أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إياد الغفري - محاكمات كوبلنز















المزيد.....

محاكمات كوبلنز


إياد الغفري

الحوار المتمدن-العدد: 6547 - 2020 / 4 / 26 - 04:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بدأت نهاية الأسبوع الماضي محاكمة العقيد المنشق أنور رسلان، ومنشق آخر يدعى إياد غريب في مدينة كوبلنز للدور الذي لعباه في المأساة السورية.

التهم الموجهة لهما تتضمن التعذيب الممنهج، الاغتصاب والقتل.


الجرائم الموجهة للمدعوين لا تحتاج للإثبات، ويمكن لكل من كان لديه ذرة من عقل أن يتوقع أن ضابط برتبة عقيد في المخابرات السورية لم ينل رتبته لبراعته في تطريز الكنفا والتدبير المنزلي، ومعتوه من لا يوقن بأن سجله المهني حافل بجرائم التعذيب.

***
محاكمات نورنبرغ الشهيرة تمت فيها إدانة بضع عشرات من ممثلي الحكم النازي وتم إعدامهم على أثرها، بينما تمت تبرئة البعض ممن لم تثبت عليهم التهم بالمشاركة الفعلية في الجرائم ضد البشرية، يجب ألا ننسى أن محاكمات نورنبرغ كانت النقطة التي توقفت عندها المحاسبات بشكل رسمي، بعض الاستثناءات وجدت، لكن صفحة جرائم النازية أغلقت حينها، وزعم عشرات الآلاف ممن شاهدوا المحارق، بأنهم ظنوا أنهم كانوا يصنعون الخبز في معسكرات الإبادة.

نورنبرغ كانت محطة لإغلاق صفحة من القتل المنهجي، وكأن الراعي المنتصر، الروسي، البريطاني، الفرنسي والأمريكي أراد فتح صفحة جديدة لألمانيا النازية، يمكن لمن يرغب التأكد بسهولة من أن غالبية من حكمت المحكمة يومها ببراءتهم، كانوا من رجالات الاقتصاد، شخصيات يمكن الاعتماد عليها في مستقبل ألمانيا اللاحق.

بالمقارنة بين المحكمتين، لا أجد فرقاً كبيراً، فالمجرم يستحق الحساب والمحاكمة، لكن كوبلنز لديها مشكلة جغرافية حيث أنها تقع خارج حدود الوطن السوري، وإن كان للمحاكمات أن تكون وسيلة لإنهاء الأسى الناجم عن المجازر التي حدثت وما تزال في وطني السابق، فإن المحكمة يجب أن تكون ضمن الجغرافيا السورية، وبقضاء سوري، ما عدا ذلك؛ ما هو إلا فشة خلق فردية، لا أكثر ولا أقل، تماماً كنصوصي هذه.

***

لا ينكر أحد الجهد الجبار الذي يبذله المحامي أنور البني في ملاحقة مجرمي النظام أينما كانوا، ولا يمكن لعاقل أن ينكر حيادية المحاكم الألمانية، التي لن تكفيها رتبة المتهم، وحقيقة عمله في أجهزة المخابرات، بل ستسعى وراء أدلة الإدانة، وستستمع لأقوال الشهود الذين كان لهم حظ وافر بأن خرجوا "بشكل من الأشكال" من الأقبية.

"في الجملة السابقة ترددت بين سالمين، أحياء، لتوصيف خروج المعتقلين الذين سيدلون بشهاداتهم، كلا الوصفين إشكالي، لأن تجربة الاعتقال والتعذيب، تخرج كائنات بشرية محطمة، كائنات قد يكون توصيفها مستحيلاً بالنسبة لمن لم يخض هذه التجربة."


***

بينما تقوم المحكمة بدورها في التحقيق والنطق بالحكم، يتوجب على السوريين القيام بمراجعاتهم.

هل هلل أحدنا لأحد المتهمين المذكورين على حسابه الفيسبوكي؟ يمكن للراغب مراجعة تاريخه الشخصي، هل اعتبر شخص منا، من قادة معارضتنا، حكماء ثورتنا أو نشطاء الحراك والائتلاف أن انشقاق ضباط الأمن هو نصر ومكسب للثورة؟ واعتبر أن مبايعة المذكورين للثورة، كالإسلام تجب ما قبلها؟

إن كان الأمر كذلك، فعلى المحاكم الألمانية النظر بهذا، ومحاكمة من هلل لهؤلاء، وإن لم يعتبر القضاء أن القضية من اختصاصه فعلى الأقل يمكن اللجوء للطب النفسي، للتأكد من السلامة العقلية لمن اعتبر أن ضابطاً في المخابرات تحول إلى قديس مؤمن بالثورة على هذا النظام الغاشم.

المنشقين من الجيش الحر، الداخلية، الخارجية، الوزارات، أجهزة الإعلام... هؤلاء أيضاً يجب إحالتهم للمحاكم أو للمصحات.

