أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إياد الغفري - سب وأهان















المزيد.....

سب وأهان


إياد الغفري

الحوار المتمدن-العدد: 6800 - 2021 / 1 / 27 - 14:40
المحور: كتابات ساخرة
    


هكذا شرح لي سبهان آدم معنى اسمه، فعلان ماضيان.

في تسعينات القرن المنصرم تواصل معي بيتر شابرت مدير المركز الثقافي الألماني بدمشق، وطلب مني الاهتمام برسام شاب كان معرضه في صالة المركز كارثة من الكوارث، حيث أنه لم يهتم أحد بلوحات الشاب الواعد فانتهى المعرض كما بدأ.
أعجبتني في المعرض لوحة كتب عليها ثلاث آلاف ليرة سورية، وكان المبلغ رقماً معتبراً يومها، لكنني ولضيق ذات اليد اشتريت لوحة أصغر بنصف الثمن، وكانت أول وآخر مبيعات الفنان الشاب.
بسبب من طلب الدكتور شابرت، المستشرق الإنساني الرائع، اصطحبت الرسام إلى مقهى القنديل وسكرنا سوية وأنا أحاول أن أثنيه عن رغبته بالانتحار، وكما يبدو اليوم فقد كانت محاولاتي موفقة حيث أن المذكور مازال حياً ويسعى.
طلبت من صديقين في اليوم التالي أن يقتنيا لوحات للرسام المختلف عما عهدناه، فاشترى كل من معن وهانيبال لوحتين للرسام، مما وفر له سيولة نقدية ساعدته على التحضير لمعرض جديد.
- ما معي حق ألوان، ولا حق كوادر للوحات جديدة.
- انزي عا الزرابلية، اشتري قماش خام وارسوم عليه.
- الألوان الفرنسية غالية.
- ارسوم بالزفت، المشكلة مو مشكلة المواد، حرام موهبتك تضيع.

هانيبال سافر بلوحته لبلاد العم سام، ولا أدري إن كانت قد ضاعت مع ما ضاع من ماضينا، معن أهدى اللوحة التي اقتناها "مخاجلة" لطالبته في المدرسة الأمريكية، فتاة من عائلة ثرية، كانت سعادتها باللوحة تفوق الوصف، حيث أنها اللوحة الحقيقية الأولى التي علقت على جدران منزل أهلها الأثرياء، حيث علقت قرب لوحة مطبوعة وموضوعة على عجل في إطار بلاستيكي مذهب لطفل يحمل تفاحة أو ربما كانت فتاة تتلألأ فيها عينها دمعة؟ لا أذكر.

في العام التالي حضرت معرض للرسام في صالة المركز الثقافي الفرنسي، سررت لأنني وجدت أعمالاً رسمت على قماش خام بالزفت، وأحسست بأن استثماري بزجاجات البيرة في القنديل أثمر وكان في محله، قررت دعم الفنان ثانية، سأشتري إحدى اللوحات.
الأسعار كانت بين الخمسين ألف للخربشات الصغيرة ونصف المليون للأعمال الكبيرة، ولم تكن هذه الصدمة الوحيدة.
- آسف يا أستاذ المعرض كله انباع.

لقد اكتشفت طبقة في مجتمع دمشق المخملي الفن وقررت الاستثمار به، والفرنسيون قرروا دعم هذه الموهبة الشابة، فتسبب هذا في زيادة تضخم الأنا لدى المبدع لتتاخم السماء.

بعد أيام زارني سبهان آدم في منزل والدتي، وأخبرني أنه مستاء مني، حيث أني وأصدقائي (هانيبال ومعن) قمنا بسرقته، فاختلسنا إبداعاته بتراب الفلوس، بينما أعماله قيمتها اليوم ملايين.
أنزلت لوحة المبدع من على الجدار وبود رافقته لباب المنزل وقلت له أنني اشتريتها بألف وخمسمائة ليرة يومها ولم أسرقها، فأخبرني أنها تساوي أكثر من ذلك بكثير، معرضه الأخير بيع بخمس ملايين والفرنسيون أخبروه بأنه موهبة القرن العشرين وبأن بيكاسو وسلفادور دالي عرصات وعكاريت ومدعي فن وأن الخليقة منذ أيام سيدنا آدم تنتظر سبهان آدم.
- خيو معك حق، أنا سرقت خالدة السبهانوليزا هي، وضميري عم يأنبني فقررت رجع لك ياها واللي دفعته حق اللوحة، اعتبره هدية، "كنت قد فتحت باب المنزل ورافقت الرسام لبداية الدرج"، لوحتك اللي أنا سرقتها رجعت لك، هانيبال ومعن ما عادوا بالبلد بدك تدور عليهم بشمال أمريكا،
"ثم بدأت بالكلام بنبرة أقل تهذيباً:
- شوف ولاك إذا بشوفك بالحارة هي، بالشارع، بدي أفعل كذا وكذا بالسيدة كذا يا أبن الستمائة كذا.

نبرتي الحادة وصوتي المرتفع نوعاً ما، دفعا المبدع الشاب للركض مع أناس أخافهم صوتي فركضوا احتياطاً.



