكي سخيف.
الكاميرا تستطيع تحديد عين الشخص موضوع الصورة عبر نوع من التعليم الذكي يقوم به خبراء التصنيع، فتقوم بتركيز البؤرة على العين للحصول على أفضل النتائج، أحد خبراء التصوير انتقد خاصية هذه الكاميرا بالتعرف على أعين بعض الحيوانات حيث أنها لم تتمكن من التعرف على عين الكلب الزامبي صاحب الآذان الملعقية، رغم أن الصانع قام بمسح قرابة مليون صورة لكلاب مختلفة قبل برمجة التعليم الذكي للكاميرا، وقال الخبير أن هناك مجال للتحسين. سابقاً كان التصوير فن وصنعة تعتمد على فتحة عدسة، سرعة مغلاق، درجة حساسية الفيلم وعين المصور. اليوم لا يقوم أحد بتحديد هذه القيم بل يترك الوظيفة للكاميرا، وتنحصر القدرات الفنية على إمكانية اقتناء الكاميرا الأهم والعدسات الأضخم.
التصوير صار صناعة احترافية، ولم يعد فناً بل صار مهنة، الكاميرا التي ستصل قريباً سعرها مقبول كونها فقدت منزلتها لدى هواة الشراء وسعرها أقل من خُمس سعر مثيلاتها، زوجتي سألتني عن مزايا الكاميرات الأغلى التي ابتعدت عنها خشية إملاق. بعد أن شرحت لها لساعات عن ميزات عشيقتي الجديدة، أخبرتها بأن الأغلى من بينها لا تتطلب من المصور القدوم معها، حيث أنها تغادر المنزل بنفسها بينما يستمر المصور بالشخير، تلتقط صوراً رائعة، ثم تستقل الباص لتعود للبيت.
كاميرات تشابه عشق المليارات للمستديرة الساحرة، حيث يمكنهم ممارسة الرياضة واحتساء الكولا والتهام الشيبس وهم متكئون على الأرائك ينتظرون الموت بالتخمة أو بالجوع حسب موقعهم الجغرافي. بالمناسبة الرياضة كانت الهواية التي ترى بها غالبية الأنظمة الشمولية الحياة، ومن لا يذكر صور الرياضات في ألمانيا النازية، يمكنه متابعة التطور الرياضي من أيام الرفيق ستالين ليومنا هذا. احتقاري للرياضة سببه والدي الذي كان يعتقد بأن الفهد هو من أرشق الحيوانات لكنه من أكسلها، ويستحيل أن ترى أحد السباع كالنمور يمارس هواية الركض، فهي غالباً تستلقي في الظل تلعق فرائها، وهي إن ركضت فذلك لصيد طريدة، وعندما يقصف السبع عمر فريسته يسحبها بكسل شديد للظل ليفترسها، الأكثر سخفاً أن ترى نمراً يتفرج على شاشة تلفزيونية ضخمة تعرض نموراً تصطاد فرائسها أو أسوداً تقوم بسباق ضاحية وتنتظرها "لبوات" حسناوات عند خط النهاية.
***
أصابتني الحسرة قبل أيام حيث أن التجييش الذي قامت به وسائل الإعلام لبدء الحرب العالمية الثالثة عندما اتهمت روسيا بضرب بولندا باء بالفشل، فمن عواء مستعر ضد الانتهاك الروسي لقرية حدودية بولونية وتدمير لتراكتور كاد أن ينهي الكوكب الحقير، لتصريحات إعلامية بأن الحق على الروس ولو أن الصواريخ أوكرانية، بل إن أحد المعلقين من الساسة الألمان أكد أن الصواريخ الأوكرانية مفيدة للتربة وهطولها لا يؤثر على حقيقة أن بوتين كلب، أو هكذا خيل لي.
اللهم يا حنان ويا منان، يا صانع الكاميرات والأكوان، يا واهب العشيقات وموزع النسوان، كرامة لعرشك دخيل عرضك وبرحمة أبنك. خلص هذا الكوكب من الوباء البشري بشي طوفان، شتاء نووي، زلزلت زلزالها... إلخ... قبل أن تصبح نجد قبلة التزلج والمتزلجين عدا الشواذ منهم، وألهم عبدك بوتين بالضغط على الزر، إنك أرحم الراحمين.
إياد الغفري – ألمانيا
18 تشرين الثاني 2022
#إياد_الغفري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لله يا محسنين
-
نظرية المؤامرة الحلقة 667
-
الثأر والكبير
-
بالنووي يا بوتين
-
النيك 18+
-
فاضت روح نبيل فياض
-
مخطوطات صنعاء
-
الألقاب
-
الانتخابات
-
المسبار
-
سب وأهان
-
الضروع العربية
-
الإكسسوارات
-
تداول السلطة
-
الدعاء
-
جينات الشهوة
-
القضاء والحساب
-
محاكمات كوبلنز
-
هواية الثورة
-
الشخصنة والثورة
المزيد.....
-
“أحداث نارية” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 170 مترجمة
...
-
ميرال الطحاوي في بلا قيود: ابن الثقافة العربية ليس طيّعاً لق
...
-
السينما والإعلام في مؤتمر دولي بموسكو
-
الملكية الفكرية والحقوق المجاورة: أي استقلالية للصحافة المكت
...
-
في الدنمارك.. أمسية ثقافية للكاتبة النصيرة ناهدة جابر جاسم
...
-
موعد عرض مسلسل المدينة البعيدة الحلقة الثانية مترجمة بدون فو
...
-
بالوردي والأخضر.. نجمتا فيلم -Wicked- تستحضران شخصيتيهما بسل
...
-
افتتاح معرض للفن التشكيلي في المركز الثقافي الروسي بدمشق
-
رحلة عبر السينما العالمية.. مهرجان القاهرة يعرض 194 فيلما من
...
-
الرد بالكتابة.. ثورة التحرير في الرواية الجزائرية الحديثة
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|