تاريخ القمع في سوريا أقدم من مرحلة الثورة الراهنة، وكيلا نعود للقرون السابقة، نكتفي بالقول إن سوريا لم تكن واحة للديموقراطية منذ أيام المغفور له جمال عبد الناصر.

أيمكن للثورة أن تقبل في عديدها من تلوث/ت يده/قلمه/لسانه بالدماء، وتلوث شرفه بالانتماء لنظام طغاة، كعسكري متطوع، ضابط أمن، مقص رقابي في وزارة الثقافة، مدير لجهاز إعلامي أو قناة تلفزيونية، وزير لأي وزارة، أو حتى كعضو في مجلس المصفقين؟

برأيي المتواضع، فإن مجرد الانتماء لأي من الأجهزة السابقة، كاف لأن تقوم المحكمة التي بدأت بالمحاكمة، بالتدقيق في تاريخ المذكور.

جريمة أرسلان وغريب لا تحتاج لإدانة، فالجرم ثابت من البداية، وبحث القضاء الألماني عن أدلة الإدانة، ما هو إلا تحصيل حاصل، لكنه تحصيل حاصل مهم وأساسي لتحقيق حلم العدالة الانتقالية.




***

انتشرت مؤخراً تقليعة فكرية عند بعض مدعي الحكمة وعند مثقفين يزعمون الانتماء للثورة، ألا وهي الاستشهاد بحنة آرندت.
لا أعلم إن كان الفيلم التسجيلي الذي أعد مؤخراً عنها هو من فتح أعين البعض عليها، لأن أحدهم يستشهد بها بشكل وسطي في كل ثالث مقال له، وكأنها ولدت قبل سنة، بينما لم يسبق له ذكرها فيما سلف من نتاجه الغزير!
لنا في الحكيم إسوة حسنة، لذا يمكن لنا الاستشهاد بموقف المرحومة من محاكمة أدولف أيشمان.


للمؤلفة كتاب مهم اسمه أيشمان في القدس، واعتمدت المصادر العربية أن له عنوان فرعي هو تقرير عن "عادية الشر".
المشكل هو أن الجملة الأشهر التي ارتبطت بحنة آرندت هي:

die banalität des bösen

والتي يترجمها محرك البحث "غير الاحترافي" جوجل ب "تفاهة الشر".


الموقف الذي تم انتقاد الباحثة الألمانية يهودية الأصل، هو أنها لم تعتبر بأن أيشمان هو التجسيد المطلق للشر، بل اعتبرته جزء من كل هو الشر المطلق.

ورد في الويكيبيديا النص التالي عن الكتاب:

"... هو الذي جلب عليها طوفاناً من النقد والهجوم والحملات الصهيونية حيث أبرز إيخمان موظفاً بورجوازياً تافها، وليس سادياً أو شاذاً كما حاول الادعاء الإسرائيلي أن يصوره، بل شخصاً عادياً تماماً، ومرعباً في عاديته. لم تر أرنت في أيخمان تجسيداً للشر، بل أدركت أن الكارثة تكمن في قدرة النظم الشمولية على تحويل البشر إلى محض «منفذين» و«تروس» في الآلة الإدارية – أي تجريدهم من إنسانيتهم..."



لا أدري إن كان هذا التوصيف ينطبق على وزراء النظام، أعضاء مجلس شعبه، كتابه، فنانيه، وضباط أمنه الذين تحولوا بين ليلة وضحاها ليصبحوا من نجوم المعارضة، وقادة الائتلافات والمجالس المعارضة.


هل يمكن تحقيق العدالة الانتقالية عن بعد، رمزية المحاكمات تعطي بعض الراحة النفسية لضحايا التعذيب، لكنها ليست برمزية نورنبرغ، فلا هي قادرة على دفن مرحلة قاتمة في تاريخ البشرية لنسيانها والبدء بالبناء فوق الأنقاض، وليست قادرة "للأسف" على دفن الأسى والألم الذي يزداد كل لحظة.

العدالة قد تتحقق، إن تم تحويل كل المجرمين على اختلاف انتماءاتهم، للمحاكم، بما فيهم من أجرم بالكلمة، والرأي، وبالتحريض على القتل.


للأسف قناعاتي تؤكد لي أن العدالة "تيميس، يوستيسيا"، ما هي إلا أساطير رومانية وإغريقية، ويصعب على من رفض الآلهة أن يؤمن بوجودها.



#إياد_الغفري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواية الثورة
- الشخصنة والثورة
- الأمل
- الشعر والأحلام
- الإلحاد القويم
- جبل المشتى والمراهقة
- العصفرة
- إدلب
- رامي مخلوف
- هوموسابيانات
- فراس السواح ومقصلة الثورة السورية
- تشابه أسماء
- السبعة وذمتها
- كلمات عن رجال تحت الشمس
- الماريشال
- قولوا والله
- دمشق - باريس - دمشق
- مطولة تشرينية
- صف حكي
- من الفرات إلى النيل خواطر عن دولة إسرائيل الكبرى


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إياد الغفري - محاكمات كوبلنز