***
بعد سنوات وفي مطلع القرن وجدت في مكتبي بالخطوط النمساوية دعوة لحضور معرض جديد للرسام، مع لوحة من القطع الكبير كتب عليها إهداء لطيف، داعب نرجسيتي.
- خيي سبهان، النرجسية من نرسيسيوس، وأقسم بالخنس الكنس أن نرسيسيوس دكر بدندولة، وأيم الله، وحق طاووس ملك وحياة ستنا باخوس، وبجاه سيدي أثينا ومولاي ديانا.

لم أحضر المعرض، احتفظت بالهدية، كما يقال بالدمشقية "أكلت الطعم وخريت عا السنارة" ولم أتواصل مع الفنان إلا بعد سنوات بعد حادثه المؤلم، حيث قررت نسيان الماضي والتواصل الإنساني معه.

تجددت صداقتي سبهان قبل مغادرتي لسوريا بعام، زرته في منزله في شارع العابد وكنت سعيداً بخدمات النجوم التسع التي لقيتها، رفضت السيجار أكثر من مرة لكني كنت أغب بسعادة وسرور من الكونياك الغالي الذي كان "البتللر" يقدمه في كؤوس كريستالية، أهداني سبهان عملين أخرين مازالا في منزلي في دمشق، وأهداني حذاء قام بتصنيع مئات منه في حلب وختم نعله بطغرة حملت اسمه، يومها لم تشفع لي قدمي التي كانت أكبر بأربع نمر من الحذاء، فحملت اللوحتين والحذاء وكؤوس الكونياك التي تجرعتها تنتشي في جمجمتي وعدت لمنزلي.
الطفلة التي أهداها معن اللوحة لتكون أول عمل فني يدخل المنزل يومها، كانت ضيفة سبهان في تلك الأمسية، تحدثنا عن الحراك وعن الهياج في الشارع، الصبية ابنة العز صارت من جامعي اللوحات الفنية، وبعد زواجها من أحد أبناء السلطة صارت من آل الميديتشي، يومها أهداني سبهان لوحة كنت أخالها صورة لوالد زوجة السيدة.

ربما سيدرك سبهان أن القدر الذي وضع بيتر شابرت في طريقه، ومعن الذي اشترى لوحته وأهداها للطفلة المدللة، كانا من حسن الطالع.


***

سبهان تكلم مؤخراً وتفلسف بالفن، مأساة كبيرة أن يتحول فنان غريب الأطوار لما صار عليه سبهان، كان عليه الاكتفاء بالرسم وبالغرائبية التي طورها، وألا يتكلم.


***



لو قدر لي أن أحكم العالم، لأصدرت فرماناً بقطع ألسنة الرسامين، رسام أخرس أفضل من رسام يتكلم.
لقطعت دناديل الساسة، وحولتهم لخصيان، كيلا يتحفنا أحدهم بنسله السعيد.
لاعتبرت أن سيدنا فان جوخ قد بدأ بالطريق الصحيح عندما استغنى عن حاسة لا تفيد رسام ينقل طبيعة خرساء صامتة.
كنت سأكسر أصابع المغنين كيلا يكتبوا الشعر، وسأصنع عاهات مكتسبة للنخب، لردعهم عما يقترفون.

***

نعلم أن القيم قد اختلت، عندما يكون آل الميديتشي من أصول خسيسة، وعندما تتحول طبقة النوفوريش لتكون المشتري الأوحد للأعمال الفنية، لكن الكارثة تبدأ عندما يتم مأسسة هذا الانحطاط، وعندما يقوم البعض بإنشاء صالات عرض عابرة للقارات لاحتكار النتاج الفني وتسويقه في "سوذيربي" ودبي.
الحمصي الجميل عبد الله مراد دخل في لعبة احتكار أعماله لصالح تاجر زيت كاز وكشاتبين قرر التعامل بالفن، لكنه بقي يقدم فنه كما هو، الفارق هو أن لوحاته لم يعد بإمكان طالب مهتم بقادر على اقتنائها بالتقسيط المريح، بل صارت حكراً على لصوص يدخنون السيجار الكوبي، لا حباً بطعمه بل لغلاء ثمنه.

يوسف عبدلكي كان أول من أشار لمأسسة صناعة الفن وتجارته، لكن مهاتراته مع الطبقة الجديدة من جامعي ومسوقي الأعمال الفنية كانت على صفحات صحف لفت بها سندويشات فلافل لاحقاً.



الكارثة تكون عندما تبدأ السعادين بالرقص كما ينفخ في المزمار، وعندما يرسم الفنان ما يرضي ذائقة الممول، وعندما ترصف الكلمات كما يرغب صاحب دار النشر أو الممول.

الفن الذي يتحول لمنتج تزيني لا يختلف عن لوحة الطفل حامل التفاحة إلا بالتقنيات.

ولكم طول البقاء.



#إياد_الغفري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضروع العربية
- الإكسسوارات
- تداول السلطة
- الدعاء
- جينات الشهوة
- القضاء والحساب
- محاكمات كوبلنز
- هواية الثورة
- الشخصنة والثورة
- الأمل
- الشعر والأحلام
- الإلحاد القويم
- جبل المشتى والمراهقة
- العصفرة
- إدلب
- رامي مخلوف
- هوموسابيانات
- فراس السواح ومقصلة الثورة السورية
- تشابه أسماء
- السبعة وذمتها


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إياد الغفري - سب وأهان